مجلس التعاون الخليجي والاندماج الكامل للدكتور سرحان العتيبي
مرسل: الأربعاء ديسمبر 21, 2011 1:02 am
إن اتجاهات اللقاء السياسي والاقتصادي والتقاني المشترك بين الدول تعتبر الضمانة القوية لتأكيد التكامل بين العناصر المتشابهة. ولهذا كان دعاة المذهب التكاملي يربطون القضية الأمنية رباطاً حتمياً بمهود الوفاق والتضامن. ولعل ذلك هو ما يريد أن يؤكد عليه المنظر التكاملي كارل دويتش حين أطنب العديد مما أسماه بالجماعات المستأنسة "Security Communities" حيث يميز دويتش بين نمطين من أنماط التكامل الأول: التكامل الاندماجي Amalgamated Integration حيث يؤول شتات الدول والجماعات إلى وحدة سياسية متلاحمة العناصر، وعلى هذا الأساس يذوب الاستقلال السياسي للعناصر المكونة له، والاستقلال يصبح رمزاً يميز فقط الناتج الجديد للعملية التكاملية. فالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السويسري والإمارات العربية المتحدة جميعها شواهد تاريخية حية على مدى نجاح واستمرارية هذا التكامل الوحدوي الاندماجي. أما النمط الثاني فيطلق عليه التكامل الجماعي Pluralistic Integration وهو النموذج التي تحتفظ فيه كل دولة باستقلالها كاملاً في إطار صيغة مشتركة للتنسيق والتضامن. والأمثلة على هذه الصيغة كثيرة، كالتعاون فيما بين الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، ودول الكومنولث السوفيتي ودول الكومنولث البريطاني ودول المجموعة الأوروبية وكذلك دول مجلس التعاون الخليجي.
ولقد أورد عدد من الباحثين جملة شروط ينبغي توافرها في التكامل الاندماجي، نستعرض بعضاً منها ومدى انطباقها على مجلس التعاون الخليجي. من هذه الشروط:
1 – التماثل المشترك في القيم العظمى.
2 – التماثل بنمط حياتي محدد.
3 – المنفعة المشتركة من التكامل الاندماجي.
4 – التقارب الجغرافي ونمو حركة الاتصال الجماهيري.
5 – حرية الحركة والانتقال بين الشرائح الاجتماعية المختلفة.
6 – اتساع دائرة الثقافة المشتركة واليت بدورها تنتج قيادة فكرية متناسقة ومنسجمة.
7 – ازدياد حركة النقل ووسائل الاتصال الإعلامي بشتى أنواعها.
هذه إجمالاً الشروط التي يجب توافرها في التكامل الاندماجي بين الدول، وإذا كانت هذه هي الأسباب الباعثة للتكامل فإننا في تحليلنا لواقع مجلس التعاون الخليجي لنجد توافرها كاملة في تجربة مجلس التعاون. إذن لماذا لم يحقق مجلس التعاون الخليجي التكامل الاندماجي والحالة هذه؟ بقي أن نقول انه ومع حضور جميع العوامل السابقة والمهيئة للتكامل الاندماجي فإن هناك عامل أهم وضروري لتحقيق التكامل الاندماجي، ألا وهو الرغبة النفسية الحقيقة للقادة والشعوب في تحقيق التكامل الاندماجي. وهذا لا يختص بمجلس التعاون الخليجي بقدر ما هو عامل رئيسي وعنصر أساسي لكل محاولة اندماجية ناجحة. وسنركز في موضوعنا هذا على عامل تحليل الرغبة النفسية الحقيقية لإحدى دول الخليج وأثرها على تجربة مجلس التعاون التكاملية.
لم يكن الاعتداء العراقي واحتلاله لدولة الكويت وتداعياته الخطيرة على المنطقة أول تهديد لأمن واستقرار دول مجلس التعاون الخليجي ، فقد سبق وأن واجهت دول المجلس تهديدات وأزمات مختلفة تعاملت معها بفعالية وإدراك ومن ثم خرجت من تلك الأزمات أكثر قوة وتماسكاً ، من ذلك على سبيل المثال لا الحصر أزمة الحرب العراقية – الإيرانية ، والتهديدات الإيرانية لبعض دول المنطقة وكذلك محاولة تصدير الثورة الإيرانية لدول المنطقة ، ومن الطبيعي أن تلك الأزمات قد أكسبت المجلس خبرة ودراية في استيعاب الأزمات والعمل على وضع إستراتيجية مشتركة في مواجهة الأزمات التي تظهر بين الفينة والأخرى لتثير الشكوك حول مستقبل هذا النظام التعاوني ومدى صلابته في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية. ومع أن الأزمات السابقة كانت ذات أثر محدود وذات أبعاد تفسيرية مختلفة ولم تبلور تصورات النخب السياسية وتصورات الرأي العام في دول المجلس إلا أن الاحتلال العراقي لدولة الكويت أفرز تصورات ومواقف جديدة لم تكن معروفة من قبل، خاصة بين النخب السياسية وكذلك العامة.
المتتبع لموقف دولة الكويت قيادة وشعباً من المجلس منذ تأسيسه ليجد أن النواحي الاقتصادية تأخذ الاهتمام الأكبر من أي جانب آخر. بمعنى أن الكويتيين يركزون على النواحي الاقتصادية والاتفاقية الاقتصادية والانفتاح الاقتصادي، وفي الوقت نفس يتحفظون على الجوانب الأخرى مثل الجوانب السياسية والأمنية والعسكرية، وهذه إستراتيجية كويتية تاريخية تبنتها منذ استقلالها لكي تحافظ على سياسة التوازن التي تتبعها مع الدول المجاورة، خاصة وهي دولة صغيرة الحجم قليلة السكان وتمتلك ثروة نفطية هائلة. أضف إلى ذلك اشتهار الكويتيين بالتجارة منذ تأسيس دولة الكويت قبل أكثر من مائتين وخمسين سنة. لكت المتغيرات التي برزت بعد احتلال الكويت وإفرازاتها النفسية والاجتماعية أدت إلى تأثير عميق على تصورات وسلوكيات الكويتيين السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية مما أدى إلى بروز تصورات جديدة وأطروحات مختلفة عن الوضع السابق. من ذلك نجد أن الكويت قيادة وشعباً تتبنى مواقف وأطروحات تجاه مجلس التعاون الخليجي هي أقرب إلى الاندماج منها إلى التعاون التكاملي. أي أن الكويت أصبحت سباقة ومؤيدة لكل عمل خليجي تكاملي اندماجي. وهنا نستعرض حالتين تبين الموقف الكويتي بشكل واضح بعد الاحتلال العراقي.
في مقابلة مع وزير الإعلام الكويتي الشيخ سعود ناص الصباح أجرتها معه مجلة اليمامة في شهر أغسطس الماضي يؤكد المسؤول الكويتي هذا التوجه الجديد عندما يقول: "إن دول الخليج (دول مجلس التعاون الخليجي) لا تستطيع أن تستمر في الوجود مستقبلاً، كدول صغيرة .. حتى تتحد مع بعض كوحدة كاملة، فمهما بنينا من جسور تعاون يبقى فيه أمر هام جداً، وهو رغبة هذه الشعوب في الاندماج الكامل، لأن خطوات مجلس التعاون فيما سبق منذ أن تم إنشاؤه اقتصرت فقط على اتفاقيات اقتصادية وغيرها في المجالات التعاونية. الطموح للشعوب أن تكون الخطوة الأساسية هي الاندماج الكامل، غزو الكويت أثبت أهمية هذا الموضوع فلجوء الشعب الكويتي إلى إخوانه في الخليج حيث عاش بينهم ثم إن فتح المملكة وشقيقاتها في دول الخليج لأجوائها وأراضيها لقوات التحالف .. أيضاً دليل قاطع على أهمية هذا التلاحم. والقضية ( كما يقول المسؤول الكويتي ) هي قضية المصير المشترك. فإذا لم نع هذه المشكلة ونعالجها بشكل جرئ وبقرارات جريئة فلن نتقدم في هذا الموضوع وسنتعرض للتهديدات والمشاكل في المستقبل، وأعتقد أن الظروف مواتية لاتخاذ قرارات جريئة بالاندماج الكامل لهذه الدول.
انتهى كلام وزير الإعلام الكويتي وهو في واقع الأمر يعبر عن رأي السلطة السياسية في الكويت والتي كانت قبل هذه الأزمة تحاول أن توازن في علاقاتها بين الدول المجاورة وتحاول في الوقت نفسه أن لا تتخذ أو تبدي موقفاً قد يفسر من بعض تلك الدول المجاورة بأنه خروج أو إخلال بإستراتيجية الكويت التاريخية التوازنية. لكن الغزو العراقي أبطل هذه الاستراتيجية وما يتعلق بها من مواقف ودفع الكويت إلى اتخاذ مواقف واضحة من عملية الوحدة الخليجية بل الاندماج الكامل بين العناصر المكونة لمجلس التعاون الخليجي كما يؤكد على ذلك وزير الإعلام الكويتي.
الحالة الثانية وهي تتعلق بالكويت ولكن هذه المرة بتصورات الشعب الكويتي، حيث من المعروف أن للغالبية العظمى من الشعب الكويتي مواقف من مجلس التعاون الخليجي وإستراتيجيته المنية والعسكرية والاقتصادية. حيث تدل دراسة قام بها كل من الدكتور شملان يوسف العيسى والدكتور كمال المنوفي من قسم العلوم السياسية في جامعة الكويت قبل الغزو العراقي للكويت والمنشورة في مجلة التعاون، جمادي الأولى من عام 1407هـ حيث تبين تلك الدراسة اتجاهات الرأي العام الكويتي نحو مجلس التعاون الخليجي. وهي دراسة علمية تم اختيار العينة بطريقة عشوائية من المواطنين الكويتيين. وتم طرح مجموعة من الأسئلة عليهم. وكان من ضمن نتائج الدراسة أن العامل الاقتصادي يمثل أهم الأهداف من التكامل الخليجي، وفي هذه الحالة فإنه ( الهدف الاقتصادي ) يتخطى الأهداف السياسية والأمنية والعسكرية بالنسبة للمواطن الكويتي آنذاك. وحيث يرون أن الوحدة الخليجية ليست مطلوبة لذاتها، وإنما لما ينتظر منها أن تحققه في ميادين كثيرة وعلى رأسها ميدان التنمية الاقتصادية. وحول أهمية تكوين مجلس التعاون نجد أن نسبة لا بأس بها تؤكد أهمية بل وضرورة إنشاء المجلس ولكنها كذلك تؤيد انضمام العراق واليمن الشمالي إلى عضوية المجلس رغم اختلاف النظم السياسية لدول المجلس مع أنظمة الدولتين الأخريين. وهذا التصور عند المواطن الكويتي كما يقول الباحثان، يدل دلالة قاطعة على أن المواطنين في الكويت لديهم شعور قومي تجاه إخوانهم العرب في بقية أجزاء الجزيرة العربية، وعلى إيمانهم بأن المجلس ما هو إلا خطوة نحو تحقيق الوحدة العربية الشاملة." كذلك أظهر الاستطلاع للرأي العام الكويتي أن نسبة عالية من المبحوثين أكدوا على أن الأمن الخليجي لن يتحقق عن طريق تدخل القوى العظمى، وكذلك لن يتحقق الأمن الخليجي عن طريق التنسيق العسكري مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية. وأن إبعاد منطقة الخليج عن التحالفات العسكرية يكفل لها الأمن والاستقرار.
من هذا نجد أن الرأي العام الكويتي قبل الأزمة تجلى بصورة ناصعة بالتشديد على العلاقة الوثيقة بين الأمن والتعاون الخليجي والمن والتعاون الاقتصادي العربي. وهذا يدل دلالة واضحة أن المواطنين الكويتيين يعتبرون قيام مجلس التعاون الخليجي ما هو إلا خطوة في سبيل تعزيز التعاون العربي، الأمر الذي يوضح مدى اهتمامهم في الربط بين القضايا الخليجية والقضايا العربية عموماً سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الأمنية.
هذا هو رأي وموقف المواطن الكويتي إجمالاً قبل الغزو العراقي للكويت، فما هو إذن رأي وموقف المواطن الكويتي بعد الغزو، خاصة بعد استيضاح رأي وموقف المسؤول الكويتي. هل ما زال يؤيد انضمام العراق واليمن إلى عضوية مجلس التعاون الخليجي؟ هل ما زال يعتبر الناحية الاقتصادية جوهرية بالنسبة للمجلس والمجالات الأخرى من سياسية وأمنية وعسكرية تأتي في المرتبة الثانية؟ هل ما زالت القضايا العربية عنده مرتبطة بقضايا دول مجلس التعاون الخليجي؟
أعتقد جازماً أن موقف المواطن الكويتي وقبله موقف المسؤول الكويتي قد تغير تغيراً جذرياً بعد تحرير الكويت. لكن هذا الأمر لا يعتمد على الاعتقاد المجرد فقط بل نحتاج إلى دراسة علمية توضح لنا وبأسلوب المنهج العلمي الموضوعي ذلك.
ولقد أورد عدد من الباحثين جملة شروط ينبغي توافرها في التكامل الاندماجي، نستعرض بعضاً منها ومدى انطباقها على مجلس التعاون الخليجي. من هذه الشروط:
1 – التماثل المشترك في القيم العظمى.
2 – التماثل بنمط حياتي محدد.
3 – المنفعة المشتركة من التكامل الاندماجي.
4 – التقارب الجغرافي ونمو حركة الاتصال الجماهيري.
5 – حرية الحركة والانتقال بين الشرائح الاجتماعية المختلفة.
6 – اتساع دائرة الثقافة المشتركة واليت بدورها تنتج قيادة فكرية متناسقة ومنسجمة.
7 – ازدياد حركة النقل ووسائل الاتصال الإعلامي بشتى أنواعها.
هذه إجمالاً الشروط التي يجب توافرها في التكامل الاندماجي بين الدول، وإذا كانت هذه هي الأسباب الباعثة للتكامل فإننا في تحليلنا لواقع مجلس التعاون الخليجي لنجد توافرها كاملة في تجربة مجلس التعاون. إذن لماذا لم يحقق مجلس التعاون الخليجي التكامل الاندماجي والحالة هذه؟ بقي أن نقول انه ومع حضور جميع العوامل السابقة والمهيئة للتكامل الاندماجي فإن هناك عامل أهم وضروري لتحقيق التكامل الاندماجي، ألا وهو الرغبة النفسية الحقيقة للقادة والشعوب في تحقيق التكامل الاندماجي. وهذا لا يختص بمجلس التعاون الخليجي بقدر ما هو عامل رئيسي وعنصر أساسي لكل محاولة اندماجية ناجحة. وسنركز في موضوعنا هذا على عامل تحليل الرغبة النفسية الحقيقية لإحدى دول الخليج وأثرها على تجربة مجلس التعاون التكاملية.
لم يكن الاعتداء العراقي واحتلاله لدولة الكويت وتداعياته الخطيرة على المنطقة أول تهديد لأمن واستقرار دول مجلس التعاون الخليجي ، فقد سبق وأن واجهت دول المجلس تهديدات وأزمات مختلفة تعاملت معها بفعالية وإدراك ومن ثم خرجت من تلك الأزمات أكثر قوة وتماسكاً ، من ذلك على سبيل المثال لا الحصر أزمة الحرب العراقية – الإيرانية ، والتهديدات الإيرانية لبعض دول المنطقة وكذلك محاولة تصدير الثورة الإيرانية لدول المنطقة ، ومن الطبيعي أن تلك الأزمات قد أكسبت المجلس خبرة ودراية في استيعاب الأزمات والعمل على وضع إستراتيجية مشتركة في مواجهة الأزمات التي تظهر بين الفينة والأخرى لتثير الشكوك حول مستقبل هذا النظام التعاوني ومدى صلابته في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية. ومع أن الأزمات السابقة كانت ذات أثر محدود وذات أبعاد تفسيرية مختلفة ولم تبلور تصورات النخب السياسية وتصورات الرأي العام في دول المجلس إلا أن الاحتلال العراقي لدولة الكويت أفرز تصورات ومواقف جديدة لم تكن معروفة من قبل، خاصة بين النخب السياسية وكذلك العامة.
المتتبع لموقف دولة الكويت قيادة وشعباً من المجلس منذ تأسيسه ليجد أن النواحي الاقتصادية تأخذ الاهتمام الأكبر من أي جانب آخر. بمعنى أن الكويتيين يركزون على النواحي الاقتصادية والاتفاقية الاقتصادية والانفتاح الاقتصادي، وفي الوقت نفس يتحفظون على الجوانب الأخرى مثل الجوانب السياسية والأمنية والعسكرية، وهذه إستراتيجية كويتية تاريخية تبنتها منذ استقلالها لكي تحافظ على سياسة التوازن التي تتبعها مع الدول المجاورة، خاصة وهي دولة صغيرة الحجم قليلة السكان وتمتلك ثروة نفطية هائلة. أضف إلى ذلك اشتهار الكويتيين بالتجارة منذ تأسيس دولة الكويت قبل أكثر من مائتين وخمسين سنة. لكت المتغيرات التي برزت بعد احتلال الكويت وإفرازاتها النفسية والاجتماعية أدت إلى تأثير عميق على تصورات وسلوكيات الكويتيين السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية مما أدى إلى بروز تصورات جديدة وأطروحات مختلفة عن الوضع السابق. من ذلك نجد أن الكويت قيادة وشعباً تتبنى مواقف وأطروحات تجاه مجلس التعاون الخليجي هي أقرب إلى الاندماج منها إلى التعاون التكاملي. أي أن الكويت أصبحت سباقة ومؤيدة لكل عمل خليجي تكاملي اندماجي. وهنا نستعرض حالتين تبين الموقف الكويتي بشكل واضح بعد الاحتلال العراقي.
في مقابلة مع وزير الإعلام الكويتي الشيخ سعود ناص الصباح أجرتها معه مجلة اليمامة في شهر أغسطس الماضي يؤكد المسؤول الكويتي هذا التوجه الجديد عندما يقول: "إن دول الخليج (دول مجلس التعاون الخليجي) لا تستطيع أن تستمر في الوجود مستقبلاً، كدول صغيرة .. حتى تتحد مع بعض كوحدة كاملة، فمهما بنينا من جسور تعاون يبقى فيه أمر هام جداً، وهو رغبة هذه الشعوب في الاندماج الكامل، لأن خطوات مجلس التعاون فيما سبق منذ أن تم إنشاؤه اقتصرت فقط على اتفاقيات اقتصادية وغيرها في المجالات التعاونية. الطموح للشعوب أن تكون الخطوة الأساسية هي الاندماج الكامل، غزو الكويت أثبت أهمية هذا الموضوع فلجوء الشعب الكويتي إلى إخوانه في الخليج حيث عاش بينهم ثم إن فتح المملكة وشقيقاتها في دول الخليج لأجوائها وأراضيها لقوات التحالف .. أيضاً دليل قاطع على أهمية هذا التلاحم. والقضية ( كما يقول المسؤول الكويتي ) هي قضية المصير المشترك. فإذا لم نع هذه المشكلة ونعالجها بشكل جرئ وبقرارات جريئة فلن نتقدم في هذا الموضوع وسنتعرض للتهديدات والمشاكل في المستقبل، وأعتقد أن الظروف مواتية لاتخاذ قرارات جريئة بالاندماج الكامل لهذه الدول.
انتهى كلام وزير الإعلام الكويتي وهو في واقع الأمر يعبر عن رأي السلطة السياسية في الكويت والتي كانت قبل هذه الأزمة تحاول أن توازن في علاقاتها بين الدول المجاورة وتحاول في الوقت نفسه أن لا تتخذ أو تبدي موقفاً قد يفسر من بعض تلك الدول المجاورة بأنه خروج أو إخلال بإستراتيجية الكويت التاريخية التوازنية. لكن الغزو العراقي أبطل هذه الاستراتيجية وما يتعلق بها من مواقف ودفع الكويت إلى اتخاذ مواقف واضحة من عملية الوحدة الخليجية بل الاندماج الكامل بين العناصر المكونة لمجلس التعاون الخليجي كما يؤكد على ذلك وزير الإعلام الكويتي.
الحالة الثانية وهي تتعلق بالكويت ولكن هذه المرة بتصورات الشعب الكويتي، حيث من المعروف أن للغالبية العظمى من الشعب الكويتي مواقف من مجلس التعاون الخليجي وإستراتيجيته المنية والعسكرية والاقتصادية. حيث تدل دراسة قام بها كل من الدكتور شملان يوسف العيسى والدكتور كمال المنوفي من قسم العلوم السياسية في جامعة الكويت قبل الغزو العراقي للكويت والمنشورة في مجلة التعاون، جمادي الأولى من عام 1407هـ حيث تبين تلك الدراسة اتجاهات الرأي العام الكويتي نحو مجلس التعاون الخليجي. وهي دراسة علمية تم اختيار العينة بطريقة عشوائية من المواطنين الكويتيين. وتم طرح مجموعة من الأسئلة عليهم. وكان من ضمن نتائج الدراسة أن العامل الاقتصادي يمثل أهم الأهداف من التكامل الخليجي، وفي هذه الحالة فإنه ( الهدف الاقتصادي ) يتخطى الأهداف السياسية والأمنية والعسكرية بالنسبة للمواطن الكويتي آنذاك. وحيث يرون أن الوحدة الخليجية ليست مطلوبة لذاتها، وإنما لما ينتظر منها أن تحققه في ميادين كثيرة وعلى رأسها ميدان التنمية الاقتصادية. وحول أهمية تكوين مجلس التعاون نجد أن نسبة لا بأس بها تؤكد أهمية بل وضرورة إنشاء المجلس ولكنها كذلك تؤيد انضمام العراق واليمن الشمالي إلى عضوية المجلس رغم اختلاف النظم السياسية لدول المجلس مع أنظمة الدولتين الأخريين. وهذا التصور عند المواطن الكويتي كما يقول الباحثان، يدل دلالة قاطعة على أن المواطنين في الكويت لديهم شعور قومي تجاه إخوانهم العرب في بقية أجزاء الجزيرة العربية، وعلى إيمانهم بأن المجلس ما هو إلا خطوة نحو تحقيق الوحدة العربية الشاملة." كذلك أظهر الاستطلاع للرأي العام الكويتي أن نسبة عالية من المبحوثين أكدوا على أن الأمن الخليجي لن يتحقق عن طريق تدخل القوى العظمى، وكذلك لن يتحقق الأمن الخليجي عن طريق التنسيق العسكري مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية. وأن إبعاد منطقة الخليج عن التحالفات العسكرية يكفل لها الأمن والاستقرار.
من هذا نجد أن الرأي العام الكويتي قبل الأزمة تجلى بصورة ناصعة بالتشديد على العلاقة الوثيقة بين الأمن والتعاون الخليجي والمن والتعاون الاقتصادي العربي. وهذا يدل دلالة واضحة أن المواطنين الكويتيين يعتبرون قيام مجلس التعاون الخليجي ما هو إلا خطوة في سبيل تعزيز التعاون العربي، الأمر الذي يوضح مدى اهتمامهم في الربط بين القضايا الخليجية والقضايا العربية عموماً سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الأمنية.
هذا هو رأي وموقف المواطن الكويتي إجمالاً قبل الغزو العراقي للكويت، فما هو إذن رأي وموقف المواطن الكويتي بعد الغزو، خاصة بعد استيضاح رأي وموقف المسؤول الكويتي. هل ما زال يؤيد انضمام العراق واليمن إلى عضوية مجلس التعاون الخليجي؟ هل ما زال يعتبر الناحية الاقتصادية جوهرية بالنسبة للمجلس والمجالات الأخرى من سياسية وأمنية وعسكرية تأتي في المرتبة الثانية؟ هل ما زالت القضايا العربية عنده مرتبطة بقضايا دول مجلس التعاون الخليجي؟
أعتقد جازماً أن موقف المواطن الكويتي وقبله موقف المسؤول الكويتي قد تغير تغيراً جذرياً بعد تحرير الكويت. لكن هذا الأمر لا يعتمد على الاعتقاد المجرد فقط بل نحتاج إلى دراسة علمية توضح لنا وبأسلوب المنهج العلمي الموضوعي ذلك.