تضارب أرقام
مرسل: الأربعاء ديسمبر 21, 2011 2:28 am
تمرّ سوق البترول العالمية بحالة من عدم الاستقرار، فقد رفع تزايد الطلب العالمي وتهاوي الدولار الأميركي الأسعار على نحو كبير، وما زالت الاضطرابات السياسية المستمرة تمثل أزمة للمستثمرين وللمؤثرين بالسوق.
في فبراير (شباط)، عندما اندلعت الحرب الأهلية بليبيا، سرعان ما أكدت المملكة العربية السعودية أنها سوف تزيد إنتاج النفط الخام لكي تواجه أي انخفاض في العرض. وفي ذلك الوقت، كانت ليبيا تنتج نحو 1.3 مليون برميل يوميا يتم توجيه معظمهما إلى أوروبا. وفي 28 فبراير (شباط)، تعهد المسؤولون السعوديون بزيادة الإنتاج إلى تسعة ملايين برميل يوميا في خطوة بدت لتخفيف المخاوف المبررة للمستثمرين وصناع السياسة. والآن، هناك تكهنات حول أن المملكة ربما لم تكن واضحة تماما بشأن حجم زيادة إنتاجها.
في أبريل (نيسان)، أكد وزير البترول السعودي علي النعيمي للصحافيين في الكويت أن المملكة قد خفضت إنتاجها بنحو 800 ألف برميل يوميا لكي تواجه ما وصفه بأنه سوق «متشبعة». وقال النعيمي موضحا: «إن السوق تفقد توازنها.. فقد كان إنتاجنا في فبراير (شباط) يبلغ 9.125 مليون برميل يوميا وكان يصل إلى 8.292 مليون برميل يوميا في مارس (آذار). وما زلنا لم نعرف حجم الإنتاج في أبريل، ولكنه من المرجح أن يكون أكثر قليلا من مستواه في مارس. وما أريده من ذكر تلك الأرقام هو أن أخبركم بأن السوق متشبعة».
لم تكن الأخبار في حد ذاتها مفاجئة تماما، حيث كانت «أوبك» قد قررت بالفعل عقد اجتماع طارئ لمناقشة ارتفاع أسعار البترول، وكانت كل الشواهد تشير إلى أن المنتجين لن يتدخلوا لتهدئة السوق. هذا وقد أثار تفسير النعيمي جدلا واسعا.
بافتراض أن النعيمي كان يتحدث حول متوسطات المعدلات الشهرية. يشير تصريحه، وفقا لبروتوكول «أوبك»، إلى أن السعودية كانت تنتج بالفعل ما يزيد على 9 ملايين برميل يوميا في فبراير – حتى قبل إصدار تصريحها بشأن ليبيا. وفي أعقاب إعلان 28 فبراير مباشرة، قال المسؤولون إن الإنتاج قد تزايد بنسبة 500 ألف إلى 600 ألف برميل يوميا مما يسمح للمملكة بتوفير ما أعلنت عنه. ثم قالوا لاحقا إن الإنتاج تم تخفيضه بنحو 500 ألف برميل يوميا في مارس، نظرا لانخفاض الطلب على النفط السعودي الخام المختلف عن البترول الليبي الخفيف سهل التكرير.
وأخذا في الاعتبار تلك الأرقام، يجب أن يكون إنتاج السعودية قد تراوح حول 9.4 مليون برميل يوميا في مارس – وليس 8.3 مليون التي ذكرها النعيمي. بل إن الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تكون الدولة قد وصلت عبرها إلى ما قدره 8.3 مليون برميل يوميا هو بتخفيض الإنتاج على نحو حاد، بنسبة 0.7 مليون برميل يوميا خلال النصف الثاني من مارس.
من جهتها، رصدت «وول ستريت جورنال» قصة عدم الانتظام تلك وتشاورت مع محلل بنك باركليز، أمريتا سن، الذي أكد أن المملكة كانت «تنتج نحو 9 ملايين برميل يوميا منذ نوفمبر (تشرين الثاني) نظرا لزيادة الطلب». وأكد ذلك المحللون بغولدمان ساكس، ففي تصريح لـ«وول ستريت جورنال»: «فيما أعلنت المملكة العربية السعودية عن زيادة في الإنتاج لتعويض النقص الليبي، من المرجح أن تلك الزيادة قد حدثت بالفعل قبل ذلك بوقت ما».
وفي نفس اليوم الذي أصدر فيه النعيمي تصريحه في الكويت، أصدرت «المبادرة المشتركة لبيانات البترول» بياناتها التي تغطي 90 في المائة من عرض البترول العالمي والتي أظهرت أن ناتج السعودية في فبراير كان يبلغ بالفعل 105 آلاف برميل أقل مما ذكره الوزير.
فما لدينا فعلا هو نزاع مزعج يتعلق بالبيانات، وبالتالي، فإن المخاوف المترتبة عليه مفهومة. ونظرا لأن الغموض السياسي والمؤسسي يحيطان بسوق البترول، أصبح المستثمرون في أمسّ الحاجة للشفافية، كما أنهم يحتاجون بلا شك لأن يتمكنوا من الثقة في أي أرقام حكومية أو تصريحات تصل إليهم. ولكن ما أخفق البعض في إدراكه، هو أن سوق البترول حافلة بالغموض الخاص بالبيانات وأنه ما زال على المنتجين والمنظمات الدولية الوصول إلى معيار موحد للتعبير عن الإنتاج.
ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الطبيعة المتقلبة لسوق البترول بصفة عامة ولـ«أوبك» بصفة خاصة. فمن المستحيل قياس الحجم الحقيقي لاحتياطي البترول لـ«أوبك» بدقة، كما أن الأرقام التي تصدرها المنظمة لا تتم مراجعتها. ومرتان سنويا، سوف تلتقي البلدان الأعضاء لتحديد حصص الإنتاج على الرغم من أن الاتفاق يفتقر إلى الآليات الضرورية لفرض تلك الشروط.
ومع ذلك، دائما ما تسمح تلك الحصص لكل دولة بأن يكون لديها الاحتياطي اللازم لزيادة الإنتاج بسرعة تناسب صدمات السوق الخارجية.
وكأكبر منتج للبترول بـ«أوبك»، تستطيع المملكة العربية السعودية ممارسة نفوذ هائل على تذبذب العرض في المنطقة ويمكنها المساعدة على تقليل تذبذبات السعر المحتملة ولكن ذلك النفوذ لا يمتد إلى السوق العالمية. فسوق البترول في النهاية منقسمة إلى حد كبير وتتضمن عشرات الأسواق المستقبلية الكبيرة، والأسواق المادية في العالم بأسره. عندما تنتج السعودية برميلا من النفط فإنها تفعل ذلك لتلبية احتياجات ليس سوقا واحدة أو مستهلكا ولكن لتلبية حاجات آلاف المستثمرين والمصنعين والحكومات والمقامرين، الذين يشتري كل منهم حصته بسعر محدد سلفا وفي تاريخ تسليم خاص به.
وبالتالي فإن «الإنتاج» ليس موجودا وفقا لمقياس واحد شامل ولكنه رقم مركب يمكنه أن يشتمل على أي عدد من القيم الدقيقة في أي وقت بناء على المتغيرات التي يختارها المرء لتغيير المعادلة. وفقا لمحمد علي خطيبي المندوب الإيراني الدائم لدى «أوبك»: هناك فارق من 500 ألف إلى 700 ألف برميل يوميا، بين أعلى أرقام الإنتاج وأقلها، بناء على المصدر.
إن النقاشات التي تحيط بتعليقات النعيمي لا يجب أن تثير الشكوك حول تلاعب بالسوق. وإن كان لا محالة، يجب أن تبرز تلك الواقعة الغموض الدائم المتعلق بالأرقام التي تهيمن على سوق الطاقة بأكملها - كما أنها واقعة تحتاج المزيد من الانتباه.
في فبراير (شباط)، عندما اندلعت الحرب الأهلية بليبيا، سرعان ما أكدت المملكة العربية السعودية أنها سوف تزيد إنتاج النفط الخام لكي تواجه أي انخفاض في العرض. وفي ذلك الوقت، كانت ليبيا تنتج نحو 1.3 مليون برميل يوميا يتم توجيه معظمهما إلى أوروبا. وفي 28 فبراير (شباط)، تعهد المسؤولون السعوديون بزيادة الإنتاج إلى تسعة ملايين برميل يوميا في خطوة بدت لتخفيف المخاوف المبررة للمستثمرين وصناع السياسة. والآن، هناك تكهنات حول أن المملكة ربما لم تكن واضحة تماما بشأن حجم زيادة إنتاجها.
في أبريل (نيسان)، أكد وزير البترول السعودي علي النعيمي للصحافيين في الكويت أن المملكة قد خفضت إنتاجها بنحو 800 ألف برميل يوميا لكي تواجه ما وصفه بأنه سوق «متشبعة». وقال النعيمي موضحا: «إن السوق تفقد توازنها.. فقد كان إنتاجنا في فبراير (شباط) يبلغ 9.125 مليون برميل يوميا وكان يصل إلى 8.292 مليون برميل يوميا في مارس (آذار). وما زلنا لم نعرف حجم الإنتاج في أبريل، ولكنه من المرجح أن يكون أكثر قليلا من مستواه في مارس. وما أريده من ذكر تلك الأرقام هو أن أخبركم بأن السوق متشبعة».
لم تكن الأخبار في حد ذاتها مفاجئة تماما، حيث كانت «أوبك» قد قررت بالفعل عقد اجتماع طارئ لمناقشة ارتفاع أسعار البترول، وكانت كل الشواهد تشير إلى أن المنتجين لن يتدخلوا لتهدئة السوق. هذا وقد أثار تفسير النعيمي جدلا واسعا.
بافتراض أن النعيمي كان يتحدث حول متوسطات المعدلات الشهرية. يشير تصريحه، وفقا لبروتوكول «أوبك»، إلى أن السعودية كانت تنتج بالفعل ما يزيد على 9 ملايين برميل يوميا في فبراير – حتى قبل إصدار تصريحها بشأن ليبيا. وفي أعقاب إعلان 28 فبراير مباشرة، قال المسؤولون إن الإنتاج قد تزايد بنسبة 500 ألف إلى 600 ألف برميل يوميا مما يسمح للمملكة بتوفير ما أعلنت عنه. ثم قالوا لاحقا إن الإنتاج تم تخفيضه بنحو 500 ألف برميل يوميا في مارس، نظرا لانخفاض الطلب على النفط السعودي الخام المختلف عن البترول الليبي الخفيف سهل التكرير.
وأخذا في الاعتبار تلك الأرقام، يجب أن يكون إنتاج السعودية قد تراوح حول 9.4 مليون برميل يوميا في مارس – وليس 8.3 مليون التي ذكرها النعيمي. بل إن الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تكون الدولة قد وصلت عبرها إلى ما قدره 8.3 مليون برميل يوميا هو بتخفيض الإنتاج على نحو حاد، بنسبة 0.7 مليون برميل يوميا خلال النصف الثاني من مارس.
من جهتها، رصدت «وول ستريت جورنال» قصة عدم الانتظام تلك وتشاورت مع محلل بنك باركليز، أمريتا سن، الذي أكد أن المملكة كانت «تنتج نحو 9 ملايين برميل يوميا منذ نوفمبر (تشرين الثاني) نظرا لزيادة الطلب». وأكد ذلك المحللون بغولدمان ساكس، ففي تصريح لـ«وول ستريت جورنال»: «فيما أعلنت المملكة العربية السعودية عن زيادة في الإنتاج لتعويض النقص الليبي، من المرجح أن تلك الزيادة قد حدثت بالفعل قبل ذلك بوقت ما».
وفي نفس اليوم الذي أصدر فيه النعيمي تصريحه في الكويت، أصدرت «المبادرة المشتركة لبيانات البترول» بياناتها التي تغطي 90 في المائة من عرض البترول العالمي والتي أظهرت أن ناتج السعودية في فبراير كان يبلغ بالفعل 105 آلاف برميل أقل مما ذكره الوزير.
فما لدينا فعلا هو نزاع مزعج يتعلق بالبيانات، وبالتالي، فإن المخاوف المترتبة عليه مفهومة. ونظرا لأن الغموض السياسي والمؤسسي يحيطان بسوق البترول، أصبح المستثمرون في أمسّ الحاجة للشفافية، كما أنهم يحتاجون بلا شك لأن يتمكنوا من الثقة في أي أرقام حكومية أو تصريحات تصل إليهم. ولكن ما أخفق البعض في إدراكه، هو أن سوق البترول حافلة بالغموض الخاص بالبيانات وأنه ما زال على المنتجين والمنظمات الدولية الوصول إلى معيار موحد للتعبير عن الإنتاج.
ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الطبيعة المتقلبة لسوق البترول بصفة عامة ولـ«أوبك» بصفة خاصة. فمن المستحيل قياس الحجم الحقيقي لاحتياطي البترول لـ«أوبك» بدقة، كما أن الأرقام التي تصدرها المنظمة لا تتم مراجعتها. ومرتان سنويا، سوف تلتقي البلدان الأعضاء لتحديد حصص الإنتاج على الرغم من أن الاتفاق يفتقر إلى الآليات الضرورية لفرض تلك الشروط.
ومع ذلك، دائما ما تسمح تلك الحصص لكل دولة بأن يكون لديها الاحتياطي اللازم لزيادة الإنتاج بسرعة تناسب صدمات السوق الخارجية.
وكأكبر منتج للبترول بـ«أوبك»، تستطيع المملكة العربية السعودية ممارسة نفوذ هائل على تذبذب العرض في المنطقة ويمكنها المساعدة على تقليل تذبذبات السعر المحتملة ولكن ذلك النفوذ لا يمتد إلى السوق العالمية. فسوق البترول في النهاية منقسمة إلى حد كبير وتتضمن عشرات الأسواق المستقبلية الكبيرة، والأسواق المادية في العالم بأسره. عندما تنتج السعودية برميلا من النفط فإنها تفعل ذلك لتلبية احتياجات ليس سوقا واحدة أو مستهلكا ولكن لتلبية حاجات آلاف المستثمرين والمصنعين والحكومات والمقامرين، الذين يشتري كل منهم حصته بسعر محدد سلفا وفي تاريخ تسليم خاص به.
وبالتالي فإن «الإنتاج» ليس موجودا وفقا لمقياس واحد شامل ولكنه رقم مركب يمكنه أن يشتمل على أي عدد من القيم الدقيقة في أي وقت بناء على المتغيرات التي يختارها المرء لتغيير المعادلة. وفقا لمحمد علي خطيبي المندوب الإيراني الدائم لدى «أوبك»: هناك فارق من 500 ألف إلى 700 ألف برميل يوميا، بين أعلى أرقام الإنتاج وأقلها، بناء على المصدر.
إن النقاشات التي تحيط بتعليقات النعيمي لا يجب أن تثير الشكوك حول تلاعب بالسوق. وإن كان لا محالة، يجب أن تبرز تلك الواقعة الغموض الدائم المتعلق بالأرقام التي تهيمن على سوق الطاقة بأكملها - كما أنها واقعة تحتاج المزيد من الانتباه.