صفحة 1 من 1

متطلبات النجاح والدعم الخارجي .. المبادرة الخليجية

مرسل: الأربعاء ديسمبر 21, 2011 4:54 am
بواسطة محمد ابراهيم
في أجواء وطنية وسياسية مشبعة بسموم الأزمة وملبدة بدخان الصراعات والصدامات المسلحة في أكثر من مكان.. وفي ظل أوضاع ملغومة لم تستكمل فيها مقومات الوفاق السياسي الحقيقي والأمن الداخلي المطلوب، وتتضاءل فيها نسبة الثقة بين الفرقاء السياسيين إلى حدودها الدنيا، بدأ اليمنيون خطواتهم العملية في تنفيذ بنود المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية وفق أولوياتها وجدولها الزمني، وبدأت عجلة التغيير بالدوران والحركة في الاتجاه الصحيح تحت تأثير قوة الدفع الخارجية والضغوط الداخلية وفي اتجاه مضاد لعوامل وقوى الكبح والمعوقات.

متطلبات النجاح:

المبادرة الخليجية بشقيها النظري والعملي مثل غيرها من المشاريع الإنسانية العملية التي تتضافر وتتكامل في صياغتها قوى محلية وإقليمية ودولية، تكتسب أهميتها وقيمتها الحقيقية في تاريخ اليمن من خلال واقعيتها وموضوعيتها المتجسدة في قابليتها للتنفيذ على صعيد الواقع الذي تخلقت في رحمه وتستهدف تغييره وتمارس وظائفها من خلاله وتحويلها من مجرد أحلام وطنية وشعبية وتطلعات مشروعة إلى حقائق مادية وحياتية معاشة وراسخة على الأرض.

من الناحية النظرية قد تكون ملامح ومعالم المشهد السياسي الوطني ومسارات تطوره في العامين القادمين كما تضمنته المبادرة الخليجية وآليتها على قدر كبير من الوضوح الباعث للثقة والتفاؤل؛ ولكن من الناحية العملية فإن تحقيق هذا الهدف الجميل يعوزه الكثير من الشروط والمتطلبات والإمكانات الواقعية لنجاحه.. والطريق إليه كما أسلفنا غير ممهد وحافل بالمنزلقات والمعوقات الموضوعية والذاتية والمفتعلة، ولكنه سيظل الخيار الممكن والطريق الوحيد للعبور نحو المستقبل، ويستحق من اليمنيين الصبر والعناء والجهد الشاق والمثابر، فالنجاح يتطلب من فرقاء العملية السياسية تجاوز المستحيل وعمل كل ما يمكن عمله للحفاظ على كينونة ووجود وطنهم وتأمين حاضر ومستقبل أجيالهم، إذ لا خيار أمام الفرقاء الموقعين على المبادرة سوى الحوار والتكيف والتعايش مع بعضهم البعض ومع حقائق واقعهم والالتحام العضوي بقوى الشعب الفاعلة لخوض هذا المعترك المصيري حتى النهاية مهما كانت التكاليف والتضحيات السلمية والتنازلات المتبادلة التي يتحتم عليهم تقديمها في سبيل أهداف واضحة ونتائج مضمونة فإنها ستظل أهون بكثير من أي بدائل أخرى.

المعترك الحقيقي المعتمل منذ التوقيع على المبادرة وآليتها التنفيذية المزمَّنة وحتى اليوم تمحور حول توفير أرضية وطنية رسمية وشعبية ممهدة لنجاح هذه المبادرة من خلال برنامج وطني لقيادة المرحلة الانتقالية، وقد أسفرت جهود الحوار عن الدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة يوم 21 فبراير 2012م وتشكيل حكومة الوفاق الوطني التي نأمل أن تتجسد فيها قولاً وعملاً فضيلة المجتمع اليمني وقيمه وأخلاقياته الوطنية النبيلة والسامية وتمتلك من قوة الإرادة والقدرة والمؤهلات والمسؤولية الوطنية ما يمكنها من النهوض بأعباء المرحلة وإنجاز مهامها على أكمل وجه.

ما يشترطه الواقع ويتطلبه من هذه الحكومة أن تكون منزهة من الفساد متحررة من القناعات والمصالح الحزبية، تُغلب مصلحة الوطن وتضعها فوق كل الاعتبارات، تستشعر جسامة وخطورة مسؤولياتها التاريخية والوطنية وتمتلك برنامجاً واضحاً ورؤية دقيقة لكل خطوة تخطوها نحو الأمام مسنودة بقوة الانتماء والوفاء لهذا الوطن وعزيمة المجاهدين من أجل الحق..

وأن تتجاوز خنادق الماضي ومواقفه وتتطلع نحو المستقبل وبناء اليمن الجديد، منفتحة على ذاتها وواقعها ومجتمعها قدر انفتاحها على المستقبل والشريك الإقليمي والدولي في تنفيذ المبادرة وآليتها.

متطلبات الدعم الخارجي:

ما يميز المبادرة الخليجية أنها تمتلك ثلاثة مصادر رئيسية لقوتها الدافعة والمحركة (وطنية - إقليمية - دولية) ويمكن لهذه المصادر أن تكون ذات فعل إيجابي حاسم لتجاوز اليمن لكل أزماته، إذا أوفت جميع الأطراف بالتزاماتها وتعهداتها التي أعلنت عنها واستمر تعاونها وفعلها في مسارات متوازية ومتكاملة ومتضافرة باتجاه الهدف الحقيقي الذي يجسد مصالح الشعب وتطلعاته في التغيير.

وإذا كانت المبادرة تمثل إحدى ثمرات الجهد والدعم الإقليمي والدولي فإنه يستحيل من دون استمرار هذا الدعم تنفيذ أجندتها المرحلية في التسوية السياسية ومساراتها اللاحقة وما تتطلبه من الأشقاء والأصدقاء من جهود ومساندة سياسية وإعلامية لتعزيز الحوار والتوافق الوطني وتوسيع قاعدته الاجتماعية، كما أنه من الضروري في مثل هذه الظروف أن تكون هناك أداة رقابية ضاغطة للتحقق من مدى تنفيذ الأطراف الداخلية لالتزاماتها والسير في الاتجاهات الصحيحة ومنع الخروقات وإزالة المعوقات وتقريب المواقف المتناقضة.

الدعم الخارجي مهم من منظور التحديات الاقتصادية وضعف معدلات التنمية التي تناسلت منها وبشكل عنقودي مجمل أزمات وإشكالات الواقع اليمني في مختلف قطاعات الحياة دون استثناء، وهذه الأوضاع الاقتصادية استاءت بشكل غير مسبوق خلال أشهر الأزمة حيث تراجعت العوائد العامة للبلد بنسبة 77% وتكبدت الدولة من الخسائر الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة ما يفوق طاقتها وقدرتها ومواردها على تجاوزها خلال عقدين من الزمن، الأمر الذي يجعل الأوضاع من الناحية الموضوعية مرشحة للمزيد من التدهور في حال لم تحصل البلد على دعم مالي تنموي عاجل وكاف لمعالجة تردي الأوضاع الإنسانية والخدمية التي يعاني منها الشعب اليمني ويكون له تأثير مباشر على حياة الناس المعيشية، ويوفر الأمن والاستقرار والخدمات، والقضاء على بؤر التوترات وإنجاز المعالجات السريعة لتطبيع الحياة.

مما لا شك فيه أن الدعم الاقتصادي في مثل هذه الظروف يمثل شرطًا تاريخيًّا وموضوعيًّا حاسمًا لمعالجة مشاكل اليمن المزمنة وتنميته ماديًّا وبشريًّا وإعادة تأهيله للحاق بالسرب الخليجي ومواصلة عملية الإصلاحات المستدامة ما بعد المرحلة الانتقالية، والتي نأمل لها أن تكون متوائمة ومتماهية مع الإصلاحات في إطارها الخليجي والعمل على تنفيذها بتعاون وشراكة يمنية - خليجية وضمن سياق خارطة طريق إقليمية (سياسية وأمنية واقتصادية وتنموية) تشترطها متغيرات المرحلة وأحداثها وتطوراتها المتسارعة في المنطقة ومجابهة تحدياتها واستحقاقاتها الآنية والمستقبلية..

الأمل يحدونا بأن تتبلور ملامح هذه الخارطة وخطوطها الإستراتيجية العريضة خلال القمة الخليجية القادمة.
علي حسن الشاطر
___________
محمد ابراهيم