انتخابات.. وانتخابات
مرسل: الأحد ديسمبر 18, 2011 8:58 pm
في عام 1950 جرت آخر انتخابات حرة ونزيهة قبل 23 يوليو (تموز) 1952، وفي هذه الانتخابات فاز حزب الوفد فوزا ساحقا وشكل آخر حكومة وفدية، وهذه الانتخابات أيضا خاضتها عناصر من جماعة الإخوان المسلمين ولم ينجح من أعضائها أحد.
هذا ما حدث في عام 1950، أي منذ أكثر من ستين عاما، وفي هذه الأعوام الستين جرت مياه كثيرة في نهر الحياة السياسية المصرية غيرت المسرح السياسي من النقيض إلى النقيض.
في هذه الأعوام الستين قبض تنظيم الضباط الأحرار على مقاليد الحكم، وطرد الملك وأعلن الجمهورية، وألغى دستور 1923، وحل الأحزاب.
وبعد أن كان نظام 23 يوليو 1952 يعتمد على تنظيم الإخوان المسلمين، حدث الفراق بينهما، إثر الخلاف مع اللواء محمد نجيب وإقالته ثم وضعه تحت الإقامة الجبرية.
وجرت محاولة اغتيال جمال عبد الناصر في ميدان المنشية بالإسكندرية، وتلى ذلك تقديم عدد من قيادات جماعة الإخوان المسلمين للمحاكمة وأعدم منهم كثيرون، لعل من أبرزهم آنذاك المرحوم عبد القادر عودة والمرحوم سيد قطب، وكان مشهدا مأساويا، ولكنه ترك آثارا عميقة على مجرى الحياة السياسية في مصر.
أصبحت جماعة الإخوان المسلمين محظورة ونزل أعضاؤها تحت الأرض، ولما كان «الإخوان» ليسوا مجرد حزب عادي وإنما أصحاب قضية يؤمنون بها إيمانا شديدا، فقد ساعدهم وجودهم تحت الأرض على الانتشار، كما أن مظاهر القمع والعنف بالنسبة لهم جعلت فريقا من الناس يتعاطف معهم.
ولا أحد يستطيع أن ينكر أن جمال عبد الناصر - مهما اختلف كثيرون حول وسائل الحكم - استطاع أن يحدث في المجتمع المصري تغيرات جذرية، سياسية واقتصادية واجتماعية. والسد العالي وألوف المصانع التي أنشئت شاهد صدق على ذلك، وليس أقل من ذلك أهمية حركة التحرير الوطني في العالم الثالث.
وفي عام 1967، حدثت قارعة زلزلت كل شيء، وكان من نتائج القارعة أن نظام 23 يوليو وقائده جمال عبد الناصر بدأ يفقد جزءا غير هين من التأييد الشعبي والجماهيري الذي كان يتمتع به.
ولكن هبة الجماهير في 9 و10 يونيو (حزيران) 1967 لرفض تنحي عبد الناصر أعادت للنظام كثيرا من الثقة، وبدأ العمل الجاد من أجل بناء جيش محترف قوي، وبدأ الاعتماد على أهل الخبرة بدلا من الاعتماد على أهل الثقة، حتى لو كان واضحا أن بينهم وبين الاحتراف العسكري أمدا بعيدا.
وتوفي عبد الناصر في سبتمبر (أيلول) 1970 وأصبح أنور السادات رئيسا للجمهورية. واستكمل السادات بناء الجيش، واتخذ قرار الحرب التي بدأت في العاشر من رمضان، السادس من أكتوبر (تشرين الأول) 1973، والتي أعادت الروح إلى مصر وإلى العرب أجمعين.
وجرت مياه جديدة في نهر الحياة السياسية في مصر، ورغم أن جماعة الإخوان ظلت من الناحية الرسمية جماعة محظورة، فإن حجم التضييق عليها قل كثيرا ومساحة الحرية أمام نشاطها اتسعت بالتالي. وحتى أواخر أيام الرئيس السادات كانت العلاقات بين النظام والجماعة تسير سيرا طيبا، إلى أن حدث زلزال 1977 الذي عرف باسم ثورة الجياع، وإن كانت الأجهزة الرسمية أطلقت عليها انتفاضة الحرامية.
هتاف الجماهير في هذه الأحداث من الإسكندرية إلى أسوان أصاب الرئيس السادات بذهول شديد، إذ إنه لم يكن يتوقع إلا أن يكون بطلا ينادى به، لا أن تطلق عليه أردأ الصفات. وفي تقديري أنه منذ تلك اللحظة بدأ التفكير في زيارة القدس بمظنة أن تحسين العلاقات مع إسرائيل يفتح أبواب واشنطن، وفتح أبواب واشنطن قد يساعد على حل المعضلة الاقتصادية التي أدت إلى أحداث 18 و19 يناير (كانون الثاني).
وبالفعل أعلن السادات استعداده للذهاب إلى أقصى الأرض من أجل تحقيق السلام في المنطقة، ووصلت الرسالة إلى إسرائيل، ووجهت إلى الرئيس الدعوة لزيارة إسرائيل، وتوالت الأمور حتى عقدت معاهدة كامب ديفيد التي أثارت في الشارع المصري انقساما واسعا. وفي لحظة انفعال وغضب أصدر الرئيس قرارات الخامس من سبتمبر 1981 التي لم تترك فريقا سياسيا في الشعب المصرية إلا ونالته بأذى. وكانت النتيجة المباشرة لهذه القرارات الانفعالية هي اغتيال الرئيس السادات، رحمه الله، وهو في يوم احتفاله بنصر 6 أكتوبر.
وكان اغتيال الرئيس السادات على يد الجماعات الإسلامية، وكان رد الفعل الطبيعي هو إعلان الأحكام العرفية واعتقال عشرات الآلاف من التيار الديني، أغلبهم من جماعة الإخوان المسلمين.
وطيلة حكم حسني مبارك لاقت الجماعة ما لم تشهد مثله من اضطهاد من قبل، وضيق عليها سياسيا واقتصاديا، وهاجر بعض أعضاء الجماعة وغيرهم إلى بلاد الخليج، وبالذات السعودية والكويت، وكان بعضهم طعما سائغا للأفكار الوهابية السلفية التي جاءوا بها حين عادوا إلى أرض الوطن.
وفي عهد حسني مبارك، جرى تعديلان لدستور 1971، كل منهما أسوأ من الآخر، وفي محاولة لإيهام الشعب أنه مقبل على تغيير وانفتاح سياسي صيغت المادة 76 التي تسمح ظاهريا بتعدد المرشحين لرئاسة الجمهورية، وقد أطلق على هذه المادة وصف الخطيئة الدستورية، لأنها كانت كذلك بالفعل.
وتماديا في محاولة الإيهام واستجابة لحكم من المحكمة الدستورية العليا أجريت انتخابات لمجلس الشعب عام 1987 وتمت المرحلة الأولى منها تحت رقابة قضائية حقيقية. وحدث ما أصاب نظام حسني مبارك بالصدمة، إذ حصلت جماعة الإخوان المسلمين (المحظورة) على نحو ثمانين مقعدا في مجلس الشعب. ودل ذلك بوضوح على أن الجماعة لم تكن نائمة، وإنما كانت تعمل وتتمدد وسط جماهير الشعب، وإلا ما حققت هذا الذي حققته في جولة واحدة من الانتخابات.
وأدرك النظام أن فتح أبواب الحرية وإعلان سيادة القانون - ولو مصادفة وبغير قصد - ليس في صالحه، وعاد إلى ممارساته القديمة وأغلق كل الأبواب والنوافذ، واستمر في بطشه وطغيانه، واستأثرت مجموعة محدودة بالسلطة وبالثروة وكل شيء في هذا البلد، وأقصت الناس جميعا عن كل شيء.
وحدثت ملهاة أو مأساة انتخابات أكتوبر 2010 حيث زورت إرادات الناس تزويرا غير مسبوق وأهدرت سيادة القانون في صلف وغرور.
وكان حتما أن يأتي رد الفعل على هذا كله بزلزال 25 يناير 2011 واندلاع أكثر الثورات نبلا وسلمية بين كل طوائف وتيارات الشعب المصري منادية بإسقاط النظام، وكان طبيعيا أن يسقط رأس النظام ممثلا في حسني مبارك.
وجرت مناقشات واسعة حول كيف تكون بداية التحول نحو الديمقراطية، ذهب فريق إلى أن البداية الطبيعية أن نبدأ بإعداد الدستور بحسبانه هو الذي يحدد كيف نبني مؤسسات الدولة وسلطاتها، وذهب فريق آخر إلى عكس ذلك، بمعنى أن تبدأ الانتخابات أولا وتأتي الانتخابات ببرلمان يعهد إليه بوضع الدستور الجديد للبلاد.
وانحاز الإعلان الدستوري الذي أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة لهذا الرأي، وأيدت ذلك جماعة الإخوان المسلمين التي أنشأت في العهد الجديد حزبها أو الذراع السياسية لها كما يقال (حزب العدالة والحرية).
وجرى جدل كبير، كنت أحد أطرافه، لاعتقادي أن البداية الطبيعية كانت هي وضع الدستور - ولا أدعي لرأيي العصمة فالعصمة لله وحده - وانتهت الأمور إلى ما انتهت إليه.
وجرت الانتخابات الأخيرة واكتسحها التيار الديني، وفي مقدمته «الإخوان المسلمون»، وتراجعت الأحزاب المدنية، وفي مقدمتها حزب الوفد، وأصبح واضحا أن التيار الديني هو الذي سيقود البرلمان القادم، ولا بد من احترام إرادة الشعب، ولا سبيل إلا أن يتعلم الشعب من تجاربه الواحدة بعد الأخرى. المقارنة بين ما حدث عام 1950 وعام 2011 صارخة وواضحة الدلالة على مدى التحولات التي حدثت في الرأي العام المصري وتوجهاته وقناعاته.
حزب لا يحصل على شيء منذ ستين عاما ثم يستأثر بالأغلبية البرلمانية الأخيرة، وحزب كان طوال الفترة الليبرالية أقوى الأحزاب وأكثرها قبولا ينتهي به الحال إلى هذا الوضع المحزن.
وكل يجني ما قدمت يداه. فالديمقراطية هي مدرسة الديمقراطية، والديمقراطية هي النظام القادر على تصحيح نفسه من داخله، وإن استغرق ذلك وقتا، وكان لهذا الوقت ثمنه الذي قد يكون باهظ التكلفة.
وأنا واثق أن الله سيرعى مصر، وأن شعبها لن يخذلها، وأن المستقبل أفضل بكثير مما كان.
هذا ما حدث في عام 1950، أي منذ أكثر من ستين عاما، وفي هذه الأعوام الستين جرت مياه كثيرة في نهر الحياة السياسية المصرية غيرت المسرح السياسي من النقيض إلى النقيض.
في هذه الأعوام الستين قبض تنظيم الضباط الأحرار على مقاليد الحكم، وطرد الملك وأعلن الجمهورية، وألغى دستور 1923، وحل الأحزاب.
وبعد أن كان نظام 23 يوليو 1952 يعتمد على تنظيم الإخوان المسلمين، حدث الفراق بينهما، إثر الخلاف مع اللواء محمد نجيب وإقالته ثم وضعه تحت الإقامة الجبرية.
وجرت محاولة اغتيال جمال عبد الناصر في ميدان المنشية بالإسكندرية، وتلى ذلك تقديم عدد من قيادات جماعة الإخوان المسلمين للمحاكمة وأعدم منهم كثيرون، لعل من أبرزهم آنذاك المرحوم عبد القادر عودة والمرحوم سيد قطب، وكان مشهدا مأساويا، ولكنه ترك آثارا عميقة على مجرى الحياة السياسية في مصر.
أصبحت جماعة الإخوان المسلمين محظورة ونزل أعضاؤها تحت الأرض، ولما كان «الإخوان» ليسوا مجرد حزب عادي وإنما أصحاب قضية يؤمنون بها إيمانا شديدا، فقد ساعدهم وجودهم تحت الأرض على الانتشار، كما أن مظاهر القمع والعنف بالنسبة لهم جعلت فريقا من الناس يتعاطف معهم.
ولا أحد يستطيع أن ينكر أن جمال عبد الناصر - مهما اختلف كثيرون حول وسائل الحكم - استطاع أن يحدث في المجتمع المصري تغيرات جذرية، سياسية واقتصادية واجتماعية. والسد العالي وألوف المصانع التي أنشئت شاهد صدق على ذلك، وليس أقل من ذلك أهمية حركة التحرير الوطني في العالم الثالث.
وفي عام 1967، حدثت قارعة زلزلت كل شيء، وكان من نتائج القارعة أن نظام 23 يوليو وقائده جمال عبد الناصر بدأ يفقد جزءا غير هين من التأييد الشعبي والجماهيري الذي كان يتمتع به.
ولكن هبة الجماهير في 9 و10 يونيو (حزيران) 1967 لرفض تنحي عبد الناصر أعادت للنظام كثيرا من الثقة، وبدأ العمل الجاد من أجل بناء جيش محترف قوي، وبدأ الاعتماد على أهل الخبرة بدلا من الاعتماد على أهل الثقة، حتى لو كان واضحا أن بينهم وبين الاحتراف العسكري أمدا بعيدا.
وتوفي عبد الناصر في سبتمبر (أيلول) 1970 وأصبح أنور السادات رئيسا للجمهورية. واستكمل السادات بناء الجيش، واتخذ قرار الحرب التي بدأت في العاشر من رمضان، السادس من أكتوبر (تشرين الأول) 1973، والتي أعادت الروح إلى مصر وإلى العرب أجمعين.
وجرت مياه جديدة في نهر الحياة السياسية في مصر، ورغم أن جماعة الإخوان ظلت من الناحية الرسمية جماعة محظورة، فإن حجم التضييق عليها قل كثيرا ومساحة الحرية أمام نشاطها اتسعت بالتالي. وحتى أواخر أيام الرئيس السادات كانت العلاقات بين النظام والجماعة تسير سيرا طيبا، إلى أن حدث زلزال 1977 الذي عرف باسم ثورة الجياع، وإن كانت الأجهزة الرسمية أطلقت عليها انتفاضة الحرامية.
هتاف الجماهير في هذه الأحداث من الإسكندرية إلى أسوان أصاب الرئيس السادات بذهول شديد، إذ إنه لم يكن يتوقع إلا أن يكون بطلا ينادى به، لا أن تطلق عليه أردأ الصفات. وفي تقديري أنه منذ تلك اللحظة بدأ التفكير في زيارة القدس بمظنة أن تحسين العلاقات مع إسرائيل يفتح أبواب واشنطن، وفتح أبواب واشنطن قد يساعد على حل المعضلة الاقتصادية التي أدت إلى أحداث 18 و19 يناير (كانون الثاني).
وبالفعل أعلن السادات استعداده للذهاب إلى أقصى الأرض من أجل تحقيق السلام في المنطقة، ووصلت الرسالة إلى إسرائيل، ووجهت إلى الرئيس الدعوة لزيارة إسرائيل، وتوالت الأمور حتى عقدت معاهدة كامب ديفيد التي أثارت في الشارع المصري انقساما واسعا. وفي لحظة انفعال وغضب أصدر الرئيس قرارات الخامس من سبتمبر 1981 التي لم تترك فريقا سياسيا في الشعب المصرية إلا ونالته بأذى. وكانت النتيجة المباشرة لهذه القرارات الانفعالية هي اغتيال الرئيس السادات، رحمه الله، وهو في يوم احتفاله بنصر 6 أكتوبر.
وكان اغتيال الرئيس السادات على يد الجماعات الإسلامية، وكان رد الفعل الطبيعي هو إعلان الأحكام العرفية واعتقال عشرات الآلاف من التيار الديني، أغلبهم من جماعة الإخوان المسلمين.
وطيلة حكم حسني مبارك لاقت الجماعة ما لم تشهد مثله من اضطهاد من قبل، وضيق عليها سياسيا واقتصاديا، وهاجر بعض أعضاء الجماعة وغيرهم إلى بلاد الخليج، وبالذات السعودية والكويت، وكان بعضهم طعما سائغا للأفكار الوهابية السلفية التي جاءوا بها حين عادوا إلى أرض الوطن.
وفي عهد حسني مبارك، جرى تعديلان لدستور 1971، كل منهما أسوأ من الآخر، وفي محاولة لإيهام الشعب أنه مقبل على تغيير وانفتاح سياسي صيغت المادة 76 التي تسمح ظاهريا بتعدد المرشحين لرئاسة الجمهورية، وقد أطلق على هذه المادة وصف الخطيئة الدستورية، لأنها كانت كذلك بالفعل.
وتماديا في محاولة الإيهام واستجابة لحكم من المحكمة الدستورية العليا أجريت انتخابات لمجلس الشعب عام 1987 وتمت المرحلة الأولى منها تحت رقابة قضائية حقيقية. وحدث ما أصاب نظام حسني مبارك بالصدمة، إذ حصلت جماعة الإخوان المسلمين (المحظورة) على نحو ثمانين مقعدا في مجلس الشعب. ودل ذلك بوضوح على أن الجماعة لم تكن نائمة، وإنما كانت تعمل وتتمدد وسط جماهير الشعب، وإلا ما حققت هذا الذي حققته في جولة واحدة من الانتخابات.
وأدرك النظام أن فتح أبواب الحرية وإعلان سيادة القانون - ولو مصادفة وبغير قصد - ليس في صالحه، وعاد إلى ممارساته القديمة وأغلق كل الأبواب والنوافذ، واستمر في بطشه وطغيانه، واستأثرت مجموعة محدودة بالسلطة وبالثروة وكل شيء في هذا البلد، وأقصت الناس جميعا عن كل شيء.
وحدثت ملهاة أو مأساة انتخابات أكتوبر 2010 حيث زورت إرادات الناس تزويرا غير مسبوق وأهدرت سيادة القانون في صلف وغرور.
وكان حتما أن يأتي رد الفعل على هذا كله بزلزال 25 يناير 2011 واندلاع أكثر الثورات نبلا وسلمية بين كل طوائف وتيارات الشعب المصري منادية بإسقاط النظام، وكان طبيعيا أن يسقط رأس النظام ممثلا في حسني مبارك.
وجرت مناقشات واسعة حول كيف تكون بداية التحول نحو الديمقراطية، ذهب فريق إلى أن البداية الطبيعية أن نبدأ بإعداد الدستور بحسبانه هو الذي يحدد كيف نبني مؤسسات الدولة وسلطاتها، وذهب فريق آخر إلى عكس ذلك، بمعنى أن تبدأ الانتخابات أولا وتأتي الانتخابات ببرلمان يعهد إليه بوضع الدستور الجديد للبلاد.
وانحاز الإعلان الدستوري الذي أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة لهذا الرأي، وأيدت ذلك جماعة الإخوان المسلمين التي أنشأت في العهد الجديد حزبها أو الذراع السياسية لها كما يقال (حزب العدالة والحرية).
وجرى جدل كبير، كنت أحد أطرافه، لاعتقادي أن البداية الطبيعية كانت هي وضع الدستور - ولا أدعي لرأيي العصمة فالعصمة لله وحده - وانتهت الأمور إلى ما انتهت إليه.
وجرت الانتخابات الأخيرة واكتسحها التيار الديني، وفي مقدمته «الإخوان المسلمون»، وتراجعت الأحزاب المدنية، وفي مقدمتها حزب الوفد، وأصبح واضحا أن التيار الديني هو الذي سيقود البرلمان القادم، ولا بد من احترام إرادة الشعب، ولا سبيل إلا أن يتعلم الشعب من تجاربه الواحدة بعد الأخرى. المقارنة بين ما حدث عام 1950 وعام 2011 صارخة وواضحة الدلالة على مدى التحولات التي حدثت في الرأي العام المصري وتوجهاته وقناعاته.
حزب لا يحصل على شيء منذ ستين عاما ثم يستأثر بالأغلبية البرلمانية الأخيرة، وحزب كان طوال الفترة الليبرالية أقوى الأحزاب وأكثرها قبولا ينتهي به الحال إلى هذا الوضع المحزن.
وكل يجني ما قدمت يداه. فالديمقراطية هي مدرسة الديمقراطية، والديمقراطية هي النظام القادر على تصحيح نفسه من داخله، وإن استغرق ذلك وقتا، وكان لهذا الوقت ثمنه الذي قد يكون باهظ التكلفة.
وأنا واثق أن الله سيرعى مصر، وأن شعبها لن يخذلها، وأن المستقبل أفضل بكثير مما كان.