منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

#43563
تبدأ العصور الوسطى من سقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية في القرن الخامس الميلادي و كان ذلك بسبب تدهور الأوضاع الإقتصادية في داخلها وبسبب الغزوات المتكررة من قبل القبائل الجرمانية، وخلال فترة من الزمن إنتشرت وسيطرت هذه القبائل على مختلف أنحاء أوروبا ولأنها كانت تحمل شرائع وعادات المجتمع الريفي فقد جعلت أوروبا ترزح تحت نظام الإقطاع القديم ، أما عن الديانة المسيحية في ذلك الوقت فكانت قد إستقرت دعائمها بعد جعل الإمبراطورية الرومانية لها الدين الرسمي ،ولكن القرن السابع الميلادي شهد بداية ظهور الإسلام الذي بدوره أدى إلى ظهور حضارة جديدة ونهضة كبرى في العالم أجمع مما أثر على الديانة المسيحية في أوروبا لأنه عمل على تنظيم حياة الفرد والجماعة من النواحي الإجتماعية والسياسية والإقتصادية .






النظرية السياسية في المسيحية




إن الدين المسيحي فصل بين الدين والدولة و لم يتعرض لنظام الحكم بل تركه لجهود البشر لكي يشتغلوا به حسب ما يروه مناسبا لحياتهم وأكتفى بالدعوة للفضائل الأخلاقية التي تحقق السعادة للبشر مثل العدل والبر والرحمة والإحسان وغيرها الكثير وهذه الفضائل هي الدعائم التي تبنى عليها الإرادة العامة وتتغذى وهذا ساهم في دعم كبير لنظرية الإرادة العامة.



وتدعو المسيحية للمساوة بين البشر لأنهم جميعا خلق الله ويرجعون إليه ليحاسبوا على أعمالهم الدنيوية وكل إنسان جدير بالتقدير والإحترام لكونه إنسانا فقط بغض النظر عن وضعه الإجتماعي أو المادي وأن الله تعالى هو المسيطر على هذا الكون وأن قوانين الله العليا يجب أن تخضع لها قوانين الدولة وتسترشد بها ،وهذا يجعل مصدر السلطة هو الله لذلك فإن تحديد من صاحب الحق في ممارستها على أرض الواقع يتم عن طريق إحدى النظريات الثيوقراطية التالية :



1-نظرية الحق الإلهي المباشر



وتقول هذه النظرية أن الله هو الذي يختار الشخص أو الأشخاص أو الأسرة التي لها الحق في الحكم السياسي في الدولة وهذا يعني أن سلطة الملوك مستمدة من الله الذي أختارهم وأيدهم بقوته ليرعوا مصالح الأفراد الذين بدورهم يجب عليهم أن يطيعوهم،ولهذا فإن الله تعالى بإختياره للحاكم وما يملكه من أجهزة الإكراه والعقاب التي تمثل التنظيم السياسي هي بسبب طبيعة الإنسان الفاسدة التي فرضها الله عليه بسبب الخطيئة الأولى فيجب على الإنسان بذلك طاعة الحاكم أيا كانت تصرفاته مالم يخالف تعاليم الكنيسة لأنها إرادة الله وهذا ما بنى عليه آباء الكنيسة الأوائل نظرتهم للحكم.




2-نظرية الحق الإلهي غير المباشر



وتقول هذه النظرية أن الله تعالى لا يختار الملوك مباشرة بل إن العناية الإلهية ترتب الحوادث بشكل معين حتى يستلم فرد أو أسرة أعباء الحكم بواسطة الشعب وإختياره، وكانت هذه النظرية أول محاولة للحد من السلطان المطلق للملوك في العصور الوسطى المسيحية لأن الملك لا يمارس سلطته السياسية بالقوة أو بإعتبارها حقا شخصيا لأن الله أختاره مباشرة ولكن يمارسها بإختيار الناس له لأنهم وسطاء بينه وبين السلطة من الله، ويظهر مما سبق أن هذه النظرية تتسع لفكرة الإرادة العامة لأنها هنا مستمدة من الله وهي عبارة عن تطور لنظرية الحق الإلهي المباشر التي سببت الصراع بين الدولة والكنيسة إبان حركة الإصلاح الديني.



ولكن عندما إنهارت الإمبراطورية الرومانية أصبحت الكنيسة المسيطرة على العالم المسيحي كله مما ساعدها على تكييف علاقتها بالسلطة الزمنية و بإخضاعها للكنيسة لأنها كانت هي التي تمثل الشعب المسيحي وبذلك أصبحت سلطة البابا تمارس على جميع المسحيين بما فيهم الحكام ومع مرور الزمن أصبح الحاكم الزمني يستمد سلطته من الحاكم الروحي على أساس أن الله سلم سيفين للبابا إحتفظ بأحدهما وهو سيف السلطة الدينية وأعطى الثاني للحاكم الزمني وهو بذلك يستطيع حرمانه منه إذا لم يقم بالواجبات المفروضة عليه ونتج عن ذلك أن البابا بدأ يفرض سلطته على الحاكم الزمني ويتحكم به،وقد أستمرت نظرية الحق الإلهي غير المباشر سائدة طوال قرنين كانت فيها للكنيسة النفوذ و اليد الطولى في المجتمع الأوروبي المسيحي ولكن ما لبث أن تقلص هذا النفوذ خاصة فيما يتصل بالشؤون غير الدينية بسبب عدة عوامل إجتماعية وإقتصادية وفكرية طرأت على أوروبا في تلك الفترة من الزمن.



وقد كان لهذه النظرية دعاة كثر من أبرزهم:



1- جون سالسبري: وقد وضع قيود على الحاكم عن طريق القانون الإلهي الأسمى وبذلك يستطيع أفراد الشعب مقاومة الأمير أو الحاكم إذا لم يلتزم بتلك القوانين الإلهية على أن يقوموا هم أيضا بواجباتهم وإلتزماتهم في ظل هذا القانون ،لإن القوة والقضاء على الحريات وعدم الإهتمام بالمصالح العامة يبيح الثورة على الحكام و قتل الطغاة بل إنه يعتبر من العدل والصواب لأنهم إستبدوا بالسيف ولا بدا أن يقتلوا بنفس السيف، لأنه من واجب الأمير أو الحاكم أن يكون خادما لزملائه وللمصلحة العامة ويطيع القانون ويحقق العدالة والثراء والقيم الأخلاقية.



2- القديس توما الأكويني: الذي إلتزم بالأصل الفلسفي الذي وضعه أباء الكنيسة حيث أنه يؤمن بقداسة السلطة لأنها من عند الله ولكنها غير مقدسة في طريقة إسنادها للحاكم وأنه يجب أن يكون هدف أو غاية أي حكومة هوهدف أخلاقي و أن يتم إنتخاب الحاكم ومعاونيه في الحكم وأن تكون لسلطته حدود هي القانون و أن تكون للصالح العام وليس للمصلحة الخاصة والشخصية لأنه يمثل الشعب ولكن إن إستبد في حكمه فأصبح من حق الشعب مقاومته ولكن بشرطيين:




1-أن لا يمارس هذا الحق طائفة من الشعب بل كل الشعب .

2-أن لاتنتج من مقاومة الحاكم مساوئ وأضرار أكثر مساوئ الحاكم أومايعادلها .



3- مارسيليو أوف بادو: الذي إتفق مع أكويني من حيث الإعلاء من شأن الإرادة العامة وكان ذلك في القرنين الثالث عشر والرابع عشر و قد عمل على إنشاء نظام ديمقراطي مثالي لتنظيم العلاقة بين الكنيسة والإمبراطورية الرومانية على أساس المسؤولية الروحية والزمنية للحاكم أمام الشعب ومنحة سلطة إيجابية للجماعة، وكان مارسيليو أرسطيا فيما يتعلق بأنواع الحكومات فقد كانت الحكومة عنده تتكون من مجالس منتخبة تعنى بشؤون الدولة والكنيسة وأن تعمل على تحقيق الصالح العام وفقا لإرادة الشعب وإلا أصبحت طالحة وفاسدة، أما القانون فقد قسمه إلى نوعين 1-القانون المقدس وهو أوامر من الله مباشرة 2-القانون البشري وهو أوامر جماعة من المواطنين ومن هنا لايمكن لرجال الدين أن تكون لهم السلطة لأن سلطتهم بلا قوة تنفيذية إلا إذا أعطاهم المشرع هذه القوة، على أن توجد هيئة تنفذية منتخبة من الشعب تقوم على تنفيذ القوانين ومعاقبة من يخالفها والتأكد من قيام دوائر الدولة المختلفة بأعمالها بما يخدم الصالح العام و أن أي تقصير منها يجوز للشعب إسقاطها.



4- تيودور دي بيز: الذي أعلن عن فكرة الإرادة العامة في القرن السادس عشر حين بدأت الفلسفة السياسية تعمل على إعطاء الشعوب حقها فقد ذكر في كتابه (حق ولاة الأمور على الرعايا) أن الأمراء للشعوب وليس الشعوب للأمراء وقد أعطى للشعوب الحق في مقاومة الملوك والأمراء بواسطة ممثلين عنهم إذا أخل هؤولاء الحكام بعقودهم وشروطها التي تجمعهم مع الشعب.



5- المؤلف البروتستانتي فرانسو أوتمان :الذي بين أن النظام الفرنسي القديم كان يعترف بإرادة العامة للشعب التي كان يمارسها عن طريق مجلس الأمة الذي كان من حقه خلع الملك ونقل التاج من أسرة إلى أسرة.



6-المفكر البروتستانتي ايبير لانجو: الذي لا يعتبر الإرادة العامة هي إرادة الشعوب بل هي إرادة ممثلي الأمة الذين إختارهم الشعب وفوضهم في مباشرة حقه في الإشراف على تصرفات الملك، وقد هاجم لانجو بشدة الطغاة والطغيان وبين أنه من حق الشعوب المقاومة لإسترداد السلطة من حكامهم إذا أسأوا إستعمالها وقد تكون هذه المقاومة فردية أو جماعية.



7- بيشامان: الذي كتب رسالة في أسكتلندا عنوانها (قوانين الملكية لدى الأسكتلنديون) وقد بين فيها أن الشعب أسمى من الملك وإن الملك إن جار وجب على الشعب أن يخلعه.



8- جون أتيسيوس: الذي قال في كتابه (السياسة المثلى) نفس الأفكار البروتستانتينة وأستمرت هذه الأفكار في بداية القرن السابع عشر ولكن بأوصاف جديدة وقد قال بها فرانسو سواريز في كتابه (الدفاع عن العقيدة) وقال بها أتين دي لابواتي في كتابه( العبودية الإختيارية).


-أبرز مميزات النظريتين:



1-كانت للدولة فيهما رسالة أخلاقية سامية.

2-أعطت وبينت أن الدين عامل أساسي ومهم في تطور الدولة من الناحية السياسية.



-أبرز سلبيات النظريتين:



1-لاتصلح للحكم في عصر العلم والعقل والفكر المستنيربل فقط في عصر الجهل.

2-أصبح الآن الإعتماد على أن للعقل الدور الأعلى وأن دور الإيمان مقتصر على المسائل الروحية فقط.

3-وصفت هذه النظريات بأنها دينية ولكن الدين منها براء سواء في الإسلام أو المسيحية.

4-جوهر النظريتين هو أن إرادة الله تعالى هي التي تختار الحاكم سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وأستغل ذلك لتبرير السلطة المطلقة للملوك وتحريم مقاومتهم وذلك في أوروبا .

5-لم تبين النظريتين كما لم يبين توما الأكويني الطريقة المناسبة للحد من سلطات الحاكم وتخفيفها حتى لاينزلق الحاكم نحو الطغيان والإستبداد.

6-لايجيز أكويني الإنقلاب على الحاكم المستبد لأنه يعتبر الإنقلاب عليه أشد خطورة على نظام الدولة من إستبداده فيجب الصبر عليه.

7-يقول أكويني أنه يجب إنتخاب الحاكم وأعوانه في الحكم على حسب النظام الذي سنه الله تعالى لموسى ولكن المشكلة هنا أن هذا النظام يصلح لإختيار من يعاون الحاكم ولكنه لايصلح للحاكم الذي أختاره الله.