صفحة 1 من 1

ثورة 17 فبراير

مرسل: الأربعاء ديسمبر 21, 2011 4:47 am
بواسطة خالد المطيري 411
ثورة 17 فبراير أو الثورة الليبية وقد يشير إليها البعض باسم الحرب الأهلية الليبية هي ثورة اندلعت وتحولت إلى نزاع مسلح إثر احتجاجات شعبية بداية في بعض المدن الليبية ضد نظام العقيد معمر القذافي، حيث انطلقت في يوم 15 فبراير اثر اعتقال محامي ضحايا سجن بوسليم فتحي تربل في مدينة بنغازي فخرج أهالي الضحايا ومناصريهم لتخليصه وذلك لعدم وجود سبب لاعتقاله،[5] وتلتها يوم 16 فبراير مظاهرات للمطالبة باسقاط النظام بمدينة البيضاء [6] فاطلق رجال الامن الرصاص الحي وقتلوا بعض المتظاهرين، كما خرجت مدينة الزنتان والرجبان [7] في نفس اليوم وقام المتظاهرون في الزنتان بحرق مقر اللجان الثورية، وكذلك مركز الشرطة المحلي، ومبني المصرف العقاري بالمدينة،[8] وازدادت الاحتجاجات اليوم التالي وسقط المزيد من الضحايا وجاء يوم الخميس 17 فبراير/شباط عام 2011 م على شكل انتفاضة شعبية شملت بعض المدن الليبية في المنطقة الشرقية فكبرت الاحتجاجات بعد سقوط أكثر من 400 ما بين قتيل وجريح برصاص قوات الامن ومرتزقة تم جلبهم من قبل النظام. وقد تأثرت هذه الاحتجاجات بموجة الاحتجاجات العارمة التي اندلعت في الوطن العربي مطلع عام 2011 م وبخاصة الثورة التونسية وثورة 25 يناير المصرية اللتين أطاحتا بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي والرئيس المصري حسني مبارك. قاد هذه الثورة الشبان الليبيون الذين طالبوا بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية. كانت الثورة في البداية عبارة عن مظاهرات واحتجاجات سلمية, لكن مع تطور الأحداث وقيام الكتائب التابعة لمعمر القذافي باستخدام الأسلحة النارية الثقيلة والقصف الجوي لقمع المتظاهرين العزّل، تحولت إلى ثورة مسلحة تسعى للإطاحة بمعمر القذافي الذي قرر القتال حتى اللحظة الأخيرة. وبعد أن أتم المعارضون سيطرتهم على الشرق الليبي أعلنوا فيه قيام الجمهورية الليبية بقيادة المجلس الوطني الانتقالي، وفي يومي 21 و22 اغسطس دخل الثوار إلى العاصمة طرابلس وسيطروا عليها كما تمكنوا من السيطرة على آخر معاقل القذافي وقتل الأخير في سرت بحلول يوم 20 أكتوبر.

الخلفية

في شهر فبراير عام 1943م انتهى الغزو الإيطالي لليبيا بعدَ حملة عليها من طرف دولتي بريطانيا وفرنسا، اللتين نجحتا في دحر إيطاليا وألمانيا من البلاد بالقوة العسكرية وتقاسماتها جنباً إلى جنبٍ معَ بقيَّة المُستعمرات الإيطالية، فحصلت بريطانيا على إقليمي برقة وطرابلس فيما أخذت فرنسا إقليم فزان،[9] واستمرَّ الوضع كذلك حتى أعلن في 24 ديسمبر 1951 عن استقلال ليبيا رسمياً، وبذلك قامت المملكة الليبية المتحدة.[10] ظلَّت المملكة الليبية بقيادة إدريس السنوسي تحكم ليبيا تحتَ نظام ملكيٍّ وراثي حتى تاريخ 1 سبتمبر 1969،[11][12] عندما استغلَّ الملازم معمر القذافي[13] وُجود الملك السنوسي خارج البلاد لتلقي العلاج ونفذ انقلاب سبتمبر[13] ليُعلن قيام الجمهورية العربية الليبية،[14] ثمَّ أعلن في 2 مارس 1977 عن بدء "سلطة الشعب" وغير اسم الدولة إلى الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية[15] (وأضاف لاحقاً كلمة "العظمى" في 14 أبريل 1986 بعدَ الغارات الأمريكية على ليبيا، بصفتها تحدَّت دولة عظمى).[بحاجة لمصدر]
\
بعدَ "إعلان قيام سلطة الشعب" في عام 1977 تغيَّر نظام الحُكم في ليبيا إلى نظام مُعقد وغير اعتياديٍّ وضع أسسه العقيد معمر القذافي،[16] وهوَ ما يُسميه النظرية العالمية الثالثة[17] (باعتباره طريقة الحُكم الثالثة بعدَ الماركسية والرأسمالية)،[18] التي ألف لها كتاباً اسمه الكتاب الأخضر يَشرح أسسها ومفاهيمها.[14] ويَعتمد نظام الحُكم هذا الذي أسسه القذافي على مبدء اللجان الشعبية، إذ أن المؤتمر الشعبي العام يُعد أعلى سلطة تشريعيَّة في الدولة وفق هذا النظام، حيث يَحل مكان مجلس الوزراء ويَقوم بسن القوانين وغيرها من التشريعات، ويَتكوَّن هذا المؤتمر العام من مُمثلين عن عامة الشعب، إذ أن سكان البلاد مُقسمون إلى وحدات محلية تحوي كلٌّ منها 1,000 شخص، يَقومون بدورهم بانتخاب شخص منهم ليُمثلهم في المؤتمر.[19]
يُعد معمر القذافي أطول حاكم غير ملكيٍّ من حيث مدة الحُكم في تاريخ العالم أجمع، وأطول حاكم في تاريخ ليبيا منذ أن أصبحت ولاية عثمانية عامَ 1551م،[20] لكنه معَ ذلك يَعتبر أنه ليسَ حاكماً ولا يَملك أيَّ منصب، إنما "قائداً" و"زعيماً" فيما يَحكم الشعب نفسه بنفسه. كان القذافي إنساناً غريبَ الأطوار بشكل عام، وكثيراً ما كان يُحاول الخروج عن المُعتاد في أفكاره، فكان يُلقب نفسه بـ"ملك ملوك إفريقيا"، ويَدعو إلى دولة مُتحدة في فلسطين باسم "إسراطين"،[18] كما ألغى التقويم الهجريَّ في ليبيا واعتمدَ تقويماً شمسياً جديداً يَبدأ تأريخه من وفاة النبي محمد ويَعتمد تسميات خاصة للأشهر مُختلفة عن سائر التقاويم الأخرى[21] (وقد آثار تقويمه هذا انتقادات واسعة في الأوساط العربية).[22] كانت العلاقات عموماً متوترة بين القذافي والغرب خلال مُعظم فترة حكمه، ووصلَ الأمر إلى حد فرض عُقوبات قاسية ضد ليبيا في مجلس الأمن الدولي عام 1989، لكن معَ ذلك فبعدَ رفع المجلس لعقوباته في عام 1998[14] عادت العلاقات بين ليبيا والغرب للتحسُّن بسرعة والتوطد إلى حد كبير، ومن ضمن ذلك دفعه تعويضات بمقدار 2.7 بليون دولار إلى الغرب عام 2003 بسبب التوترات السابقة، ثمَّ تفكيكه لأجهزته النووية وإلغاء برنامجه النووي وإهداء مخططاته ومعداته كافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية.[18]
[عدل] حقوق الإنسان في عهد القذافي
شهد فترة حكم القدافى سجل حافلا في مجال حقوق الإنسان وانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان وزاد قمع الحريات وتقنين الصحافة والرقابة على المطبوعات وزاد سجناء الراى والسجناء السياسين وغيبو وقتل المئات منهم والنتكيل والتهجير باسرهم وزاد الخوف من أجهزة الامن والبوليس السياسى. ولا ننسى فترة الاعدامات الجماعية التي راجت في نهاية السبعينات ومنتصف التمانينيات وراح ضحيتها العديد من طلبة الجامعات والمثقفين واصحاب الفكر السياسى المناهض لفكر القدافى واعدموا على في الساحات والميادين والجامعات.
[عدل] الاحتقانات الشعبية في عهد القذافي

أبرز ثلاث احتقانات وأحداث شعبية شهيرة في عهد القذافي هيَ مجزرة سجن أبو سليم عام 1996 ومجزرة مشجعي كرة القدم عام 1996 ومظاهرات بنغازي عام 2006.
ففي عام 1996 قامت أجهزة الأمن الليبية بارتكاب إحدى أكبر المجازر في عهد القذافي بسجن أبو سليم، وهو سجن يُؤوي المُعتقلين السياسيين في المقام الأوَّل، ويُعد أكثر سجون ليبيا إحكاماً وتحصيناً، وبنقيض باقي سجون البلاد فهوَ لا يَخضع لإدارة وزارة العدل الليبية بل يُدار مُباشرة من طرف الأمن الداخلي.[23] لكن في شهر يونيو عام 1996 تمرَّد عدد كبير من السجناء مُطالبين بأن يُحاكموا بشفافية بدلاً من اعتقالهم قسرياً وبأن يَحصلوا على ظروف معتقل أقل سوءاً،[24] وتمكن المُتمؤدون من السَّيطرة على جزء من السجن وطرد الحرس منه،[25] ونتيجة لهذا فقد أطلقت أجهزة الأمن الليبية حملة يوم 28 يونيو من ذلك العام لقمع التمرُّد،[26] واقتحمته في ذلك اليوم ميليشات القذافي معَ العديد من القادة الأمنيين البارزين مثل عبد الله السنوسي وموسى كوسا.[25][27] وبعدَ بعض المُفاوضات بينهم وبين المُتمردين، بدأت عملية اقتحام المناطق التي يُسيطر عليها السجناء باستخدام الرشاشات والقنابل اليدوية، وبذلك بدأت المَجزرة، التي قبضوا خلالها على مئات المُتمردين وقاموا بتصفيتهم جماعياً، ويُقدر عدد ضحاياها بحوالي 1170 قتيلاً.[25][28]
وفي عام 1996 نفسه حدثت مجزرة أخرى أصغرَ حجماً في العاصمة طربلس أيضاً، إذ انتصرَ نادي الأهلي الطرابلسي على النادي الاتحادي في إحدى مباريات كرة القدم، فتحمَّسَ مشجعو الأهلي وأخذوا بالهتاف ضد النادي الاتحادي وتأييداً للأهلي،[29][30] وقد كان وقتها الساعدي القذافي - ابن معمر القذافي - حاضراً في المباراة على المنصة الشرفية، فلم تَرق له هتافات الجمهور لأنه كان عضواً في النادي الاتحادي آنذاك، ولذلك أمرَ قوَّات الأمن بإطلاق النار على المُشجعين فوقعت المجزرة[31] التي راحَ ضحيتها 20 مدنياً ممن كانوا يَهتفون للنادي الأهلي.[30] وقد تسبَّبت هذه المجزرة بإغلاق نادي الأهلي وتجميد نشاط كرة القدم في كافة أنحاء ليبيا لمُدة ثلاث سنوات كاملة.[31][32]
وفي بنغازي اندلعت أحداث عام 2006 بسبب أزمة الرسوم المسيئة للنبي محمد، التي خرج رداً عليها المئات في المدينة في يوم الجمعة 17 فبراير واتجهوا نحوَ القنصلية الإيطالية بها،[33][34] وحاولَ المُتظاهرون اقتحام القنصلية فاعترضتهم قوَّات الشرطة، ثمَّ صعدَ فتى إلى مبناها وانتزعَ العلم فأطلقت الشرطة عليه النار،[35] وبذلك بدأ الاشتباك بين المُتظاهرين الغاضبين ورجال الشرطة الذي تطوَّر إلى استخدام الرَّصاص الحي وانتهى بمقتل 11 متظاهراً وسُقوط ما لا يَقل عن 35 جريحاً.[33][34] وبعدَ هذه المجزرة تطوَّرت الأحداث، فاندلعت الاحتجاجات مُجدداً يوم السبت وأحرق المُتظاهرون الغاضبون القنصلية الإيطالية بعدَ أن اتجهوا إليها مُجدداً،[35] وخلال فترة أيام 18 - 20 فبراير توسعت دائرة مطالب المُحتجين، فأخذوا بالتوجه نحوَ رموز السلطة بليبيا نفسها، وأحرقوا أربع مقارٍ للشرطة ومبنيي الضرائب والمباحث الجنائية فضلاً عن اقتحامهم لمديرية الأمن في بنغازي، وكانت حصيلة المباني الحُكومية التي أحرقوها في آخر الأمر حوالي 30 مبنى. وفي سبيل احتواء هذه الاحتجاجات أعلنت السلطات الليبية الحداد على "شهداء" مجزرة 17 فبراير وأقالت وزير الأمن العام بالبلاد، كما اهتمَّت بنقل عددٍ من جرحى المُظاهرات للعلاج في الخارج.[35] وبعدَ وُصول الاحتقان إلى هذا المستوى على مدى أربعة أيام من التوترات في مدينة بنغازي، انتهت الأحداث بفرض السلطات الليبية لحالة الطوارئ وإعلانها حظر التجوال في المدينة، معَ إرسال تعزيزات أمنية إليها من المناطق المُجاورة للحرص على عدم تكرار المُظاهرات.[35]
كما شهدت مدينة البيضاء في 1 سبتمبر عام 2006 احتجاجاً عارمة أثناء احتفال انقلاب 1969 أو مايعرف الفاتح، وقام بعض المواطنين بالهجوم على عربات بها دبلوماسيين والعقيد القذافي احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية بالمدينة، مما أدى إلى كسر نوافذ السيارات ولم يصاب على اثرها اي شخص.[36]
[عدل] الدعوة إلى الثورة

أنشأ الناشط "حسن الجهمي" المتخصص في مجال المعلوماتية يومَ الجمعة 28 يناير صفحة على موقع الفيسبوك الاجتماعي تدعو إلى انطلاق ثورة في كافة أنحاء ليبيا يوم 17 فبراير،[37] في ذكرى أحداث مدينة بنغازي عامَ 2006 الخامسة (طالع الفقرة أعلاه للتفاصيل)، وللتخلص من الفقر والتعبير عن حقوق الشعب الطبيعية حسبَ وصف صاحب الصفحة لوظيفتها.[38] وسُرعان ما بدأت صفحته بالانتشار، وبدأ بتشكيل شبكة اتصالات معَ ناشطين آخرين في البيضاء وبنغازي وطرابلس يَدعون إلى انتفاضة مُشابهة في البلاد.[37]
وبالتزامن معَ ظهور هذه الدعوات على الإنترنت، في أوائل شهر فبراير ادعى "المؤتمر الوطني للمعارضة الليبية" أنه علمَ من مصادر مطلعة في السلطات الليبية أن هناك خططاً لاحتواء أي حراك شعبيٍّ مستقبلي مُحتمل بتنفيذ عددٍ من الإصلاحات السياسية والاجتماعية في البلاد، ستتضمن تشكيل حكومة جديدة لوضع دستور جديد وسن قانون للأحزاب.[39] كما قالَ المؤتمر في يوم 4 فبراير أن خطبَ الجمعة في مُختلف أنحاء ليبيا تناولت موضوع أمن واستقرار البلاد وركزت عليه، مما اعتبره مُحاولة أخرى لاحتواء الحراك الشعبي.[40] وفي الأيام الأولى من شهر فبراير أيضاً، اجتمعَ مسؤولون في النظام أكثر من مرة معَ ناشطين ومثقفين وممثلين للقبائل الليبية لإبلاغهم بضرورة الحفاظ على الأمن والاستقرار، وحماية الشعب والمواطنين مما يُنشر على الإنترنت من دعوات محرِّضة.[41]
وقبل أنطلاق الانتفاضة بقليل، اجتمعت جهات وتنظيمات وقوى مُختلفة من المعارضة الليبية في الخارج لمُناقشة الوضع السياسي في البلاد يومَ الإثنين 14 فبراير، وصفت نفسها بأنها: "تنظيمات وفصائل وقوى سياسية مستقلة وشخصيات وطنية ليبية ومنظمات وهيئات حقوقية مهتمة بالشأن الليبي العام". وأصدرت هذه الجهات والتنظيمات معاً بياناً موحداً طالبت فيه الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي بالتنحي عن الرئاسة ونقل نظام الحُكم بشكل سلمي ليُصبحَ مرتكزاً على أسس الديمقراطية.[42]
وفي النهاية في يوم 14 فبراير وقبل بدء الثورة بيوم واحد ألقت السلطات الليبية القبضَ على المحامي فتحي تربل في بنغازي المُعارض لنظام القذافي والمسؤول عن قضية أهالي ضحايا مجزرة سجن أبو سليم في القضاء،[43][44] بالإضافة إلى عدة ناشطين آخرين بينهم المُدوِّن "فرج الشراني"، مما اُعتبرَ الشرارة الأولى الفعلية للاحتجاجات الليبية ومُفجِّرها الرئيسيّ.[24][45]
[عدل] أحداث الصراع
اندلعت عدة احتجاجات في ليبيا قبل اليوم المحدد 17 فبراير، إذ خرجت مظاهرة بمدينة البيضاء هي الأولى من نوعها بليبيا احتجاجاً على الأوضاع المعيشية يوم 14 يناير، وحصلت اشتباكات بين الشرطة والمحتجين مما أدي إلى غضب المحتجين فقاموا بالهجوم على المكاتب الحكومية.[46] وبعدَ اعتقال الناشطين فتحي تربل وفرج الشراني،[45] خرجَ الآلاف للتظاهر في مساء يوم الثلاثاء 15 فبراير أمام مديرية الأمن بمدينة بنغازي.[47] وسُرعان ما جاءَت مجموعة من البلطجية الذين كانوا يَهتفون تأييداً للعقيد معمر القذافي وهاجمت المُحتجين، فتطوَّرت المُظاهرة إلى اشتباك عنيف استَخدم المُتظاهرون خلاله الحجارة والزجاجات الحارقة لإبعاد المُهاجمين. وقد انتهت الوقفة الاحتجاجية عندما وصلت مجموعات من الشرطة النظامية واستخدمت الهراوات وخراطيم المياه لتفريق المُتظاهرين،[47] وكانت حصيلة الاشتباكات في آخر الأمر سقوط 38 جريحاً.[37] وبالتزامن معَ هذه المُظاهرة، خرجت في المقابل مسيرات مؤيدة للعقيد القذافي في مدن أخرى بأنحاء ليبيا منها بنغازي نفسها وسرت وسبها والعاصمة طرابلس.[48] وبعدَ انطلاق هذا الحراك الشعبي المفاجئ لم يَمضي وقت طويل حتى أُعلنَ الإفراج عن فتحي تربل في وقت متأخر من مساء الثلاثاء، كما وعدت السلطات الليبية بالإفراج يومَ الأربعاء عن 110 سجناء آخرين من معتقلي سجن أبو سليم.[49]
\
كما انطلقت مظاهرات تطالب بإسقاط النظام في مدينة البيضاء يوم 16 فبراير وهي الأولى من نوعها في ليبيا وسقط بالمدينة حوالي 3 قتلى [50] وتعد من احدى شرارت ثورة 17 فبراير [51]، وأخيراً انطلقت الاحتجاجات في أنحاء ليبيا يومَ الخميس 17 فبراير تحتَ شعار "يوم الغضب الليبي"، ووصلت إلى ست مدن هيَ بنغازي والبيضاء وطبرق ودرنة وأجدابيا والكفرة والزنتان.[52][53] وخلال برهة وصلَ الأمن لفض المُظاهرات، فتطوَّرت بسرعة إلى مواجهات عَنيفة بين الطرفين، وقامَ المُتظاهرون بإحراق العديد من المباني الحكومية في مدن مختلفة،[54] وفي النهاية تعرَّضت العديد من المُظاهرات لإطلاق النار والفض بالرَّصاص الحي، وتراوحت إحصاءات أعداد القتلى من 11 إلى 49 قتيلاً موزعين بين مدن بنغازي والبيضاء وأجدابيا ودرنة.[55][56] وذلك على الرغم من أن بعض رجاء الأمن قد انضموا إلى المُحتجين وامتنعوا عن إطلاق النار عليهم،[52] فيما كان ردُّ الفعل الحكومي الأول هوَ إقالة مسؤول أمنيٍّ في مدينة البيضاء.[55] لكن من جهة أخرى فإن السلطات بدأت حملة اعتقالات في طرابلس ألقي القبض خلالها على 14 ناشطاً على الأقل، وربَّما كان ذلك تحسباً لاحتجاجات مُشابهة مثل ما حدث في مدن أخرى.[54]
ارتفعَ عدد المدن المحتجة إلى 16 معَ قدوم يوم الجمعة 18 فبراير، إذ بلغت المُظاهرات مدن بنغازي والبيضاءو طبرق و درنة وأجدابيا والمرج وطبرق والقبة وشحات وسبها والزنتان والزاوية وصبراتة وجادو والرجبان ويفرن وطرابلس (في تاجوراء وسوق الجمعة وفشلوم).[57] وقد كرَّرَ المُتظاهرون - خصوصاً في بنغازي - أعمال حرق المباني الحكومية كما في اليوم السابق، فيما وصلَ الأمر إلى حد شنق شرطيَّين في البيضاء.[58] وكما في اليوم السابق أيضاً استخدمَ الرَّصاص الحي ضد المحتجين، فسقطَ 24 قتيلاً موزعين على مدن بنغازي والبيضاء ودرنة.[56][57][59] وبنهاية اليوم كانت المُظاهرات قد عمَّت مدينتي البيضاء والزنتان تماماً، وتمكن المُحتجون - بعدَ انضمام الأمن والشرطة إليهم - من طرد أنصار القذافي بالكامل تقريباً من كلا المدينتين، وأصبحتا تحتَ سيطرة المُتظاهرين.[57]
[عدل] المجازر ضد المحتجين
في مدينة غريان أكبر مدن جبل نفوسة خرجت مظاهرات من يوم 18 فبراير و طالب بحماية المدنيين ببنغازي و اعلنت قوات الجيش وقوفها الي جانب الشعب و قامت قوات الجيش في يوم 21-02-2001 بالقبض على على مجموعة من المرتزقة و لكن قام المدعو عبدالسلام سحبان قائد كتيبة سحبان المعروفة كاأكبر الكتائب الامنية بالتظاهر انه مع الثوار لكي يعرف هويات و أسماء الثوار ومن ثم بدء في اعتقالهم من بيوتهم في الليل فيما هرب الاخرين الي الجبل.[بحاجة لمصدر] وخرجت في يوم السبت 19 فبراير مسيرة بمدينة بنغازي لتشييع قتلى اليومين السابقين، فأطلقت مجموعات من المغاوير النار على المُحتجين بكثافة وقصفتهم بالأسلحة الثقيلة ومضادات الطائرات، مما أدى إلى سُقوط 15 قتيلاً على الأقل حسبَ منظمات حقوق الإنسان الدولية،[60] لكن مع ذلك فقد قال الناشط فتحي تربل أن العدد قد يَصل إلى 200 قتيل في بنغازي وحدها منذ بداية الاحتجاجات،[61] في حين أفادت مصادر طبيَّة يوم الأحد التالي أنه يُوجد في "مستشفى الجلاء" بالمدينة حوالي 300 جثة لقتلى من الاحتجاجات فضلاً عن وُجود قرابة 1,000 جريح فيه، مما يُمكن أن يَعني أن عدد ضحايا المجزرة أضخم بكثير.[62] كما سقط في مدينة البيضاء وحدها ما يقارب 150 قتيل[63]، وسقط قتيل آخر في مصراتة خلال تفريق مُظاهرة.[61] وفي يوم الأحد 20 فبراير استمرَّت الاضطرابات في بنغازي، وخرجَ عشرات آلاف المُتظاهرين إلى الشوارع فهاجمهم مُسلحون وتسبَّبوا بسُقوط 50 قتيلاً.[62][64] وبعدَ هذه الاشتباكات أعلنت قوَّات من الأمن والجيش انضمامها إلى المحتجين، وسلمتهم مبنى مديرية الأمن بالمدينة فنهبوه وأحرقوه.[62] وبعدَ انضمام الأمن والجيش هذا اضطرَّ أنصار القذافي والموالون له إلى الانسحاب من المدينة، فأصبحت تحتَ سيطرة المحتجين بالكامل هيَ الأخرى مثل البيضاء والزنتان فيما أطلقوا عليه "تحرير المدينة".[64] وإلى جانب هذه المدن الثلاث، أفادَ ناشطون أيضاً بسيطرة المُحتجين على مدينة رابعة يومَ الأحد هيَ الزاوية بعدَ خروج مُظاهرات حاشدة فيها.[65] وفي العاصمة طرابلس خرجت مُظاهرات بالآلاف في منطقتي سوق الجمعة والدهان شرقي المدينة، وانشقت قوَّات الأمن والشرطة مُلتحقة بالمُتظاهرين فانسحبَ أنصار القذافي، وأعلنت قوَّات الجيش في قاعدة معيتيقة الجوية المُجاورة انشقاقها أيضاً، فوقعَت المنطقة بأكملها بذلك في قبضة المُحتجين، الذين حاصروا مقرَّ الإذاعة وقرُّوا التوجه نحوَ الساحة الخضراء وسطَ العاصمة حيثُ بدؤوا اعتصاماً مفتوحاً. لكن سُرعان ما جاءَ مرتزقة أجانب ليبدؤوا بإطلاق النار على المُعتصمين، ثمَّ انطلقت مُظاهرة مناصرة للقذافي في الساحة واصطدمت معَ المناهضين له.[66][67] كما قطعت خدمات الإنترنت بالكامل عن ليبيا في مساء الأحد.[68]
وبعدَ أحداث العاصمة هذه، ظهرَ سيف الإسلام القذافي في خطاب على التلفاز للمرَّة الأولى منذ اندلاع الاحتجاجات، حذر خلاله من إمكانية اندلاع حرب أهلية في ليبيا بسبب طبيعتها القبلية منبهاً إلى أنها "ليست تونس أو مصر"، كما وعدَ بسن قوانين إصلاحية وتعديل الدستور لإرضاء المحتجين.[69] وبعدَ هذا الخطاب تأججت المُظاهرات وخرجت في مَناطق مُختلفة من العاصمة، من ضمنها شارع عمر المختار، وقامت الحشود الغاضبة بإحراق العديد من المباني الحكومية في المدينة.[70][71]
وقد كان الأهم من انضمام الجيش في يوم الأحد هوَ بروز بعض ردود الفعل المحلية الأولى اتجاه الاحتجاجات، إذ استقالَ مندوب ليبيا في الجامعة العربية معبراً عن انحيازه إلى "الثورة الشعبية"،[72] وفي المُقابل أعلنت قبائل كبرى عديدة من قبائل ليبيا دفعة واحدة عن انحيازها إلى المحتجين وتخليها عن نظام القذافي، أبرزها قبيلتا ورفلة - أكبر قبيلة في البلاد بتعداد يَبلغ مليون نسمة - وترهونة - ثاني أكبر قبيلة بنفس التعداد تقريباً والتي يَنتسب إليها معظم جنود الجيش -، فضلاً عن "قبيلة الزوي" في مناطق حقول النفط بالجنوب التي أعلنت أنها ستُوقف ضخَّ النفط إلى العالم خلال 24 ساعة إن لم يَتوقف "سفك الدم الليبي".[73][74][75]
خرجت مدن جديدة في يومَ الإثنين 21 فبراير عن سيطرة نظام القذافي وسقطت في أيدي المُحتجين بعدَ انضمام الجيش إلهيم وحمايته لهم، من أبزرها مدينة طبرق في الشرق ومدن مصراتة وخمس وبني وليد وترهونة والزاوية وزوارة في الغرب.[76] أما في العاصمة، فقد دعى ناشطون إلى إطلاق مسيرة مليونية بمشاركة المدن المُحيطة التي اتُفق أن تزحف الحُشود منها نحوَ طرابلس، لكن ذلك لم يَتحقق.[77] إذ بدأت قوَّات من المرتزقة - حسبَ إفادات شهود وناشطين عديدة - بعد ذلك مُباشرة بارتكاب "مجزرة" في العاصمة بعدَ التحاق الغالبية العُظمى من القوات المسلحة بالمحتجين ومعَ قطع الكهرباء والماء والاتصالات عن المدينة ومُحاصرتها، فتم قصف المدنيين العزل والمُتظاهرين بالمروحيات جواً والآليات الثقيلة براً مستخدمين مضادات الطائرات وغيرها من القذائف في أحياء ومناطق عديدة منها تاجوراء وسوق الجمعة - حيثُ نفذ إنزال جوي للمرتزقة وبدؤوا بقصف المدنيين المُحتشدين - وفشلوم وحي الأندلس، بالإضافة إلى إطلاق النار على كل من يَمشي في الشوارع في كافة أنحاء العاصمة، وقد انتهت عمليَّات القصف هذه بمقتل 250 مدنياً على الأقل.[77][78][79] وأما المدن التي كانت تُحاول الحشود فيها الزحف نحوَ طرابلس كمصراتة مثلاً، فقد تعرَّض المُحتجون فيها للقصف بالطائرات العسكريَّة لإجبارهم على التراجع، مما أوقعَ الكثير من الخسائر في صفوف المتظاهرين.[77]
وفي تطوُّر غير مسبوق في استقالات السلك الدبلوماسي يومَ الإنين، أعلنَ 6 سفراء لليبيا في دول بريطانيا وبولندا والصين والهند وإندونيسيا وبنغلادش استقالتهم دفعة واحدة.[80] فيما وصلت الانشقاقات إلى الوزراء، حيثُ أعلن وزيرا العدل مصطفى عبد الجليل وشؤون الهجرة والمغتربين علي الريشي استقالتهما احتجاجاً على "العنف في قمع الاحتجاجات".[81][82][83][84][85]
.
خرجت مُظاهرات عارمة في مدينة صبراتة يوم الثلاثاء 22 فبراير أحرق خلالها المُحتجون مُعظم المكاتب الأمنية في المدينة، فنأرسلت السلطات وحدات من الجيش إليها.[86] أما في العاصمة فقد ألقى العقيد معمر القذافي خطابه الثاني، الذي حذر فيه من أنه سيَسحق "المتمردين" كالجرذان، وأنه لن يَتوانى عن استخدام القوَّة إذ اضطر لذلك، كما تحدَّث كثيراً عن تاريخ إنجازاته وأمجاده.[87] وقد كانت العاصمة هادئة قبلَ هذا الخطاب، لكن بعدَه مُباشرة بدأ إطلاق نار في مناطق عدة واندلعت اشتباكات في حي بن عاشور، فيما حاصرت قوَّات المرتزقة المدينة من كل الجهات.[88][89] وعندَ هذه المرحلة من تطوُّر الاحتجاجات، أصبحَ شرق ليبيا بأكمله وبجميع مدنه تحتَ سيطرة المُحتجين، من طبرق شرقاً قربَ الحدود حتى أجدابيا غرباً مروراً بدرنة والمرج والبيضاء وبنغازي، وزيادة في سيطرتهم عليه انشقت يومَ الثلاثاء كتائب الجيش الليبي في الجبل الأخضر وقبضَ أهالي مدينة البيضاء وحدهم على 400 مرتزق كانوا يُحاولون قمع الاحتجاجات هناك.[86][90][91] أما على انشقاقات النظام، فقد استقالَ يوم الثلاثاء سفراء ليبيا في فرنسا وأذربيجان ومنظمة اليونسكو احتجاجاً على قمع المُظاهرات،[80] فيما تفاقمت استقالات الوزراء بانشقاق وزير ثالث هوَ وزير الداخلية عبد الفتاح يونس العبيدي.[92][93][94]
سقطت في يوم الأربعاء 23 فبراير مدية جديدة في أيدي المُحتجين، هيَ مصراتة الوَاقعة شرق طرابلس.[90] وقد كانت العاصمة هادئة خلال اليوم، معَ عدم مُلاحظة وُجود غير اعتيادي للأمن والجيش، على الرغم من أن الشوارع ظلَّت خالية تماماً نتيجة لاستهداف أي شخص يَمشي فيها بالرَّصاص مباشرة.[90][91] وفي الشرق سيطرَ الثوار على مدينة البريقة بمُساعدة كتائب أمنية مُنشقة.[95] أما عدد القتلى الإجماليِّ في أنحاء ليبيا فقد بلغ بحلول الأربعاء 640 قتيلاً الغالبية العُظمى منهم في بنغازي وطرابلس وحدهما، في حين وصلت بعض التقديرات إلى 2,000 قتيل.[91] اقتحمت كتائب القذافي يومَ الخميس 24 فبراير مدينة الزاوية وأطلقت النار برشاشات مضادة للطائرات على المُحتجين المُعتصمين في ساحتها، فسقطَ 16 إلى 23 قتيلاً جرَّاء ذلك، لكن المُحتجين عادوا للتجمُّع وأبقوا المدينة تحتَ سيطرتهم بعد انتهاء الهجوم مُباشرة.[96][97] وفي مصراتة بلغت كتيبة خميس القذافي المدينة صباح اليوم لتبدأ هجوماً مفاجئاً عليها سيَستمر لشهور لاحقة، وقتلت خلاله منذ اليوم الأول 4 من المدنيِّين.[98][99] أما مدينة زوارة المثجاورة فقد اختفى الأمن منها وسقطت في أيدي المُحتجين. وفي العاصمة اقتحمَت قوات القذافي المستشفيات وقامت بتصفية جرحى المُظاهرات الذين نقلوا إلى هناك سابقاً، فيما اختطفت الجثث، بينما ظلت شوارع المدينة خالية تماماً.[97][100]
في صباح يوم الجمعة 25 فبراير أغارت كتائب القذافي على مدينتي الزاوية ومصراتة، لكن الأهالي صدوا الكتائب في كلا المدينتين. وقد اندلعت الاحتجاجات بالعاصمة في أكثر من 7 مواقع وحاولت بلوغ الساحة الخضراء، لكن 15 قتيلاً سقطوا بين المُحتجين بعدَ قمع جميع المُظاهرات.[99][101][102][103] كما سقطت في أيدي المُحتجين مدن الزنتان وجادو ونالوت.[104] وتعرَّضت مدينة الزاوية لهجوم جديد يوم السبت 26 فبراير أوقع 50 قتيلاً بعدَ قصف مُتظاهرين بالمدفعية الثقيلة.[105][106]
وعلى الصعيد الدولي صدرَ أول قرار رسمي بشأن الأحداث في ليبيا من مجلس الأمن الدولي، إذ أصدرَ قرار المجلس رقم 1970 الذي فرض عدداً من العُقوبات على نظام القذافي وقياداته وأسرته وأدان بشدة قمع الاحتجاجات،[107][108] فأدان القذافي بدوره القرار واعتبرَ أنه باطل ورفع بشأنه مذكرة إلى محكمة العدل الدولية.[109] ومعَ هذا التطور الدولي جاءَ تطور محليُّ كبير آخر، إذ شهدَ يوم الأحد 27 فبراير الإعلان عن تأسيس المجلس الوطني الانتقالي الليبي في شرق ليبيا بالمدن التي سيطرَ عليها المُحتجون، الذي أكَّد أن تشكيله كان بالتعاون معَ قيادات الثوار في جميع مدن البلاد، وأن لديه مجالس في كافة المدن وليسَ من الوارد عنده بأي شكل تقسيم ليبيا، فيما أعلنَ ناشطون في غرب البلاد أن مدن الغرب تضع نفسها تحتَ إدارة المجلس الانتقالي.[110][111]
[عدل] بدء الصراع المسلَّح
حملَ الثوار في يوم الخميس 17 فبراير الأسلحة النارية للمرَّة الأولى، إذ كان ذلك في مدينة البيضاء ومحيطها عندما انشقت "كتيبة الجارح" التابعة للحرس الجمهوري الليبي وبدأ جنودها بتبادل إطلاق النار معَ الجنود الموالين للقذافي، وبذلك اندلعت معركة البيضاء،[112] فأخذ ثوار البيضاء السلاح من بعض مخازن الذخيرة واتجهوا به إلى موقع كتيبة الجارح في مدينة شحات المُجاورة للبيضاء ولمساندة المُنشقين بالقتال، ومن ثم إلي مطار الأبرق الذي دارت به معارك، حيث تمكنوا الثوار من الاستيلاء على بعض الطائرات التي حطَّت فيه، وتدمير مهابط المطار في 18 فبراير 2011.[113] ولاحقاً في 21 فبراير هاجمت كتائب القذافي المطار لانتزاعه من أيدي الثوار، لكنهم نجحوا في إسقاط طائرة عمودية،[114] فنشبَ أوَّل اشتباك مسلَّح في الثورة الليبية.[115] وبعدها تكرَّرَ الأمر مرة أخرى في يوم الإثنين 28 فبراير بمدينة مصراتة، حيثُ دافعَ الثوار بالأسلحة أيضاً عن المدينة التي تعرَّضت لهجوم آخر من طرف كتيبة خميس القذافي، وتمكنوا من إسقاط طائرة حربية تابعة للكتائب وتفجيرها بعدَ معركة قرب قاعدة جوية هامة،[116] كما استخدموا المدفعية المضادة للطائرات في اليوم ذاته بمدينة أجدابيا لصد طائرات كانت تُحاول قصف مخزن الأسلحة القريب منها.[117] لكن معَ ذلك فإن حركة الاحتجاجات لم تكن قد تحوَّلت بعدُ إلى ثورة مسلَّحة عندَ هذه المرحلة، إذ أن استخدام السلاح ظلَّ محدوداً بهاتين المدينتين وبهذه الاستخدامات البسيطة.[116][117] وفي يوم الثلاثاء 29 فبراير سقطت مدينة مسلاتة في يد الثوار، فيما صدَّ ثوار مصراتة والزاوية والزنتان هجمات مُختلفة لكتائب القذافي.[118]
في مدن الشرق الليبي التي خرجت منذ وقت مُبكر عن سيطرة القذافي، استولى الثوار - بطبيعة الحال - على عددٍ كبيرٍ من مخازن الأسلحة بعدَ أن أحكموا سيطرتهم على تلك المناطق، وحصلوا منها على كميات كبيرة من الذخيرة التي يُمكنها تسليح آلاف المُقاتلين.[119] وعلى الرغم من استعداد العديد من الثوَّار للزحف غرباً نحوَ المناطق التي لا زالت خاضعة للقذافي،[120] فإن قادة المجلس الوطني الانتقالي وقتها - في أواخر شهر فبراير - لم يَتشجعوا للأمر ونفوا أن يَحدث ذلك في الفترة الحالية، خصوصاً بعدَ أن اتصلوا بناشطين وثوار آخرين في العاصمة طرابلس ليَقترحوا عليهم الزحف غرباً لمُساندتهم، فرفض هؤلاء قائلين أن الأوضاع لا زالت تحت سيطرتهم في العاصمة وأنهم ليسوا بحاجة إلى مُساعدة، ولذا فقد توقف الأمر عندَ ذلك الحد.[121] لكن المجلس أخذ معَ ذلك بتشكيل جيش رسميٍّ له للمرَّة الأولى هوَ جيش التحرير الوطني الليبي، حيث أفادَ عسكريون بوُجود متطوعين ومنشقين من الجيش والأمن يُشكلون معاً وحدة عسكرية لنزع سيطرة القذافي عن باقي ليبيا، وقالوا في يوم الثلاثاء 1 مارس أن عدد المُتطوعين المُجتمعين في مدينة أجدابيا أصبحَ حوالي 10,000 مقاتل.[118] وفي أواخر شهر فبراير أيضاً كانَ بعض الثوار في الجبل الغربي بمدن كالزاوية مُسلحين بأسلحة أخذوها من مخازن الذخيرة، وكانوا يُطلقون النار بها في الهواء قائلين أنهم لا زالوا يَتظاهرون سليماً، لكنهم سيُقاتلون عندَ اللزوم.[122]
اندلعت المَعارك المسلحة الحقيقية للمرَّة الأولى بليبيا في يوم الأربعاء 2 مارس عندما اجتاحت 500 آلية عسكرية من كتائب القذافي مدينة البريقة، فبدأت بذلك معركة البريقة الأولى التي انتهت بعد عدة ساعات بتمكن الثوار من صدِّ الكتائب في اشتباكات أدت إلى سُقوط 18 قتيلاً واستخدمَ الثوار خلالها الأسلحة النارية الخفيفة.[122][123][124] وبعدَ هذه المعركة توجه آلاف الثوار من أجدابيا إلى البريقة لمساندة المُقاتلين هناك.[125] وقد قصفت كتائب القذافي مدينتي أجدابيا والبريقة بعدَ هذه الأحداث في يوم الخميس.[126][127] في يوم الجمعة 4 مارس سيطرَ الثوار على بلدتي العقيلة وغراميد وزحفوا منهما إلى مدينة رأس لانوف نتيجة لسماعهم عن انشقاقات في صفوف الكتائب بها،[128][129] وسيطروا عليها بعدَ معركة عنيفة في المدينة،[130] بينما راحَ 50 قتيلاً على الأقل ضحيَّة الاشتباكات المُستمرة في مدينة الزاوية.[131] دارت في يوم السَّبت معارك ضارية بمدينة الزاوية أسفرت عن سُقوط عشرات القتلى،[132] بينما أعلن أهالي قرية النوفلية انضمامهم إلى الاحتجاجات.[133] وفي يوم الأحد اندلعت معارك عنيفة في بلدة بن جواد بعدَ أن بلغها الثوار خلال زحفهم نحوَ الغرب، لكنها انتهت بانتصارهم وسيطرتهم عليها.[134][135][136]
استمرَّت المَعارك العنيفة في مدن الزاوية ومصراتة غرباً وبن جواد شرقاً لمُدة أسبوع كامل بعد ذلك،[137][138][139] وفي آخر الأمر استطاعت قوَّات القذافي السيطرة على مدينة الزاوية وإنهاء معركة الزاوية الأولى لصالحها بعدَ قمع انتفاضة المدينة في يوم الخميس 10 مارس،[140] فيما تمكنت شرقاً من الانتصار في معركة بن جواد الأولى بالسَّيطرة على البلدة ودحر الثوار بها وبرأس لانوف في يوم الجمعة 11 مارس،[141] أما مدينة مصراتة فقد بقيت تحتَ سيطرة الثوار بعدَ هذه المعارك الطويلة طوالَ الأسبوع.[142] انسحبَ الثوار من مدينة العقيلة بالشرق يوم السبت معَ استعادة ثوار الزاوية بالغرب سيطرتهم على "ميدان الشهداء" وسط المدينة،[143][144] بينما اندلعت اشتباكات شديدة في البريقة يوم الأحد 13 مارس بعدَ أن بلغتها كتائب القذافي، وانتهت بنتيجة غير واضحة بعدَ وُصول ادعاءات عديدة من كلا طرفي الصِّراع عن سيطرتهم على المدينة.[145][146] لكن بحلول يوم الإثنين 14 مارس كانت البريقة تحتَ سيطرة الثوار تماماً،[147] وبالمقابل تعرَّضت أجدابيا المُجاورة لها لقصف جويّ،[148] فيما انتصرت الكتائب على الثوار في معركة زوارة بغرب البلاد وتمكنت من قمع انتفاضة المدينة كلياً.[148]
في يوم الأربعاء 16 مارس نشبت معارك شديدة في مصراتة انتهت بسُقوط زهاء 100 قتيل ما بين ثوار ومرتزقة ومدنيين،[149][150] وتكرَّرت يوم الجمعة مُتسببة بسقوط 25 قتيلاً آخرين.[151] وفي فترة أيام الثلاثاء - الخميس انسحبَ الثوار أخيراً من مدينة البريقة، فتقدَّمت الكتائب شرقاً لكي تبدأ معركة أجدابيا الأولى، واندلعت فيها طوال هذه الأيام الثلاثة اشتباكات عنيفة جداً حاصرت الكنائب خلالها المدينة وقصفتها بالمدفعية براً والسفن بحراً والطائرات جواً،[152][153][154][155] فيما استخدمَ الثوار بدورهم الطيران الحربي للمرَّة الأولى وأغرقوا باستخدامه ثلاث سفن فضلاً عن تفجير العديد من الآليات العسكرية،[156] وانتهت المعركة بسُقوط أكثر من 50 قتيلاً بين الطرفين.[157][158][159]
[عدل] التدخل الدولي
في يوم السبت 19 مارس انتصرت كتائب القذافي في معركة أجدابيا الأولى وبدأت تقدُّمها نحوَ بنغازي عاصمة الثوار بادئة بذلك معركة بنغازي الثانية.[160] وبعدَ ساعات من الاشتباكات العَنيفة على المشارف الغربية للمدينة (التي انتهت بتدمير عدة دبابات للقذافي وسُقوط طائرة تابعة للثوار)،[161] خرجَ الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي من مؤتمر حولَ الوضع الليبي كان قد عُقد في باريس ليُعلن إقرار قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1973 وبدء الحظر الجوي على ليبيا بعدة ضربات استهدفت الكتائب المُتمركزة حول مدينة بنغازي.[151][162][163] وبعدَ ساعات من الغارات الجوية التي دمَّرت ما لا يَقل عن 15 دبابة و20 عربة مدرعة أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية نجاحها وحلفاءها في إيقاف الهُجوم على المدينة،[164][164][165] مما أدى إلى انسحاب الكتائب سريعاً نحوَ مدينة أجدابيا غرباً.[166][167] وكانت المدينة بعدَ ذلك مسرحاً لمعركة عنيفة على مدى الأسبوع التالي، منذ يوم 21 مارس وحتى السبت 26 مارس عندما انتصرَ الثوار أخيراً[168][169][170] بعدَ سُقوط أكثر من 180 قتيلاً خلال الاشتباكات.[171][172][173][174][175][176] أما مدينة الزنتان فقد شهدت خلال هذه الأيام الستة معارك عنيفة وقصفاً بالدبابات أسفرا عن سُقوط 16 قتيلاً،[177][178] لكن في نهايتها تمكن الثوار من إجبار الكتائب على الانسحاب وفك الحصار عن المدينة في 24 مارس بعد أن استمرَّ منذ 3 مارس.[179]
في مساء 26 مارس وتحتَ وطأة قصف دوليٍّ استمرَّ أسبوع كاملاً على قوات القذافي أجبرت هذه القوات على التقهقر عبرَ الساحل الليبي والانسحاب من مدنه واحدة تلوَ الأخرى،[180] وهنا انطلق الثوار من أجدابيا بعد انتصارهم فيها لكي يَبسطوا سيطرتهم على البريقة فالعقيلة فرأس لانوف فبن جواد،[165][181] بل إن أنباءً أفادت بانسحاب بعض آليات الكتائب من سرت نحو العاصمة طرابلس.[182] وفي صباح 28 مارس تابعَ الثوار تقدمهم فسيطروا على بلدة النوفلية، كما انتشرت شائعات عن سيطرتهم على سرت نفسها، غيرَ أنها نُفيَت لاحقاً. وخلال تقدمهم سُرعان ما فوجئ الثوار بكمين نصبته لهم كتائب القذافي في منطقة الوادي الأحمر على مسافة 30 كم شرق سرت،[183] وتحت وطأة هذا الهُجوم أجبرَ الثوار على التراجع مسافة 100 كيلومتر حتى مدينة بن جواد لكي تبدأ معركة بن جواد الثانية، حيث أبدى الثوار مقاومة في وجه الكتائب التي بدأت بمعاودة تقدمها لاستعادة ما فقدته.[184][185] لكن لم تستمرَّ المعركة طويلاً، فبحلول نهاية 29 سبتمبر سقطت بن جواد في أيدي كتائب القذافي،[186] وانتقلت بذلك المعارك إلى رأس لانوف، لكن سُرعان ما سقطت تلك الأخرى في يوم الأربعاء 30 سبتمبر بعد معارك قصيرة.[187] وأما على جبهة الزنتان فقد عادت الكتائب لقصف المدينة في 28 مارس واستمرَّت بذلك لمدة ثلاثة أيام،[188][189] ثمَّ فرضت عليها حصاراً طويلاً معَ توقف الاشتباكات تقريباً بينها وبين الثوار.[190]
.
في صباح يوم الخميس 31 مارس بلغت كتائب القذافي مدينة البريقة خلال تقدمها على طول ساحل البلاد الشرقي، وبذلك استعادت كل الأراضي التي كانت في يدها قبل بدء المعارك المسلَّحة، ثمَّ شرعت في دخول البريقة نفسها، وبذلك بدأت معركة البريقة الثالثة.[191] دارَ أوَّل اشتباك من اشتباكات المعركة في يوم الخميس نفسه،[192][193] وبعد وقت قصير انسحبَ الثوار مهزومين إلى أجدابيا شرقاً للاستعداد لصدِّ زحف الكتائب المتنامي هناك.[194] وفي 1 أبريل عاودت الكتائب التقدم نحو أجدابيا، لكن الثوار صدوها[195] على الرغم من عدم تمكنهم من العودة إلى البريقة،[196] وفي 2 أبريل عادَ الثوار أخيراً إلى البريقة وبسطوا سيطرتهم على معظمها بعد اشتباكات عنيفة[197] أسقطت 20 قتيلاً بين الطرفين،[198][199] لكن بقيت بعض جيوب المقاومة التابعة للكتائب في المدينة.[200] في يوم السبت تراجع الثوار كثيراً،[201] لكنهم استعادوا السيطرة مرة أخرى على معظم مناطق المدينة بحلول يوم الأحد 4 أبريل.[202] لكن مع ذلك فقد أجبر الثوار على الانسحاب من البريقة تماماً تحت وطأة القصف العنيف في 5 أبريل،[203] ثم عادوا إليها في اليوم التالي.[204] وفي 7 أبريل دارت الاشتباكات الأخيرة في البريقة،[205] لكن مع قتل حلف الناتو 45 من الثوار بغارتين خاطئتين[206] وتجدد قصف الكتائب عمَّت الفوضى صُفوفهم، واضطروا إلى الانسحاب مئة كيلومتر شرقاً نحو أجدابيا،[207] وكان تلك هي آخر معركة على أرض البريقة طوال الشهور الأربعة القادمة من الحرب الليبية.
وفي مصراتة، تسبَّب قصف عنيفٌ واشتباكات على مداخل المدينة الشرقية والغربية والجنوبية دامَا أكثر من أسبوعٍ من 27 مارس إلى 4 أبريل بسُقوط 160 قتيلاً بين المدنيّين، لكن مع ذلك فقد تمكن الثوار من صد جميع هجمات الكتائب.[208][209] أما في الجبل الغربي فقد أحكمت كتائب القذافي في 4 أبريل سيطرتها على مدينة غريان ومنطقتي ككلة وتاغمة، فيما اشتبكت مع الثوار في مدينتي القلعة ويفرن، وأما الزنتان فاستمرَّ حصارها مع قصف مدفعيٍّ متقطع من طرف الكتائب.[209] واستمرَّت الاشتباكات حول يفرن والحصار والقصف في الزنتان بعد ذلك لمدة يومين حتى 5 أبريل،[210][211][212] وفي 6 أبريل سيطر الثوار على منطقة ككلة، فيما استمرَّت حملات الاعتقالات ضد الثوار في مدينتي الزاوية وزوارة منذ قمع الكتائب انتفاضتيهما قبل شهر تقريباً.[213]
جمود جبهة الشرق

بعد انتهاء معركة البريقة بانتصار كتائب القذافي، بدأت هذه بالتقدم شرقاً بادئة معركة أجدابيا الثانية، لكن لم تدم المعركة طويلاً. في 7 و8 أبريل دارت اشتباكات خفيفة حولَ أجدابيا، لكن الكتائب لم تستطع حتى بلوغ مشارف المدينة،[214][215] ومع ذلك فقد تركها معظم سكانها خوفاً من اندلاع المَعارك، فتحوَّلت إلى مدينة شبه مهجورة.[216] في 9 أبريل بدأت كتائب القذافي هجوماً عنيفاً على أجدابيا من جميع الجهات،[217] وبعد هذا الهُجوم انسحب الثوار إلى وسط المدينة وجهزوا أنفسهم فيه للدفاع بقوة، فيما تركوا الكتائب تدخل أطرافها[218] لكي تبدأ حرب عصابات عنيفة بين الطرفين في الوسط،[219] وفيما أصبحَ الوسط ساحة قتال عنيفة ظلَّ الشرق والغرب هادئين، إذ كان الأول بيد الثوار والآخر بيد الكتائب دون حدوث مواجهات.[220]
في 10 أبريل تجددت المعارك، واستخدم الثوار خلاله مروحيتين عسكريتين للمرة الأولى[221] بالإضافة إلى طائرة، غير أن المروحيتين دمِّرتا خلال المعارك، وأما الطائرة فأوقفَها حلف الناتو قبل وُصولها ساحة المعركة عملاً بالحظر الجوي.[222] لكن معَ ذلك فبنهاية اليوم كان الثوَّار قد أحكموا سيطرتهم على مدينة أجدابيا وطردوا الكتائب منها بالكامل، وبذلك انتصروا في معركة أجدابيا الثانية.[223] بانتهاء هذه المعركة، دخلت المعارك على جبهة شرق ليبيا حالة من الجُمود غير المسبوق ببدء صراع البريقة وأجدابيا، فطوالَ الشهور الأربعة التالية لم يَتمكن أي من الطرفين (لا الثوار ولا الكتائب) من إحكام سيطرته على أي من مدينتي أجدابيا والبريقة، إذ كانت الأولى في يد الثوار والثانية في يد الكتائب، واستمرَّت معارك الكر والفر بينهم لمدة أربعة شهور دون نتيجة ولا حسم للصراع، بل إن الاشتباكات نفسها أصبحت أمراً شبه معدوم ونادرَ الحدوث.
على جبهة الغرب، لم يَكن الوضع مختلفاً كثيراً خلال أواسط شهر أبريل. في 9 أبريل قصفت الكتائب مدن يفرن والرجبان والزنتان في الجبل الغربي،[224] لكن عُموماً ظلَّ الحراك العسكريُّ في المنطقة ضعيفاً، باستثناء مصراتة التي استمرَّت الاشتبكات والمعارك فيها طوالَ الوقت. استمرَّت المعارك في مصراتة وبعض الاشتباكات في الزنتان طوالَ الأسبوع التالي لذلك،[225][226][227] لكن في 14 أبريل حدث بعض التصعيد، إذ قصفت الكتائب ميناء مصراتة بـ200 صاروخ غراد موقعة قرابة 50 قتيل بين المدنيِّين،[228] وفي اليوم التالي اندلعت اشتباكات عنيفة في الجبل الغربي بيفرن والرجبان والغنايمة (جنوبَ القلعة) أدت إلى مقتل 7 ثوار، فيما التفت كتائب القذافي نحوهم عبر دخول أراضي تونس من جهة معبر وازن.[229][230] في يومي 18 و19 أبريل شنت كتائب القذافي حملة عسكرية شديدة العنف على منطقة جبل نفوسة غرب ليبيا، وخصوصاً مدينتي يفرن ونالوت، إذ قصفتها بشدة بالصواريخ متسبَّبة بسقوط أكثر من 110 قتلى فيهما خلال هذين اليومين وحدهما.[231] وأما مصراتة فبحلول هذا الوقت كان قد بلغ عدد ضحايها أكثر من 1,000 قتيل و3,000 جريح.[232] اندلعت بين يومي الثلاثاء والخميس 19 و21 أبريل معارك عنيفة بين الثوار والكتائب على الحدود التونسية الليبية، وتحديداً عند معبر وازن، لكن الثوار نجحوا في آخر الأمر بدحر الكتائب والسيطرة على المعبر وعلى بلدة وازن الواقعة شرقه بمسافة 5 كيلومترات، فيما أجبرت كتيبة تابعة لقوات القذافي تتألف من 200 عسكريّ على الفرار نحو الأراضي التونسية، وسلَّمَ بعضهم أنفسهم إلى السلطات هناك.[233]
في يومي السبت والأحد 23 و24 أبريل اشتد القصف على مصراتة موقعاً 40 قتيلاً،[234] وفي يوم الأحد أيضاً تمكنت قوات القذافي بعد معارك عنيفة طوال أسبوع ونصف من السيطرة على مدينة يفرن،[235] وأما الزاوية فتجددت معاركها وتمكن الثوار من دخول "ميدان الشهداء" ثمَّ الانسحاب منه سريعاً.[236] في 25 أبريل دارت معارك عنيفة في مدينة نالوت أدت إلى سُقوط 50 قتيلاً من مقاتلي الكتائب قبل أن يُسيطر الثوار عليها،[237] وفي 28 أبريل اجتاحت الكتائب أيضاً مدينة الكفرة في جنوب البلاد ونجحت في انتزاعها من أيدي الثوار بعد أن سيطروا عليها لشهور.[238] استمرَّت الكتائب بقصف معبر وازن الحدوديِّ ومدينة يفرن بعنف طوال أيام بعد ذلك من 24 وحتى 27 من أبريل،[237][239][240][241] وعقبَ هذا القصف بدأت قوات القذافي بالتقدم نحوَ المعبر في ظهر الخميس 28 أبريل لكي تبدأ معركة معبر وازن-الذهيبة، ودارت اشتباكات اليوم على كلا جانبي الحدود، حتى أن 10 قذائف سقطت حول بلدة الذهيبة التونسية، وأما بلدة وازن على الجانب الليبي فقد وقعت في أيدي الكتائب بنهاية اليوم.[242] بعد هذه المعارك أبدت السلطات التونسية استنكارها الشديد لانتهاك حرمة حدودها،[243] لكن الانتهاك تجدَّد مع تجدد الاشتباكات في 29 أبريل، وهُنا دخل الجيش التونسي في معركة مع كتائب القذافي في وسط بلدة الذهيبة، وانتهى الاشتباك بانسحاب الكتائب من المنطقة بأكملها وإعلان الثوار سيطرتهم على المعبر الحدوديّ.[244] في 28 أبريل، خرجت أولا المظاهرات في العاصمة طرابلس منذ قرابة شهرين، إذ خرجت مسيرات في منطقتي تاجوراء وسوق الجمعة، لكن سرعان ما فرقتها قوت الأمن.[245]
بالعودة إلى جبهة الشرق، تعرَّضت مواقع الثوار في أجدابيا إلى قصف طوال يومي 12 و13 أبريل،[246][247] ولذلك فقد أطلق الثوار في يومي 15 و16 أبريل هجمات على البريقة لإيقاف هذا، لكنهم فشلوا في الاستيلاء عليها.[248][249] في 17 أبريل بدأت الكائب هجوماً مضاداً على ثوار أجدابيا وأجبرتهم على التراجع قليلاً، لكنها فشلت في بسط سيطرتها على أيّ أجزاء من المدينة.[250] بعد هذه الأحداث القصيرة، دخلت جبهة الشرق في حالة أكثر مأساوية من ذي قبل من الجمود المتقع، فحتى أواسط شهر مايو لم يَحدث شيءٌ على الجبهة باستثاء بعض الضربات الجوية للناتو والاشتباكات المحدودة بالمدفعية والصواريخ فيما بين الكتائب والثوار من وقت إلى آخر.
في ليلة 30 أبريل شن حلف الناتو غارة جويَّة على مسكن القذافي في باب العزيزية في العاصمة طرابلس قصفه خلالها قصفاً عنيفاً.[251] وفي اليوم التالي، أعلنت السلطات الليبية مقتل سيف العرب القذافي[252] - أصغر أبناء معمر القذافي - وثلاثة أحفاد آخرين للقذافي نفسه جرَّاء الغارة، وكان يَبلغ عمره آنذاك 29 عاماً.[253]
في أوائل شهر مايو بدأت كتائب القذافي بتشديد حملتها على منطقة الجبل الغربي التي كانت قد بدأت منذ نصف شهر تقريباً، فوُضعت بلدات القلعة ويفرن والزنتان تحتَ حصار مشدد في ظل ظروف إنسانية صعبة،[254][255] فيما قصفت مدن أخرى بشدة منها ككلة والزنتان ونالوت،[255] واستمرَّت الاشتباكات بالاندلاع على معبر وازن من وقت إلى آخر.[256] واستمرَّ الوضع على هذه الحال حتى 7 مايو، عندما بدأ وضع المنطقة بالعودة قليلاً إلى الهدوء،[257] عدى عن اجتياح للزنتان في 11 مايو. وبالجنوب، أعلن الثوار في 5 مايو إحكام سيطرتهم على مدينة الكفرة جنوب البلاد، وذلك بعد أسبوع من سيطرة الكتائب عليها.[258]
[عدل] تقديرات لقوات معمر القذافي وقوات الثوار
قدّر المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بلندن عدد القوات الليبية التابعة للقذافي بما بين خمسة وثمانية آلاف جندي يضاف إليهم آلاف المسلحين والمقاتلين من القبائل وأعضاء الحرس الثوري.[259]
وقدم المعهد في دراسته المعنونة بـ"التوازن العسكري، تفاصيل عن القدرات المسلحة في أنحاء العالم" نظرة عن المعدات التي تمتلكها القوات التابعة للقذافي التي تتشكل أساسا من ستة أسراب من الطائرات وغواصتين وفرقاطة ودبابات.
وأشارت الدراسة إلى أن الأسراب تضم 40 طائرة في حالة تشغيل ولكنها قديمة من بينها أربع أو ست طائرات مقاتلة من نوع ميراج أف 1 فرنسية الصنع، ومن 4 إلى 6 طائرات قاذفة سوخوي 24 روسية الصنع، ومن 8 إلى 12 قاذفة من طراز سوخوي 22 ومن 8 إلى 12 مقاتلة ميغ 23. وفضلا عن الطائرات المقاتلة يمتلك الجيش الليبي مروحيات نقل متعددة الأغراض من طراز أم آي 8 وأم آي 17 ومروحيات قتالية روسية الصنع من طراز أم آي 24. وفيما يتعلق بالدبابات فقد قدرت الدراسة عددها بأكثر من 160 دبابة ثقيلة مصفحة (من طراز تي 72 وتي 55) وأكثر من 160 ناقلة جنود خفيفة (معظمها سوفياتية الصنع من طراز بي أم بي 1) وتعمل منها نسبة تتراوح بين 70 و80 بالمائة. وتضم القائمة أيضا مدافع متعددة وغواصتي ديزل من طراز فوكستروت السوفياتية لا يعلم وضعها التشغيلي حاليا وفرقاطة من طراز أوسا 2 السوفياتية و4 قوارب دورية قتالية فرنسية الصنع.
بالمقابل نقلت الدراسة تقديرات بأن الثوار يتوفرون على طائرتين مقاتلتين من طراز ميغ 23 ومروحية أم آي 24 الروسية وفرقاطة سوفياتية من طراز كوني و3 دبابات مقاتلة من طراز تي 55 وناقلة جنود مصفحة من طراز بي أم بي 1 إضافة إلى عدة مدافع ثقيلة.[259]
[عدل] بيع السلاح للقذافي قبل الاضطرابات
هاجم باحثان دوليان سياسة الدول الغربية إزاء تجارة الأسلحة بطرق غير مشروعة، وقالا إن ليبيا تحولت إلى سوق هائلة تدرّ الكثير من الأرباح لمنتجي الأسلحة من كل بقاع العالم.
وأرجع كل من بيت جيل وبيتر ويزمان -الباحثين بالمعهد الدولي للبحث عن السلام باستوكهولم- السبب في صعوبة الحسم العسكري في ليبيا إلى التسليح النوعي الذي تتمتع به قوات العقيد معمر القذافي، الذي حصل عليه من دول أوروبية متعددة أبرزها فرنسا وإيطاليا وبريطانيا.
وأضاف الباحثان في مقال لهما بصحيفة لوموند الصادرة في باريس، أن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي -الذي كان في طليعة منتقدي انتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا- لم يتخذ موقفه العدائي من طرابلس حتى تمكن من تأمين عودة المهندسين الفرنسيين المتعاقدين مع النظام الليبي في مهام عسكرية.
وقالا إن أسلحة القذافي وتجهيزاته التي يتم تدميرها على أيدي قوات التحالف، والتي تعود في الغالب إلى فرنسا والدول الأخرى المصدرة للسلاح، تم بيعها وتسليمها للقذافي قبل بضعة أيام فقط من اندلاع الاضطرابات في ليبيا.
ويرى الباحثان أن رفع الحصار عن ليبيا من قبل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي عاميّ 2003 و2004، بعد تخلي القذافي عن سلاحه النووي وتعويضه لضحايا "الإرهاب " الليبي، وانخراطه فيما بعد في مكافحة "المتطرفين" والهجرة السرية إلى أوروبا كلها أمور جعلت منه حليفاً رئيساً. وما لبثت أن تحولت ليبيا بعد ذلك إلى سوق هائلة تدرّ الكثير من الأرباح لمنتجي الأسلحة من كل بقاع العالم.
وزار العديد من الرؤساء الغربيين -مثل ساركوزي ونظرائه في إيطاليا وروسيا وبريطانيا- ليبيا برفقة ممثلين عن مصانع الأسلحة في بلادهم بحثا عن صفقات.
وقد تجلى هذا التسابق الغربي نحو تسليح ليبيا في صالون التسليح الذي نُظِّم بطرابلس في نوفمبر/تشرين الثاني 2010، والذي تمكن من استقطاب مئة مؤسسة مصنعة للسلاح وفق رأي الباحثين.
وأضاف الكاتبان أن الأسلحة المتطورة التي يواجه بها القذافي اليوم قوات التحالف، ليست سوي مدفعية ومروحيات إيطالية، وطائرات ميراج إف-1 حربية فرنسية، وأنظمة اتصال بريطانية تعتمد عليها الدبابات الليبية ت- 72.
ويخلص الباحثان إلى أنه مع وجود مبادئ محددة تبرر تجارة السلاح، بما فيها مبدأ الدفاع عن النفس المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة، فإن العملية تتم في الغالب وفق مرجعية تتحكم فيها جملة من المصالح المعقدة والمتضاربة، الأمر الذي قد ينتهي أحيانا بأن تجد هذه الأسلحة طريقها لبعض الجهات المشكوك فيها.[260]
[عدل] منطقة حظر الطيران الليبية
تبنى مجلس الأمن الدولي يوم الخميس 17/3/2011 م قراراً يقضي بفرض حظر طيران فوق الأجواء الليبية عدا رحلات طائرات الإغاثة واتخاذ كافة التدابير الضرورية الأخرى لحماية المدنيين من قصف القوات الموالية للعقيد معمر القذافي.
وقد صوت على القرار الذي تبنته المملكة المتحدة وفرنسا والولايات المتحدة ولبنان 10 دول من الدول الأعضاء في المجلس، وامتنعت كل من روسيا والصين وألمانيا والبرازيل والهند عن التصويت.
وفور إعلان النتيجة اندلعت الاحتفالات في بنغازي والبيضاء ومناطق أخرى بشرق ليبيا.
ويمنع القرار أي احتلال بري من جانب قوات أجنبية.
وجاء التوصل إلى هذه الصيغة مع تطور لافت في الموقف الأميركي عبرت عنه المندوبة الأميركية في مجلس الأمن سوزان رايس بالدعوة لاتخاذ إجراءات أوسع نطاقا لحماية المدنيين من الهجمات البرية والبحرية أيضا.[261]
[عدل] الدول المشاركة في الضربات الجوية (فجر الأوديسا)
بعد أن أصدر مجلس الأمن الدولي قراره رقم 1973 القاضي بفرض منطقة حظر جوي فوق ليبيا، واتخاذ كافة الإجراءات الضرورية لحماية المدنيين، تداعت دول غربية وعربية وأحلاف عسكرية لتنفيذ القرار الأممي. وأطلقت الدول المشاركة في تنفيذ القرار اسم فجر أوديسا على العمليات التي بدأت بتاريخ 19 مارس/آذار 2011. وفيما يلي سرد للدول المشاركة والدول التي عرضت المشاركة وعتادها والعمليات التي نفذت:[262]
• دول نفذت عمليات:
1. الولايات المتحدة: تمتلك طائرات من طراز "أف 15" و"أف 16" في قاعدة "سيغونيلا" بجزيرة صقلية، وحاملة المروحيات "باتان" وسفينتي، فضلاً عن امتلاكها مدمرتين في شرق المتوسط، هما "باري" و"ستاوت"، وكلتاهما مجهزة بصواريخ "توماهوك".
2. فرنسا: تملك مائة طائرة مطاردة، من طراز "رافال" و"ميراج" 2000، وطائرات "رادار أواكس"، وتوجد حاملة مروحيات من طراز "ميسترال" في المنطقة، ووضعت القواعد الجوية في كورسيكا وتشاد في حالة استنفار، وربما استخدمتها كنقطتي تموين، كما أرسلت حاملة الطائرات "شارل ديغول" نحو السواحل الليبية.
3. بريطانيا: نشرت طائرات قتال من طراز "تورنيدو" و"يوروفايتر"، المعروفة باسم "تايفون" في القواعد القريبة من ليبيا، وتوجد في قبرص ثلاث طائرات "رادار أواكس"، ولها قاعدة عسكرية في مالطا، لكنها رفضت استخدامها في العمليات، وتجوب حاليا فرقاطتان المتوسط، هما "ستمينستر" و"كمبرلاند".
• دول عرضت المساهمة:
1. إيطاليا: عرضت استخدام سبع قواعد جوية، أهمها في صقلية.
2. إسبانيا: وعدت بتقديم "موارد بحرية وجوية"، واستخدام قاعدة "روتا" البحرية الجوية، التي تقدم دعما للقوات الأميركية وحلف شمال الأطلسي، وتقع قرب مضيق جبل طارق وقاعدة "مورون" جنوب إشبيلية التي تستخدمها قوات الجو الإسبانية والأميركية.
3. بلجيكا: أعربت عن استعدادها للمشاركة، متحدثة عن احتمال نشر 4-6 طائرات "أف 16"، ناشطة حاليا في إطار "الناتو"، وسفينة لتفكيك الألغام.
4. الدانمارك: اقترحت المساهمة بست طائرات مطاردة "أف 16"، وطائرة نقل.
5. النرويج: وعدت بمساهمة دون تحديد طبيعتها، وعلى الأرجح قدمت طائرات نقل من طراز "هركيوليس"، وأخرى مقاتلة من طراز "أف-16".
حلف شمال الأطلسي (الناتو)
يمتلك حلف شمال الأطلسي طائرات المراقبة "أواكس" الموجودة في منطقة المتوسط، وتحلق يوميا على مدار الساعة, كما نشر الحلف ثلاث سفن في المنطقة نفسها، ونشر قوة لتفكيك الألغام غير بعيدة عن المنطقة.
الدول العربية
1. مصر: خصصت قاعدة مرسى مطروح الجوية القريبة من ليبيا محطة للتزود بالوقود.
2. السودان: قدم السودان دعم عسكري سري للثوار من خلال إرسال عناصر من الجيش السوداني لتدريب الثوار وأرسل السودان عدد من الاطباء والفنيين والادوية إلى بنغازي للمساهمة في عمليات انقاذ الجرحى والمصابين، وقد اعتراف السودان بالمجلس الانتقالي بشكل علني، ويذكر ان ليبيا تحت حكم القذافي كانت توفر العتاد العسكري والايواء لمتمردي دارفور الذين يحاربون الحكومة السودانية.
3. السعودية: أرسلت طائرة مراقبة "أواكس" وأخرى لتجهيز الوقود.
4. الإمارات: أرسلت سربين من الطائرات المقاتلة، فضلاً عن طائرات "أباتشي" و"شينوك" وطواقمها في البحث والإنقاذ.
5. قطر: نقلت تجهيزات وقوات عبر أسطولها من طائرات "سي 17" و"سي 30"، وأرسلت طائرات إغاثة.
6. الكويت: اعلنت دعمها لوجستيا(الإمداد والتموين) لقوات حلف شمال الأطلسي (الناتو), كما كانت الكويت ثاني الدول العربية التي اعترفت بالمجلس الانتقالي.
7. الأردن: تقوم الأردن بتقديم الدعم اللوجيستي وتوفير الأدوية ونقل المصابين للأراضي الأردنية ليتلقوا كافة أنواع العلاج، كما اعترف الأردن بالمجلس الوطني كممثل وحيد وشرعي للشعب الليبي.
مواقف خلال الثورة
المهدي زيو: (49 عاماً من مدينة بنغازي): انضم مهدي زيو الذي كان يعمل في شركة نفط الخليج العربي لمدة 30 عاما، إلى ثورة 17 فبراير منذ اليوم الأول لاندلاع الاحتجاجات (الثلاثاء 15/2/2011 م)، وهاله العنف الذي كانت تستخدمه الحكومة الليبية ضد شعبها. وفي ساعة متأخرة من الليل بعد ثلاثة أيام من الفوضى الدموية, قام زيو بوضع عبوات الغاز (البروبان) داخل سيارته. وفي صباح اليوم التالي، وأثناء تشييع جنازة أولئك الذين قتلوا في اليوم السابق, وبينما كانت الجنازة تشق طريقها قرب القاعدة العسكرية المخيفة في بنغازي والمعروفة باسم كتيبة الفضيل بو عمر, فجأة ظهرت سيارة المهدي زيو وأسرعت باتجاه البوابة المزدوجة لمجمع القاعدة، تخطى المهاجم المتاريس الأولى وفجر عبوات الغاز والقنابل محلية الصنع التي كانت بحوزته عند المتاريس الثانية فأحدث فجوة في الدفاعات، وهو ما مثل تحولا في مسار المعركة. تحوّلُ مهدي زيو، الموظف الممتلئ الجسم، والأصلع الذي يرتدي نظارة طبية، إلى بطل ثوري أثناء ثورة 17 فبراير الليبية عام 2011 م. وقد أشيد به في مدينة بنغازي باعتباره الرجل الذي كان مقتله نقطة تحول في معركة بنغازي الحاسمة. ونقلت صحيفة ذي تايمز عن محمد عبد الحفيف رفيق مهدي زيو طيلة حياته، أنه كان اجتماعيا ومرحا، وكان عمال الشركة كلهم يعرفونه. وأضاف أنه كان في غاية الاندهاش من هذا العمل الشجاع الذي قام به زيو بدافع من وطنيته بعدما شاهد المذابح التي تمت بحق شعب بنغازي.
[عدل] الطيار عبد السلام عطية العبدلي والمدفعي
هناك عملية بطولية أخرى سجلتها سماء صحراء بنغازي، عندما صدرت الأوامر لطاقم قاذفة قنابل ليبية يتكون من طيار ومدفعي، بتفجير صهاريج المياه ومنشآت النفط قرب بنغازي. قرر الطيار عبد السلام عطية العبدلي[263] أنه لا يمكنه أن يقصف شعبه، ورفض الاستمرار في مساره، عندها هدده المدفعي علي عمر القذافي الموالي لمعمر القذافي بمسدس في رأسه، لكن الطيار عبد السلام عطية العبدلي قفز بمظلته من الطائرة فاضطر المدفعي علي القذافي للقفز أيضا، وتحطمت الطائرة في الصحراء، واعتقل المدفعي، وهو يقبع حاليا في السجن. وذكر مصدر عسكري في غرفة عمليات قاعدة بنينا الجوية أن الطائرة الحربية من نوع "سوخوي 22" روسية الصنع تحطمت غرب مدينة أجدابيا الواقعة على بعد 160 كلم جنوب غرب بنغازي.[263]
[عدل] المحامي فتحي تربل
قبل أندلاع الثورة بيومين وتحديداً يوم الثلاثاء 15/2/2011 م اعتقِل المحامي الحقوقي الليبي فتحي تربل (39 عاما) والذي كان يتولى الدفاع في قضية مجزرة سجن أبو سليم, وأودع أحد سجون العقيد القذافي. لقد كان القبض عليه بمثابة الشرارة التي أججت الاحتجاجات المزمع القيام بها يوم 17/2/2011 م. هذا وقد خرجت مظاهرات تطالب بإطلاق سراحه في نفس يوم اعتقاله فاضطرت السلطات إلى الإفراج عنه فجر يوم 16/2/2011 م. ثم أصبح عضواً بمجلس الثورة في بنغازي.
التعبئة للثورة
موقع شباب انتفاضة 17 فبراير على الفيسبوك ودوره في الثورة
منذ انطلاق الشرارة الأولى للثورة الشعبية حرص شبان انتفاضة 17 فبراير على نقل وتغطية كل تفاصيل الاحتجاجات والمظاهرات وإدراجها على موقعهم داخل فيسبوك الذي حظي بنسبة زيارة عالية. وعلى مدى أيام الاحتجاجات استطاع أولئك الشبان أن يكسروا جدار الصمت الذي حاولت السلطات الليبية أن تقيمه حول مجريات الأمور في البلاد لمنع نقل صورة حقيقية عن ما تقترفه قوات الأمن ومن جلبتهم من المرتزقة في حق المتظاهرين.
وأمام ما تفرضه السلطات من قيود على التغطية الصحفية للمظاهرات, أصبح موقع "شباب انتفاضة 17 فبراير" نافذة ومصدرا لعدد من وسائل الإعلام إلى جانب عدد هائل من زوار الشبكة العنكبوتية.[264]
الحشد للانتفاضة
قبل أن يكون نافذة مفتوحة على ما يجري داخل ليبيا، كان لموقع شبان انتفاضة 17 فبراير دور بارز في الحشد والتعبئة لإطلاق شرارة التظاهر ضد النظام الحاكم وانتصارًا للشهداء الذين سقطوا على أيدي قوات الأمن في نفس اليوم من عام 2006 م.[264]
[عدل] الوسائط
قدم موقع انتفاضة 17 فبراير على الفيسبوك لوسائل الإعلام التي لم تتمكن من الوصول إلى أماكن الأحداث بسبب تضييق السلطات وخطورة الأوضاع الأمنية، مادة غزيرة مكونة من مواد فيلمية وأفلام فيديو وصور ثابتة ترصد تفاصيل متنوعة من تطورات الثورة الشعبية المتواصلة, وكانت مشاهد العنف تسيطر على ما يبثه الإنترنت من أفلام توثق لهذه الثورة.
ورغم التعتيم الإعلامي المطبق الذي فرضه النظام الليبي على الاضطرابات ومنعه وسائل الإعلام من الوصول لمواقع الأحداث، فإن ما رشح عن هذه الأحداث عبر الإنترنت (رغم قلته ورداءة جودته) يؤكد أن الثورة الليبية فاقت في دمويتها وعنفها ثورتي تونس ومصر، كيف لا وعدد ضحايا هذه الثورة في أيامها الستة الأولى فاق عدد ضحايا الثورتين الأخيرتين مجتمعتين مع أن إحداهما استمرت 28 يوما والأخرى 18 يوما.[265]
أفلام الفيديو التي وصلت يوم 16 فبراير/شباط 2011 م، تؤكد أن المظاهرات بدأت سلمية وتلبية لدعوة بعض قوى المعارضة للمطالبة بتنحي الزعيم الليبي معمر القذافي. غير أن هذه الأفلام أظهرت أن السلطات الليبية قد أخذت عدتها للتعامل مع هذه المظاهرات الشعبية حيث أظهرت الأفلام التي بثت على موقع انتفاضة 17 فبراير على فيسبوك لجوء الشرطة منذ اللحظات الأولى للقنابل المدمعة والمياه الساخنة والاستعانة بعناصر اللجان الثورية الذين هاجموا المتظاهرين بالسلاح الأبيض والهراوات. ورغم عنف الشرطة وأعوانهم المدنيين فإن شريط فيديو آخر أظهر المتظاهرين مجردين من أي سلاح، ويواجهون عنف الشرطة بالشعارات التي تؤكد شرعية مطلبهم برحيل القذافي ونظامه وحقهم في العيش بحرية وعدالة وكرامة.
وفي محاولة للاستفراد بالمتظاهرين والسيطرة على المظاهرات التي اتسعت، لجأت السلطات الليبية في كثير من الأحيان إلى قطع الاتصالات الهاتفية، ومع ذلك نجح نشطاء الإنترنت في تسريب عدد من لقطات الفيديو التي أظهرت سقوط المزيد من الضحايا، ومشاهد أخرى رصدت العنف الذي تعاملت به القوات الأمنية مع المتظاهرين. ورصدت مشاهد أخرى جثثا لضحايا متراكمة في المستشفيات، وأصوات أطباء تأتي عبر الأثير تؤكد عجز المستشفيات عن استقبال المزيد من الضحايا
التأثير في الأمم المتحدة
ومن أبرز إنجازات الموقع المذكور أنه رصد أسلوب العنف في تعاطي السلطات الليبية مع المتظاهرين وهو ما جعل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى الحديث عن احتمال وقوع جرائم ضد الإنسانية في ليبيا. وأعطى استعمال شبان انتفاضة 17 فبراير للإمكانات التي تتيحها شبكات التواصل الاجتماعي نموذجا جديدا وقويا على الوزن المتزايد الذي باتت تكتسبه ما تسمى وسائل الإعلام الجديد في نقل الأحداث الساخنة الكبرى إلى درجة أنها أصبحت تنافس وسائل الإعلام الأخرى.

كشفت مصادر إعلامية إسرائيلية عن وقوف مؤسسة أمنية إسرائيلية -وبتفويض من الحكومة الإسرائيلية- وراء إرسال مجموعات من المرتزقة الأفارقة إلى ليبيا للهجوم على الثوار. وأضافت المصادر أن تسريبات أمنية تؤكد أن إسرائيل تنظر إلى الثورة الليبية من منظور أمني إستراتيجي، وتعتبر أن سقوط نظام القذافي سيفتح الباب أمام "نظام إسلامي" في ليبيا.[208]
وأفادت بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع إيهود باراك ووزير الخارجية أفيغدور ليبرمان اتخذوا في اجتماع أمني ثلاثي يوم 18 فبراير/شباط 2011 م قرارا بتجنيد مرتزقة أفارقة يحاربون إلى جانب القذافي. ووافق الاجتماع الأمني على طلب من الجنرال يسرائيل زيف -مدير مؤسسة الاستشارات الأمنية "غلوبل سي إس تي" التي تنشط في العديد من الدول الأفريقية- بوضع مجموعات مرتزقة شبه عسكرية من غينيا ونيجيريا وتشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى ومالي والسنغال وأفراد من الحركات المتمردة في إقليم دارفور وفي جنوب السودان تحت تصرف مسؤول الاستخبارات الليبية عبد الله السنوسي[208]
وأكد رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الجنرال آفيف كوخفي خلال الاجتماع أنه إذا ما سقط نظام القذافي فإن النظام البديل سيكون "نظاما إسلاميا"، مما يوفر عمقا إستراتيجيا لحركة الإخوان المسلمين في مصر والأردن والسودان.
وكشفت التسريبات أن زيف والجنرال يوسي كوبرساور ووزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق شلومو بن عامي والسفير الإسرائيلي الأسبق في باريس نسيم زويلي الموجود في السنغال التقوا مع عبد الله السنوسي ومع قيادات ليبية موالية للقذافي في قاعدة عسكرية بالعاصمة التشادية إنجمينا. وفي هذا اللقاء عرض عبد الله السنوسي على زيف أن تمد مؤسسته الأمنية -التي بحوزتها مجموعات عسكرية أفريقية ووحدات من المستشارين والمدربين العسكريين- ليبيا بمجموعات من أفراد هذه التشكيلات المدربة تدريبا خاصا على القتال في الحروب الأهلية. وفي مقابل ذلك تدفع ليبيا إلى المؤسسة الإسرائيلية خمسة مليارات دولار قابلة للزيادة إذا ما برهن مرتزقتها على فاعليتهم في التصدي للثوار الليبيين.
وتم الاتفاق كذلك على نقل هذه المجموعات الأفريقية المسلحة إلى تشاد، ثم تنقلها من هناك طائرات ليبية أو تشادية إلى عدة مناطق ومدن ليبية، مثل سبها في الجنوب وطرابلس في الوسط وسرت في الشمال.
وقالت المصادر نفسها أن عدد أفراد هذه المجموعات بلغ خمسين ألفا مزودين بأنواع من الأسلحة من صنع روسي وأميركي وبريطاني وإسرائيلي، منها بنادق الكلاشينكوف "تافور" المطورة والمحسنة في إسرائيل.
كما قدّم الطرف الليبي ضمانات بمنح مؤسسة "غلوبل سي إس تي" -بعد وضع حد للثورة ضد القذافي- امتيازات في مجال التنقيب واستخراج وتصدير النفط والغاز الليبي في عدة حقول بمناطق سبها وطبرق وبنغازي والكفرة. كما تعهد الليبيون بإبرام عقد مع المؤسسة الإسرائيلية الناشطة في مجال تشكيل القوات العسكرية والأمنية وإعدادها وتدريبها في أفريقيا وأميركا اللاتينية والقوقاز، من أجل إعادة بناء القوات والأجهزة الأمنية الليبية. ووعد الطرف الليبي كذلك بالسماح للمؤسسة الإسرائيلية بالنشاط في المجال الأمني في ليبيا وحرية العمل انطلاقا من ليبيا للنشاط في عدد من الدول المجاورة، وخاصة
المرتزقة من روسيا البيضاء
قال أحد المرتزقة من روسيا البيضاء إنه يتقاضى نحو ثلاثة آلاف دولار أميركي شهريا لمساعدة قوات العقيد معمر القذافي في قتالها ضد الثوار، وكشف عن وجود مئات آخرين من مواطنيه يقومون بنفس الأمر. وأضاف المرتزق واسمه الأول ميخائيل إن زملاءه لم يشاركوا بالقتال الفعلي لكنهم عملوا مستشارين وكانوا دائما موجودين على الخطوط الأمامية للجبهة. وأشار إلى أن كثيرا من مواطنيه كانوا محاربين قدامي في حرب الاتحاد السوفياتي السابق بأفغانستان بين عامي 1979-1989، وكانوا من القوات الخاصة العاملة بالخطوط الخلفية.
وأشارت ديلي تلغراف -نقلا عن صحيفة كوموسومولسكايا برافدا الروسية- إلى احتمال أن المرتزقة من روسيا البيضاء كان لهم دور في المرونة غير المتوقعة للجيش الليبي. وكتبت الصحيفة "يبدو أن المستشارين من روسيا البيضاء تمكنوا من الحفاظ على تنظيم وانضباط الجيش الليبي ولقنوهم كيفية استخدام الأساليب المتحركة ضد الثوار وكيفية التعامل مع النشاط الجوي لحلف شمال الأطلسي (ناتو) ويبدو أنهم هم الرابحون حتى الآن". وأضافت أنه كان بليبيا 500 مستشار من روسيا البيضاء قبل أندلاع الحرب لكن البعض قد تم إجلاؤه منذ ذلك الحين. ومع أن ميخائيل قال إنه كان يعمل مع الليبيين كمقاول خاص إلا أنه لم يتضح ما إذا كان بعض المستشارين الآخرين منتدبين رسميا من القوات المسلحة لروسيا البيضاء أو أنهم كانوا قتلة مأجورين.
وهناك شهود عيان بليبيا يزعمون أنهم لمحوا مرتزقة من روسيا البيضاء يقاتلون بجانب قوات القذافي، لكن وزارة خارجية روسيا البيضاء نفت هذا الزعم، وادعت أن هذه مجرد شائعات زائفة القصد منها تشويه سمعتها.
يُذكر أن روسيا البيضاء، جمهورية سوفياتية سابقة عرفت بأنها آخر ديكتاتورية بأوروبا، كانت على علاقة وطيدة وطويلة مع نظام القذافي. ويشير رئيسها ألكسندر لوكاشينكو إلى العقيد الليبي بـ "الأخ معمر".[266]