الفكر الإستراتيجي
مرسل: الثلاثاء ديسمبر 20, 2011 9:05 pm
مفهوم القوة في الفكر الإستراتيجي
أحمد شيخ طويل
مفهوم القوة في الفكر الإستراتيجي
مقدمة:
برغم من أن الفلاسفة والعلماء الإجتماعيين والإستراتيجيين العسكريين قد أفاضوا منذ القدم حول تناول مفهوم القوة واختلفوا في تعريفه إلا أن الإختلافات القائمة بينهم لم تكن جوهرية بالقدر الكبير، وذلك بالنسبة للأغراض العلمية التي تختلف كثيراً في طبيعتها عن المداولات الأكاديمية؛ على قدر أهمية الأخيرة .
والقوة ( Power ) هي ببساطة القدرة على التأثير على الآخرين وإخضاعهم لإرادة القوي الفاعل، لذلك فالأقوياء في أي موقف اجتماعي كان أم سياسي أم اقتصادي أم ثقافي هم الذين يفرضون إرادتهم وكلمتهم ويسيرون الأمور كما يرونها ووفقاً لمصالحهم الخاصة.
تعتبر قوة الدولة من العوامل التي يعلق عليها أهمية خاصة في ميدان العلاقات الدولية، وذلك بالنظر إلى أن هذه القوة هي التي ترسم أبعاد الدور، الذي تقوم به الدولة في المجتمع الدولي وتحدد إطار علاقاتها بالقوى الخارجية في البيئة الدولية (1) وبطبيعة الحال لا يعني ذلك أن الدولة القوية والتي تسير الأمور وفقاً لمصالحها ورغباتها دولة سيئة أو أنانية أو مفسدة في الأرض، فالسوء والأنانية والإفساد؛ أمور مستقلة عن القوة، ودليل على ذلك قول الرسول محمد صلي الله عليه وسلم " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلٍ خير" ومن ثمَ فإن العامل المحدد لأخلاقية القوة هو استخدامها في الخير والإعمار دون إلحاق الضرر بمصالح الآخرين .
مفهوم القوة تجاوز في مضمونه الفكري المعنى العسكري الشائع إلى مضمون حضاري أوسع ليشمل القوة السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية والتقنية ... الخ. ولكن أياً من مصادر القوة مهما تعددت لا يكتسب وزناً وتأثيراً بمجرد وجوده، وإنما يرتبط هذا الوزن والتأثير بالقدرة على التدخل الواعي لتحويل مصادر القوة المتاحة إلى طاقة مؤثرة وسلاح فعال، فالقوة ( Strength ) هي مجرد إمتلاك مصادر القوة كالموارد والقدرات الاقتصادية والعسكرية والسكان وغيرها، أما القدرة (Power) فتنصرف إلى إمكانية تحويل هذه المصادر إلى عنصر ضغط وتأثير في إرادات الآخرين .
تعريف القوة لغةً:
ورد في المعجم الوسيط أن القوة هي ضد الضعف وهي الطاقة، وهي تمكن الإنسان من أداء الأعمال الشاقة، وهي المؤثر الذي يغير أو يحيل حالة سكون الجسم، وهي مبعث النشاط والحركة والنمو وجمعها قوى، ورجل شديد القوى أي شديد وقوي في نفسه وقوَّى دعم ووطَّد، كما نجد أن القوي والقادر والمقتدر من أسماء الله الحسنى، تأتي القوة بمعنى الجد في الأمر وصدق العزيمة، وقد وردت القوة في القرآن الكريم في كثير من الآيات، وعلى سبيل المثال " وأعدوا لهم ما أستطعتم من قوة "(2)أي أعدوا لهم جميع أنواع القوة المادية والمعنوية (3) " خذوا ما أتيناكم بقوة (4) أي بحـزم وعزم (5) "لو أن لي بكم قوة أو أوي إلى ركن شديد " (6) أي لو كان لي قوة أستطيع أن أدفع أذاكم بها أو الجأ إلى عشيرة وأنصار تنصرني عليكم (7) .
والقوة هي لغة كل العصور وهي أحد المفردات الهامة التي يتوقف عندها المفكرون في كافة أنحاء الأرض وبمختلف لغاتهم، حيث تبين أن معناها يكاد يكون واحد في كل اللغات حيث يدور في إطار مفهوم القدرة على الفعل والإستطاعة والطاقة وهي ضد الضعف وتعني أيضاً التأثير والنفوذ والسلطة .
تعريف القوة إصطلاحاً:
يعرف علم الإجتماع القوة "بالقدرة على إحداث أمر معين" و"تأثير فرد أو جماعة عن طريق ما على سلوك الآخرين"، يعتبر موضوع القوة من المواضيع التي يهتم بها علم الجغرافية السياسية والعلاقات الدولية لذا جاء تعريف وتفسير مفهوم القوة للكثير من الكتاب والمفكرين في هذا الإطار.
وفي رأي كارل فريدريك فإن أفضل تعريف للقوة هي القدرة على إنشاء علاقة تبعية فعند القول أن لإنسان ما قوة سياسية تفوق قوى الآخرين، فهذا يعني أن الآخرين يتبعون نظام أفضلياته، والقوة ليست مجرد التسلط ولكنها تتضمن أيضاً القدرة على الإستمالة والنفوذ لدى الآخرين، ويرى أنه بالاسـتخدام الماهر والذكي للقوة يمكن للطـرف (أ) أن يجعل الطـرف (ب) يفعل ما يريد دون قهـر أو إرغام بمعنى يمكن تحويل القهـر إلى إتفاق وتزامن كنفـوذ جماعات الضـغط في المجتمعات المتحضرة(8).
ويرى سبيكمان أن القوة تعني البقاء على قيد الحياة والقدرة على فرض إرادة الشخص على الآخرين والمقدرة أيضاً على إملاء هذه الإرادة على أولئك الذين لا قوة لهم وإمكانية إجبار الآخرين ذوي القوة الأقل على تقديم تنازلات(9) .
ويرى كل من ميكافيلي وهوبز ومورغنثوه على أن القوة هي الوسيلة والغاية النهاية التي تعمل الدولة للوصول إليها في مجال العلاقات الدولية .
ولقد بلور علماء الجيوبولتيكا مفهوم القوة وكأنه مرادف لمفهوم السيطرة فلقد بين راتزل بأن الدولة كائن حي يحتاج إلى النمو والتطور حتى لو كان عن طريق القوة. ويعتبر علماء السياسة أن مفهوم القوى هو المفهوم الرئيسي في علم السياسة بل ومن المفاهيم الرئيسية في العلوم الإجتماعية كلها ومن ناحية أخرى فإن السياسة ترتبط بشكل وثيق مع القوى . كما أن البحث عن القوة يميز السياسة عن الأنواع الأخرى من النشاط الإنساني(10) .
في عالم السياسة توجد ثلاثة إتجاهات لتعريف القوة :
الإتجاه الأول: يعرف القوة بأنها القدرة على التأثير في الغير وهي القدرة على حمل الآخرين للتصرف بطريقة تضيف إلى مصالح مالك القوة .
الإتجاه الثاني: يعرف القوة بأنها المشاركة الفعالة في صنع القرارات المهمة في المجتمع.
الإتجاه الثالث: يحاول أن يجمع بين الإتجاهين السابقين ويعـرف القوة بأنها التحكم والسيطرة المباشرة أو غير المباشرة لشخص معين أو جماعة معينة على أوجه إثارة القضايا السياسية أو عملية توزيع القيم وما يترتب عليه من مقدرة في تقرير أو تأثير في الموقف في الإتجاه الذي يفضله صاحب القوة(11) .
أما كلية الحرب الأمريكية فتعرف مفهوم القوة القومية للدولة بأنها الإمكانية أو القدرة التي يمكن أن تستخدمها الدولة للوصول إلى أهدافها القومية في الصراع الدولي، إذن فالقوة هي الطاقة العامة للدولة لكي تسيطر وتتحكم في تصرفات الآخرين (12) .
في الفكر الإستراتيجي يقصد بقوة الدولة فاعلية الدولة ووزنها في المجال الدولي الناتجان عن قدرتها على توظيف مصادر القوة المتاحة لديها في فرض إرادتها وتحقيق أهدافها ومصالحها القومية والتأثير في إرادة الدول الأخرى ومصالحها وأهدافها. وقوة الدولة بهذا المعنى تتحدد في ضوء عنصرين مصادر القوة ثم عملية إدارة وتوظيف تلك المصادر، لذا فإن أياً من مصادر القوة لا يكتسب وزناً وتأثيراً بمجرد وجوده وإنما يرتبط هذا الوزن والتأثير بالتدخل الواعي لتحويل مصادر القوة المتاحة إلى طاقة مؤثرة وسلاح فعال.
المفاهيم المرتبطة بمفهوم القوة
يتداخل مفهوم القوة مع عدة مفاهيم أخرى مثل السلطة والنفوذ والقهر والتأثير والإرغام والردع والإرهاب والإغراء، وهي تستخدم كمترادفات وكعناصر لتحليل القوة .
السلطة: هي الوجه الأول للقوة السياسية والسلطة بصفة عامة هي قوة ذات طابع نظامي حيث تكون القوة مرتبطة بمنصب أو وظيفة معينة معترف بها داخل المجتمع ويعطي لشاغلها حق إصدار القرارات ذات صفة الإلزام الشرعي بالنسبة للآخرين، وتنقسم إلى ثلاثة أنواع: سلطة قانونية وتقليدية وكاريزماتية .
النفوذ السياسي: هو الوجه الثاني للقوة السياسية وهي ممارسة عن طريق تفاعل إجتماعي تستخدم فيه وسائل الإغراء والترهيب والإقناع والسيطرة والهيمنة والإرغام والإكراه، وتوجد أشكال متعددة من النفوذ تتراوح ما بين الترغيب والإستمالة والإقتناع إلى السيطرة والهيمنة والردع والإكراه((13) .
القهــر: هو أي قوة أو تهديد يقلل من حرية الحركة، بما يجعل التصرفات تتم بحرية أقل مما كان يمكن أنَّ تكون عليه، وهناك بعض المفكـرين يميزون بين التأثير والقـوة والقهـر، والقهر شكل من أشـكال القوة التي تواجه المجبر بالقـدرة على إلحاق الضرر به بغض النظر عن الموقف الذي يتخذه .
التأثير: يعد مفهوم التأثير مفهوماً محورياً في الدراسات السياسية حيث يميز بعض المحللين بينه وبين مفهوم القوة عن طريق تضيقه بحيث لا يشمل إلا الوسائل غير المباشرة أو غير الملموسة لتغيير السلوك. أما البعض الآخر فيعتبر أن القوة ما هي إلا شكل من أشكال التأثير (14)، وقد يكون التأثير قسرياً أو غير قسري .
الهيمنة: يدل مفهوم الهيمنة على تأثير دولة على دولة أو دول أخرى ويصف سياسات القوة التي تردع بها جيرانها المعتمدين عليها بالتهديد من أجل إجبارهم على الاستسلام .
السيطرة: يدل مفهوم السيطرة على ممارسة دولة لها نفوذ وقوة لنفوذ فعلي على دولة أخرى أو إقليم معين، وهذا النفوذ قد يأخذ شكل تحالف أو علاقة تبعية، وهو ينتج عن التفاوت في القوة بين الدول وبعضها البعض .
الردع: يتميز الردع بوجود إستراتيجية للتهديد بالعقاب، أي إقناع الخصم بأن التصرف غير المرغوب فيه سوف يكبده من الخسائر أكثر بكثير مما قد يترتب عليه من مكاسب، ويجب أن يكون الردع مصداقياً، وأحياناً تكمن القوة في إغراء طرف أخر بالمكافأة .
الإكراه: شكل من أشكال التأثير وللإكراه صور متعددة إقتصادية وإجتماعية، سياسية وإن التهديد بإستخدام القوة أو الإستخدام الفعلي للقوة العسكرية هو شكل من أشكال القوة ويرتبط بمفاهيم القوة والتأثير والسلطة.
وهناك تميز بين القدرة والقوة فالقدرة هي معطي موضوعي وهي موارد متاحة أما القوة فهي ممارسة عملية وهي التوظيف السياسي لتلك الموارد، وإن النقلة من إمتلاك الموارد إلى إستخدامها أي من القدرة إلى القوة، يتطلب إرادة سياسية ودور للعقل البشري، وفي كثير من الحالات التاريخية نجد أن الحروب قد تحددت ليس بميزان القدرات والإمكان وحسب ولكن أيضاً بإرادة التصميم والعزم والمثابرة وتلعب القيادة السياسية الحاكمة والثقافة السياسية السائدة دوراً حاسماً وهاماً في هذا المجال .
مصادر القوة (2)
إذا قلنا أن القوة هي القدرة على التأثير على الآخرين، وأن المجتمع أو الدولة القوية هما القادران على التأثير على الآخرين ويعمل الآخرون من الدول والمجتمعات لها حساباً. فلابد أن تكون لهذه الدولة مقومات تضطر المجتمعات والدول الأخرى للخضوع لها فما هي مصادر القوة عند هذه الدولة القوية أو ذلك المجتمع المؤثر؟
هناك شبه إجماع بين مفكري الجغرافيا السياسية أن مصادر القوة والتي تحدد قيمة الدولة من الناحية السياسية يمكن إبرازها في ثلاثة عوامل هي :
1ـ العوامل الطبيعية .
2ـ العوامل الاقتصادية .
3ـ العوامل البشرية .
ويرجع آخرون قوة الدولة إلى خمسة عوامل تشكل منهجاً يقوم بتحليل هذه العوامل باعتبارها معادلة القوة الشاملة للدولة وهي :
1ـ العامل الجغرافي .
2ـ العامل الاقتصادي .
3ـ العامل السياسي .
4ـ العامل النفسي .
5ـ العامل العسكري.
كما يرى بعض مفكري العلاقات الدولية وعلى رأسهم هانز مورجانثو أن القوة الشاملة للدولة يعبر عنها من خلال تسعة عناصر هي :
1ـ العامل الجغرافي .
2ـ الموارد الطبيعية.
3ـ الطاقة الصناعية.
4ـ الاستعداد العسكري.
5ـ السكان .
6ـ الشخصية القومية .
7ـ الروح المعنوية .
8ـ نوعية الدبلوماسية .
9ـ نوعية الحكم .
هكذا تطور الفكر العالمي بالنسبة لمفهوم القوة الشاملة للدولة وإن كانت قد استقرت أخيراً على وجهة نظر شرقية وأخرى غربية .
وجهة النظر الأولى
التي يعبر عنها بوجهة النظر الشرقية (نسبة للاتحاد السوفيتي السابق) والتي تشير إلى مفردات القوة الشاملة في إطار خمسة قدرات هي :
1ـ القدرة السياسية (القدرة الداخلية) .
2ـ القدرة الدبلوماسية (القدرة الخارجية).
3ـ القدرة الاقتصادية .
4ـ القدرة العسكرية .
5ـ القدرة المعنوية .
أحمد شيخ طويل
مفهوم القوة في الفكر الإستراتيجي
مقدمة:
برغم من أن الفلاسفة والعلماء الإجتماعيين والإستراتيجيين العسكريين قد أفاضوا منذ القدم حول تناول مفهوم القوة واختلفوا في تعريفه إلا أن الإختلافات القائمة بينهم لم تكن جوهرية بالقدر الكبير، وذلك بالنسبة للأغراض العلمية التي تختلف كثيراً في طبيعتها عن المداولات الأكاديمية؛ على قدر أهمية الأخيرة .
والقوة ( Power ) هي ببساطة القدرة على التأثير على الآخرين وإخضاعهم لإرادة القوي الفاعل، لذلك فالأقوياء في أي موقف اجتماعي كان أم سياسي أم اقتصادي أم ثقافي هم الذين يفرضون إرادتهم وكلمتهم ويسيرون الأمور كما يرونها ووفقاً لمصالحهم الخاصة.
تعتبر قوة الدولة من العوامل التي يعلق عليها أهمية خاصة في ميدان العلاقات الدولية، وذلك بالنظر إلى أن هذه القوة هي التي ترسم أبعاد الدور، الذي تقوم به الدولة في المجتمع الدولي وتحدد إطار علاقاتها بالقوى الخارجية في البيئة الدولية (1) وبطبيعة الحال لا يعني ذلك أن الدولة القوية والتي تسير الأمور وفقاً لمصالحها ورغباتها دولة سيئة أو أنانية أو مفسدة في الأرض، فالسوء والأنانية والإفساد؛ أمور مستقلة عن القوة، ودليل على ذلك قول الرسول محمد صلي الله عليه وسلم " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلٍ خير" ومن ثمَ فإن العامل المحدد لأخلاقية القوة هو استخدامها في الخير والإعمار دون إلحاق الضرر بمصالح الآخرين .
مفهوم القوة تجاوز في مضمونه الفكري المعنى العسكري الشائع إلى مضمون حضاري أوسع ليشمل القوة السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية والتقنية ... الخ. ولكن أياً من مصادر القوة مهما تعددت لا يكتسب وزناً وتأثيراً بمجرد وجوده، وإنما يرتبط هذا الوزن والتأثير بالقدرة على التدخل الواعي لتحويل مصادر القوة المتاحة إلى طاقة مؤثرة وسلاح فعال، فالقوة ( Strength ) هي مجرد إمتلاك مصادر القوة كالموارد والقدرات الاقتصادية والعسكرية والسكان وغيرها، أما القدرة (Power) فتنصرف إلى إمكانية تحويل هذه المصادر إلى عنصر ضغط وتأثير في إرادات الآخرين .
تعريف القوة لغةً:
ورد في المعجم الوسيط أن القوة هي ضد الضعف وهي الطاقة، وهي تمكن الإنسان من أداء الأعمال الشاقة، وهي المؤثر الذي يغير أو يحيل حالة سكون الجسم، وهي مبعث النشاط والحركة والنمو وجمعها قوى، ورجل شديد القوى أي شديد وقوي في نفسه وقوَّى دعم ووطَّد، كما نجد أن القوي والقادر والمقتدر من أسماء الله الحسنى، تأتي القوة بمعنى الجد في الأمر وصدق العزيمة، وقد وردت القوة في القرآن الكريم في كثير من الآيات، وعلى سبيل المثال " وأعدوا لهم ما أستطعتم من قوة "(2)أي أعدوا لهم جميع أنواع القوة المادية والمعنوية (3) " خذوا ما أتيناكم بقوة (4) أي بحـزم وعزم (5) "لو أن لي بكم قوة أو أوي إلى ركن شديد " (6) أي لو كان لي قوة أستطيع أن أدفع أذاكم بها أو الجأ إلى عشيرة وأنصار تنصرني عليكم (7) .
والقوة هي لغة كل العصور وهي أحد المفردات الهامة التي يتوقف عندها المفكرون في كافة أنحاء الأرض وبمختلف لغاتهم، حيث تبين أن معناها يكاد يكون واحد في كل اللغات حيث يدور في إطار مفهوم القدرة على الفعل والإستطاعة والطاقة وهي ضد الضعف وتعني أيضاً التأثير والنفوذ والسلطة .
تعريف القوة إصطلاحاً:
يعرف علم الإجتماع القوة "بالقدرة على إحداث أمر معين" و"تأثير فرد أو جماعة عن طريق ما على سلوك الآخرين"، يعتبر موضوع القوة من المواضيع التي يهتم بها علم الجغرافية السياسية والعلاقات الدولية لذا جاء تعريف وتفسير مفهوم القوة للكثير من الكتاب والمفكرين في هذا الإطار.
وفي رأي كارل فريدريك فإن أفضل تعريف للقوة هي القدرة على إنشاء علاقة تبعية فعند القول أن لإنسان ما قوة سياسية تفوق قوى الآخرين، فهذا يعني أن الآخرين يتبعون نظام أفضلياته، والقوة ليست مجرد التسلط ولكنها تتضمن أيضاً القدرة على الإستمالة والنفوذ لدى الآخرين، ويرى أنه بالاسـتخدام الماهر والذكي للقوة يمكن للطـرف (أ) أن يجعل الطـرف (ب) يفعل ما يريد دون قهـر أو إرغام بمعنى يمكن تحويل القهـر إلى إتفاق وتزامن كنفـوذ جماعات الضـغط في المجتمعات المتحضرة(8).
ويرى سبيكمان أن القوة تعني البقاء على قيد الحياة والقدرة على فرض إرادة الشخص على الآخرين والمقدرة أيضاً على إملاء هذه الإرادة على أولئك الذين لا قوة لهم وإمكانية إجبار الآخرين ذوي القوة الأقل على تقديم تنازلات(9) .
ويرى كل من ميكافيلي وهوبز ومورغنثوه على أن القوة هي الوسيلة والغاية النهاية التي تعمل الدولة للوصول إليها في مجال العلاقات الدولية .
ولقد بلور علماء الجيوبولتيكا مفهوم القوة وكأنه مرادف لمفهوم السيطرة فلقد بين راتزل بأن الدولة كائن حي يحتاج إلى النمو والتطور حتى لو كان عن طريق القوة. ويعتبر علماء السياسة أن مفهوم القوى هو المفهوم الرئيسي في علم السياسة بل ومن المفاهيم الرئيسية في العلوم الإجتماعية كلها ومن ناحية أخرى فإن السياسة ترتبط بشكل وثيق مع القوى . كما أن البحث عن القوة يميز السياسة عن الأنواع الأخرى من النشاط الإنساني(10) .
في عالم السياسة توجد ثلاثة إتجاهات لتعريف القوة :
الإتجاه الأول: يعرف القوة بأنها القدرة على التأثير في الغير وهي القدرة على حمل الآخرين للتصرف بطريقة تضيف إلى مصالح مالك القوة .
الإتجاه الثاني: يعرف القوة بأنها المشاركة الفعالة في صنع القرارات المهمة في المجتمع.
الإتجاه الثالث: يحاول أن يجمع بين الإتجاهين السابقين ويعـرف القوة بأنها التحكم والسيطرة المباشرة أو غير المباشرة لشخص معين أو جماعة معينة على أوجه إثارة القضايا السياسية أو عملية توزيع القيم وما يترتب عليه من مقدرة في تقرير أو تأثير في الموقف في الإتجاه الذي يفضله صاحب القوة(11) .
أما كلية الحرب الأمريكية فتعرف مفهوم القوة القومية للدولة بأنها الإمكانية أو القدرة التي يمكن أن تستخدمها الدولة للوصول إلى أهدافها القومية في الصراع الدولي، إذن فالقوة هي الطاقة العامة للدولة لكي تسيطر وتتحكم في تصرفات الآخرين (12) .
في الفكر الإستراتيجي يقصد بقوة الدولة فاعلية الدولة ووزنها في المجال الدولي الناتجان عن قدرتها على توظيف مصادر القوة المتاحة لديها في فرض إرادتها وتحقيق أهدافها ومصالحها القومية والتأثير في إرادة الدول الأخرى ومصالحها وأهدافها. وقوة الدولة بهذا المعنى تتحدد في ضوء عنصرين مصادر القوة ثم عملية إدارة وتوظيف تلك المصادر، لذا فإن أياً من مصادر القوة لا يكتسب وزناً وتأثيراً بمجرد وجوده وإنما يرتبط هذا الوزن والتأثير بالتدخل الواعي لتحويل مصادر القوة المتاحة إلى طاقة مؤثرة وسلاح فعال.
المفاهيم المرتبطة بمفهوم القوة
يتداخل مفهوم القوة مع عدة مفاهيم أخرى مثل السلطة والنفوذ والقهر والتأثير والإرغام والردع والإرهاب والإغراء، وهي تستخدم كمترادفات وكعناصر لتحليل القوة .
السلطة: هي الوجه الأول للقوة السياسية والسلطة بصفة عامة هي قوة ذات طابع نظامي حيث تكون القوة مرتبطة بمنصب أو وظيفة معينة معترف بها داخل المجتمع ويعطي لشاغلها حق إصدار القرارات ذات صفة الإلزام الشرعي بالنسبة للآخرين، وتنقسم إلى ثلاثة أنواع: سلطة قانونية وتقليدية وكاريزماتية .
النفوذ السياسي: هو الوجه الثاني للقوة السياسية وهي ممارسة عن طريق تفاعل إجتماعي تستخدم فيه وسائل الإغراء والترهيب والإقناع والسيطرة والهيمنة والإرغام والإكراه، وتوجد أشكال متعددة من النفوذ تتراوح ما بين الترغيب والإستمالة والإقتناع إلى السيطرة والهيمنة والردع والإكراه((13) .
القهــر: هو أي قوة أو تهديد يقلل من حرية الحركة، بما يجعل التصرفات تتم بحرية أقل مما كان يمكن أنَّ تكون عليه، وهناك بعض المفكـرين يميزون بين التأثير والقـوة والقهـر، والقهر شكل من أشـكال القوة التي تواجه المجبر بالقـدرة على إلحاق الضرر به بغض النظر عن الموقف الذي يتخذه .
التأثير: يعد مفهوم التأثير مفهوماً محورياً في الدراسات السياسية حيث يميز بعض المحللين بينه وبين مفهوم القوة عن طريق تضيقه بحيث لا يشمل إلا الوسائل غير المباشرة أو غير الملموسة لتغيير السلوك. أما البعض الآخر فيعتبر أن القوة ما هي إلا شكل من أشكال التأثير (14)، وقد يكون التأثير قسرياً أو غير قسري .
الهيمنة: يدل مفهوم الهيمنة على تأثير دولة على دولة أو دول أخرى ويصف سياسات القوة التي تردع بها جيرانها المعتمدين عليها بالتهديد من أجل إجبارهم على الاستسلام .
السيطرة: يدل مفهوم السيطرة على ممارسة دولة لها نفوذ وقوة لنفوذ فعلي على دولة أخرى أو إقليم معين، وهذا النفوذ قد يأخذ شكل تحالف أو علاقة تبعية، وهو ينتج عن التفاوت في القوة بين الدول وبعضها البعض .
الردع: يتميز الردع بوجود إستراتيجية للتهديد بالعقاب، أي إقناع الخصم بأن التصرف غير المرغوب فيه سوف يكبده من الخسائر أكثر بكثير مما قد يترتب عليه من مكاسب، ويجب أن يكون الردع مصداقياً، وأحياناً تكمن القوة في إغراء طرف أخر بالمكافأة .
الإكراه: شكل من أشكال التأثير وللإكراه صور متعددة إقتصادية وإجتماعية، سياسية وإن التهديد بإستخدام القوة أو الإستخدام الفعلي للقوة العسكرية هو شكل من أشكال القوة ويرتبط بمفاهيم القوة والتأثير والسلطة.
وهناك تميز بين القدرة والقوة فالقدرة هي معطي موضوعي وهي موارد متاحة أما القوة فهي ممارسة عملية وهي التوظيف السياسي لتلك الموارد، وإن النقلة من إمتلاك الموارد إلى إستخدامها أي من القدرة إلى القوة، يتطلب إرادة سياسية ودور للعقل البشري، وفي كثير من الحالات التاريخية نجد أن الحروب قد تحددت ليس بميزان القدرات والإمكان وحسب ولكن أيضاً بإرادة التصميم والعزم والمثابرة وتلعب القيادة السياسية الحاكمة والثقافة السياسية السائدة دوراً حاسماً وهاماً في هذا المجال .
مصادر القوة (2)
إذا قلنا أن القوة هي القدرة على التأثير على الآخرين، وأن المجتمع أو الدولة القوية هما القادران على التأثير على الآخرين ويعمل الآخرون من الدول والمجتمعات لها حساباً. فلابد أن تكون لهذه الدولة مقومات تضطر المجتمعات والدول الأخرى للخضوع لها فما هي مصادر القوة عند هذه الدولة القوية أو ذلك المجتمع المؤثر؟
هناك شبه إجماع بين مفكري الجغرافيا السياسية أن مصادر القوة والتي تحدد قيمة الدولة من الناحية السياسية يمكن إبرازها في ثلاثة عوامل هي :
1ـ العوامل الطبيعية .
2ـ العوامل الاقتصادية .
3ـ العوامل البشرية .
ويرجع آخرون قوة الدولة إلى خمسة عوامل تشكل منهجاً يقوم بتحليل هذه العوامل باعتبارها معادلة القوة الشاملة للدولة وهي :
1ـ العامل الجغرافي .
2ـ العامل الاقتصادي .
3ـ العامل السياسي .
4ـ العامل النفسي .
5ـ العامل العسكري.
كما يرى بعض مفكري العلاقات الدولية وعلى رأسهم هانز مورجانثو أن القوة الشاملة للدولة يعبر عنها من خلال تسعة عناصر هي :
1ـ العامل الجغرافي .
2ـ الموارد الطبيعية.
3ـ الطاقة الصناعية.
4ـ الاستعداد العسكري.
5ـ السكان .
6ـ الشخصية القومية .
7ـ الروح المعنوية .
8ـ نوعية الدبلوماسية .
9ـ نوعية الحكم .
هكذا تطور الفكر العالمي بالنسبة لمفهوم القوة الشاملة للدولة وإن كانت قد استقرت أخيراً على وجهة نظر شرقية وأخرى غربية .
وجهة النظر الأولى
التي يعبر عنها بوجهة النظر الشرقية (نسبة للاتحاد السوفيتي السابق) والتي تشير إلى مفردات القوة الشاملة في إطار خمسة قدرات هي :
1ـ القدرة السياسية (القدرة الداخلية) .
2ـ القدرة الدبلوماسية (القدرة الخارجية).
3ـ القدرة الاقتصادية .
4ـ القدرة العسكرية .
5ـ القدرة المعنوية .