صفحة 1 من 1

كن مستمعاً بارعاً ..

مرسل: الأربعاء ديسمبر 21, 2011 1:16 am
بواسطة خالد حمزي 5
لا تقتصر براعة الحديث على أسلوب الكلام وجودة محتواه .. بل إنّ حُسن الإصغاء يُعد فناً من فنون الحوار،
وكم تحدّثَ أُناس وهم لا يريدون الذي يحاورهم، بل يريدون الذي يُصغي إليهم كي يبوحوا بما في صدورهم.!

وبراعة الاستماع تكون بـــ : الأذن، وطَرْف العين، وحضور القلب، وإشراقة الوجه ،
وعدم الانشغال بتحضير الرد، متحفزاً متوثباً منتظراً تمام حديث صاحبك..!
وتذكر أنك لن تستطيع أن تفهم حقيقة مراد محاورك ما لم تكن راغباً بجديّة في الإنصات إلى حديثه ..
كما أن معرفتك بحديث المتكلم لا تغنيك عن الاستماع.. وقد روت كتب السيرة
أنَّ شاباً قام فتكلّم في مجلس عطاء بن أبي رباح؛
فأنصتَ له كأنه يسمع حديثه لأول مرة، فلما انتهى الشاب وانصرف تعجب الحاضرون من عطاء،
فقال لهم: والله إني لأعلم الذي قاله قبل أن يولد..!
من لي بإنسانٍ إذا خاصمته *** وجَهِلتُه كان الحِــــلمُ ردّ جـــــوابهِ
وتراه يُصغي للحديث بسمعهِ *** وبقلبـــــهِ ولعلّــــه أدرى بـــهِ..!


والإصغاء الجيد أبلغ ما يكون أثره في المقابلة الأولى، وفي اللقاءات العابرة؛ للأثر الطيب لمثل هذه اللقاءات في النفوس؛
ولأن الحوار فيها يكون عاماً لا يستدعي مداخلة في أكثر الأحيان، وفيها يتشكل انطباع كل فرد عن الآخر..
وكم أثنى الناس على حُسن حوار فلان مع أنه يطيل الصمت..!
قال بعض الحكماء: صمتك حتى تُستنطَق، أجمل من نُطقك حتى تسكت..!
يقول دايل كارنيجي: إن أشد الناس جفافاً في الطبع، وغلظة في القول، لا يملك إلا أن يلين،
وأن يتأثر إزاء مستمع صبور، عطوف، يلوذ بالصمت إذا أخذ محدثه الغضب..!
قال أحد حكماء العرب: إذا جالستَ العلماء فأنصِت لهم.. وإذا جالست الجُهَّال فأنصِت لهم أيضاً؛
فإن في إنصاتك للعلماء زيادة في العلم، وفي إنصاتك للجُهَّال زيادة في الحلم..!
ونقل ابن عبد ربه في "العقد الفريد" عن بعض الحكماء قوله لابنه:
يا بني.. تعلَّم حسن الاستماع كما تتعلم حسن الحديث، وليعلم الناس أنك أحرص على أن تسمع منك على أن تقول .
ويخطئ بعض الناس بالمبالغة في الإنصات لدرجة عدم الكلام مستشهدين بالحكمة الدارجة :
إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب !
فلهؤلاء أقول: لولا الكلام لما عرفنا هذه المقولة..!
ولذا ما أدق فهم الجاحظ حين قال: ليس الصمت كله أفضل من الكلام كله،
ولا الكلام كله أفضل من السكوت كله، بل قد علمنا أن عامة الصمت أفضل من عامة الكلام..!
وليس الخجل من الحديث أمراً محموداً، فقد يكون ذلك الساكت ممن تنقصهم مهارة الحديث أو به علّة نفسية..
كالرُهاب الاجتماعي، أو اضطراب في شخصيته يجعله يتجنّب الحديث مع الآخرين ..؟!