بسم الله الرحمن الرحيم
أسئلة؟
بأي أسلوب يتعامل الإسلاميون في سياستهم؟ ومن أين يستمدون أسلوبهم في العمل السياسي؟ وهل لهم في ذلك منهج يميزهم عن غيرهم من السياسيين؟ وهل تصدق دعواهم وشعاراتهم التي يرددونها من أن السياسة جزء لا يتجزأ من الدين؟ وما علاقة سياستهم بالدين أو ما علاقة الدين بسياستهم؟ وهل هناك سياسة شرعية وغير شرعية؟ وهل قدم الإسلاميون نموذجا للسياسة الشرعية؟ أو إن شئت قلت نموذجا للسياسة الإسلامية؟ وما مفهوم هذه السياسة الإسلامية؟ كل تلك أسئلة يطرحها الناس ويحاولون الإجابة عليها من خلال إسهامات الإسلاميين في ميدان السياسة، في كتاباتهم، في خطبهم وأحاديثهم، في حركاتهم وسكناتهم، وفي خططهم وبرامجهم المعلنة والمخفية، وفي خلقهم ومعاملاتهم، وعلاقاتهم مع بعضهم البعض ومع غيرهم من السياسيين. فهل يجدون الإجابة؟
طبيعة السياسة
السياسة - من ساس يسوس - معناها ببساطة الوسيلة التي يستعملها المرء ليروض بها غيره من أجل أن يسلم له قياده ويمكنه من استعماله في أغراضه. فالسائس يسوس الدواب والسياسي يسوس الناس أفرادا كانوا أو جماعات أو مجتمعات. ولأن السياسة بهذا الأصل علاقة مع الآخرين ليحقق من خلالهم وبواسطتهم منافع ومصالح معينة له، فمن الممكن القول أن كل الناس سياسيون ويستخدمون السياسة، ولا يتفاوتون إلا في القدر والدائرة التي تكون فيها سياستهم، فمنهم من يضيق ميدانه السياسي فلا يتعدى قرناءه وأهله وبيته وخاصة نفسه، ومنهم من تتسع دائرة تأثيره فتشمل العالم أجمع. و لأن السبب الداعي للسياسة أن المرء يحتاج لاستعمال غيره في مصالحه إذ لا يستطيع أن يحققها بمفرده، كانت السياسة بذلك سعيا لتسخير طبيعة الآخرين وتطويعها لخدمة الأغراض المنوطة بها، وهي بذلك علاقة بين طرفين، طرف يستعلي ويتمكن وطرف يستجيب ويستسلم، وهي بذلك سعي للاستعلاء والتمكين والغلبة على الآخرين. فالسياسة إذن باختصار هي سعي للسلطة وأكثر ما تطلق في عرف الناس فيما يتصل بالحكم والإمارة. وحب الرئاسة والعلو على الآخرين أمر مجبول في فطرة الناس وطبيعتهم، وبهذا تتبين صعوبة السياسة، إذ أن الكل يتنافسون على تذليل بعضهم بعضا، واتخاذ بعضهم بعضا سخريا. ولهذا فالسياسة مركب صعب يحتاج لمهارات وفنون وأساليب.
السياسة المعاصرة
وتتلون السياسة بلون المجتمع الذي تكون فيه، بمعتقدات الناس وفكرهم وفلسفتهم للحياة، ونظرتهم للطبيعة البشرية و تعريفهم لأهداف الحكم وغاياته ومصالحه. والسياسة المعاصرة بنت الفكر الغربي تشكلت على يده وتبلورت أساليبها ومناهجها على قوالبه وفلسفته، ويراها الناس أمثلة حية ونماذج متحركة في ما يقرأون أو يسمعون أو يشاهدون. وأضحت السياسة لا تعرف إلا بهذا الطابع الغربي المميز الذي ألفه الناس ولا يكادون يعرفون غيره. وأقوى ما يميز هذه السياسة أنها منفصلة عن الدين، أعني أن الدين لا يوجهها، وأنها لا تلتزم معايير خلقية ثابتة في الوصول إلى أهدافها، بل إن الغاية عندها تسوغ الوسيلة. ولقد نحت السياسة هذا المنحى إثر فلسفات صبغتها بصبغتها، كالميكافيلية مثلا التي أحلّت كل الوسائل والطرق والحيل ما دامت تؤدي للنجاح في الوصول للسلطة والتمسك بها، والبراجماتية التي جعلت النتائج والمنافع العملية هي الحكم على صلاحية أي مبدأ أو فكرة أو وسيلة بغض النظر عما فيها من حق أو باطل. وهكذا نبتت السياسة في منبت سوء، فصارت شيطانا ماردا لا يعرف إلا ولا ذمة، ولا دينا ولا خلقا إلا ما أملاه عليه هواه. وأصبح أمهر السياسيين وأنجحهم أكثرهم دهاء ومكرا وخداعا وكذبا، يراوغ كما يراوغ الثعلب ويتلون كما تتلون الحرباء، ويتشدق بأعلى المثل وهو منها خواء، ويتجمل بأسمى الفضائل وما هي إلا قناع ونفاق.
الإسلاميون في مفترق طرق
حين دخل الإسلاميون ميدان السياسة في مطالع الصحوة الإسلامية المعاصرة، وهم يرفعون شعار أن السياسة جزء لا يتجزأ من الدين، وجدوا أنفسهم يواجهون واقعا غريبا عليهم كل الغربة. واحتاجوا أن يتعلموا عن طريق الخطأ والتجربة كيف يتعاملون مع السياسة، التي بدت لهم كخضراء الدمن، وهي المرأة الحسناء في المنبت السوء، وصالوناتها ودهاليزها تعج بكبراء السياسيين ومردتهم، ممن خبروا السياسة وصالوا فيها وجالوا. ووقفوا بذلك أمام امتحان عسير ووجدوا أنفسهم في مفترق طرق.
ورحم الله أبا الأعلى المودودي الذي يحكى عنه، أنه استدعاه أحد رؤساء باكستان وأكرمه، وقال له فيما قال: يا شيخ نحن نُجلّك ونحترمك، ولكنك تقحم نفسك في السياسة وأنت تعلم أنها قذرة، فلو نأيت بنفسك عنها لكان أكرم لك، فكان جواب السياسي الإسلامي: ولكني أدخل السياسة لأنظفها من قاذوراتها. والمودودي لم يشهد كثيرا من تجارب الإسلاميين الحاضرة في السياسة، في إيران وأفغانستان وماليزيا واليمن والسودان وغيرها من التجارب المعاصرة. فهل شهدت هذه التجارب للإسلاميين أنهم ينظفون السياسة من قاذوراتها، أم أن البعض منهم سحرته ساحرة السياسة الحسناء ببريقها وأطماعها، فأنسته أو تناسته الغاية التي من أجلها دخل السياسة؟ بلا أدنى شك الناس كلهم يشهدون أن منهم من هذا الصنف ومنهم من ذاك، ويخطئ من يصفهم مادحا أو قادحا، بأنهم سواء في الحسن أو القبح.
ما مفهوم السياسة الإسلامية؟
رصيد الإسلاميين في السياسة المعاصرة ضعيف وتجاربهم فيها قليلة، وسلاحهم الوحيد فيها هو خلقهم الإسلامي، ولكن هذا وحده لا يكفي، إذ أن العمل السياسي الإسلامي تثور فيه أسئلة عملية كثيرة ومشكلات عديدة، يواجهها كل من خبر دهاليز السياسة قديما وحديثا. ولا بد من الاعتراف بأن الفكر الإسلامي المعاصر فيه فراغ من هذه الناحية، إذ يبدو أنه لم يتناول بالشرح والتوضيح مفهوم السياسة الإسلامية، أعني منهجها في العمل السياسي اليومي ومناوراته وكره وفره، وطرقها وأساليبها المشروعة للسعي للسلطة من أجل إعلاء الدين وتمكينه. ولكن تراث الإسلام السياسي ضخم وغني وملئ بالأمثلة والنماذج العملية، ومن الممكن تعداد مئات الكتب في آداب وأخلاق السياسة العملية. منها على سبيل المثال كتاب تسهيل النظر وتعجيل الظفر في أخلاق المَلِك والمُلْك للماوردي، و التبر المسبوك في نصيحة الملوك للغزالي، وسراج الملوك للطرطوشي، وتهذيب الرياسة وترتيب السياسة للأهوازي، وألفية المالقي بعنوان أنجم السياسة وشرحها، وكتاب ابن الأزرق في ثلاثة أجزاء في أحوال السياسة. وكل هذه الكتب وغيرها كثير تضم فنونا شتي في التعامل السياسي، فالإسلاميون بتراثهم وتاريخهم عريقون في السياسة وحنكتهم فيها قديمة، فالأنبياء كانوا يسوسون الناس، كما جاء في الحديث "كانت بنوا إسرائيل تسوسهم الأنبياء"، ولكن ذلك التراث يحتاج إلى إحياء وبعث، فحي هلا على الفلاح لمن شاء أن يقدم النموذج للسياسة الإسلامية.
مقططفات منقووولهـ .. للإستفادة ..
تحياتي ..
دينا المانع ...