السلطه السياسيه
مرسل: الأحد ديسمبر 18, 2011 8:15 pm
أولاً : السلطة السياسية عبارة عن علاقة سيطرة و خضوع :
بناء على هذا المفهوم يمكننا الانطلاق من فكرة تقول بأن السياسة تحدد نوعاً خاصاً من العلاقات الاجتماعية ، و طالما أن المجتمع شبكة واسعة من التفاعلات بين الأفراد ، أي مجموعة علاقات و أنماط سلوك متبادلة فإن العلاقة السياسية تشكل فيها علاقة متميزة. و هكذا يمكننا أن نصل إلى تعريف فيه شيئ من البداهة كونه يعتمد على العلاقة الأكثر وضوحاً ، علاقة الحالم بالمحكوم ، أو السلطة بالأفراد ، الأمر الذي يعني مباشرة علاقة السيطرة و الخضوع ، علاقة القسر و القهر. و بالتمعن في دراسات أغلب المفكرين المعاصرين لوجدنا أنّها تؤكد بأن العلوم السياسية تتضمن دراسة السلطة ، حيث أنهم يصلون إلى تعاريف واسعة بهذا المعنى ، أهمها التعريف الذي استخدمه الفيلسوف الإنجليزي "روسل" عام 1938 و الذي عرف السلطة بأنّها " تعني بكل بساطة إنتاج آثار مرجوة " أما الأمريكي روبرت دال فيعرف السلطة بأنّها:"الطاقة التي يستخدمها أي شخص للحصول على شيء ما من آخر لم يكن ليحصل لولا ذلك التدخل " ، أما لاسوال و كابلان فيعرفان السلطة السياسية بأنها عبارة عن:" شكل فن ممارسة التأثير ، اجراءات تهدف التأثير في البرامج السياسية للآخرين ، عن طريق اتخاذ عقوبات قاسية حقيقية أم افتراضية اتجاه البرامج السياسية المختلفة عن تلك التي تعتمدها . فلو قلنا الآن ، و حسب هذا التعاريف أن السلطة التي هي ا لسيطرة أو الخضوع هي من اختصاص السياسة لابتعدنا عن الواقع العلمي ، ذلك أن هناك سلطات أخرى تنهض من خلال علاقات اجتماعية أخرى العائلة و العمل .ماكس فيبر Max Weber : لقد اهتم هذا الأخير بالسياسة بسبب نشاط والدة في السياسة أيام بسمارك الذي حكم ألمانيا ، الذي أصبح في الحرب العالمية الأولى من كبار المتحدثين في القضايا السياسية و الاقتصادية ، فقد استطاع هذا الفيلسوف أن يقدّم محتوى جديدا لعلم الاجتماع ، ليطق عليه ماركس البرجوازي خاصة و أنّه أعاد النظر في موضوعات مختلفة كان ماركس قد تطرق إليها ، كالنظم الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية في الحضارة الغربية ، ولكن بأسلوب الرأسمالية الحديثة.أما موضوع علم الاجتماع فينظر إليه بأنّه دراسة السلوك الموجه في المجتمع فما الذي يقصد بهذا التعبير ؟ ، طبعاً القصد من هذا التعبير أنّه في كل مرة يتصرف فيها فرد ما ، فإنّه يأخذ سلوك الآخرين في عين الاعتبار كي يكيف على أساسه سلوكه أن تصرفه الخاص . أو أن سلوك الفرد الأول يتقرر تبعاً لسلوك الفرد الثاني ، إذن وفي شتى الحالات يجب ان يكون نظرة اعتبار من قبل فرد لآخر ، و في شتى الحالات أيضاً يقصد بالأمر على أنّه علاقة أو سلوك إجتماعي ، و طالما أن كل تصرف أو سلوك إجتماعي هو فعل إنساني ، فإن (ماكس فيبر) يؤكد على وجوب البحث عن تفسير سببي لكل فعل إنساني ، هذا التفسير الذي يوصل إلى معرفة غايات و مقاصد الفعل ذاته ، حيث بواسطة التفسير السببي يوصف علم الاجتماع بأنّه علم . بيد أن ما تجدر الإشارة إليه هو أن الفسير السببي بتعلق بناحيتين : الداخلية و تخص صاحب الفعل ، و الخارجية و التي تخص الآخرين .و بمعنى آخر : إن كل فعل إنساني ، أو تصرف أو سلوك يجب أن تتم دراسته في ضوء الدافع الذاتي من جهة ، و الدافع الاجتماعي من جهة أخرى ، و إلاّ فإن كل دراسة تصبح بلا معنى ، حتى أنّه يعرف علم الاجتماع في مؤلفه (الاقتصاد و المجتمع ) كما يلي: " علم الاجتماع هو العلم الذي يسعى إلى فهم الفعل الذي يسعى بدوره إلى فهم الفعل الإجتماعي و تفسيره لكي يصل إلى تفسير سببي لمساره و نتائجه " .أمّا كيف يؤكد ماكس فيبر على أن كل فعل إنساني هو علاقة اجتماعية ، فعن طريق مثال بسيط و هو حادث اصطدام دراجتين . فلو اصطدم راكب دراجة بآخر لنشأت علاقة أو تفاعل ، بيد أنّها ليست بعلاقة أن تفاعل إجتماعي ، إلاّ أنّها تملك كل الحظ لتصبح علاقة إجتماعية ، فقبل الحادث مثلاً عن طريق المحاولات التي تبذل للحيلولة دون وقوع الاصطدام أو بعد الحادث مباشرة عن طريق المناقشات ، أو فيما لو تشاجر الطرفان ، أو اعتذر كل منهما للآخر ، أو فيما لو اتفقا على كتابة تقرير لشركة تأمين ، أو فيما لو تطور إطار الشجار ليصبح صداقة .إذن إنّ ما تجدر ملاحظته هو أن السلوك الاجتماعي لا يعتبر موجها من ناحية واحدة ، بل من الناحيتين معاً . فالناحية الأولى يعتبر فيها موجهاً بقصد أو هدف صاحبه ، و الناحية الثانية يعتبر فيها موجها تبعاً لسلوك الآخرين سواء عرفهم الفاعل أو لا ، كما في عملية البيع و الشراء و التي تقدم فيها النقود كثمن . إذ ليس من الضروري تعارف الطرفين مسبقاً . و هكذا فإن كل من يقوم بتصرف ما تكون لديه أسبابه مبدئياً ، مما يدفعه إعطاء تصرفه محتواً محدداً ، و لهذا و أمام كل تصرف أو سلوك إجتماعي يجب التساؤل دائماً : لماذا يقوم به صاحبه و لأي سبب ثم ما الهدف الذي ينبغي الوصول إليه ؟ و ما تجدر ملاحظته هو أن هذا التحليل ليس تحليلاً نفسياً . ذلك أنّه عندما ندرس تصرفاً أو سلوكاً إجتماعياً ، نحن لا نأخذ فرداً معيناً نظراً لصفاته أو مزاياه الشخصية بل ندرس تصرفاً أو سلوكاً إجتماعياًً محدداً يحمل شروطه أو أسبابه ، و يمكن أن يظهر في كل مرة في المجتمع الإنساني و مع أي فرد من الأفراد .إن دراسة التصرف الاجتماعي تظل دائماً دراسة مجردة ، فلو عدنا إلى حادث التصادم ما بين الدراجتين لوجدنا أن العالم الإجتماعي حين يدرس هذه العلاقة الاجتماعية لا يحاول أن يعرف فيما إذا كان أحدهما طالباً أو أديباً أو أنّه من جنسية أخرى ، أو أن الآخر عنصرياً أو ينتمي إلى طائفة معينه ، أو أنّه رجل أو امرأة ، و بالتحديد فإن فيبر يقول أنّه باستطاعتنا أن نميز العلاقة الاجتماعية بوجود سلوك أو تصرف معين ، يحمل شروطه أو أسبابه الخاصة ، فإن هذا التصرف و هذا السلوك و هذه الشروط أو الأسباب يمكن أن نجدها في مختلف الفئات الإجتماعية ، وفي مختلف قطاعات الحياة الإجتماعية و حتى في مختلف أنماط المجتمعات.هذه هي الأشياء التي يحتلف فيها الباحث الاجتماعي عن العالم النفسي ، إضافة إلى أنّ كل فرد يمكن أن يحدد أسباب و شروط أي تصرف أو علاقة إجتماعية على طريقته الخاصة ، إلا أن الباحث الاجتماعي لا يمكن أن يفعل ذات الشيء ، فالعالم الإجتماعي يهتم بمعرفة المجموعة الغالبة و لقد اهتم ماكس فيبر بقدر وافر من أنماط التصرفات الإجتماعية حيث درس التصرفات الدينية و الأخلاقية و الإقتصادية و تلك التي تعزى إلى القطاع السياسي حتى أنّه كان يقوم بتطلعات تاريخية ليبحث في أشكال المجتمعات السالفة .قام فيبر بتصنيف السلوك أو التصرفات الإجتماعية على النحو التالي:1- التصرف العقلاني بناء على الغاية أو القصد المحدد : حيث أن الفاعل لا يقوم بنشاطه أو تصرفه إلاّ بعد رؤية و تفكير ، إضافة إلى اتخاذ وسائل و أساليب واضحة و عقلانية أي تناسب أو تلاؤم الوسائل المستعملة من أجل الوصول إلى الغاية المرجوة ، و قد أطلق المفكر الاجتماعي باريتو على مثل هذا السلوك "السلوك المنطقي" و من الأمثلة عليه المهندس الذي يصمم مشروعاً عمرانياً و القائد الذي يختار أفضل الخطط من أجل الانتصار ، إلا أن هذا التصرف العقلاني لا يمنع اختيار وسائل احتيالية مما يعني أنه ليس من الضروري أن تكون الوسائل دائماً مشروعة.2- التصرف العقلاني بناء على القيمة : إن التصرف هنا لا يخضع لهدف ضمني أصلاً ، بل أن الفاعل يقوم به من أجل بلوغ قيمة معينه أو لتحقيق اعتقاد ما كالقيم الجمالية أو الأخلاقية أو المعتقدات الدينية ، إن الفعل الذي توجهه القيمة المطلقة إنما يهدف إلى تحقيق مطالب غير مشروعة أي أن صاحب الفعل يكون واعياً للقيمة المطلقة و متجهاً نحوها لذاتها بعيداً عن المصالح الخاصة. و الفرد يتصرف بطريقة عقلانية لأن نشاطه يكون موافقاً لتلك القيمة التي يود أن يتوصل إليها ، و التي تعتبر دائما مرافقة و على عكس السلوك الأول فالشخص يقوم بتصرفه في هذا النمط من السلوك دون التفكير بالنتائج أو بثمن الوسائل التي يستعملها مثلاً : التصرفات الشخصية المبينة على المعتقدات أو التصرفات السياسية كالثائر الذي يواجه الفشل تضحية في سبيل مبادئه .3- التصرف العاطفي : إن الفعل أو التصرف لا يكون مرافقاً بالتفكير أو متلازماً مع القيمة ، إضافة إلى أنه يمكن أن يلحق الضرر بمصاح صاحبه غير أنّه في شتى الحالات يتصرف الفاعل دون أن يكون لديه هدف أو قصد لبلوغه ، إنّه يختار الوسائل لا على أساس صلتها بالغايات أو القيم ة إنّما باعتبارها تعتمد تيارالعاطفة و لهذا السبب يمكن أن يضر التصرف العاطفي بصاحبه أو بمصالحه .4- التصرف التقليدي : حيث لا يرافقه أي تفكير عقلاني و غالباً ما يفتقد قيمة يرجوها ، فالفاعل هنا يقوم بنشاطه دون مناقشة و لا حساب و بلا أي تفكير خاص ، إن كل ما يقوم به يتمثل بإطاعة أوامر و أساليب أمليب عليه من الخارج بناء على العادات أو التقاليد السائدة ، فمثلا السلطة في محيط العائلة هو غير ذلك التصرف داخل المدرسة . بعد هذا التصنيف يعود فيبر ليميز ما بين نوعين من النشاطات الانسانية فقال بوجوب التفريق ما بين النشاطات السياسية و الاقتصادية ، ذلك أن كل منهما يحمل ذات الغاية أو الهدف .1- النشاط الاقتصادي : لقد أعطى فيبر الصورة التي كانت سائدة في ذلك الوقت لدى أغلب الاقتصاديين فقال بأن النشاط الاقتصادي يعرف بموضوعه الذي هو إرضاء الحاجات المادية : إن كل نشاط اقتصادي يتوافق مع حساب المنفعة التي يمكن أن تقدمها الملكية الخاصة للأفراد ، هذه الفكرة التي توافق كل نظام رأسمالي. و لا يقتصر فيبر على هذا النطاق بل يصور النشاط الاقتصادي على مفهوم رأسمالي مثالي ، إذ يستبعد عنصر القوة منه لأن استخدام القوة أو الإلزام أمر مخالف لروح الكسب الاقتصادي ، و ليقدم أخيرا مجموعة معايير تميز الفعل الاقتصادي العقلاني. التوزيع المنظم للمنافع بين الحاضر و المستقبل ، و التوزيع المنظم للمنافع القائمة أو المرجوة حسب مبدأ أولوية الحاجة أو الضروره ، و الانتاج المنظم للمنافع بواسطة الصناعة و النقل و الربح المنظم. حتى أنه يربط النشاط الاقتصادي بالمفهوم الديني حين تطرقه إلى دراساته في علم الاجتماع الديني فيتسائل : إلى أي مدي تؤثر التصورات الدينية عن العالم و الوجود في السلوك الاقتصادي لكافة المجتمعات ؟ أما ربط الدين بالاقتصاد فاللتأكيد على أن الرأسمالية الحديثة نشأت من خلال العقيدة البروتستانتية و أخلاقيتها الاقتصادية . هذا الذي استنتجه من خلال تحليل دقيق لتعاليم "مارتن لوثر" و "كالفن" . إن الأخلاقيات البروتستانتية العملية في الحياة اليومية تطابق واقعياً روح الرأسمالية الحديثة ، ذلك أن البروتستانتية تهتم بتنشئة الفرد نشأة عقلانية و تمنح المهنة قيمة أخلاقية كبيرة . و أيد استنتاجه بناء على تحليل تاريخ بعض الدول الرأسمالية البروتستانتية منذ عصر الاصلاح الديني ، هولندا و بريطانيا و أمريكا بينما ظلت دول كاثوليكية متخلفة نسبياً إيطاليا وفرنسا ، إذن لقد أخطأ التفسير المادي للتاريخ . و إن مشكلة الرأسمالية ينبغي أن لا يكون حلها في دراسة تزايد التناقضات ما بين تطور قوى الانتاج و علاقات الانتاج إنما يجب البحث عنها في تغير الاتجاهات العقلانية ، و هكذا يؤكد فيبر أن تغييراً في العقلانية قد سبق ظهور الأسلوب الرأسمالي في الانتاج. هذا الذي يكمن في ظهور العقلانية البروتستانتية . إذن إن التفسير الديني للنشاط الاقتصادي ليس إلا من أجل رفض الفكر الماركسي . ذلك أن ماركس قد أخطأ حين اعتمد على العامل الاقتصادي وحده . و الماركسية نظرية متميزة في تاكيدها إعادة بناء العلاقات الاجتماعية و التاريخية على أساس اقتصادي . ثم أنها قد فشلت في التمييز بين ما هو اقتصادي و ما هو اقتصادي حتما وما يتناسب أو يتلاءم اقتصادياً .فلقد طفت على الماركسية "الحتمية الاقتصادية" . أما الأساس الذي اعتمده فيبر من أجل رفض الفكر الماركسي فهو الأخلاق البروتستانتية و روح الرأسمالية باعتبار ان الانقسام الكنسي و ظهور الإصلاح البروتستانتي قد صاحب و ساعد في نشأة و تطور الرأسمالية .2- النشاط السياسي : لقد عرف فيبر النشاط السياسي بالسيطرة :"فالعلاقة السياسية هي علاقة سيطرة ، سيطرة مجموعة من الأفراد على الآخرين " و عرّف السلطة كما يلي: "السلطة هي الاحتمالية بأن قيادة ما ، تطاع من قبل مجموعة محددة " ، و هكذا فإن السياسة بالنسبة لفيبر هي أساس الجدلية ما بين السلطة و الطاعة فهو السياسة خاصية معينة و هي أنها لا تعرف إلا بالسيطرة ، فالسيطرة هي وسيلة و غاية السلطة السياسية في آن واحد . إن القهر و الإلزام لا يمكن أن يمارس إلاّ في محيط محدد من النشاطات قصد الوصول إلى غاية معينه تختلف باختلاف النشاط ، فمثلاً إن ظواهر السلطة في القطاع الاقتصادي هي وسائل لخدمة غاية و هي إرضاء الحاجات المادية و زيادة الموارد ، بينما السلطة السياسية فغايتها استمرارية أو ديمومة الفئة التي تمارس السلطة ، فالسيطرة التي هي من ميزة السلطة السياسية تتجلى معها بوضوح أكثر من غيرها ، ذلك أنها تحتكر لنفسها فقط ممارسة القهر أو الجبر الجسدي ، و عليه فإن أي تجمع منظّم سياسياً يملك في الواقع احتكارية القهر أو الجبر المشروع و لا يتميز إلاّ بهذه الخاصية ، و لم ينسى فيبر التحولات التاريخية إذ يؤكد على الدولة الحديثة و حدها تملك بالطريقة الأكثر وضوحاً و الأكثر صراحة احتكار القهر أو الجبر المشروع فوق إقليمها ، و بناء عليه يعرف فيبر النظام السياسي أو الدولة المعاصرة كما يلي : " يجب أن ننظر إلى الدولة المعاصرة باعتبارها مجموعة إنسانية حيث أنها داخل حدود معينه تحتكر و لحسابها الخاص حق استعمال العنف الجسدي المشروع . و ما يعتبر خاصا بمرحلتنا المعاصرة ، أنّها لا تخول المجموعات أو الأفراد الآخرين حق استعمال العنف إلاّ ضمن المجالات التي تسمح بها " . و لقد أكد فيبرعلى تعبير الدولة الحديثة لأنه يمكن أن يكون هناك إشكال من المجتمعات يحتمل أن يكون احتكار القهر أو الجبر متنازعاً عليه ، أو بمعنى آخر يحتمل أن يحتوي على قوى متعددة كل منها يحاول احتكاره لحسابه الخاص كالمجتمعات الإقطاعية أما الآن فإن الاتجاه العام هو نحو احتكار القهر أو الجبر المشروع من قبل الدولة وحدها مما يعني التأكيد على قيام العلاقة السياسية الحقيقية و يلخص الكاتب جوليان فرون تحليل فيبر كالتالي : "يمكن تعريف السياسة بإنها النشاط الذي يخول السلطة صاحبة الصلاحية فوق إقليم ما الحق بالسيطرة ، مع إمكانية اللجوء وقت الحاجة إلى القوة و العنف سواء للحفاظ على النظام الداخلي أو للدفاع ضد خطر أو تهديد خارجي و إن النشاط السياسي هو التصرف الذي يحاول دون انقطاع تكوين و تطوير و تغيير و تحويل و تبديل علاقة السيطرة أو الخضوع " . أما الذي تجدر ملاحظته من كل ما سبق فهو اللجوء إلى القوة في مجتمع منظم سياسيا ليس له صفة الصراحة و الوضوح فقط و إنما يعتبر مشروعا أيضاً و ذلك على العكس من التجمعات الإنسانية الأخرى . أما مفهوم المشروعية فيحتل عند فيبر مكانه هامة حيث هو وحده الذي يميز القوة و الشدة الهمجية العارية من كل مستند عن مفهوم السيطرة ، فمفهوم السلطة السياسية ليست فقط بعلاقة قوة أو تفاعلات فردية عرضية بل هي أيضاً علاقة اجتماعية بكل معنى الكلمة ، و السلطة السياسية التي تتميز بالمشروعية هي تلك التي يؤمن الأفراد بأنّها يجب أن تطاع ، و هذا الإيمان أو الاعتقاد الذي ينتهي بالطاعة ، يضع أما أعينه وجود السلطة . يقسّم فيبر المشروعية التي تلازم ظاهرة السيطرة أو الخضوع إلى فئات ثلاث هي على النحو التالي:1- السيطرة القانونية : و هذا النوع من السلطة يكون دائماً مبنياً على الاعتقاد بشروعيتها القانونية ، و يمكن أن نجده في المجتمعات التي يفكر أفرادها بأنّه يجب عليهم الطاعة لأولئك الذين يقبضون على زمام السلطة ، لأن أولئك يمارسون السلطة بناء على نصوص قانونية محددة ، و بوضوح أكثر يمكن القول بأن هذا النوع من الطاعة لا بتوجه به إلى أشخاص و إنما إلى قاعدة قانونية ، إذ أننا لا نصف بالمشروعية سيطرة فرد ما و إنّما سلطة الأصول أو القواعد التي خولته الصلاحية بالحكم . و المجتمعات الحديثة بالنسبة لفيبر جميعها تتميز بهذه المشروعية القانونية حيث يصل في النهاية إلى التفريق ما بين الأشخاص و الاختصاص الذي يمارسونه ، فالفرد لا يطيع في الواقع ذلك الشخص صاحب الصلاحية لذاته أو لصفاته الشخصية إنما تجب عليه طاعته بناء على الاختصاص أو الصلاحية التي يمارسها و تجدر الإشارة إنه ليس فقط المجتمعات الرأسمالية الديمقراطية هي التي تتحلى بهذا المشروعية .2- السيطرة التقليدية : و نجدها في المجتمعات التي تجد قاعدتها في العادات و التقاليد حيث أن صاحب السلطة يطاع بناء على تقليد أو عادة قد سير عليها زمنا طويلاً ، وفي مثل هذه المجتمعات لا يمكن أن نصادف تفريقاً ما بين سلطة العادة أو سلطة الشخص ذاته لأن العادة من جهة و صاحب السلطة من جهة أخرى كلاهما يتميزان بذات القدسية إن الفرد في مثل هذه المجتمعات يطيع العادة أولاً و يطيع صاحب السلطة هو سيد العادة ثانياً ، و لقد طرح فيبر بالنسبة لهذا الشكل من المشروعية أو زعيمها الديني أو بتعبير أدق من قبل الأكبر سناً . و ربما نجد في الوقت الحاضر بعض الأمثلة لهذه المشروعية في مجتمعات لم تعرف بعد التطور اللازم ، بيد أن السلطة فيها لا تمارس دائماً من قبل الأكبر سناً .3- المشروعية الشعبية : هذا التعبير الغامض الذي لا تكاد نجد له مثالاً في المجتمعات الحديثة و هو يعني تلك المشروعية التي يمكن أن تلد سواء في مجتمع حديث أم في مجتمع تقليدي ، حيث أن صاحب السلطة يطاع لذاته و لشخصيته و بناء على صفات و مزايا خاصة واحده . إن هذا المفهوم الواسع كما يلاحظ غامضاً ، ففي يومنا هذا و حين يتكلم عن شعبية ما غالباً ما يقصد بها شعبية أحد السياسيين البارزين ، لكن فيبر لم يكن يعني هذا المعنى إن هذه الشعبية هي تلك التي يمكن أن يتميز بها زعيم ما في مجتمع يخلع أفراده فيه عليه لقب مصلح أو وسيط أمن و سلام ما بين الأفراد من جهة و مجتمعهم من جهة ثانية. و هكذا يقترب هذا المفهوم من الخرافة أكثر من اقترابه من العقلانية أو المنطق ، و لهذا نتساءل عن الهدف الذي أراد أن يصيبه فيبر بتحليله هذا . و الأرجح أنه كان يعني حالتين : إذ غالباً ما كان يشير إلى أنبياء اليهود و يعتبر موسى زعيما شعبيا ثم يتحدث عن لينين ليعطيه ذات الميزة. و هاتان الحالتان تساعدان على القول بأنه كان يعني بالتعبير شعبي تلك الصفة التي أن تلازم زعيما ما فتعطيه نوعاً من القدسية بعيداً عن أي عادة أو تقليد . يستنتج من هذا أن الشعبية لا يمنحها القانون و لا يمكن أن تكون موروثة تبعاً للعادة أو للتقليد
بناء على هذا المفهوم يمكننا الانطلاق من فكرة تقول بأن السياسة تحدد نوعاً خاصاً من العلاقات الاجتماعية ، و طالما أن المجتمع شبكة واسعة من التفاعلات بين الأفراد ، أي مجموعة علاقات و أنماط سلوك متبادلة فإن العلاقة السياسية تشكل فيها علاقة متميزة. و هكذا يمكننا أن نصل إلى تعريف فيه شيئ من البداهة كونه يعتمد على العلاقة الأكثر وضوحاً ، علاقة الحالم بالمحكوم ، أو السلطة بالأفراد ، الأمر الذي يعني مباشرة علاقة السيطرة و الخضوع ، علاقة القسر و القهر. و بالتمعن في دراسات أغلب المفكرين المعاصرين لوجدنا أنّها تؤكد بأن العلوم السياسية تتضمن دراسة السلطة ، حيث أنهم يصلون إلى تعاريف واسعة بهذا المعنى ، أهمها التعريف الذي استخدمه الفيلسوف الإنجليزي "روسل" عام 1938 و الذي عرف السلطة بأنّها " تعني بكل بساطة إنتاج آثار مرجوة " أما الأمريكي روبرت دال فيعرف السلطة بأنّها:"الطاقة التي يستخدمها أي شخص للحصول على شيء ما من آخر لم يكن ليحصل لولا ذلك التدخل " ، أما لاسوال و كابلان فيعرفان السلطة السياسية بأنها عبارة عن:" شكل فن ممارسة التأثير ، اجراءات تهدف التأثير في البرامج السياسية للآخرين ، عن طريق اتخاذ عقوبات قاسية حقيقية أم افتراضية اتجاه البرامج السياسية المختلفة عن تلك التي تعتمدها . فلو قلنا الآن ، و حسب هذا التعاريف أن السلطة التي هي ا لسيطرة أو الخضوع هي من اختصاص السياسة لابتعدنا عن الواقع العلمي ، ذلك أن هناك سلطات أخرى تنهض من خلال علاقات اجتماعية أخرى العائلة و العمل .ماكس فيبر Max Weber : لقد اهتم هذا الأخير بالسياسة بسبب نشاط والدة في السياسة أيام بسمارك الذي حكم ألمانيا ، الذي أصبح في الحرب العالمية الأولى من كبار المتحدثين في القضايا السياسية و الاقتصادية ، فقد استطاع هذا الفيلسوف أن يقدّم محتوى جديدا لعلم الاجتماع ، ليطق عليه ماركس البرجوازي خاصة و أنّه أعاد النظر في موضوعات مختلفة كان ماركس قد تطرق إليها ، كالنظم الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية في الحضارة الغربية ، ولكن بأسلوب الرأسمالية الحديثة.أما موضوع علم الاجتماع فينظر إليه بأنّه دراسة السلوك الموجه في المجتمع فما الذي يقصد بهذا التعبير ؟ ، طبعاً القصد من هذا التعبير أنّه في كل مرة يتصرف فيها فرد ما ، فإنّه يأخذ سلوك الآخرين في عين الاعتبار كي يكيف على أساسه سلوكه أن تصرفه الخاص . أو أن سلوك الفرد الأول يتقرر تبعاً لسلوك الفرد الثاني ، إذن وفي شتى الحالات يجب ان يكون نظرة اعتبار من قبل فرد لآخر ، و في شتى الحالات أيضاً يقصد بالأمر على أنّه علاقة أو سلوك إجتماعي ، و طالما أن كل تصرف أو سلوك إجتماعي هو فعل إنساني ، فإن (ماكس فيبر) يؤكد على وجوب البحث عن تفسير سببي لكل فعل إنساني ، هذا التفسير الذي يوصل إلى معرفة غايات و مقاصد الفعل ذاته ، حيث بواسطة التفسير السببي يوصف علم الاجتماع بأنّه علم . بيد أن ما تجدر الإشارة إليه هو أن الفسير السببي بتعلق بناحيتين : الداخلية و تخص صاحب الفعل ، و الخارجية و التي تخص الآخرين .و بمعنى آخر : إن كل فعل إنساني ، أو تصرف أو سلوك يجب أن تتم دراسته في ضوء الدافع الذاتي من جهة ، و الدافع الاجتماعي من جهة أخرى ، و إلاّ فإن كل دراسة تصبح بلا معنى ، حتى أنّه يعرف علم الاجتماع في مؤلفه (الاقتصاد و المجتمع ) كما يلي: " علم الاجتماع هو العلم الذي يسعى إلى فهم الفعل الذي يسعى بدوره إلى فهم الفعل الإجتماعي و تفسيره لكي يصل إلى تفسير سببي لمساره و نتائجه " .أمّا كيف يؤكد ماكس فيبر على أن كل فعل إنساني هو علاقة اجتماعية ، فعن طريق مثال بسيط و هو حادث اصطدام دراجتين . فلو اصطدم راكب دراجة بآخر لنشأت علاقة أو تفاعل ، بيد أنّها ليست بعلاقة أن تفاعل إجتماعي ، إلاّ أنّها تملك كل الحظ لتصبح علاقة إجتماعية ، فقبل الحادث مثلاً عن طريق المحاولات التي تبذل للحيلولة دون وقوع الاصطدام أو بعد الحادث مباشرة عن طريق المناقشات ، أو فيما لو تشاجر الطرفان ، أو اعتذر كل منهما للآخر ، أو فيما لو اتفقا على كتابة تقرير لشركة تأمين ، أو فيما لو تطور إطار الشجار ليصبح صداقة .إذن إنّ ما تجدر ملاحظته هو أن السلوك الاجتماعي لا يعتبر موجها من ناحية واحدة ، بل من الناحيتين معاً . فالناحية الأولى يعتبر فيها موجهاً بقصد أو هدف صاحبه ، و الناحية الثانية يعتبر فيها موجها تبعاً لسلوك الآخرين سواء عرفهم الفاعل أو لا ، كما في عملية البيع و الشراء و التي تقدم فيها النقود كثمن . إذ ليس من الضروري تعارف الطرفين مسبقاً . و هكذا فإن كل من يقوم بتصرف ما تكون لديه أسبابه مبدئياً ، مما يدفعه إعطاء تصرفه محتواً محدداً ، و لهذا و أمام كل تصرف أو سلوك إجتماعي يجب التساؤل دائماً : لماذا يقوم به صاحبه و لأي سبب ثم ما الهدف الذي ينبغي الوصول إليه ؟ و ما تجدر ملاحظته هو أن هذا التحليل ليس تحليلاً نفسياً . ذلك أنّه عندما ندرس تصرفاً أو سلوكاً إجتماعياً ، نحن لا نأخذ فرداً معيناً نظراً لصفاته أو مزاياه الشخصية بل ندرس تصرفاً أو سلوكاً إجتماعياًً محدداً يحمل شروطه أو أسبابه ، و يمكن أن يظهر في كل مرة في المجتمع الإنساني و مع أي فرد من الأفراد .إن دراسة التصرف الاجتماعي تظل دائماً دراسة مجردة ، فلو عدنا إلى حادث التصادم ما بين الدراجتين لوجدنا أن العالم الإجتماعي حين يدرس هذه العلاقة الاجتماعية لا يحاول أن يعرف فيما إذا كان أحدهما طالباً أو أديباً أو أنّه من جنسية أخرى ، أو أن الآخر عنصرياً أو ينتمي إلى طائفة معينه ، أو أنّه رجل أو امرأة ، و بالتحديد فإن فيبر يقول أنّه باستطاعتنا أن نميز العلاقة الاجتماعية بوجود سلوك أو تصرف معين ، يحمل شروطه أو أسبابه الخاصة ، فإن هذا التصرف و هذا السلوك و هذه الشروط أو الأسباب يمكن أن نجدها في مختلف الفئات الإجتماعية ، وفي مختلف قطاعات الحياة الإجتماعية و حتى في مختلف أنماط المجتمعات.هذه هي الأشياء التي يحتلف فيها الباحث الاجتماعي عن العالم النفسي ، إضافة إلى أنّ كل فرد يمكن أن يحدد أسباب و شروط أي تصرف أو علاقة إجتماعية على طريقته الخاصة ، إلا أن الباحث الاجتماعي لا يمكن أن يفعل ذات الشيء ، فالعالم الإجتماعي يهتم بمعرفة المجموعة الغالبة و لقد اهتم ماكس فيبر بقدر وافر من أنماط التصرفات الإجتماعية حيث درس التصرفات الدينية و الأخلاقية و الإقتصادية و تلك التي تعزى إلى القطاع السياسي حتى أنّه كان يقوم بتطلعات تاريخية ليبحث في أشكال المجتمعات السالفة .قام فيبر بتصنيف السلوك أو التصرفات الإجتماعية على النحو التالي:1- التصرف العقلاني بناء على الغاية أو القصد المحدد : حيث أن الفاعل لا يقوم بنشاطه أو تصرفه إلاّ بعد رؤية و تفكير ، إضافة إلى اتخاذ وسائل و أساليب واضحة و عقلانية أي تناسب أو تلاؤم الوسائل المستعملة من أجل الوصول إلى الغاية المرجوة ، و قد أطلق المفكر الاجتماعي باريتو على مثل هذا السلوك "السلوك المنطقي" و من الأمثلة عليه المهندس الذي يصمم مشروعاً عمرانياً و القائد الذي يختار أفضل الخطط من أجل الانتصار ، إلا أن هذا التصرف العقلاني لا يمنع اختيار وسائل احتيالية مما يعني أنه ليس من الضروري أن تكون الوسائل دائماً مشروعة.2- التصرف العقلاني بناء على القيمة : إن التصرف هنا لا يخضع لهدف ضمني أصلاً ، بل أن الفاعل يقوم به من أجل بلوغ قيمة معينه أو لتحقيق اعتقاد ما كالقيم الجمالية أو الأخلاقية أو المعتقدات الدينية ، إن الفعل الذي توجهه القيمة المطلقة إنما يهدف إلى تحقيق مطالب غير مشروعة أي أن صاحب الفعل يكون واعياً للقيمة المطلقة و متجهاً نحوها لذاتها بعيداً عن المصالح الخاصة. و الفرد يتصرف بطريقة عقلانية لأن نشاطه يكون موافقاً لتلك القيمة التي يود أن يتوصل إليها ، و التي تعتبر دائما مرافقة و على عكس السلوك الأول فالشخص يقوم بتصرفه في هذا النمط من السلوك دون التفكير بالنتائج أو بثمن الوسائل التي يستعملها مثلاً : التصرفات الشخصية المبينة على المعتقدات أو التصرفات السياسية كالثائر الذي يواجه الفشل تضحية في سبيل مبادئه .3- التصرف العاطفي : إن الفعل أو التصرف لا يكون مرافقاً بالتفكير أو متلازماً مع القيمة ، إضافة إلى أنه يمكن أن يلحق الضرر بمصاح صاحبه غير أنّه في شتى الحالات يتصرف الفاعل دون أن يكون لديه هدف أو قصد لبلوغه ، إنّه يختار الوسائل لا على أساس صلتها بالغايات أو القيم ة إنّما باعتبارها تعتمد تيارالعاطفة و لهذا السبب يمكن أن يضر التصرف العاطفي بصاحبه أو بمصالحه .4- التصرف التقليدي : حيث لا يرافقه أي تفكير عقلاني و غالباً ما يفتقد قيمة يرجوها ، فالفاعل هنا يقوم بنشاطه دون مناقشة و لا حساب و بلا أي تفكير خاص ، إن كل ما يقوم به يتمثل بإطاعة أوامر و أساليب أمليب عليه من الخارج بناء على العادات أو التقاليد السائدة ، فمثلا السلطة في محيط العائلة هو غير ذلك التصرف داخل المدرسة . بعد هذا التصنيف يعود فيبر ليميز ما بين نوعين من النشاطات الانسانية فقال بوجوب التفريق ما بين النشاطات السياسية و الاقتصادية ، ذلك أن كل منهما يحمل ذات الغاية أو الهدف .1- النشاط الاقتصادي : لقد أعطى فيبر الصورة التي كانت سائدة في ذلك الوقت لدى أغلب الاقتصاديين فقال بأن النشاط الاقتصادي يعرف بموضوعه الذي هو إرضاء الحاجات المادية : إن كل نشاط اقتصادي يتوافق مع حساب المنفعة التي يمكن أن تقدمها الملكية الخاصة للأفراد ، هذه الفكرة التي توافق كل نظام رأسمالي. و لا يقتصر فيبر على هذا النطاق بل يصور النشاط الاقتصادي على مفهوم رأسمالي مثالي ، إذ يستبعد عنصر القوة منه لأن استخدام القوة أو الإلزام أمر مخالف لروح الكسب الاقتصادي ، و ليقدم أخيرا مجموعة معايير تميز الفعل الاقتصادي العقلاني. التوزيع المنظم للمنافع بين الحاضر و المستقبل ، و التوزيع المنظم للمنافع القائمة أو المرجوة حسب مبدأ أولوية الحاجة أو الضروره ، و الانتاج المنظم للمنافع بواسطة الصناعة و النقل و الربح المنظم. حتى أنه يربط النشاط الاقتصادي بالمفهوم الديني حين تطرقه إلى دراساته في علم الاجتماع الديني فيتسائل : إلى أي مدي تؤثر التصورات الدينية عن العالم و الوجود في السلوك الاقتصادي لكافة المجتمعات ؟ أما ربط الدين بالاقتصاد فاللتأكيد على أن الرأسمالية الحديثة نشأت من خلال العقيدة البروتستانتية و أخلاقيتها الاقتصادية . هذا الذي استنتجه من خلال تحليل دقيق لتعاليم "مارتن لوثر" و "كالفن" . إن الأخلاقيات البروتستانتية العملية في الحياة اليومية تطابق واقعياً روح الرأسمالية الحديثة ، ذلك أن البروتستانتية تهتم بتنشئة الفرد نشأة عقلانية و تمنح المهنة قيمة أخلاقية كبيرة . و أيد استنتاجه بناء على تحليل تاريخ بعض الدول الرأسمالية البروتستانتية منذ عصر الاصلاح الديني ، هولندا و بريطانيا و أمريكا بينما ظلت دول كاثوليكية متخلفة نسبياً إيطاليا وفرنسا ، إذن لقد أخطأ التفسير المادي للتاريخ . و إن مشكلة الرأسمالية ينبغي أن لا يكون حلها في دراسة تزايد التناقضات ما بين تطور قوى الانتاج و علاقات الانتاج إنما يجب البحث عنها في تغير الاتجاهات العقلانية ، و هكذا يؤكد فيبر أن تغييراً في العقلانية قد سبق ظهور الأسلوب الرأسمالي في الانتاج. هذا الذي يكمن في ظهور العقلانية البروتستانتية . إذن إن التفسير الديني للنشاط الاقتصادي ليس إلا من أجل رفض الفكر الماركسي . ذلك أن ماركس قد أخطأ حين اعتمد على العامل الاقتصادي وحده . و الماركسية نظرية متميزة في تاكيدها إعادة بناء العلاقات الاجتماعية و التاريخية على أساس اقتصادي . ثم أنها قد فشلت في التمييز بين ما هو اقتصادي و ما هو اقتصادي حتما وما يتناسب أو يتلاءم اقتصادياً .فلقد طفت على الماركسية "الحتمية الاقتصادية" . أما الأساس الذي اعتمده فيبر من أجل رفض الفكر الماركسي فهو الأخلاق البروتستانتية و روح الرأسمالية باعتبار ان الانقسام الكنسي و ظهور الإصلاح البروتستانتي قد صاحب و ساعد في نشأة و تطور الرأسمالية .2- النشاط السياسي : لقد عرف فيبر النشاط السياسي بالسيطرة :"فالعلاقة السياسية هي علاقة سيطرة ، سيطرة مجموعة من الأفراد على الآخرين " و عرّف السلطة كما يلي: "السلطة هي الاحتمالية بأن قيادة ما ، تطاع من قبل مجموعة محددة " ، و هكذا فإن السياسة بالنسبة لفيبر هي أساس الجدلية ما بين السلطة و الطاعة فهو السياسة خاصية معينة و هي أنها لا تعرف إلا بالسيطرة ، فالسيطرة هي وسيلة و غاية السلطة السياسية في آن واحد . إن القهر و الإلزام لا يمكن أن يمارس إلاّ في محيط محدد من النشاطات قصد الوصول إلى غاية معينه تختلف باختلاف النشاط ، فمثلاً إن ظواهر السلطة في القطاع الاقتصادي هي وسائل لخدمة غاية و هي إرضاء الحاجات المادية و زيادة الموارد ، بينما السلطة السياسية فغايتها استمرارية أو ديمومة الفئة التي تمارس السلطة ، فالسيطرة التي هي من ميزة السلطة السياسية تتجلى معها بوضوح أكثر من غيرها ، ذلك أنها تحتكر لنفسها فقط ممارسة القهر أو الجبر الجسدي ، و عليه فإن أي تجمع منظّم سياسياً يملك في الواقع احتكارية القهر أو الجبر المشروع و لا يتميز إلاّ بهذه الخاصية ، و لم ينسى فيبر التحولات التاريخية إذ يؤكد على الدولة الحديثة و حدها تملك بالطريقة الأكثر وضوحاً و الأكثر صراحة احتكار القهر أو الجبر المشروع فوق إقليمها ، و بناء عليه يعرف فيبر النظام السياسي أو الدولة المعاصرة كما يلي : " يجب أن ننظر إلى الدولة المعاصرة باعتبارها مجموعة إنسانية حيث أنها داخل حدود معينه تحتكر و لحسابها الخاص حق استعمال العنف الجسدي المشروع . و ما يعتبر خاصا بمرحلتنا المعاصرة ، أنّها لا تخول المجموعات أو الأفراد الآخرين حق استعمال العنف إلاّ ضمن المجالات التي تسمح بها " . و لقد أكد فيبرعلى تعبير الدولة الحديثة لأنه يمكن أن يكون هناك إشكال من المجتمعات يحتمل أن يكون احتكار القهر أو الجبر متنازعاً عليه ، أو بمعنى آخر يحتمل أن يحتوي على قوى متعددة كل منها يحاول احتكاره لحسابه الخاص كالمجتمعات الإقطاعية أما الآن فإن الاتجاه العام هو نحو احتكار القهر أو الجبر المشروع من قبل الدولة وحدها مما يعني التأكيد على قيام العلاقة السياسية الحقيقية و يلخص الكاتب جوليان فرون تحليل فيبر كالتالي : "يمكن تعريف السياسة بإنها النشاط الذي يخول السلطة صاحبة الصلاحية فوق إقليم ما الحق بالسيطرة ، مع إمكانية اللجوء وقت الحاجة إلى القوة و العنف سواء للحفاظ على النظام الداخلي أو للدفاع ضد خطر أو تهديد خارجي و إن النشاط السياسي هو التصرف الذي يحاول دون انقطاع تكوين و تطوير و تغيير و تحويل و تبديل علاقة السيطرة أو الخضوع " . أما الذي تجدر ملاحظته من كل ما سبق فهو اللجوء إلى القوة في مجتمع منظم سياسيا ليس له صفة الصراحة و الوضوح فقط و إنما يعتبر مشروعا أيضاً و ذلك على العكس من التجمعات الإنسانية الأخرى . أما مفهوم المشروعية فيحتل عند فيبر مكانه هامة حيث هو وحده الذي يميز القوة و الشدة الهمجية العارية من كل مستند عن مفهوم السيطرة ، فمفهوم السلطة السياسية ليست فقط بعلاقة قوة أو تفاعلات فردية عرضية بل هي أيضاً علاقة اجتماعية بكل معنى الكلمة ، و السلطة السياسية التي تتميز بالمشروعية هي تلك التي يؤمن الأفراد بأنّها يجب أن تطاع ، و هذا الإيمان أو الاعتقاد الذي ينتهي بالطاعة ، يضع أما أعينه وجود السلطة . يقسّم فيبر المشروعية التي تلازم ظاهرة السيطرة أو الخضوع إلى فئات ثلاث هي على النحو التالي:1- السيطرة القانونية : و هذا النوع من السلطة يكون دائماً مبنياً على الاعتقاد بشروعيتها القانونية ، و يمكن أن نجده في المجتمعات التي يفكر أفرادها بأنّه يجب عليهم الطاعة لأولئك الذين يقبضون على زمام السلطة ، لأن أولئك يمارسون السلطة بناء على نصوص قانونية محددة ، و بوضوح أكثر يمكن القول بأن هذا النوع من الطاعة لا بتوجه به إلى أشخاص و إنما إلى قاعدة قانونية ، إذ أننا لا نصف بالمشروعية سيطرة فرد ما و إنّما سلطة الأصول أو القواعد التي خولته الصلاحية بالحكم . و المجتمعات الحديثة بالنسبة لفيبر جميعها تتميز بهذه المشروعية القانونية حيث يصل في النهاية إلى التفريق ما بين الأشخاص و الاختصاص الذي يمارسونه ، فالفرد لا يطيع في الواقع ذلك الشخص صاحب الصلاحية لذاته أو لصفاته الشخصية إنما تجب عليه طاعته بناء على الاختصاص أو الصلاحية التي يمارسها و تجدر الإشارة إنه ليس فقط المجتمعات الرأسمالية الديمقراطية هي التي تتحلى بهذا المشروعية .2- السيطرة التقليدية : و نجدها في المجتمعات التي تجد قاعدتها في العادات و التقاليد حيث أن صاحب السلطة يطاع بناء على تقليد أو عادة قد سير عليها زمنا طويلاً ، وفي مثل هذه المجتمعات لا يمكن أن نصادف تفريقاً ما بين سلطة العادة أو سلطة الشخص ذاته لأن العادة من جهة و صاحب السلطة من جهة أخرى كلاهما يتميزان بذات القدسية إن الفرد في مثل هذه المجتمعات يطيع العادة أولاً و يطيع صاحب السلطة هو سيد العادة ثانياً ، و لقد طرح فيبر بالنسبة لهذا الشكل من المشروعية أو زعيمها الديني أو بتعبير أدق من قبل الأكبر سناً . و ربما نجد في الوقت الحاضر بعض الأمثلة لهذه المشروعية في مجتمعات لم تعرف بعد التطور اللازم ، بيد أن السلطة فيها لا تمارس دائماً من قبل الأكبر سناً .3- المشروعية الشعبية : هذا التعبير الغامض الذي لا تكاد نجد له مثالاً في المجتمعات الحديثة و هو يعني تلك المشروعية التي يمكن أن تلد سواء في مجتمع حديث أم في مجتمع تقليدي ، حيث أن صاحب السلطة يطاع لذاته و لشخصيته و بناء على صفات و مزايا خاصة واحده . إن هذا المفهوم الواسع كما يلاحظ غامضاً ، ففي يومنا هذا و حين يتكلم عن شعبية ما غالباً ما يقصد بها شعبية أحد السياسيين البارزين ، لكن فيبر لم يكن يعني هذا المعنى إن هذه الشعبية هي تلك التي يمكن أن يتميز بها زعيم ما في مجتمع يخلع أفراده فيه عليه لقب مصلح أو وسيط أمن و سلام ما بين الأفراد من جهة و مجتمعهم من جهة ثانية. و هكذا يقترب هذا المفهوم من الخرافة أكثر من اقترابه من العقلانية أو المنطق ، و لهذا نتساءل عن الهدف الذي أراد أن يصيبه فيبر بتحليله هذا . و الأرجح أنه كان يعني حالتين : إذ غالباً ما كان يشير إلى أنبياء اليهود و يعتبر موسى زعيما شعبيا ثم يتحدث عن لينين ليعطيه ذات الميزة. و هاتان الحالتان تساعدان على القول بأنه كان يعني بالتعبير شعبي تلك الصفة التي أن تلازم زعيما ما فتعطيه نوعاً من القدسية بعيداً عن أي عادة أو تقليد . يستنتج من هذا أن الشعبية لا يمنحها القانون و لا يمكن أن تكون موروثة تبعاً للعادة أو للتقليد