منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

#43594
الحياة السياسية وأثرها في الشعر



¨ قيام الدولة:

قامت الدولة العباسية عام مئةٍ واثنين وثلاثين للهجرة(132هـ)، في أعقاب الثورة التي قادها أبومسلم الخراساني، مبتدأً من خراسان ضد نصر بن سيار والي الأمويين عليها، بعد أن أوقع بينه وبين الكرماني، ومن معه من القبائل اليمنية، حتى أوهن قواه، فانقض عليه،وسارت جيوشه، بقيادة قحطبة، وابنه الحسن، حتى وصلا الكوفة فانبرى أبو العباس السفاح، معلناً نصرهم على بني أمية، وقتل آخر خلفائهم مروان بن محمد.

لم يكن هذا ليحدث سريعاً. فقد مرت الدعوة العباسية بمراحل عدة حتى استطاعت أن تحقق هدفها. وكانت البداية، على يد محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، الذي توثقت صلاته بأبي هشام وريث رئاسة فرقة الكيسانية الشيعية في بلدة الحميمة. وعندما دنت منية أبي هاشم، أوصى بالإمامة لمحمد صراحة، وكان قد رأى فيه الخير، للقيام بهذة المهمة.

استغل محمد هذة المكانة، فذهب يعد العدة في جوٍ من السرية التامة. وكانت نقاط الارتكاز الجغرافية تعتمد على: خراسان، لأنها موطن الفرس الحانقين على حكم بني أمية الذي يضطهدهم. والكوفة، لأنها موطن الشيعة، الذين يرون في بني أمية مغتصبين للحكم بدل أبناء علي بن أبي طالب.

وقد تتابع على الدعوة العباسية في خراسان، منظرين سياسيين، هم : ميسرة، ثم خلفه بكير بن ماهان، ثم آلت إلى أبي سلمة الخلال. وكان القائد العسكري هو: أبو مسلم الخراساني، ومعه قحطبه، وابنه الحسن.

أما في الكوفة، فكان بنو العباس أجمعون متأهبين للوقت الذي تُعلن فيه الدولة. وكان الإشراف العام قد آل إلى أبي العباس السفاح بعد أن وقع إبراهيم بن محمد خليفة والده لقيادة فرقة الشيعة الكيسانية، في يد مروان بن محمد، وقد علم أن له يداً فيما يحدث في الدولة من شغب وثورة ضد حكم بني أمية.



¨ الخطة التي اتبعوها:

وكانت الخطة التي اتبعت، للإطاحة ببني أمية، تقوم على إطار نظري، وإطارٍ عملي. ويتركز الجانب النظري على إثارة الرأي العام ضد حكم بني أمية، مستغلين حالة الفساد التي عمت أواخر عهد الأمويين. واستغلوا أيضاً، فكرة قتل الحسين بن علي، الذي اتهم به الأمويون، والثأر لمقتل أولاد فاطمة الزهراء، وهذا يجعل من المتشيعين لآل البيت ينضوون تحت لوائهم. ولجذب الفرس استغلوا سوء معاملتهم من قبل الأمويين. وكذلك حاولوا أن يجمعوا حول صفوفهم كل من كان له ثأر مع بني أمية. وكان ذلك كله في إطارٍ سريٍّ يخفي أي مطمحٍ عباسي في الحكم. وبعد أن تم القضاء على آخر خلفاء الأمويين، أعلن أبو العباس السفاح أنه أول خليفة عباسي.





وأما الجانب العملي، فتمثل في ما يلي:

1- اتخاذ خراسان نقطة الانطلاق الأولى، لكونها مليئة بالفرس، الساخطين على الأمويين. ولبعدها عن مركز الخلافة.

2- ايجاد نقطة إشراف عامة تمثلت في الكوفة، محضن الشيعة، وبني العباس، لتكون بمثابة غرفة عمليات مشتركة، ترسل منها التعليمات.

3- العمل على إضعاف قوة الأمويين، من خلال الإيقاع بينهم عسكرياً وبين قوى أخرى مناهضة.

4- اعتماد الجانب السري في التوجهات الاستراتيجية، لضمان عدم خسارة أي من القوى المناهضة للحكم العباسي، وابقائهم ضمن دائرة العباسيين. وتمثل هذا في جعل شعار الدعوة العباسية في بدايتها : " الدعوة لإمامٍ رضى من آل البيت".

5- تحري الوقت المناسب للعمل العسكري الذي لا يقبل التراجع، أو الانحلال ، لأن هذا معناه كشف الأوراق، وبالتالي القضاء على الثورة في مهدها.

وقد نجح العباسيون بهذة المهمة، وساندهم فيها جيشٌ فارسيٌ أتقن دوره تماماً، حتى قضت دولة بني أمية في معركة الزاب الفاصلة، شمالي العراق. قتل فيها مروان بن محمد. وتبع ذلك حركة استئصال لآل أمية، هرب آخرهم عبدالرحمن الداخل، إلى الأندلس، وأقام دولته، التي استمرت ثلاثة قرون.

¨ حواضر الدولة العباسية، وتنوعها:

- في عهد أبي العباس السفاح. ß أنشأ الهاشمية، في الحيرة.

- في عهد أبي جعفر المنصور. ß أنشأ بغداد على نهر دجلة( عام مئة وخمسة وأربعين-145هـ).

- في عهد المعتصم. ß أنشأ سامراء، بسبب تأذي العامة من حاشيته الأتراك.

ملاحظة:

سبب تحول الخلفاء في الحواضر كان البحث عن المنطقة الآمنة المستقرة، التي تحفظ للدولة خليفتها بعيداً عن مواطن الفئات الحاقدة على الدولة، خاصة أنها ما زالت في طور بداية قيامها، وما زالت القوى المناهضة ومراكز قوتها وافرة ومتأهبة، للانقضاض على الخليفة ومن معه.



¨ الواقع السياسي بعد قيام الدولة، وعصورها الزاهرة حتى نهايتها(نظرة سريعة):

1- تتابع الخلفاء على كرسي الخلافة. وكان أزهى العصور في الثقافة والعلوم عصر المنصور، وأزهاها في الفتوحات عصر الرشيد، وتأتي العصور الأخرى بين هاتين الدرجتين من الزهاء والتقدم. مع وجودعصور عباسية لم يعد فيها للخليفة أي دور في الحكم، وهذا عندما قويت شوكة الأتراك، ودورهم في قتل المتوكل عام مئتين وسبعة وأربعين(247هـ).

2- طريقة الحكم التي اعتمدها العباسيون كانت مقتبسة بكاملها من النظام الفارسي. وقدكان الوزراء والقواد أكثرهم من الفرس، واشتهر من العائلات الفارسية: البرامكة، وبني سهل. أما العرب فقد اشتهرمن بيوتهم آل المهلب، وآل معن بن زائدة الشيباني، فقد تولوا مناصب وزارية.

3- بالرغم من الجهود العظيمة التي يسجلها التأريخ في صفحات بني العباس المشرقة، إلا أن حكمهم قد فتح أبواباً من الصور السيئة على مستوى محاربة الفساد، أونشر الفضيلة. ولا ينطبق هذا على كل خلفائهم، بل كل امرىءٍ بما كسب رهين، كما علم عن الأمين، ولعه بالخمر. وكما نقل عن الرشيد، بأنه" كان يحج عاماً ويغزو عاماً". وشاع في العصر العباسي المجون، كما وجد فيه حركة الزهد كرد فعل عكسي على الانحلال العقدي والسلوكي.

4- لم تهدأ الثورات ضد العباسيين، فقد استمرت ثورات الخوارج، والعلويين. أما الخوارج، فقد كانت ثوراتهم، سهلة على بني العباس، والقضاء عليها دائماً هو الحاصل؛ لأنهم كانوا يثورون في جماعات، ليس لهم تأييد من الرأي العام، وليس لهم من الأنصار، أو المتعاطفين مع فكرتهم. وكانت تنافسهم الشيعة. فنداءات الشيعة مؤثرة لأنها تضرب في صميم الشعور الإسلامي تجاه رسول هذة الأمة، ولأن لهم حيزهم الجغرافي الذي يحمل بين دفات ثراه جثمان من يحملون له الولاء، ويكرسون له الدعوة ليل نهار: إنه مرقد الإمام علي بن الحسين، رضي الله عنه.

5- كانت السلطة العربية مقتصرة على كون الخليفة عربي، أما الذي بيده زمام الأمور فقد كان الفرس، وذلك في بدايات هذا العصر، وقبيل تولي المعتصم للخلافة.

6- الأدوار التي مرت بها الدولة العباسية:

الدور الأول: دور القوة المركزية، ويمتد من حكم أبي العباس السفاح، وحتى نهاية حكم المتوكل.(132-247هـ).

الدور الثاني: دور الجندية.ويتمثل في تحول السلطة الحقيقية، إلى يد الوزراء، والقواد، ولم يكن للخليفة أي دور فاعلٍ على الساحة. ويمثل هذا الدور الأتراك الذين سيطروا على الحكم، أمثال: بغا الكبير، وبغا الشرابي ووصيف. حتى أن تولية الخليفة قد أصبح بيد هؤلاء الوزراء، والحجاب. حتى لقد قال أحد الشعراء يصف ذلك :

خليفةٌ في قفص بين وصيف وبُغا

يقول ما قالا له كما يقول الببغا

الدور الثالث: دور بني بويه(البويهيين). فقد سيطر البويهيون على بلاد فارس والريّ وأصبهان، والجبل. وكانوا قد سيطروا على بغداد في خلافة المستكفي عام ثلاثمئة وأربع وثلاثين(334هـ). وسيطروا على الخلفاء، عزلاً وتوليةً، كما فعل الأتراك.

الدور الرابع: دور السلاجقة، وهم من أجناس الترك، ومنهم توزون أحد قوادهم، وقد تآمر ضد الخليفة المتقي، وعزله.

الدور الأخير: سقوط بغداد في يد التتار، عام ست مئةٍ وستةٍ وخمسين(656هـ).

وأخيراً…

لم يكن الله ليظلمهم ولكنّ الناس أنفسهم يظلمون. فالذي رفع شعار نصرة الإسلام، وجيّش من أجل ذلك الجيوش، مكن الله له في الأرض، وعندما أخلفوا وعدهم مع الله، رفع الله عنهم الحصانة، وأوكلهم إلى أنفسهم، فذاقوا وبال أمرهم. وهذه سنة الله في الأرض، والعاقبة للمتقين.



¨ انعكاسات الحياة السياسية على الشعر في العصر العباسي:

الشعرديوان الأمم، مقولة تداولتها الألسن حقباً متطاولة من الزمان. فكان ولا يزال صفحة نقرأ بها تاريخ الأمم السالفة، ونستشهد به على الأحداث. ولم يكن هذا من فراغ ؛ لأن مصدر الشعر هو العاطفة، ويجمّله الخيال، ليبني نَظْماً تستمتع الآذان به، وتلين الأنفس له، وتقشعر الجلود منه، فلا يملك المرء أمامه سوى طأطأة الرأس احتراماً وتواضعاً، إن كان يوافق المبادئ والأفكار التي يؤمن بها ويعكس إنسانية قائله. أما إن احتوى على ما يشين المروءة، ويعيب الخلق، ويجرح المشاعر، فلا انحناء، ولا طأطأة، بل رد مقذعٌ، يسيل على اللسان، ليجعل دمع العين يجري إلى جانب سيل الدماء، فقد كانت نفوس القوم تأبى الدنيّة، ولو على حساب المنيّة.

وهذه حياة بني العباس السياسية، بما فيها من أحداثٍ رافقتها الدماء، ورافقتها التحزبات، ورافقتها سلوكيات الحُكْم الذي دونته قرائح الشعراء شعراً، ليكون شاهداً على هذا العصر، وكل عصر، هذة الحياة كان لها نصيبها من الشعر، بل إنها كانت مؤثرة، فيه، نظماً في الكمّ والنوع.

أما عن الكمّ، فقد جرى الشعر على لسان من لم يقله من قبل. وظهرت تيارات فكرية نافحت عن فكرتها نثراً ونظماً. فارتفعت وتيرة النظم، وتسارع القوم كل يجري في سبيل النيل من الخصم، أو الحصول على شيء من الهبات أو الدعم.

وأما النوع، فتفتحت قرائح الشعراء على نظم المديح والإكثار منه؛ لأنه مصدر النيل والمنح من بلاط الخلفاء. كما ظهرت طوائف من الشعراء تنافح عن جماعاتها، وأعلت من شأنها، في مقابل الانتقاص من غيرهم، وأمثّل هنا للشعر الشعوبي. وفي الإطار العام تكونت فئات خاصة اصطلح على تسميتها بفئة شعراء السياسة، وهؤلاء كانوا يحملون في نفوسهم أفكاراً يتبنونها وينظمون فيها الشعر، منظرين، ومدافعين، وعلى خصومهم مهاجمين.

ويمكن تلخيص أثر الحياة السياسية على الشعر، كما يلي:

· زيادة نظم الشعر بسبب:

- زيادة الفئات التي تَنْظُمه. مثل وجود الشعر الشعوبي كظاهرة عامة لها شعراؤها، ومنظريها، واستمرار ازدهار شعراء الشيعة ومنظريهم.

- استغلال ما يقدم من أعطيات، ما يدفع الشعراء إلى مدح القائمين على هذة الأعطيات، فوجد مدح للخلفاء، ومدح للوزراء، ومدح لقادة الجيش، ومدح للدولة عموماً.

· ظهور أغراض شعرية جديدة، مثل:

- الشعر الشعوبي.

قول بشار بن برد:

سأخبر فاخر الأعراب عني وعنه حين بارز للفخــار

أنا ابن الأكرمين أباً وأمّـاً تَنَازَعَني المرازبُ من طُخـار

- رثاء المدن بسبب ما حل بها من خراب بفعل الأحداث السياسية.

قول محمد بن بكير، في قصر خرب:

ألا يا قصرُ قصرَ النوشجاني أرى بك بعد أهلك ما شجاني

فلو أعفى البلاء ديار قـومٍ لفضلٍ منهمُ ولعُظْم شــاني

لما كانت تُرَى بك بيّنــاتٍ تلوح عليك آثارُ الزمــان

- شعر الزنادقة، بالرغم من كونهم عرضة للقتل بسبب أفكارهم الضالّة.

ومنه قول بشار أيضاً:

إبليس أفضل من أبيكم آدم فتنبهوا يا معشر الفجـــار

النار عنصره وآدم طينــة والطين لا يسمو وتسمو النار

- شعر الشكوى، بسبب ما كان يحدث من خلافات بين الخلفاء وما ينتج عنه من عزل وقتل، وحزن على ما آلت إليه الأحوال على الصعيد السياسي، وهذة وجدت عند أبي تمام حيث كان يخلط مقدمات قصائده بالشكوى.

فقد قال هذة الأبيات بعد نسيبه، في مديحه للحسن بن سهل:

وغرّبت حتى لم أجد ذكر مشـرقٍ وشرّقت حتى قد نسيت المغاربا

خطوبٌ إذا لاقيتهن رددنــــي جريحاً كأنّي قد لقيت الكتائبـا

وقد يكهم السيفُ المسمّى منيــةً وقد يرجع المرء المظفر خائبــاًً

وكنت امرءاً ألقى الزمان مسالـماً فآليت لا ألقاه إلا محاربـــاً

- الشعر التاريخي، وهو هنا تجديد أكثر منه ابتكار، لأن الشعر عموماً كان مسجلاً للأحداث التي عاصرها، بينما يمكن القول بأنه بفعل الأحداث السياسية في هذا العصر أصبحت القصائد تصور الأحداث والمعارك بعمق أكثر، مضيفة، لقيمتها التاريخية قيماً فنيةً رائعة على شاكلة قول أبي تمام في فتح عمورية ومدح المعتصم:

فتح الفتوح تعالى أن يحيط بــه نظم من الشعر أو نثر من الخطــب

فتح تفتح أبواب السماء لـــه وتبرز الأرض في أثوابها القشـــب

ويقول:

لهم يوم ذي قارٍ مضى وهو مفردٌ وحيدٌ من الأشباه ليس له صحْــب

به علمت صُهْب الأعاجم أنــه به أعربت عن ذات أنفسها العُــرْب

هو المشهد الفصل الذي ما نجا به لكسرى بن كسرى لا سنام ولاصُلْب



ولا أزعم بأن هذا كلُّ ما أثّرت به الحياةُ السياسية في الشعر العربي في عصر العباسيين، فربما يظهر عند البعض آثارٌ أخرى، تثري المباحث الأدبية في هذا الاتجاه، وهو كذلك. وأكتفي في هذا المقام بهذا القدر.



الحياة الاجتماعية وأثرها في الشعر

كانت حياة المجتمع العباسي متنوعة. وكان فيها ألوان من الصور، التي تميزت عما كان عليه حال المجتمع العربي، سواءً في العصر الجاهلي، وحتى أواخر العصر الأموي، وبدايات الدولة العباسية. فقد ارتقت الحياة في جانب العمران، وتشكلت أعراقٌ بشرية ممزوجة من العرب والعجم، كما مزج هذا في الجانب السياسي للحكم. إضافةً، إلى تنوع طبقاته البشرية، فكانت هناك طبقة عليا متنعمة، وأخرى فقيرة معدمة، وبينهما طبقة استفادت من كلا الطبقتين، فمن الأولى المال، ومن الأخرى الأيدي العاملة. ولا يمكن تجاهل التنوع الثقافي، وما فيه من امتزاجٍ فكري حصل على مستوى جميع طبقات المجتمع العباسي.

ولا غرابة، من هذا التنوع، إذا تنبّهنا إلى العوامل التي ساعدت على حدوث هذا التنوع. فلقد اتسعت المساحة الجغرافية للدولة العباسية، وما يحمله هذا الاتساع من احتواءٍ لبيئاتٍ اجتماعية، مختلفة، في عاداتها وثقافاتها، وتصوراتها. وقد كانت دولة بني عباس قد أعطت الضوء الأخضر، أمام كل ثقافة أدبية مكتوبة، لتنقل إلى العربية. واستفادت من كل من نبغ في جانب من الجوانب. فكان يقرب من بلاط الخلفاء، ويقدم له الدعم. وهذا دافع له ليقدم الجديد. وقد تنافس في هذا المضمار خلق كثير، كل يقدم ما يتميز به عن غيره. وكان لهذا أثره، في تنوع الحياة ونظراتها.

¨ وهذة أبرز ما في المجتمع العباسي من ظواهر اجتماعية :

الحضارة- الثراء- الترف- الرقيق- الجواري- الغناء- المجون- الشعوبية- الزندقة- الزهد.



أولاً: الحضارة:

تدل كلمة الحضارة عادةً على البناء. ولا يتعارض هذا مع دلالتها على الثقافة؛ لأن البناء يعكس طبيعة العقلية التي صممته، وطبيعة الأيدي العاملة التي نفذته.

وفي العصر العباسي غلبت على الدولة حضارة الفرس، بكل ما تحويه، من بناءٍ، أو ثقافة. ففي جانب البناء، يظهر ذلك جلياً في بناء بغداد. فقد أقامها المنصور مستديرةً على شاكلة طيسفون([1])، يعرف عند الفرس باسم المدائن. وبنى قصوره على شاكلة قصورهم.

وفي الجانب الثقافي، فقد ورثت الدولة العباسية، ثقافات أمم متنوعة، على رأسها الثقافة الفارسية، وخاصة، في مجال الحكم والسياسة، بالإضافة، إلى ثقافات الهند، واليونان، وثقافة الشرائع السماوية، من يهودية، ونصرانية، وثقافة الدين المجوسي.

ويمكن القول بأن تحول الحياة آنذاك، نحو البناء، كان له أثره في تحول مجموعة من العرب، إلى الاستقرار في المدينة، وتحول حياتهم من حياة البداوة والنقل، إلى الثبات والتحضر، وخاصة الشعراء، الذين اقتربوا من بلاط الخلفاء بحثاً عن الأعطيات. وقد أثر هذا في فكرة الأطلال المعهودة في بناء القصيدة العربية الجاهلية، وحلّ محلها ذكر القصور، التي أصبحت في وقت لاحقٍ يوقف على أطلالها، ويبكى على أهلها.

ثانياً: الثراء:

كانت طبقات المجتمع في العصر العباسي تنقسم إلى ثلاث طبقات:

· طبقة الخاصّة: وكانت تنعم بالحياة إلى غير حد. وكانت من الخلفاء، ومن حولهم من الحاشية، وأفراد الرعية، الذين تميزوا إما بالعلم، أو الأدب، أوالتطبيب، أو الفن، ونحو ذلك.

· طبقة العامّة: وكانت في عوز وفاقة، إلى غير حد.

· الطبقة الوسطى: وهي طبقة ناشئة بسبب هذا الانقسام الحاد في طبقات المجتمع العباسي، حيث احتاج العلية من القوم إلى من يصنع لهم أغراضهم ويأتي لهم بطلباتهم المترفة، فكان الصانعون، والتجار. واستفاد هؤلاء من أجور الخلفاء، وترفهم، كما استفادوا من الأيدي العاملة من الطبقة العامة. وكانت رؤوس أموالهم تختلف قلة، وكثرة. وكان أكثرهم ثراءً: البزازين([2])، والعطارين، وتجار التحف النفيسة.

وكان مصدر ثراء هؤلاء الخلفاء، وحاشيتهم، خزائن الدولة، والتي كانت تحصل على هذة الأموال، من الفيء والغنائم، كما كانت تحصل عليها من خراج أراضي الدولة. ويذكر أن دخل بيت المال في عهد الرشيد بلغ سبعين مليون دينار.

أما المستفيد الأول من هذة الأموال فكان الخلفاء، والوزراء، ومن اختلط بهم، من الشعراء، والعلماء، والأطباء، والمغنين. ويشار إلى أن كل فرد من أفراد الأسرة الحاكمة، كان يصرف له راتب سنوي، ومثاله المنصور، فقد وهب كل فرد من أسرته مليون درهم سنوياً.

وكان يصرف جزء كبير من هذة الأموال على الكماليات. وكان جزء كبير منها يذهب مكافأت للشعراء، على قصائدهم، أو المغنين لجميل أصواتهم، ونحو ذلك. كما كان يخصص جزء منها للعلماء ليكفيهم مؤونة العيش ويحفزهم على العطاء.



ويظهر أثر هذا الثراء في أمور عدة، منها:



- التزود بالكماليات غير الضرورية، إلى حد الاسراف.

- الإغداق على العلماء والأطباء، والشعراء، والمغنين، ظهر أثره في نهضة العلوم، والآداب، والفنون.

- وصل بعض هؤلاء المستفيدين إلى حد الثراء الفاحش، أمثال إبراهيم الموصلي، المغني.

- الترف.



ثالثاً: الترف:

يقصد بالترف: التنعّم([3]). وهو ناتج من الثراء الذي كان يعيشه العباسيون ومن حولهم من الحاشية. وقد شمل جميع جوانب الحياة عندهم، أذكر منها:

- زخرفة الدور والمنازل وبناء القصور، وفرشها من الوثير والمورّد. ويذكر أن مجلس المهدي كانت فرشه مورّدة.

- الإسراف في المظاهر الاجتماعية كمراسم الزواج، وما يتخللها من إسراف وبذخٍ في المصاريف، والتجهيزات. وأشير إلى أن المأمون عندما تزوج بوران بنت الحسن بن سهل، قد أنفق أموالاً خيالية.

- الترف في الملابس، والأزياء. وقد علم أن الزي في العصر العباسي كان له أهمية كبرى، فقد خصص لكل فئة من فئات الحكم، زيّاً خاصاً، فللوزراء، زيهم، وللشرطة زيهم، وهكذا. وفي هذا يقول أبو دلامة مستظفراً:

وكنا نرجي من إمامٍ زيـادةً فزاد الإمام المصطفى في القلانس

تراها على هام الرجال كأنها دنان يهود جلّلت بالبرانــس([4]).

- العطور، وقد استكثروا منها، ومن أغلى أنواع الطيب، كالمسك والكافور، والعنبر، والنرجس، وغيرها.

- كانت نساؤهم يتفنن في الأزياء، والعطور، ويعتنين بأناقتهن، على عكس ما عرفت به النساء العربيات في الجاهلية، اللاتي شغلن بأمور البيت والحياة القاسية، أما في هذا العصر، فقد كثرت النساء اللاتي يتنعمن وعندهن الخدم والحشم.

يقول أبو نواس في وصف تزينهن: أصداغهن معقربات والشوارب من عبير([5])

- الطعام والشراب: ويظهر ترفهم في كونهم طعموا في أواني الذهب والفضة، وتفننوا في أنواع المطاعم والمشارب. ومن شاكلة هذا الترف، مائدة المأمون حيث كان ينفق عليها ستة آلاف دينار يومياً.

- كثرة مجالس السمر، حتى إنه كان للخلفاء مجالسهم التي يجعلون لهم فيها الندماء يسامرونهم، ويعللون نفوسهم. وكان لهذة المجالس آدابها، وقد عرفت بآداب المسامرة. تلقى في هذة المجالس، الأشعار، والطرائف والنوادر. ويذكر أن المأمون كان نديمه ثمامة بن أشرس، كما كان أبو دلامة مضحك أبي العباس السفاح، والمنصور والمهدي.

- اللهو والترويح عن النفس: وقد أتاحت حياة العباسيين المترفة للخلفاء، وحاشيتهم، أن يكون لهم نصيبهم من اللهو واللعب. وكانت أغلب صور الترفيه عند طبقة العلية من القوم، في الصيد بالصقور، والكلاب، ورحلات السباق بالخيول. وكان هناك لعب الشطرنج، وغيرها من الألعاب التي دخلت حياة العرب من العجم. ومن رحلات الصيد، رحلة المهدي، مع علي بن سليمان، وقد صور أبو دلامة ما صاده كل منهما شعراً طريفاً يفوق طرافة الحدث الذي كان منهما.



يقول أبو دلامة:

قد رمى المهدي ظبياً شك بالسهم فؤادَه

وعلي بن سليمـان (م) رمى كلباً فصـاده

فهنيئاً لهما كــلُّ امرئٍ يأكـل زاده

أثر الترف في حياة العباسيين:



- نشوء طبقة وسطى هي طبقة التجار والصناع، الذين كانوا يقومون على أدوات الترف ومطالبه.

- زيادة السخط على العباسيين بسبب هذا التناقض الصريح في الحياة العباسية، التي قسمت المجتمع إلى قسمين، أحدهما مترف مرفه، والآخر ذو فقر وعازه، وبينهما طبقة لا هم لها سوى جمع المال. وهذا دفع بالحركات المناهضة لحكمهم، إلى تنظيم التحركات السرية، محاولين إجهاظ الدولة وإضعافها.

- تحول الطبقة الفقيرة إلى ما يشبه الرقيق، بل وأقل.

- وأثر الترف في الشعر من خلال ما أدت إليه الحضارة والنعومة، في نفوس الشعراء من رقة في الطبع، ولين في الخلق، فانعكس ذلك على الشعر، فجاءت أساليبهم رقيقة، لينة، تحس فيها بساطة الأسلوب، من حيث رقة المعاني.



رابعاً: الرقيق:



كان الرقيق كثيراً في العصر العباسي؛ بسبب كثرة من يؤسرون في الحروب التي كان يشنها خلفاء بني عباس فتوحاً إسلامية. حتى ظهرت تجارة مربحة هي تجارة الرقيق، ولقد كان في بغداد شارعٌ خاصٌ بهم، يعرف باسم شارع الرقيق، ويقوم عليه موظف يسمى قيّم الرقيق.

وكا يجلب من بلاد الزنج وإفريقية الشرقية، ومن الهند، وأوسط آسيا، وبيزنطة، وجنوبي أوروبا. وكان الزنج، غالباً، يعملون في فلاحة الأرض، وغيرهم يعملون في الأعمال اليدوية، والخدمة في المنازل، والقصور.

وشاع فيهم الخصيان من الرقيق، وقد غصت بهم قصور بعض الخلفاء، وأشهرهم الأمين، ما أثار حوله مقالة السوء، فأحضرت أمه جارياتٍ وألبستهن لباس الغلمان، لأنه كان شديد الولع بهم، على حد زعم الروايات. وقد اشتهر المعتصم بميله لتقريب الرقيق التركي، لأنهم من عرق أخواله الأتراك.

وقد أثرت ظاهرة الرقيق هذة في تشكّل ظاهرة شعرية عرفت بظاهرة التغزل بالغلمان المرد، ومن روّادها أبو نواس، الذي كان لوالبة بن الحباب أثر في إفساده.



خامساً: الجواري:

كانت الجواري أكثر عدداً من رقيق الرجال. وذخرت بهن القصور، كما ذخرت بهن الحانات، ودور النخاسة. وكن مرغوبات أكثر من النساء الحرائر؛ وذلك لأن الرجال كانوا قادرين على ملاحظة مفاتنهن وبالتالي سهل عليهم الاختيار من بينهن ما يروق لهم، على العكس من الحرائر اللاتي كن متحجبات.

ومن مميزات هؤلاء الجواري، أنهن كن من أجناس وثقافات وحضارات متنوعة. فامتد تأثيرهن على المحيط الذي عشن فيه، حتى في قصر الخلافة، إذ كان من الخلفاء، من هم من نسل أمثال هؤلاء الجواري. فأم المنصور، كانت حبشية، وأم الرشيد خيزران الرومية، أما المعتصم، فأمه ماردة التركية.

وقد شُغل الخلفاء بهؤلاء الجواري، إلى حد العشق، كما يصور العباس بن الأحنف، ولع الرشيد بثلاث جاريات هنّ: سحر وضياء وخنث. يقول:

ملك الثلاث الآنسات عناني وحللن من قلبي بكل مكـانِ

ما لي تطاوعني البرية كلهـا وأطيعهن وهن في عصيــانِ

ما ذاك إلا أن سلطان الهوى -وبه عززن- أعز من سلطاني

وباتت قيمة الحياة السعيدة هي بمقدار ما عندك من الجواري، ويصور ذلك أبو دلامة مستطرفاً:

إن كنت تبغي العيش حلواً صافياً فالشعر أعزبه وكن نخاساً

تنل الطرائف من ظراف نهّــدٍ يحدثن كل عشية أعراساً

فقد غصت بهن الحانات، وكن يحيين لياليها بالغناء والرقص والمجون.

أما قيمة الجارية فكانت ترتفع إذا أتقنت مع حسن هيئتها وصورتها الغناء والرقص، ما دفع أصحاب دور النخاسة إلى تعليم ما لديهم من الجواري الغناء والرقص، ليحسن دخلهم منهن، مثل إبراهيم الموصلي، الذي كان لديه أكثر من ثمانين جارية يعلمهن الغناء. وقد تجاوز ثمن الجارية منهن الآلاف من الدنانير. وقد تسابق الخلفاء والوزراء على امتلاك المتميزات منهن. وأما العامة، فالذي لم يستطع منهم أن يشتري جارية استأجرها لليلة، أو أكثر، أو يذهب إلى الدور المشهورة بأنها للقيان، فيرتادها، لينال منهن ما يريد.

ومن الجاريات من كن يجدن نظم الشعر مثل (سكن) جارية محمود الوراق، و(عنان) جارية الناطفي. ومن المغنيات (عَرِيب) جارية المأمون والأمين.

ومع كثرة الجواري كثرت معاشرة الرجال لهنّ، والتلطف معهن، مع مظاهر التزين والسمر والتهادي بينهن وبين القوم، وظهرت المراسلات بينهم، وكن يحببن إهداء التفاح والمناديل إلى عاشقيهن. والتهادي بالتحف النفيسة.

وقد أثرت الجواري في العصر العباسي في عدة جوانب منها:

- انتشار الظرف.

- انتشار الرقة.

- زيادة نظم الشعر بزيادة من ينظمه، وبالأسلوب الرقيق، والظريف، بنحو فيه توليد للمعاني، وطرافة في الأسلوب.



سادساً: الغناء:

يشار إلى أن الغناء قد انتقل من الحجاز، إلى العراق، على يد ابن رامين الكوفي. واستقدم معه المغنيات، وأقام لهن الدور الخاصة. واشتهر الغناء، واهتم به الخلفاء، وأقبلوا على تعلمه هم وأبناؤهم. حتى لقد طلب الرشيد إلى إبراهيم الموصلي وإسماعيل بن جامع وفليح بن أبي العوراء، أن يختاروا له الأصوات المئة التي أدار الأصفهاني عليها كتابه الأغاني.

ومن أشهر المغنين: إبراهيم الموصلي، وإسحاق الموصلي. وكانت صنعة الغناء عند إسحاق محكمة الأصول يتقن جميع بُسُط الإيقاعات.



وقد أثر الغناء في الشعر تأثيراً كبيراً، إيجابياً، كما كان له تأثيرٌ سلبي. أما من الناحية الإيجابية:

- زيادة نظم الشعر.فقد صار ينظمه من لم يكن له حظ فيه من قبل كالقيان.

- أثر الغناء في الناحية الفنية، من حيث:

1- الأوزان الشعرية، فقد مالت نحو الأوزان الشعرية القصيرة، التي تناسب الغناء.

2- استخدام الألفاظ اللغوية الرقيقة اللينة، التي تسهل التفنن في تنغيمها الموسيقي.

3- توليد صور شعرية جديدة، تحاكي الواقع الذي تنظم فيه القصيدة، وتغنى فيه مع الموسيقى، في مجالس السمر.

4- ابتكار الأخيلة، وتوسع في آفاق الخيال، لاستحداث صور جديدة.

5- ميل القصيدة إلى التخصص في موضوع واحد بدل التنوع الذي عهد عليها؛ وذلك لأن التفكير في نظمها يركزعلى الجو الذي تقال وتغنى فيه، فقط، فلا حاجة لذكر الطلل، ولا أهله، فذلك يعكر صفو الجو، على رأي أبي نواس فيقول:

دع الأطلال تُسْفيها الجنوب وتُبلي عهد جدتها الخطـوب

وخلّ لراكب الوجناء أرضاً تخبُّ بها النجيبة والنجيـب

ديارٌ نبتها طلحٌ وعشــبٌ ومعظم صيدها ضبع وذيب

وهذا التخصص في الوضوع يدفع إلى توليد المعاني وابتكار الصور لتغطي حاجة الموضوع، بكامل جوانبه. الأمر الذي لا يحتاجه من ينظم قصيدة فيها عدة جوانب، ففي الإشارة كفاية.



ومن الناحية السلبية، فقد تحول الشعر إلى صناعة متكلفة، يظهر فيها تصنع العاطفة، وبرودة الإحساس بصدق النظم، وهذا يؤثر في ركن مهم من أركان الشعر وهو العاطفة. فإذا انعدمت العاطفة، تقل قيمة الشعر بل قد تفنى.



سابعاً:المجون:



المجون في مختار الصحاح : هو أن لا يبالي الإنسان ما يصنع. ويؤكد هذا المعنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم" إذا لم تستح فاصنع ماشئت". ويتمثل المجون في العصر العباسي في وجوه عدة، منها: الخمر- الإباحية- الغزل الصريح- التغزل بالغلمان المرد. وتفصيل هذة المظاهر فيما يلي:

الخمر:

يمكن القول بأن المجون هو مرحلة متقدمة ناتجة عن الإسراف في الحرية، التي ورثها المجتمع العباسي من الفرس، بعد الثورة. مما أدى إلى تحول في المفاهيم، ثم ارتكاب الأمور التي كانت تعدّ من المحرمات، فاعتبرت من المباحات. وساعد على ذلك اجتهاد بعض الفقهاء في تحليل بعض أنواع الأنبذة، كنبيذ التمر. فانتشر الخمر، وشاع، وكان له شعراؤه الذين عرفوا بالشغف به، وكثرة وصفه ومدحه في أشعارهم، مثل أبي نواس.

وكان لهم عادات في شربه، فلا يحبذون أن يزيد عدد جلساء الخمر، عن خمسة، وإلا فإن الجلسة ستحيل إلى شغب. يقول أبو نواس:

ثلاثةٌ في مجلس طيــب وصاحب الدعوة والضارب

فإن تجاوزت إلى سـادس أتاك منهم شغب شاغـب

وقد كان لبعض الخلفاء ندماء يسامرونهم في جلسات الخمر، ومنهم أبونواس نديم الأمين، وكان ينبهه إذا نعس في سمره، وهو يصور ذلك شعراً:

نبه نديمك قد نعـس يسقيك كأساً في الغلس

صرفاً كأنّ شعاهـا في كف شاربها قبـس

تذر الفتى وكأنمــا بلسانه منها منها خرس

يدعى فيرفع رأسـه فإذا استقل به نكـس

ولقد وصف الشعراء الخمر، ووصفوا أثرها في العقل، ووصفوا مجالسها، ودنانها، وكؤوسها، وعاداتهم في الذهاب إلى الحانات، والقائمين على سقياهم إياها، من يهود، ونصارى، ومجوس. يقول أبونواس:

ودار ندامى عطلوها وأدلجـــوا بها أثر منهم جديــد ودارس

مساحب من جرّ الزقاق على الثرى وأضغاث ريحانٍ جنيٍّ ويابـسٍ

حسبت بها صحبي فجدد عهدهم وإني على أمثال تلك لحابـس

أقمنا بها يوماً ويوماً ثالثــــاً ويومٌ له يوم الترحل خامـس

قرارتها كسرى وفي جنباتهـــا مهىً تدّريها بالقسيّ فـوراس

فللخمر ما زر عليه جيوبهـــا وللماء ما دارت عليه القلانس

وكانت أماكن شربها تتعدد، لأن عشاقها كُثُر. فتجدها في الحانات الكبيرة، ومن أشهرها دار ابن رمين المقيّن في الكوفة. وهناك البساتين، مثل حانة بستان صباح. وحتى الأديرة فقد كانت تقدم الخمر لروادها، وفي ذلك يقول أبو نواس:

يا دير حنة من ذات الأكيراح من يصح عنك فإني لست بالصاح

رأيت فيك ظباءً لا قرون لهـا يلعبن منا بألبــــابٍ وأرواحِ

وحتى الزمان فقد خصص منه جزء تكون للخمر فيه عادات خاصة، وهذة قد تأثر بها المجتمع العباسي بما عند الثقافات الأخرى، من فارسية، ومجوسية، ونصرانية، وكانت احتفالاتهم تأخذ شكل كرنفالات كبيرة.

يقول والبة في عيد للفرس، الذي من عقائدهم ما يتصل بالمجوس:

قد قابلتنا الكؤوس ودابرتنا النحوس

واليوم هرمزدروز قد عظمته المجوس

وفي عيد النيروز(عيدالربيع) للفرس، حيث تدخل الشمس في فلك الحمل، يقول أبو نواس:

أما ترى الشمس قدحلّت الحملا وقام وزن الزمان فاعتــدلا

وغنّت الطير بعدعجمتهـــا واستوفت الخمر حولها كملا

واكتست الأرض من زخرفهـا وشي نباتٍ تخاله حلـــلا

فاشرب على جدة الزمان فقـد أصبح وجه الأرض مقتبـلا

ومن أعياد النصارى: الفصح-الشعانين-الميلاد-دير الثعالب. وقد غنّى ابن صدقة في عيدالشعانين، في مجلس المأمون:

ظباءٌ كالدنانيــر ملاحٌ في المقاصير

جلاهنّ الشعانيـن علينا في الزنانير

وقد زرقن أصداغاً كأذناب الزرازير([6])

وأقبلن بأوسـاطٍ كأوساط الزنابير



الإباحية:

وقد شجع عليها كثرة الجواري والقيان، اللاتي كن يُبعن ويشترين، وكن لا يشعرن بأي نوع من الكرامة، ولا يتحشمن. وكان يجتمع للقينة الواحدة أربعة أو خمسة معشوقين، فتبكي لواحدٍ بعين، وتضحك لآخر بالأخرى.



الغزل الصريح:

وفي هذا النوع لا تصان للمرأة كرامتها، ولا حتى للرجل. وقد ظهر له شعراؤه، ولعل من بينهم بشار بن برد الذي له قصيدة يصف فيها لقاء الرجل بالمرأة، من بدايتها ومروراً بمجرياته، وحتى الفراق.



الغزل بالغلمان المرد:

يمكن الإشارة إلى أن سبب هذا الميل الشاذ يعود إلى كون خلفاء بني العباس في ذهابهم إلى مناطق الفتوح لم يكونوا يصطحبون معهم النساء، بل كان الغلمان، يحيطون بهم من كل جانب، فأثر هذا في نفسيات الجند الشعراء، وحتى الخلفاء، مثل الأمين.

وقد اشتهر أبو نواس بأنه شاعر الخمريات، والتغزل بالغلمان، وقد أفسده والبة بن الحباب، كما مر معنا.

وبعد:

فإن مثل هذة الظواهر، دفعت بالثورة الشعرية، إلى التجديد، والميل إلى تبني هذة الظواهر من قبل بعض الشعراء، وكأنهم منظرون سياسيون لها أمثال أبي نواس في خمرياته، وبشار بن برد في غزله الصريح،وغيرهم. ويضاف أيضاً من الأثر في الشعر فنياً، ما يتصل بالأسلوب، والصور والأخيلة، واللغة، والمضمون.



ثامناً: الشعوبية:



تعريفها: هي نزعة كانت تقوم على مفاخرة الشعوب الأعجمية، وفي مقدمتها الشعب الفارسي، للعرب، مفاخرةً تستمد من حضارتهم، وما كان فيه العرب من بداوةٍ وحياةٍ خشنة قاسية. متخذين من ذلك ذريعة للانتقاص من شأنهم.



دوافعها ونشأتها:

كانت الشعوبية نتيجة انحراف الأمويين عن جادة الصواب في معاملة الموالي. وما فرضوه عليهم من ضرائب، وعدم المساواة بينهم وبين العرب في الحقوق. إضافة، إلى إيمان هؤلاء الموالي بأن زوال حضارتهم، كان على يد العرب. فقد هدموا حضارة الفرس، وحولوهم إلى رقيق ذليل. وعندما تحولت مقاليد الحكم وصارت للفرس يد في الدولة العباسية، كشروا عن أنيابهم، واعتزوا بأصولهم، مع إظهار الازدراء للعرب.



مراتب الشعوبية:

يمكن تصنيف الشعوبيين إلى قسمين:

- المعتدلون، وهؤلاء كانوا يطالبون بحد التسوية مع العرب، التسوية التي قررها الله تعالى في كتابه الكريم" إن أكرمكم عند الله أتقاكم". ومنهم أبو يعقوب الخريمي.

- المتطرفون، وهؤلاء، تجاوزوا حد المطالبة بالتسوية، إلى تحقير العرب، والتقليل من شأنهم. وقد كان منهم:

ßرجال السياسة ßمجان وخلعاء ßقوميون ßملاحدة وزنادقة ß شعراء منظرون.



أهم مطاعنهم في العرب:

- كانوا ينقلون طبيعة الحياة العربية التي كانوا عليها من رعيٍ للغنم وقساوة في العيش، وتنقل بين مواطن الكلأ، كانوا يحولونها إلى نقاط هجاء واحتقار، مقارنين بينهم وبين طبائعهم هم وقد كانوا أصحاب حضارة، وملك، وحياة فارهه. وما النعيم الذي يعيشه العرب الآن إلا من فضلهم هم.

- تتبعوا ما وجد في نقائض العرب من هجاء، وجددوا توجيهه لهم على ألسنتهم، وزادوا عليها.

- وصلوا إلى درجة تحقير خصال العرب التي كانوا يفاخرون بها مثل الكرم، وتقبيحها.

- وزعموا أن صلتهم بالنبي محمد صلى الله علي وسلم، أوثق وساقوا لذلك حديثاً، شكك الدكتور شوقي ضيف في صحته،وهو " لأنا بهم أوثق مني بكم".

- حاولوا جر قريش في النسب إلى الفرس ليبعدوا الرسول، صلى الله عليه وسلم، عن اتصاله بالعرب. وقد اعتمدوا على أحاديث غير موثوقة في كل ما قالوه.

من شعرائهم:

بشار بن برد. وله في الشعوبية شعر وفير. يقول عن أصله، وافتخاره به:

هل من رسول مخبرٍ عني جميع العربِ

أني ورثـت المجد عن خيــر أبِ

وقبست الديـن عن خير نبــي

وقيصـر خالي إذا عددت يوماً نسبي

وقد قال قصيدة بعد أن استفزه رجل من الأعراب في مجلس مجزأة بن ثور السدوسي، فاستأذن بشار مجزأة للرد على الأعرابي، فقال، قصيدة هي أوضح ما تصورشعوبية بشار:

سأخبر فاخر الأعراب عني وعنه حين باز للفخــــار

أنا ابن الأكرمين أباً وأمـاً تنازعني المرازب من طخــار

ويقول فيها:

تفاخر يا ابن راعيـة وراعٍ بني الأحرار؟ حسبك من خسار

وكنت إذا ظمئت إلى قراحٍ شركت الكلب في ذاك الإطار



من الذين تصدوا للشعوبيين:

تصدى لهم نفر من الموالي أنفسهم. مثل:

- الجاحظß في البيان والتبيين.

- ابن قتيبةß في رسالته كتاب العرب.



تاسعاً: الزندقة:



مع المفهوم:



الزندقة كلمة معربة، من مصطلح إيراني، كان يطلقه الفرس على صنيع من يؤولون كتاب الأفستا، لداعيتهم زرادشت، تأويلاً ينحرف عن ظاهر نصوصه. ثم اتسع المفهوم ليشمل كل من استظهر نحلةً من نحل المجوس.واتسع كثيراً فشمل كل إلحادٍ في الدين الحنيف، وكل مجاهرة بالفسق والإثم.



أصول عقيدة الزندقة:



قامت جماعة الزنادقة معتمدين على تعاليم مختلطة من المانوية(نسبة إلى ماني)، والمزدكية(نسبة إلى مزدك). وأساسهم زرادشت.وقدكانت المانوية أخطر هذة المذاهب؛ لأن فيها خلط من تعاليم الزرادشتية في الإيمان بعقيدة إله الخير وإله الشر، والإباحية من المجوس، والزهد من النصرانية، فكان يصعب اكتشاف خبثهم بسهولة.



موقف الدولة من الزنادقة:

وقفت الدول العباسية موقفاً مشرفاً من هذة الفئة المفسدة في الأرض، ونصبوا لها حرب اللسان، إلى جانب حرب السنان. فكاوا ينشرون المناظرات لبيان حقيقتهم والتحذير منهم، وارجاع من يثوب منهم إلى رشده. والذي تثبت عليه تهمة الزندقة، فإن القتل هو خير ما يعالج به.

ومن لم يقوم بحد اللسان فبالسيف يا صاحبي قومه



أثر الشعوبية والزندقة في الشعر:

دفعت مثل هذة التوجهات الفكرية، بحركة الشعر إلى الازدهار، وبروز ظاهرة الشعراء الشعوبيون، والزنادقة، الذين نافحوا عن فكرتهم. وفي الطرف الآخر كان الشعراء يفندون شعرهم، ويردون عليهم، ما أثرى الحركة الشعرية. ويضاف إليه أيضا ما أضيف إلى الظواهر الاجتماعية، السابقة، التي استفادت من ثقافة العصر وتحضره، في توليد المعاني، ودقة التصوير، وابتكار الأخيلة، والصور الشعرية، والتفنن في استخدام اللغة، فيما يناسب المعنى، والمقال.



عاشراً: الزهد:



الزهد في اللغة يعني قلة الشيء، ويقول الخليل:" الزهادة في الدنيا، والزهد في الدين".([7]) ويمكن القول بأن الزهد في العصر العباسي كان بسبب أمرين ظاهرين:

الأول: أنه ردة فعل مباشرة لما كان يشيع في المجتمع من مجون وفسق. فقد كان المجتمع آنذاك فيه عدة جوانب اجتماعية:

1) مجتمع المسجد، وفيه حلقات الوعظ والإرشاد.

2) مجتمع قصر الخلافة، وفيه: خلط بين الوعظ والإرشاد حيناً، ومجتمع السمر واللهو، حيناً أخرى.

3) مجتمع الحانات ودور القيان، وما فيها من مجون وفسق وانحلال.

وقد كانت طبقة الزهاد، من الفئة الفقيرة المعدمة، غيرالمترفة.

الثاني: هو تسرب فكري متعمد من قبل زعماء التيارات الفكرية الفاسدة مثل المانوية، وكذلك هو تأثر بالعقائد المجاورة اجتماعياً مثل النصرانية، حيث يوجد لهم اختلاط مع المسلمين، ولا بد من أثر لهذا الاختلاط.



ويعتبر الزهد هو المرحلة الأولى، في التعامل مع شؤون الدنيا، ثم إذا تقدمنا قليلاً، كان لدينا التنسّك، إلى أن نصل إلى مرحلة التصوف، الذي يزهد فيه المرء في الحياة على جميع المستويات، فلا يشبع شيئاً من رغباته، وإن كانت من الضروريات. وإن منهم من يشرب الماء العكر، مبالغة في حرمان نفسه.([8])وليس لهذا الحرمان المبالغ فيه أصلٌ في ديننا، فقد قال تعالى في محكم تنزيله:" قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ".

وقد حاول جولد تسهير، الربط بين مقدمات نزعة التصوّف الإسلامي، وبين التعاليم الأفلاطونية، وما فيها من مذهب الفيض ووحدة الوجود، وبين البوذية الهندية. وإنني أوافق الدكتور شوقي ضيف بحكمه على جولد بالمبالغة، بل وأضيف بأن هذا يدعم فكرة أن ظهور نزعة الزهد التي تطورت إلى التصوف، هو تسرّب متعمّد يهدف إلى زعزعة العقيدة الإسلامية في نفوس أبنائها؛ حيث أن وجود قواسم مشتركة بين نزعة التصوف التي وهذة التعاليم سيؤثر في النفس الإنسانية لتقبل من تلك التعاليم المخالفة، ما يفسد العقيدة، بحجة، أن القواسم المشتركة تبرر ذلك، وهذ ما أقف أمامه موقف المعارض؛ لأن من أراد الخوض في هذا الغمار، يجب أن يكون معبأً تعبئةً ثقافيةً عقديةً لا سبيل إلى اختراقها، من أي قوة كانت.

أقسام الزهد في العصر العباسي:

كان الزهد على ثلاثة اوجه:

1) زهد ديني صحيح، يخلص فيه المرء دينه لله تعالى.

2) زهد مال إليه نفر من الناس بسبب الحرمان، وعدم توفر الأمور التي زهدوا فيها.

3) زهد مانوي مارق، وهذا الذي يمكن ربطه بالبوذية.

نماذج من شعر الزهد:



يقول أبو نواس:

يا رب إن عظمت ذنوبي كثرةً فلقد علمتُ بأن عفوك أعظـمُ

إن كان لا يرجوك إلا محسـنٌ فبمن يلوذ ويستجير المجـــرم

أدعوك ربي كما أمرت تضرّعاً فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم

ما لي إليك وسيلة إلا الرجـا وجميل عفوك ثم أني مسلــم



ويقول أبو العتاهية:

إني سألت القبر ما فعلت بعدي وجوه فيك منعفره

فأجابني صيرت ريحهـم تؤذيك بعد روائحٍ عطره

وأكلت أجساداً منعّمـةً كان النعيم يهزها نضره

لم أبق غير جماجمٍ عَرِيت بيضٍ تلوح وأعظمٍ نخره



وله أيضاً:

إلهي لا تعذبني فإنـــي مقرٌّ بالذي قد كان منـــي

وما لي حيلة إلا رجائــي وعفوك إن عفوت وحسن ظني

فكم من زلة لي في البرايـا وأنت عليّ ذو فضــلٍ ومنِّ

إذا فكرت في ندمي عليها عضضت أناملي وقرعت سنّي

يظنّ الناس بي خيراً وإنّـي لشرّ الناس إن لم تعفُ عنّــي

أُجَنُّ بزهرة الدنيا جنونـاً وأفني العمر فيها بالتمنـــي



أثر الزهد في الشعر:

كان للزهد آثارٌ واضحة في الشعر، منها:

- اهتم الناس بشعر الزهد وخاصة العامة منهم.

- كان القصاص والوعاظ يكثرون من إنشاد أبيات الشعر في ثنايا خطبهم وقصصهم، وهذا حفزهم على نظمه، كما نجد ذلك عند ابن المبارك.

- كما أن ذلك حفزكثيراً من الشعراء المجان، ليستثمروا مادة الوعظ التي تأتي على لسان الوعاظ، وينظموها شعراً بعد أن يثوبوا إلى ربهم، فجاؤا بصور شعرية، ومعانٍ دقيقة، أثْرَت أسلوبهم.









*****

















· الخاتمة:

وبعد:

فهذه الدولة العباسية، سياسياً واجتماعياً، كانت زاخرةً بالأحداث، كما زخرت بالصور الاجتماعية، المتناقضة. فقد استمر حكم بني العباس أكثر من خمسة قرون، تعاقب على كرسي عرشها خلفاء كثر، تنوعت فترات حكمهم بين طويلةٍ وقصيرة، حتى إن منهم من كانت فترة ولايته يوماً واحداً. فقد وقع العباسيون تحت سيطرة زمرة من الحجاب والوزراء، الذين ليس لهم فضل سوى أنهم أقاموا دولة بني العباس في بدايتها، وهم الفرس، وإن كانوا أرحم من الأتراك الذين بدأت سيطرتهم تأخذ دورها بعد أن قتل المتوكل، فلم يعد لبني العباس سلطة حقيقة.

وقبل هذا وأثناءه وبعده، كانت للدولة العباسية صورٌ من الظلم، وسوء توزيع للثروة على المجتمع، ما جعله ينقسم إلى طبقات: إحداها ترفل بأثواب النعيم، والأخرى ترزح تحت نير الفقر كأنها رقيق مجتلب، وبينهما طبقة منتفعة لا هم لها سوى جمع المال.

وقد جعل هذا الحال المجتمع العباسي يبدو وكأنه قائم على التناقض…التناقض في كل صور الحياة.

- الغنى يقابله الفقر. ولهذا أهله، ولذاك ناسه.

- المجون والانحلال، يقابله الزهد والانصراف عن شهوات الدنيا.

- قيام الدعوة على أساس العدل والإنصاف، فإذا بها تستحيل إلى استئثار بالسلطة ومواردها.

- حتى اللهو. فمن يلهو على الخيل، والصيد بالصقور، ليس كمن يلهو بمجرد الفرجة على مروضٍ للقردة.

هذا وغيره كثير يصور مدى التناقض الذي نلمسه من واقع الحياة آنذاك. ثم لن نستغرب-بعد ذلك- بأن تدور الدائرة على هؤلاء القوم، فإن الأرض لله يورثها من يشاء، والعاقبة للمتقين.

وجنباً إلى جنب،كان الشعر رديف هذة الأحداث، وتلك الصور الاجتماعية، وقد اكتسى من أثواب التجديد ما أثرى كتب الأدب. وقد قدمت نماذج منه، مع إشاراتٍ لملامح التجديد، وأثر الحياة السياسية والاجتماعية، فيه.

وأخيرأ…

أتمنى أن يكون إخراج ما اقتبسته من كتاب الدكتور شوقي ضيف، إخراجاً ناجحاً. وأن يحقق الفائدة المرجوة منه. فهو في حقيقته تلخيص للحياة السياسية والحياة الاجتماعية من كتاب العصر العباسي الأول، وبعض الإشارات من العصر الثاني، للدكتور شوقي ضيف، وإشارات بسيطة من كتب أخرى مدونة في الحواشي.