صفحة 1 من 1

الخلاف الحدودي السعودي اليمني

مرسل: الثلاثاء ديسمبر 20, 2011 8:33 pm
بواسطة محمد الهرفي 1
:

تعتبر خلافات الدول الحدودية من أهم وأعقد المنازعات الدولية، وقد كانت ومازالت مصدراً رئيسياً للمنازعات بين الدول، وتشكل بؤرة توتر في العلاقات بينها، وهي مشكلة عامة تتعلق بسيادة كل دولة مع غيرها من الدول المجاورة.

إن الحدود السياسية كفواصل بين أقاليم الدول المتجاورة لم تظهر بصورتها الحالية طفرة واحدة، بل مرت بعدة مراحل سبقت نشوء الدولة بمفهومها الحديث، وظهور الإقليم كأحد العناصر الرئيسية المكونة لوجودها. فقد كان لنشأة الدولة الحديثة بعناصرها الأساسية من شعب وإقليم وسلطة سياسية من ناحية، وتداخل العلاقات بين الدول وسهولة الاتصال فيما بينها من ناحية أخرى، أثر في اهتمام الدول بضرورة التوصل إلى تحديد دقيق وكامل للحيز المكاني الذي يحق لكل منها أن تمارس عليه سيادتها.

من ناحية أخرى يمكننا القول –وهذه حقيقة لا يختلف حولها اثنان- بأن البحث في النزاعات الحدودية يوصف بعبارة لا تخلو من الصياغة الأدبية فهو من السهل الممتنع، ومرد ذلك إلى عوامل متعددة متشابكة ومتداخلة أحياناً ومعقدة أحياناً أخرى وذلك بحكم طبيعة المنطقة ومستوى بل ودرجة العلاقات الدولية فيها ومن حولها، وكذا تباينها على امتداد قرون.

وقضايا الحدود من المشاكل بالغة الحساسية، صاحبها واقع مؤلم في منطقة الشرق الأوسط عموماً وفي شبه الجزيرة العربية خاصة، وهو الأمر الذي جعلنا نحاول دراسة هذه الظاهرة في أرض الجزيرة العربية، التي ظهرت بوادرها في أوائل القرن العشرين، ولذا فإن هذه الدراسة المتواضعة كانت حصيلة جهد كبير ومضني وطريق شاق وطويل تناولنا فيها الخلفية التاريخية والقانونية لقضية الحدود اليمنية-السعودية، تطرقنا فيها إلى الدور الإقليمي المتأثر بالتدخل الدولي وقدرته في بعض الأوقات على إشعال فتيل الأزمات بتغذية الخلافات وتنمية المتناقضات بين دول تجمعها العقيدة والهوية والتاريخ المشترك، ولكن صراع المصالح أو بالأحرى المطامع المستندة إلى ما يسمى بالسيطرة والنفوذ على منطقة من أهم المناطق الإستراتيجية في العالم، جعل من القضية التي نحن بصدد دراستها، واقعاً كابحاً لكل احتمالات التطور والنمو غير أن الجهود الجبارة التي بذلت أسفرت عن تسوية ودية وسلمية لقضية الحدود، ومن هنا فإننا سنقوم بدراسة النـزاع الحدودي اليمني-السعودي بمختلف مراحله، وكيفية التعامل معه تطبيقاً لقواعد القانون الدولي العام المُسَـلم بها في تسوية المنازعات الدولية بالطرق السلمية.

انطلاقاً من ذلك فإن موضوع النزاع الحدودي بين اليمن والسعودية كان يُعتبر من أخطر الموضوعات وأهمها على الإطلاق، فقد ظل هذه الموضوع محور الاختلاف المؤثر على العلاقات، ومدار الصراع بين السياسات والمصالح في البلدين الشقيقين.

إن هذا البحث هو محاولة لدراسة علمية منصفة لقضية النزاع الحدود اليمني-السعودي بما تمثله الحدود الدولية من أهمية في حياة الدول والشعوب، وما استقرت عليه المبادئ القانونية التي دعت الدول إلى حل مشاكلها بالطرق السلمية.

وما يميز هذا البحث عن غيره من البحوث التي سبقته، أنه يأتي بعد توقيع معاهدة جدة التاريخية التي طوت ملف النزاع الحدودي بين الجمهورية اليمنية والمملكة العربية السعودية، كما أنه يتعرض للتداعيات التي صاحب العلاقات بين البلدين الجارين منذ بداية القرن العشرين وحتى توقيع معاهدة الحدود الدولية بتاريخ 12/6/2000م والتي من خلالها تم التوصل إلى حلول مرضية للطرفين ، استناداً إلى مبادئ وقواعد القانون الدولي.

وعلى الرغم من الطبيعة الخاصة للموضوع التي فرضت عليَّ التطرق إلى بعض الجوانب التاريخية والسياسية، إلا أنني عملت على استخدام ذلك في الحدود التي تساعد على إبراز المشكلة وتطورها، وكذا النموذج الودي والسلمي في حلها آملاً في الاقتداء به في فض المنازعات الحدودية الدولية في المنطقة العربية والشرق الأوسط ومناطق أخرى من العالم، وقد اعتمدت في أسلوب معالجتي لموضوع الدراسة على منهجين أساسيين هما:-

أ) المنهج التاريخي-القانوني:-

ويأتي استخدام المنهج التاريخي-القانوني بسبب طبيعة الموضوع، وهو حل مشكلة الحدود اليمنية-السعودية عبر مراحل تاريخية معينة ووفقاً لاتفاقيات مختلفة.

ب) المنهج التحليلي:-

فقد تم استخدام هذا المنهج في معالجة وتحليل الأساليب والطرق والإجراءات التي تم اللجوء إليها في تسوية النزاع الحدودي اليمني-السعودي استناداً إلى مبادئ وقواعد القانون الدولي العام.

لقد كان اختياري لهذه القضية نابعاً من إدراكي العميق لما مرت به قضية الحدود اليمنية-السعودية من مراحل حرجة، وصلت في بعض الأوقات إلى الذروة وإلى مرحلة من الغليان أوجدت شروخاً عميقة في العلاقات بين الشعبين الشقيقين والنخب المثقفة في البلدين.

هذا دفعني كباحث يشعر بمستوى الحدث التاريخي المميز معاهدة جدة للغوص فهماً لأعماق هذا الحدث المتميز الذي يجعل من الحدود جسراً للتعاون والتكامل بعد أن كانت خنادق للقتال وحواجز لمنع التواصل ومتارس تلغي التقارب وتبقِ العداء شبحاً يهدد الحاضر والمستقبل، واضعاً نصب عيني أن ما أقوم به من جهد هو من أجل المستقبل ولفهم الحاضر وللتاريخ وللأجيال الحاضرة والقادمة.

فهذه الدراسة العلمية تهدف إلى معرفة وبيان الخلفية التاريخية والقانونية لقضية الحدود اليمنية-السعودية، فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي.

وبما أن أي عمل علمي لا يخلو من الصعاب، فقد كان من أهم الصعوبات التي واجهتني أثناء القيام بكتابة هذا البحث، هي عملية الحصول على مراجع يمكن الاعتماد عليها تكون بعيدة عن التحيّز ومتميزة بالدقة، وعملية الحصول على هذه المراجع وخاصة القانونية منها شاقة، وفي نفس الوقت مرهقة نظراً لعدم وجود بعضها في المكتبة اليمنية، وندرة الحصول عليها إن وجدت في اليمن أو خارجه.. كما أن الوقت لم يسعفني في التفرغ لمقابلة أشخاص على اطلاع ودراية وفهم للقضية، وإن سنحت أحياناً بعض الفرص، فإن البعض لا يزال يعاني من الحساسية تجاه هذا النزاع، واستخلاص المعلومات منهم صعب ومستحيل عندما يفضل البعض عدم الخوض في هذا الموضوع نهائياً. وبهدف تسهيل وتبسيط تناول موضوع دراستنا ووضعه في إطاره القانوني، قُسّم البحث إلى (مقدمة، ومبحث تمهيدي، وفصلين رئيسيين، وخاتمة).

في المبحث التمهيدي، تناولنا بصورة موجزة مفهوم الحدود الدولية، تطورها، أهميتها، وأشكال الحدود الدولية وكيفية تعيينها.

وفي الفصل الأول، تناولت دراسة مشكلة الحدود من التنافس الدولي إلى التفاهم الإقليمي، وذلك من الصراع الأنجلو-عثماني على المنطقة، ودور القوى الإقليمية فيها من أجل تعيين الحدود، والطرق التي تم انتهاجها لذلك، ونتائجها وصولاً إلى مذكرة التفاهم عام 1995م.

أما في الفصل الثاني، فقد تطرقنا للخلفية القانونية لقضية الحدود والوسائل السلمية التي تم اللجوء إليها وفقاً لقواعد القانون الدولي العام، وصولاً للحل السلمي من خلال معاهدة جدة في 12 يونيو 2000م، التي اختصرت الزمن في الوصول إلى رؤية مشتركة متميزة بحلول ودية ومرضية وبما يتوافق ومبادئ وقواعد القانون الدولي العام وعلى قاعدة (لا ضرر ولا ضرار).