صفحة 1 من 1

إشكالية التمويل الخارجي في مصر وتونس

مرسل: الثلاثاء ديسمبر 20, 2011 9:55 pm
بواسطة محمد ابراهيم
في أثناء الثورتين المصرية والتونسية، أثيرت قضية التمويل السياسي الخارجي بغرض تشويه صورة الثوار. ولكن بعد نجاح الثورتين في الإطاحة برئيسي البلدين، أثير الجدل بشأن قضية التمويل السياسي مرة أخرى.

ففي تونس، اتهمت الأحزاب بتلقي التمويل والدعم الخارجي. وفي مصر،أثار إعلان الولايات المتحدة دفعها ملايين الدولارات لأطراف مصرية إشكالية بين واشنطن والقاهرة، حيث لجأت الأخيرة للتحقيق القضائي باعتباره تدخلا مرفوضا في شئون البلاد. كما اتهم المجلس الأعلى للقوات المسلحة بعض الحركات الشبابية بتلقي تمويل من الخارج، لكن هذه الحركات ردت علي هذا الاتهام ببلاغين منفصلين للنائب العام، يطلبان فيهما التحقيق في اتهامات المجلس لهما.

قصور تشريعي

ويزيد من خطورة القضية وجود قصور تشريعي تجاه الجهات التي تتلقي تمويلا خارجيا، سواء كأطراف سياسية أومنظمات المجتمع المدني، التي يحق للبعض منها تلقي التمويل الخارجي من جهات محددة.لكن المشكلة تكمن في المنظمات الأخرى التي ليس لها الحق في ذلك، وفي تحديد هوية الجهات المانحة وأهدافها، وطبيعة المشروعات الممولة.

ويقر وزير التضامن الاجتماعي المصري، جودة عبد الخالق، بوجود قصور في التشريع قد يحول دون ملاحقة الجهات التي تتلقي تمويلا خارجيا، مؤكدا سعي الحكومة لاستصدار مرسوم بقانون بعمل التعديل المطلوب في التشريعات.

ويلاحظ أن التمويل الخارجي في مصر قد بدأ في منتصف الستينيات في إطار صراع بعض التيارات الدينية مع النظام الناصري، ومع ظهور منظمات المجتمع المدني التي كانت تعتمد على التمويل الخارجي متعدد الأطراف، سواء من دول الاتحاد السوفيتي أو الولايات المتحدة الأمريكية. والآن في ظل تغييرات ثورية حقيقية، فإن الاتهام بأن هناك مصادر لتمويل الثورة المصرية يشوه هذه الثورة، ويجردها من فدائيتها، ويشكك في إخلاص الشباب والشعب.

فإذا كانت هناك اختراقات قديمة لدي البعض، فهي محدودة الأثر ومحدودة النطاق، ولكن إثارتها بهذا الشكل والتوقيت تمثل تشويها للثورة المصرية.ومع ذلك، فتعد مسألة التمويل والمعونات الأجنبية أمرا طبيعيا في تمويل ميزان المدفوعات أوالموازنة العامة للدولة. فمنذ 1979 وحتي الآن، تحصل مصر علي معونات أمريكية علي هيئة مبادرات تمويل لمشاريع ودورات تدريبية، قد يكون الهدف منها محاولة لكسب ود مجتمع كان بالأساس معاديا لها لسنوات طويلة، وإن كانت هناك دول أخرى عربية وغيرها تقوم بالدور ذاته.

ويعطي التمويل الأجنبي انطباعا بأن هذه الأموال تدفع لتوجيه سياسات ما، فإن حدث ذلك يعد بمثابة الخيانة العظمي. وإن كان دافعو هذه الأموال يسمون(Donors) أي مانحين، فهي بالتالي هبات ولا ترد. فمؤسسات المجتمع المدني لا تسعي لسلطة ولا لمناهضة الحكومة، خاصة لو كانت الحكومة ديمقراطية.

وتصبح قضية التمويل الأجنبي أكثر جدلا، خاصة علي مستوي الأحزاب السياسية، فالتنافس الانتخابي بدأ قبل موعده، والسباق إلي المال السياسي دخل هو أيضا مرحلة تنافس شرس. وهنا، يجب الفصل بين العمل السياسي والعمل الخيري الذي يجب عدم توظيفه للعمل السياسي.

وقد منعت الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة في تونس التمويل الأجنبي للأحزاب جملة وتفصيلا، مقابل تلقي التمويل الداخلي، بالإضافة إلي الموافقة علي مقترح بإنشاء لجنة مستقلة لمراقبة تمويل الأحزاب والحملات الانتخابية للتصدي لظاهرة انفلات المال السياسي.

ويبقي الجدل مثارا في تونس بين من يعد التمويل السياسي تشويها لديمقراطية، لم تبدأ خطاها الأولي بعد، وبين من يعد المال السياسي ضرورة للانتقال الديمقراطي، ولكن بقواعد مالية صارمة. وإن كان التمويل من مؤسسات اقتصادية داخلية لحزب سياسي بغرض مراعاة مصالحها لها، حين الوصول للسلطة، فذلك هو الفساد من أوسع أبوابه.

وقد تأتي المعونات الأجنبية مصاحبة لأغراض خاصة، أبرزها زيادة مبيعات تلك الدول في أسواق الدول النامية، حتي المعونات السياسية تسعي لتكوين لوبي، ليبرالي، يتفق مع الأفكار الليبرالية، حتى تكون هناك علاقات سياسية واقتصادية وثيقة مع تلك الدول. كما أن الهيئات المانحة قد تكون لديها أغراض اجتماعية وثقافية، كحقوق المرأة والطفل، أو تنمية المجتمع.

وتجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي قد قدمت منحا بلغت قيمتها ما يقرب من 145 مليون دولار، خلال الفترة من 1995 حتي 2006 لتمويل 25 منظمة لحقوق الإنسان، وحقوق المرأة والطفل، والمجتمع المدني، وتنمية الديمقراطية، ومنع انتشار المخدرات، وغيرها من الأغراض الإنسانية.

اجراءات ضد فساد التمويل

وأخيرا، يمكن القول إن هناك ضرورة لتقنين استعمال التمويل والرقابة الصارمة عليه في كل من مصر وتونس، بدلا من الاكتفاء بالنظر إلي مصادره، وفي هذا السياق هناك قائمة بإجراءات الحد من الفساد في التمويل السياسي(*) :

1- يجب أن يكون الإطار القانوني للتمويل السياسي متضمنا أحكام مصادر التمويل، والنفقات المسموح بها، والكشف عنها، والتقرير بشأنها، والموافقات بشأنها، وأن يكون مكتوبا بلغة واضحة وغير ملتبسة، وأن يكون موضوعيا ومبنيا علي رأي سياسي جماعي.

2- يجب أن تقدم الأحزاب السياسية آليات الرقابة الداخلية، وتشمل الوكلاء الماليين، واللوائح الأخلاقية، والإجراءات المحاسبية، والشيكات والأرصدة المالية، واللجان الأخلاقية التي تساعد في الرقابة علي الإدارة المالية، وأنشطة الحصول علي تمويل.

3- يجب مطالبة الأحزاب بالاحتفاظ بملفات متخصصة، وإجراء معظم عملياتها المالية من خلال الحسابات المصرفية.

4- يجب أن تظل الشركات الحكومية والأجهزة العامة الأخري محايدة سياسيا. أما الكيانات القانونية التي تقدم سلعا أو خدمات لأي إدارة عامة أو شركات مملوكة للدولة، فيحظر عليها تقديم تبرعات للأحزاب السياسة، ويجب تبني إجراءات إضافية لمنع التهرب من هذا الحظر.

5- يجب أن يكون دعم الدولة للأحزاب السياسية واقعيا وقائما علي معايير موضوعية وعادلة.

6- يجب عدم مطالبة العاملين في الأجهزة العامة بالانضمام إلي الأحزاب السياسية لإعطاء تبرعات من باب الحصول على وظائف أو ترقيات.

7- يجب أن تتم مراجعة التقارير المالية للحملة والحزب مراجعة مستقلة ومتخصصة.

8- يجب خلق بيئة تشجع علي المبادرات المضادة للفساد عن طريق الضغط الذي تمارسه المنظمات غير الحكومية، والمنظمات الدولية، والباحثون الأكاديميون، وقبل كل هؤلاء الإعلام

راندا موسى

__________
محمد ابراهيم