صفحة 1 من 1

الاضمحلال السياسي بالكويت

مرسل: الخميس ديسمبر 22, 2011 12:04 pm
بواسطة نايف الوتيد411
دراسة للفضالة.. يحذر من الاضمحلال يحذر من الاضمحلال السياسي والفوضى المتصاعدة وتوقف الحكومات عن الحكم


دراسة ناصر محمد سند الفضالة عن «النموذج الكويتي للاضمحلال السياسي»







النموذج الكويتي للاضمحلال السياسي (3 – 3)






تعددت الأسباب.. والاضمحلال قادم

المشهد الكويتي القادم سوداوي.. وسنرى الساسة في الكويت يتعثرون

في كويت 2011 الاستثمار في رأس المال الاجتماعي أجدى من الاستثمار في رأس المال الثقافي.. والنتيجة غياب الكفاءة

التعليم توقف عن أهدافه التنويرية وتحول إلى وسيلة ضمان لمركز وظيفي

لو افترضنا «جدلاً» ان الإصلاح ممكن في الكويت.. هل الوقت المتاح أمامنا يكفي لذلك؟

فقط تأمل في وجوه الذين يخرجون كل جمعة… وقل لي إنهم سيعطونك خمسة أشهر للإصلاح… لا خمس سنوات!

العجز المالي القادم اخطر بكثير من عجز الثمانينيات لارتباطه بتضخم المصاريف وليس فقط بانخفاض النفط

حاول معالجة عجز الميزانية القادم… وستدفع الفوضى السياسية إلى اضمحلال كامل

فجائية الانقلاب في المستوى المعيشي سيخلق الفجوة الثورية


دراسة لناصر محمد سند الفضالة

سوداوية المشهد السياسي والاقتصادي والمجتمعي الكويتي ماثلة امام الأعين.
الاصلاح مطلوب.. لكنه خيار صعب جدا، يحتاج الى ظروف موضوعية ورجالات دولة، فلا الظروف موجودة ولا الدولة زاخرة برجالات قادرون على عمل المهمة المستحيلة، وانقاذ الكويت من الاضمحلال السياسي الكامل المتزامن مع حالة الفوضى السياسية المتصاعدة.
تلك النظرة السوداوية، مع الاسف، هي خلاصة نظرة الباحث الشاب ناصر محمد سند الفضالة، والتي تنشرها «الوطن» آملة اطلاع كل من هو في موقع المسؤولية على هذه الدراسة، ومحاولة البحث الجماعي عن الحلول التي تقي شباب الكويت من هذه النظرة التشاؤمية نحو مستقبل بلادهم.. ومستقبلهم ومستقبل أبنائهم.
الباحث ناصر الفضالة استند في دراسته الى مراجع ودراسات ومقالات قيمة، واشار اليها في هوامش مفصلة أرفقت مع الدراسة، مؤمناً بأن فوضى المشهد السياسي المحلي الكويتي تتصاعد، وتقود البلاد الى حالة (الاضمحلال السياسي للنظام)، وان الحكومات المتعاقبة على الكويت باتت تتوقف عن الحكم.
الباحث الفضالة يستند الى افتراضات بأن الاضمحلال المؤدي الى الفوضى له اسباب، لكن أسبابه كلها مجتمعة في الكويت، فالحداثة السريعة التي استخدم للتعبير عنها مفردة (العصرنة) تنتج واقعاً اجتماعياً واقتصادياً مختلفاً تعجز التركيبات السياسية عن مواكبته، وكذلك يرى عجز النظام عن إصلاح نفسه، لأسباب تخص النظام من جهة، ولأسباب أخرى تخص الواقع الموجود في الكويت من جهة اخرى، وكلها آليات تقود المشهد السياسي الى فوضى غير مسبوقة تعبر عن صراع اجتماعي.
الباحث ناصر الفضالة يرى ان تسارع الحداثة يرفع الفوضى السياسية لبروز قوى جديدة مختلفة تبحث عن مواقعها ومصالحها.
وتقوم هذه القوى بتكثيف مشاركتها السياسية للتغلب على محدودية الفرص بسبب سيطرة القوى التقليدية، فتقع السلطة بين مطرقة الولاء التقليدي للجماعات القديمة وسندان الجماعات الجديدة، ما يوقع النظام في فخ تراجع ولاء القوى التقليدية وعدم كفاية ولاء القوى الصاعدة.
ومثلما يرى الفضالة أزمة انغلاق المجتمع وإفرازها لوناً واحداً لاستجوابات الفترة من 2005 الى 2001 وما صاحبها من تحول النشاطات الاعتراضية الى الشارع وبروز القبلية السياسية، فانه يرى «مثلا ؟؟ المدير» التي تسيطر على إبناء الكويت، ثم صدمتهم مع دخولهم سوق العمل وما ينجم عن تلك الصدمة من إحباطات تترجم الى مشاركة سياسية متمردة تزيد من سرعة التوجه نحو الفوضى والاضمحلال السياسي.
الإصلاح.. الذي عادة ما يكون مخرجاً للدول من المضي قدماً في حالة الفوضى، يراه الباحث ناصر الفضالة خياراً صعباً وغير واقعي يقوده الى استحالة التحقق لعدة ظروف موضوعية وواقعية، فتعريف الإصلاح مهمة شبه مستحيلة، وماذا تصلح؟ وهل نحن دولة حضرية أم بدوية؟.. شيعية أم سنية؟ مدنية.. أم دينية؟.. وكيف نصلح الأفق والتشريع (الهجين) في بلادنا كيف نواجهه؟ هذا التشريع القائم على التسويات والذي صار يلد لنا قوانين ميتة.
ناصر محمد سند فضالة الفضالة يرى – حسب دراسته – أن الشعب نفسه لن يقبل إصلاحاً يدفع هو كشعب ثمنه، يزيد الطين بلة انتشار ثقافة الشك وأزمة الثقة، وفوق هذا وذاك ان الجيل القائد في الكويت اليوم هو الجيل الأكثر تعرضاً لتأثيرات الغزو العراقي.
ويطرح الفضالة السؤال الصعب: كيف نستطيع الإصلاح.. ولكل مسؤول فاسد سند طائفي أو عشائري أو عائلي؟
الإصلاح يقف أمامه عوائق عدة، الكفاءة من ضمنها، وعامل الوقت من أهم أعدائه، ويقرع هنا ناقوس الإنذار من أن أزمة العجز المالي الكويتي القادمة أخطر بكثير من أزمة الثمانينات.
يرى الضرائب ليست حلاً، والخصخصة غير متاحة، والمشهد القادم في الكويت سوداوي مثلما سيتعثر فيه النظام، سيتعثر أيضاً السياسيون، ويمكن اختصار الدراسة – المتشائمة – للباحث الشاب ناصر الفضالة بالقول: تعددت الأسباب.. والاضمحلال قادم.
وفيما يلي نص الدراسة المرسلة من الباحث ناصر الفضالة:

< موانع أخرى ليست أقل أهمية للعملية الاصلاحية:

1 - تغيب الكفاءات الكويتية القادرة على انجاح المحاولة الاصلاحية، هذا يفسر فشل محاولات الاصلاح السابقة والحالية، الكويت مجتمع فقير في كفاءاته، عندما لا تتوفر القيادات المناسبة لادارة هذا الاصلاح يحكم عليه بالفشل، حتى طفرة الستينيات وأوائل السبعينيات أنا أرجعها للقيادات المستوردة في ذلك الوقت ساعة تكويتها هي ذاتها ساعة بدء الانهيار الكويتي.بدلاً من الجدل سأفصل في أربعة محاور توضح آلية غياب الكفاءة الكويتية.
أولاً، اعتبر السيناريو الآتي، مهندس، طبيب، بيروقراطي ذو منصب اشرافي، جميعهم يخدمون في القطاع الحكومي وجميعهم يطمحون للنجاح المهني والصعود الوظيفي، الوقت المخصص للوصول لهذا الهدف محدود، الطابع الاجتماعي الثقافي لوسطهم المعيشي (Habitus and Field حسب السوسيولوجي بيير بورديو) هو كويت 2011.سيظهر أمامهم خياران، اما تطوير الذات بحضور المؤتمرات والدورات والاجتهاد في العمل (الاستثمار في رأس المال الثقافي حسب بورديو) أو تعميق الصلات الاجتماعية مع مراكز قوى تستطيع دعمهم للوصول (الاستثمار في رأس المال الاجتماعي أيضاً حسب بورديو).حسب قواعد وطبيعة البيئة السياسية - الاجتماعية السائدة محلياً (الهاباتايس مرة أخرى) خيارهم سهل، الربحية أكثر باستثمارهم في العلاقات الشخصية بدلاً من التعليم أو العمل.في ظل الحالة الكويتية القائمة الجدوى الاقتصادية لجهودهم تزداد حال توظيفها في علاقات شخصية بدلاً من تطوير ذات لن يقدرها أحد.لكن هذا الخيار سيفقدهم فرصة التطوير واكتساب مهارات قيادية ومعرفة علمية تمكنهم من الادارة بالتالي يستلمون المناصب بلا قدرات أو مؤهلات حقيقية.هذا طريق مفسر لغياب الكفاءة الكويتية لكن هناك طرق أخرى.
ثانياً، رداءة العملية التعليمية دورها أساسي في غياب الكفاءة الكويتية، منذ زمن توقف التعليم عن أهدافه التنويرية وتحول الى وسيلة ضمان لمركز وظيفي.سأوفر هجومي على دكاكين مصر والأردن، فحتى مناهج جامعة الكويت جامدة قائمة على الحشو اما خريجو أمريكا وبريطانيا فلا يبتعدون كثيرا عن هذا النسق، في نمط معروف ومكرر، التسجيل يتم في جامعات الولايات ذات المستوى المتوسط لكن اغلب التعليم يأخذ في كليات مجتمع رديئة.أين هو الكويتي الذي حاز تعليمه من اكسبردج (Oxbridge)؟ أين هو الكويتي الذي حاز تعليمه من جامعات الايفي لي (Ivy League)؟.حتى المستوى الأكاديمي لأساتذة الجامعة مقلق للغاية، بين يوم وآخر تكتشف سرقة علمية جديدة، اما النشر العلمي فهو متوقف تماماً، حتى الترقيات تأتي عادة باعادة نشر أجزاء من رسالة الدكتوراه القديمة.رداءة العملية التعليمية أساتذة ومخرجات تلغي آمال أي عملية اصلاحية.
ثالثاً، العملية الاصلاحية تحتاج أخلاق جد ومثابرة في العمل، «أخلاق عمل بروتستانتية» هو ما تحتاجها هنا، ماكس ويبر شدد على أهميتها، يرجع نجاح الرأسمالية في عصره لها (60)، لكن هذه ثقافة يعوزها الكويتيون، كيف ستنجح عمليتك الاصلاح – تنموية في غياب هذه الأخلاق؟ الأتكالية الكويتية شهيرة، لا توازيها شهرة الا ثقافة التسيب والكسل، جملة أخلاق عمل يفتقدها الكويتيون، هذا سيمنع نجاح أي اصلاح وأي تنمية منشودة.
رابعاً، لما لا أذهب معك لأخر الخط؟ حتى بالافتراض الوهمي لوجود مثل هذه الكفاءات الكويتية، حتى بالافتراض الوهمي الآخر لوجود أخلاق جد واجتهاد كويتية العقل يقول ان هذه الكفاءات ستنبذ العمل الحكومي غير المجدي، حيث تقل الانتاجية وتسود الواسطة والمحسوبية وستتجه للقطاع الخاص الذي يقدر كفاءاتها.هكذا بكافة الأحوال ستفتقدها المحاولة الاصلاحية الكويتية.
ثم جو الطعن و«أزمة الثقة والشك» السائدة سياسياً يجعلان أي رجل دولة يفكر ألف مرة قبل المشاركة في هذه العملية الاصلاحية (لاحظ معدل رفض الوزارة في حكومات ناصر المحمد الثلاث الأخيرة).كيف ستنجح محاولتك الاصلاحية في وجود كل هذه الموانع؟
2 - عامل الوقت كمانع للعملية الاصلاحية، حتى بافتراض توافر الكفاءة الكويتية لبدء عملية اصلاحية لن يتوافر لديك الوقت، مفاعيل التجارب الاصلاحية لا تظهر فجأة بل تحتاج زمنا لتبدأ في الظهور.الاصلاح والتنمية اليابانية في أواخر الأربعينيات ظهر صداه في السبعينيات، المثل بالتجربة الألمانية التي بدأت أوائل الخمسينيات، نماذج النمور الأسيوية استغرقت عشرين عاماً على الأقل، التنمية في تجربة دبي احتاجت على الأقل 15 عاماً حتى تظهر.
في الكويت الآن من قال ان المعارضة ستنتظر ظهور نتائج العملية الاصلاحية؟ أو حتى أنها ستمنحك وقتاً لتبدأ العملية أصلاً؟ أدعي ان الاضمحلال السياسي الكويتي سيسابق آثار أي مفاعيل تنموية – اصلاحية.فقط تأمل في تعبيرات وجوه الذين يخرجون كل جمعة وقل لي أنهم سيعطونك خمسة أشهر للاصلاح لا خمس سنوات! عامل الوقت هو مانع جديد للعملية الاصلاحية.

< العامل المالي كمانع للاصلاح، العامل المالي كمسبب للفوضى السياسية

مقاربتي للجوانب المالية للعملية الاصلاحية ستكون عبر فحص العوامل المالية المرتبطة بعجز الميزانية المتوقع.دراستي لهذا العجز توضح تأثيراته، فأولاً المحاولة الاصلاحية الاقتصادية لتلافيه محكوم عليها بالفشل، ثانياً وقوع هذا العجز سيثبط أي برامج تنمية واصلاح كويتية، ثالثاً هذا التوقف لبرامج التنمية والاصلاح سيعمل على رفع درجات الفوضى واللا-استقرار السياسي الى درجات جديدة عندها يصبح الاضمحلال السياسي الكويتي حقيقة ماثلة للعيان.
سنحتاج أولاً لتعريف مكمن الخلل المتوقع في الميزانية ومن ثم تبيان الآليات المقترحة في علاج هذا العجز، لأصل حينها الى حتمية فشل هذا الاصلاح الاقتصادي المنشود.بعدها أفحص آثار هذا الفشل على الاستقرار السياسي.
عجز الميزانية الكويتية القائمة على جمع ريع النفط قادم قادم، يتفق الخبراء على هذا القدوم، ولكن يبقى الخلاف على ميعاده.بقاء سعر النفط في مستويات 2011 (حول 100 - 110 دولارات للبرميل) يعني وقوعه حوالي 2017، حتى ارتفاع سعر البرميل الى 150 دولارا لن يستطيع موازاة تضخم بند الرواتب والكوادر في الباب الأول من الميزانية فتواجه الكويت عجزها في 2028 (61).دراسة أخرى تدعي ان سعر برميل النفط الكويتي سيحتاج للارتفاع الى 220 دولاراً في 2020 لتتعادل ميزانية الدولة (62).
الحاجة ماسة لفهم اختلاف العجز القادم عن عجز الثمانينات.لا مجال للتهاون مع العجز القادم، في الثمانينات العجز كان مؤقتاً ارتبط بانخفاض سعر بترول النفط فما ان ارتفع سعر البرميل حتى تبخر هذا العجز، لكن العجز القادم هو عجز دائم مرتبط بتضخم مصاريف الميزانية خصوصاً الباب الأول من الميزانية المرشح لمزيد من الارتفاع لا الانخفاض (%63 من ميزانية الكويت في 2011 تذهب للانفاق الفعلي على أجور وما شاكلها في الباب الأول والخامس (63).
ثم العجز المالي القادم في حجمه أكبر بكثير من عجز الثمانينات (الميزانية الكويتية تضخمت على الأقل 5 - 6 أضعاف مثيلتها في الثمانينات) فمحاولة علاجه بالصرف من صندوق الاحتياطي العام والاستثمارات الخارجية محكوم عليه بالفشل فهو سيصل لـ12.8 مليار دينار سنوياً في 2029.
الآليات المقترحة تمتاز بتقليديتها، لا جديد تحت الشمس، ستدور حول محاور فرض ضريبة ورسوم، محاولة اصلاح سوق العمل، رفع الدعم عن الخدمات والمواد الأساسية اضافة لاجراءات خصخصة مرافق عامة وخدمات.سأفصل الآن في هذه الآليات المقترحة ومدى عمليتها للحالة الكويتية لكن لاحظ ان كل هذه الآليات ستخضع لمواجهة شبه مستحيلة مع مجلس أمة شعبوي لن يتسامح مع هذه الاجراءات.
أول حل ستلجأ اليه الحكومة في مواجهتها لعجز الميزانية سيكون الحل الاعتيادي بتقليص النفقات الاستثمارية (الباب الثالث والرابع)، فتكتفي بدفع رواتب موظفيها وتوقف أي تحديث للبنية التحتية أو لخدمات التعليم والصحة المتهالكة (لاحظ لو ضرب العجز الكويت في 2017 فاننا من طفرة النفط الثانية لن نحظى الا بمستشفى واحد هو مستشفى جابر ولن نحظى الا بجامعة واحدة هي الشدادية، عاملهم المشترك ان الاثنان سعتهم التشغيلية تقصر عن متطلبات الكويتيين في 2017).
التوقف حتمي لبرامج التنمية والاصلاح الكويتية لكن المقلق أكثر ان هذا التوقف سيرفع الضغوطات على النظام السياسي.هذا أول الغيث، لكن تقليص النفقات الاستثمارية هذا ليس علاجاً للمشكلة المالية فهو مجرد تأخير للمحتم.
لمعالجة عجز الميزانية القادم الحاجة الى اجراءات تحريرية.أمام السلطة خياران، اما الحل التدريجي أو العلاج بالصدمة، أولا العلاج بالصدمة (مدرسة شيكاغو للاقتصاد) كما طبق في تشيلي وبوليفيا وبريطانيا التاتشرية مليء بالألغام وسيرفع الفوضى السياسية الى درجات غير مسبوقة (64). فلا أمامك الا الحلول التدريجية، لكن من قال أنها نزهة ممتعة هي الأخرى؟
هاجس سوق العمل هو الأبرز، تزامن الارتفاع الهائل في أعداد طالبي العمل مع عجز الميزانية يجعل آلية التوظيف في القطاع الحكومي غير صالحة، فالمنتظر دخول أكثر من 22 ألف طالب وظيفة جديد لسوق العمل في 2011 ويأخذ العدد في الزيادة تبعاً لذلك فيصل الى 30 ألف طالب وظيفة في 2020 و40 ألفا في 2030 فالمرشح دخول أكثر من 570 ألف طالب وظيفة الى سوق العمل في العشرين عاماً القادمة (65). هذا الأرقام تأتي مع ملاحظة ان كل عاطل عن العمل هو عامل تأزيمي جديد يرفع الفوضى السياسية.على وقع عجز الميزانية ستحتاج لاصلاح سوق العمل، خلق وظائف في قطاعات منتجة (القطاعات الحرفية والصناعية والمالية وقطاع تكنولوجيا المعلومات) اما تحت مظلة الدولة (كما في التجربة الصينية) أو في القطاع الخاص مباشرة.هذا الخلق يعني الحاجة الى اصلاح تعليمي أولاً وهذا سيستغرق وقتاً وأنت لديك عجز ميزانية! ثم هناك وصمة عار مجتمعية ترتبط ببعض هذه الأعمال مقارنة بالعمل الاداري، لدفع الشباب الى العمل في هذه الأنشطة الجديدة تحتاج اما الى تخفيض كوادر وبدلات الأنشطة غير المنتجة القديمة وهذا مستحيل سياسياً (Sticky Downward) أو زيادة هؤلاء بكوادر وحوافز جديدة لكن سيعوزك المال الكافي فأنت أصلا واقع في عجز ميزانية أم نسيت ذلك؟ ثم المعركة خاسرة فهذه الكوادر سترفع كلفة المنتج النهائي بما يجعله فاقد للتنافسية في الاقتصاد العالمي.
التكويت في القطاع الخاص والزام الشركات بنسب عمالة وطنية أعلى من الحالية حل جيد وسيوطن عددا من طالبي العمل، لكن العجز في ميزانية المنفق الأول في المجتمع وبما سيخلقه هذا العجز من كساد اقتصادي سيثبط القطاع الخاص عن خطط التوسع والاستثمار، لن تكون بحاجة لعمالة جديدة.ثم استيعابية القطاعات البنكية والاستثمارية للعمالة الوطنية بلغت مداها فتحتاج لتوطينهم في قطاعات منفرة كالتجزئة والضيافة، هنا حتى خلق وظائف جديدة لا يحل المشكلة فستجد «تلازمية المدير» تطل برأسها مرة أخرى وتتسبب باحباط مجتمعي يليه فوضى سياسية (66).
للحكومة خيار فرض ضرائب، قدرتها السياسية على فرضها على الدخل الفردي معدومة، فرضها على الشركات أكيد، لكن مقدارها لن يسد شيئاً من العجز، فقط الشركات التشغيلية كالبنوك وقطاع الاتصالات ستدفعها، الأموال الحارة تهاجر الى دبي، الشركات الصغيرة والمتوسطة لغياب المناقصات الحكومية ستأتي الى توقف كامل ولن تدفعها، حتى مقدار الضريبة التجارية لن يكون بالعالي لأن الحكومة سترغب في جذب الشركات الى زيادة استثماراتها لمعالجة أزمتها الأخرى في خلق فرص عمل للكويتيين.
حلول رفع الدعم عن المواد والخدمات المقدمة وخصخصة تحريرية للقطاع الحكومي ليست بالسهلة، صحيح ان خصخصة مرفق ما يعني التخلص من أعبائه المالية لكن ماذا ستفعل بالعمالة الكويتية المسرحة ساعة وراثة القطاع الخاص لهذا المرفق؟ حتى ربط وقف الدعم عن الخدمات المدعومة حكومياً (الكهرباء/ الماء/ الهاتف الثابت/ المواد التموينية) مع تقسيم المواطنين الى شرائح حسب الدخل لحماية ذوي الدخول الضعيفة أمر صعب بظل مجلس شعبوي قائم على (Clientelism) ففي الكويت ليس فقط ذوي الدخول المحدودة هم من سيطالب بشبكة حماية اجتماعية حتى الطبقة الوسطي لديها ثقافة استحقاق قوية.
تخفيض العملة دوماً خيار سهل لا بحمل تبعات سياسية، لكن في حالة الكويت سننال سيئاته لا ايجابياته فتنخفض مستويات المعيشة والقدرة الشرائية لكن ليس لدينا صادرات تجذب المستوردين لرخصها فعلى المدى البعيد لا ينتشل هذا الخيار الكويت من أزمتها.
لكن لابد هنا ان نسقط الوهم الكبير، مع هذه الاجراءات المقترحة يسقط الوهم الكبير، ان الاصلاح الاقتصادي ممكن بلا مساس بذوي الدخول المنخفضة، لابد من فهم ان أول من سيتأثر من أي اصلاح اقتصادي هو المواطن البسيط، دعوتي الى هذا الفهم ترتبط بالتداعيات الاجتماع – سياسية لهذا الاصلاح الاقتصادي على تركيبة المجتمع الكويتي.
فهذا الاصلاح الاقتصادي سيعني اعادة تعريف الطبقة الوسطى الكويتية، فلاحظ ان جميع الاجراءات التي عددناها هنا تنتهي الى سقوط المستوى المعيشي للمواطن الوسطي.ميكانيكية هذا السقوط واضحة لكن لا مانع من تكرارها، تكويت القطاع الخاص من جهة يعني انخفاض دخل الكويتي الوسطي عن دخله الافتراضي في القطاع الحكومي الغني بكوادره هذا هو سقوط مستواه المعيشي، من زاوية أخرى القطاع الخاص الملزم باحلال كويتي بدلاً من أجنبي رخيص الكلفة سيرفع تسعيرة منتجاته للحفاظ على هامش ربحيته وأول المتأثرين هو المستوى المعيشي للمواطن الوسطي.الضرائب بالتأكيد ستخفض المستوى المعيشي للمواطن سواء أكانت مباشرة أو حتى على الشركات التي سترفع تسعيرة منتجها مرة اخرى للمحافظة على هامش ربحيتها.في حين ان رفع الدعم عن الخدمات والمواد الحكومية يعني الأقل من الكاش لدى المواطن الوسطي لصرفه على جوانب أخرى، هنا يسقط مستواه المعيشي أيضاً، تأثيرات هذا السقوط تتعدى جوانبها الاجتماعية أو الاقتصادية فسأفصل الآن في آلية تحوله الى اضمحلال سياسي.
المشهد سوداوي والمتعة مشاهدة «الساسة الكويتيين» وهم يتعثرون، من هو السياسي الكويتي القادر على «معادلة ميزانية»؟ من هو السياسي الكويتي القادر على الرؤية أبعد من أنفه؟ لكن متعة تتوقف هنا فعجز الميزانية تاريخياً يرتبط برفع حالة التأزيم واللا- استقرار السياسي، عجز التركيبات والترتيبات السياسية القائمة على استيعاب كل هذه التغيرات سيعمل على زيادة الفوضى السياسية الى درجات قياسية ثم ان النظام سيكون قد فشل في الفرصة تلو الفرصة لمحاولة انقاذ نفسه بالاصلاح، هذا الفشل في بدء عملية اصلاحية يجعل الفوضى السياسية تصل الى اضمحلال سياسي كامل.

تأمل الميكانيكية الآتية لربط الأزمات المالية مع اضمحلال النُظم:

«بعد عقود من النمو الاقتصادي المرتفع فان فجائية الانقلاب في المستوى المعيشي المصاحب للأزمة المالية سيخلق «الفجوة الثورية». ثلاث مفاهيم تحتاج للشرح، أولا «بالانجازات السابقة «(Achievements) فأنا أعني التحديث والتنمية (الاقتصادية/ السياسية/ الثقافية) بعهد النمو الاقتصادي.ثانياً نتيجة الانجازات السابقة يطمح جيل عجز الميزانية للحصول على ذات الامتيازات التي حصل عليها آباؤه وأجداده هذه هي «التطلعات والطموح» (Aspirations)، لكن بسبب انخفاض المستوى المعيشي المرتبط بالأزمة المالية ستسير «التوقعات اللحظية» (Expectations) عكس هذا التطلعات عندما يواجه هذا الجيل حقيقة واقعه الاقتصادي بلا رفاه.الفراغ بين «التطلعات والطموح» و «التوقعات اللحظية» يخلق «الفجوة الثورية» (67).هذا طريق تصل به الكويت الى اضمحلال نظامها السياسي.
الشكل رقم (3) يبسط المفهوم
ثم «في الدولة الريعية العقد الاجتماعي يختلف عن مثيله في الغرب، العقد هنا قائم على تفاهم متبادل، المواطنون يكفون أيديهم عن الخوض في السياسة لكن على الحاكم توفير الرفاه الاجتماعي، الحاكم يشتري ولاء رعيته بتقديمه للخدمات وبعدم فرضه للضرائب» (68) لكن عندما يسقط نموذج دولة الرفاه الاجتماعي يسقط معها عقدها الاجتماعي، هذا طريق آخر تصل به الكويت الى اضمحلال نظامها السياسي.

الاستنتاج النهائي والخاتمة

أخشى أني مضطر لانهاء هذا المبحث بقدر لا بأس به من التشاؤم، حقائق الأمور تدفع لهكذا تشاؤمية، اضمحلال النظام السياسي القائم في الكويت لا يبدو بعيداً، الغافلون في سباتهم سيستيقظون قريباً على حقيقة ماثلة أمامهم، حينها لا ينفع ندم.هذا الاضمحلال اذا لم يأت به تأثير العصرنة على مجتمع الكويت التقليدي ستأتي به حالة «الحرمان النسبي» والاحباط المجتمعي لدى قطاعات شعبية واسعة، اذا الاحباط لم يأت به سيأتي نتيجة فشل النظام في اصلاح نفسه، ثم هناك مجال دائم ليأتي هذا الاضمحلال بفعل عوامل مالية تسقط معها العقد الاجتماعي القائم على استبدال المشاركة بالحكم بمنافع مادية.أينما تذهب ستجد الأبواب موصدة في وجهك، أينما تذهب مستقبل البلد لا يبشرك بخير، أينما تذهب التشاؤمية تملأ الجو.هل القادم سيئ؟ لا! القادم أسوأ بكثير من ما تتصور. هل أضع حلولا او تصورات لوقف هذا الاضمحلال؟ لا حاجة لهذا الفعل فمن لديه القدرة أو الشجاعة لاتخاذ مثل هذه الخطوات؟ انتهى عصر رجالات الدولة!