صفحة 1 من 1

نهاية المساكنة وبداية الاحادية

مرسل: الأربعاء ديسمبر 21, 2011 1:15 am
بواسطة عبدالمجيد الوهيبي1
الخلاف العقدي ما بين السنة والشيعة قدر لازم المسلمين منذ ان ظهر الخلاف بين هاتين الطائفتين والى اليوم وكان يمر بلحظات من التأجيج والتصعيد ليس للعقائد يد فيها بقدر ما للاستغلال السياسي من يد طولى، لهذه الفئة على الاخرى، ليكون بذلك الخلاف العقدي بوابة للنهش والتدمير في جسد الوطن الواحد والامة الواحدة.

بالاستقراء التاريخي نجد أن الحكم الإسلامي مرّ عليه أكثر من ألف وأربعمائة سنة، ما يقارب الألف سنة حكم فيها السنة غالبية العالم الإسلامي، بينما لم تتجاوز حكم الدول الشيعية أكثر من أربعمائة سنة لم يشمل نفوذها كل العالم الإسلامي، ومع ذلك كانت معظم هذه السنوات تتصالح فيها الأقلية مع الغالبية السنية وتتعايش معها، إلا في حال تدخلت المصالح القومية والسياسية للاستخدام الطائفي، عندها كانت الحروب بين هاتين الطائفتين الإسلاميتين. وبعيدا عن من كان مسؤولا عن إراقة الدماء في السابق، إلا أننا نعيش اليوم في عصر تجاوزت فيه معظم الديانات ثنائية الحروب بين الطوائف، ففي أوروبا وعلى رغم الفارق الكبير بين البروتستانت والكاثوليك إلا أن العداء المغذي للحروب في القرون الماضية ليس له ذكر اليوم، وإن كان التعصب والانتماء لا يزال موجوداً، إلا أنه تجاوز لغة العدائية والتكفير والتخوين نتيجة الثقافة الأوروبية الحديثة التي أنضجتها تجاربها السابقة وصقلتها العلمانية كسقف للجميع.

إلا أن إيران لا تزال تراهن على هذه الطائفية على رغم تاريخها القومي الفارسي الذي كان بالإمكان أن يضيف لها أكثر في آسيا الوسطى مرتكز المد الفارسي والصفوي، لكنها ارادت الاصعب لذا فإن اختيار إيران لتوسعها الواجهة الغربية من الإمبراطورية الفارسية محاولة لفك الممتنع الذي استعصى على الدولة الصفوية والسعي إلى استخدام أوتار الطائفية التي ملت منها الشعوب العربية والإسلامية اليوم لتطلعها إلى البناء والنهضة لأن الطائفية أكبر معوقات النهوض الحضاري، ولأن أوروبا الحديثة التي خاضت حروبا دينية بين الكاثوليك والبروتستانت أدركت أن التقارب بين هاتين الطائفتين المسيحيتين مستحيل، كما الحال بين السنة والشيعة، لكن التعايش ممكن مع الاحتفاظ بالحقوق السياسية الكاملة والعقائدية. هذا التعايش هو الذي ساهم في نهضة أوروبا والقفز على الحروب الدينية التي كانت تأكل من الداخل أكثر منها من الخارج.

الصراع المتفاقم اليوم بين السنة والشيعة ليس أساسه الطائفية أو الخلافات العقدية فقط على رغم الفرق الشاسع الفاصل ما بين المذهبين، إلا أنه وعلى مدار التاريخ الإسلامي نجد أن هناك فترات ركود وصدام بين السنة والشيعة، فترات الصدام هي تلك التي تحاول فيها الأقلية القفز على واقعها والاستعانة بالخارجي لنصرتها لشعورها بالظلم والقهر. الواقع اليوم لا يمكن فصله عن الجانب السياسي للدولة الإيرانية ذات الأطماع القومية الفارسية في المنطقة والتي ترفع شعار التشيع في العالم الإسلامي وينطوي تحت ولائها غالبية الشيعة وليس كلهم، على حساب أوطانهم وأعراقهم وانتماءاتهم حيث استطاعت الدولة الإيرانية اللعب على الولاء الطائفي في المنطقة، من خلال ابتداع مفهوم الولاء الطائفي، لتهدد بذلك دولا مستقرة يعيش فيها أقلية تبحث عن مزيد من الاستقرار والحقوق وتعزيز الولاء وليس العكس.
السعودية، البحرين، الكويت، لبنان، دول عربية تعيش فيها أقليات شيعية بعضها يتمتع بكامل حقوقه السياسية والدستورية ولا يحس بأي تفريق طائفي، ومع ذلك تحاول إيران اللعب بالولاء الطائفي، من دون أن تأخذ في الاعتبار المصالح الداخلية لهذه الطائفة مكتفية بمصالحها القومية فقط وهو ما رأيناه بشكل واضح في البحرين.

الشيعة هناك كانوا في طريقهم لتحقيق مكاسب سياسية ضخمة لولا دخول ايران على الخط ورفع سقف المطالبة برفع شعار الجمهورية الاسلامية والعلم الايراني، فالولاء يجب أن يكون للوطن أولا من ًدون أدنى تداخل أو ريبة. ليس سراً أن الشيعة في الخليج العربي منقسمون إزاء الانتماء الأولي أهو للمذهب أم للدولة؟ وإن كانت الغالبية الصامتة تقدم الولاء الوطني على الطائفي وبعض الرموز الشيعية المعتدلة في المنطقة تلامس هذا الامر بشكل واضح.

التشيع النقي القائم على مبدأ عقدي صرف يظل مما يجب التعامل معه في اطار التنوع الذي تعايش معه السنة والشيعة على مدى ألف وأربعمائة عام وعلى الشيعة تحديد خيارهم الوطني من خلال تقديم الولاء للوطن على الولاء للطائفة وتهديد استقرار اوطان الاقليات الشيعية التي ربما تندفع مع شعارات وحماس الاعلام الايراني المزيف للحقيقة والساعي خلف اطماعة التوسعية الظاهرة في الخليج.

الشيعة اليوم بحاجة الى حسم خيارهم الوطني وانتمائهم الحقيقي للوطن من خلال القفز على الولاء الطائفي وتجاوزه الى غير رجعة وتقديم مصلحة الوطن على مصلحة الانتماء الطائفي وتعزيز قيم المواطنة لدى الاجيال الشابة واي مطالبة بحقوق يجب ان تكون من خلال الوطن وليس اي قوة خارجية اخرى.

الوطن يربطك بتاريخك وارثك وارضك وهو ذلك العش الذي يحتضنك ويرعاك ويتنفس معك قبل ان تعرف الحياة، والى ان تموت.

ولم يبالغ ابو فراس الحمداني عندما قال:

بلادي وإن جارت علي عزيزة وقومي وإن ضنوا علي كرام