باراك أوباما – سيرة حياة أميركية
مرسل: الثلاثاء ديسمبر 02, 2008 1:41 am
النص التالي مقتطف من المطبوعة الإلكترونية "باراك أوباما: الرئيس الرابع والأربعون للولايات المتحدة،" الصادرة عن وزارة الخارجية الأميركية.
السيرة الذاتية الفريدة لباراك أوباما، وحملته الناجحة للوصول إلى سدة رئاسة الولايات المتحدة، فتحتا فصلاً جديداً في معترك السياسة الحزبية الأميركية.
الرئيس أوباما، أول رئيس أميركي إفريقي للولايات المتحدة، يحمل معه سيرة حياة تختلف عن حياة أي رئيس سابق للولايات المتحدة. فباراك أوباما، هذا الابن الثنائي العرق، لأب كيني وأم من قلب الأراضي الأميركية، انطلق كالشهب إلى الشهرة القومية، عبر خطاب مفصلي ألقاه في العام 2004 ولقيَ قبولاً حماسياً. ألقى الخطاب السياسي الرئيسي في المؤتمر القومي للحزب الديمقراطي في ذلك العام، وهو العام الذي انتخب فيه لاحقا عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية إلينوي. وبعد مرور أربع سنوات فقط، استطاع أن يبلغ مقدمة المضمار المكتظ بشخصيات مرموقة من الحزب الديمقراطي، ليكسب تسمية حزبه لانتخابات الرئاسة ثم ليفوز في الانتخابات الرئاسية ضد المرشح الجمهوري السناتور جون ماكين.
لقد كان أوباما حقيقة الأمر مرشحاً نموذجيا للقرن الواحد والعشرين: فهو صاحب أسلوب مصقول في الكلام، وبلاغة فصيحة ترفع المعنويات، وقدرة على إثارة حماس الناخبين الشباب بالترافق مع الاستعمال المعقد للإنترنت كأداة في الحملة الانتخابية. شدد أوباما في حملته على موضوعين أساسيين يتعلقان، من جهة أولى، بتغيير طريقة واشنطن التقليدية في قيادة شؤون البلاد، ومن جهة ثانية، مناشدة الاميركيين من مختلف الخلفيات الأيديولوجية، والاجتماعية، والعرقية للاتحاد سوية من أجل الخير العام.
قال أوباما في خطابه سنة 2004، في المؤتمر القومي للحزب الديمقراطي: "ليست هناك أميركا ليبرالية، وليست هناك أميركا محافظة، وليست هناك أميركا حمراء وأميركا زرقاء، بل هناك فقط الولايات المتحدة الأميركية" وأضاف، "ليست هناك أميركا سوداء وأميركا بيضاء، أو أميركا لاتينية وأميركا آسيوية، بل هناك الولايات المتحدة الأميركية... نحن شعب واحد، جميعنا تعهدّنا بالولاء للعلم الأميركي، جميعنا ندافع عن الولايات المتحدة الأميركية."
السنوات الأولى
جاء والدا أوباما من خلفيتين شديدتي الاختلاف. والدته، آن دونهام، ولدت وترعرعت في بلدة صغيرة في ولاية كانزاس. وبعد ان انتقلت عائلتها إلى جزر هاوائي، تعرفت على باراك أوباما الأب، الطالب الكيني الذي كان يدرس في جامعة هاوائي بموجب منحة. تزوج الاثنان في العام 1959، وفي 4 آب/أغسطس، 1961، ولد باراك أوباما الابن في هونولولو. بعد انقضاء سنتين ترك أوباما الأب عائلته الجديدة لمتابعة الدراسات العليا في جامعة هارفارد ومن ثم الالتحاق بوظيفة مسؤول اقتصادي حكومي في كينيا. قابل أوباما الابن والده مرة أخرى واحدة فقط، عندما كان في سن العاشرة.
عندما كان أوباما في سن السادسة، تزوجت والدته من جديد، وهذه المرة من موظف تنفيذي يعمل في قطاع النفط الإندونيسي، وانتقلت العائلة إلى إندونيسيا، فأمضى أوباما فترة أربع سنوات يدرس في جاكرتا، عاصمة تلك البلاد. عاد في نهاية المطاف إلى هاوائي حيث التحق بالمدرسة الثانوية وعاش في كنف جده وجدته لجهة والدته.
في أول كتاب له، Dreams From My Father "أحلام من والدي"، وصف أوباما هذه الفترة من حياته بأنها تميزت بقدر يزيد عما هو معتاد من اضطرابات المراهقة، في الحين الذي كان يكافح فيه لإضفاء معنى على إرثه الثنائي العرق، وهي صفة كانت لا تزال في ذلك الحين غير مألوفة نسبياً في الولايات المتحدة. لكن تجذره في الثقافة السوداء كما في الثقافة البيضاء على حدٍ سواء، قد يكون ساعد في توفير الرؤيا الشمولية المتعمقة التي أدخلها أوباما إلى المشهد السياسي الأميركي في السنوات اللاحقة، تلك الرؤيا القادرة على تفهم العديد من وجهات النظر واحتوائها.
قالت زميلته في كلية الحقوق، كاسندرا بوتس، لمراسلة صحيفة نيو يوركر، لاريسا مكفاركوهار: "يملك أوباما قدرة لا تصدق على دمج الحقائق التي تبدو متناقضة وجعلها متماسكة. يعود ذلك لكونه خرج من منزل اعتنى فيه به أناس بيض، ثم دخل إلى العالم الخارجي الذي كان يُنظر فيه إليه على أنه شخص أسود."
غادَر أوباما هاوائي لمتابعة دروسه في كلية اوكسيدنتال في مدينة لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا لفترة دامت سنتين. وانتقل عقب ذلك إلى نيويورك حيث حصل على شهادة البكالوريوس في الآداب من جامعة كولومبيا العريقة سنة 1983. وفي خطاب ألقاه في العام 2008، وصف أوباما تفكيره في تلك الفترة، فقال، "عندما تخرجت من الجامعة تملكتني فكرة جنونية بأنني سوف أعمل على المستوى الشعبي لتحقيق التغيير."
دعوته للخدمة العامة
في سياق بحثه عن هويته الخاصة وعن توجّه هادف لحياته، ترك أوباما لاحقاً عمله ككاتب مالي لدى إحدى الشركات الاستشارية الدولية في نيويورك، وانتقل إلى شيكاغو في العام 1985. عمل هناك كمنظم للمجتمع الأهلي لدى اتحاد من الكنائس المحلية في الجانب الجنوبي للمدينة، وهي منطقة فقيرة يقطنها أميركيون من أصل إفريقي أصيبت بضرر كبير لكونها كانت تتحول من مركز صناعي إلى اقتصاد مستند إلى الخدمات.
استعاد أوباما بعد سنوات ذكريات هذه الفترة في الخطاب الذي أعلن فيه ترشحه لمنصب رئاسة البلاد: "تلقيت في هذه الأحياء أفضل تعليم حصلت عليه في حياتي وتعلمت المعنى الحقيقي لإيماني الديني كمسيحي."
حقق أوباما بعض النجاحات الملموسة في هذا العمل ووفر لسكان الجانب الجنوبي من شيكاغو صوتاً مسموعاً في مسائل مثل إعادة التنمية الاقتصادية، والتدريب الوظيفي، وجهود تنظيف البيئة. فقد اعتبر أن دوره الأولي كمنظم للمجتمع الأهلي هو بمثابة دور محفّز لحشد المواطنين العاديين في جهد ينطلق من قاعدة الهرم إلى رأسه لكي يقوموا بصياغة استراتيجيات أهلية تمكّنهم سياسياً واقتصادياً.
بعد ثلاث سنوات من هذا العمل، استنتج أوباما أن إدخال التحسينات الصحية إلى مثل هذه المجتمعات الأهلية البائسة يتطلب مشاركة على مستوى أعلى في المجالين القانوني والسياسي. تبعاً لذلك، التحق بكلية الحقوق في جامعة هارفرد حيث ميّز نفسه بانتخابه أول رئيس أسود لمجلة "هارفارد لو ريفيو" المرموقة وتخرج بامتياز كبير في العام 1991.
لاحظ ديفيد أكسلرود، المخطط الاستراتيجي لحملة أوباما الرئاسية، أنه بمؤهلات كهذه "كان بإمكان أوباما أن يفعل أي شيء يريده". عاد أوباما إلى شيكاغو، المدينة التي تبناها، حيث مارس قانون الحقوق المدنية ودرّس القانون الدستوري في جامعة شيكاغو. في العام 1992، تزوج مي?يل روبنسون، وكانت هي الأخرى قد تخرجت من كلية الحقوق في جامعة هارفارد. وعمل على تسجيل الناخبين في شيكاغو لمساعدة مرشحين من الحزب الديمقراطي مثل بيل كلينتون.
باراك في العاشرة من عمره، مع والده الكيني، باراك أوباما الأب.وإذ واظب على التزامه القوي بالخدمة العامة، قرر أوباما أن يقوم بأول محاولة له للترشّح لانتخابات العام 1996، ففاز بمقعد عن مدينة شيكاغو في مجلس شيوخ ولاية إلينوي. كان السباق بطرق عديدة تقدماً منطقياً لعمله المبكر كمنظم للمجتمع الأهلي، وحمل أوباما معه الكثير من تلك النظرة الشمولية إلى رؤياه السياسية، والتي تعتبر بأن السياسي ما هو إلاّ عامل تمكين للجهود الأساسية الموجهة نحو المواطن ومنشئ لتحالفات سياسية ذات قاعدة عريضة.
قال أوباما في ذلك الوقت: "أي أميركي إفريقي لا يتحدث سوى عن العرقية كحاجز يعيق نجاحه يكون مُضَللاً لدرجة خطيرة إذا لم يتعامل بحزم مع القوى الاقتصادية الأعظم التي تخلق عدم الاستقرار الاقتصادي لجميع العمال، البيض، واللاتين، والآسيويين على حدٍ سواء." من بين إنجازاته التشريعية خلال السنوات الثماني التالية في مجلس شيوخ الولاية نذكر إصلاح تمويل الحملات الانتخابية، والتخفيضات الضريبية للعمال الفقراء، وإدخال التحسينات في النظام القضائي الجنائي في الولاية.
المرحلة القومية
في العام 2000، قام أوباما بأول محاولة له لدخول الكونغرس الأميركي، إذ تحدى من دون أن يوافقه الحظ بوبي راش، عضو الكونغرس الديمقراطي من شيكاغو الذي كان يشغل المقعد في الكونغرس. بعد الخيبة التي أصابته بسبب خسارته غير المتوازنة في الانتخابات التمهيدية لصالح راش، تحول أوباما إلى البحث عن النفوذ في ما هو أبعد من المجلس التشريعي لولاية إلينوي، فأقنع ميشيل بفكرة ترشحه لمجلس الشيوخ الأميركي كمحاولة أخيرة إمّا "للنجاح الكامل أو للخروج الكامل" بهدف تعزيز مسيرته السياسية.
تحوّل سباق العام 2004 لمجلس الشيوخ الأميركي في ولاية إلينوي إلى سباق مفتوح للجميع، وذلك خلال السنة السابقة لتلك الانتخابات عندما أعلن بيتر فيتزجرالد، الجمهوري الذي كان يشغل مقعداً في مجلس الشيوخ، أنه لن يسعى لإعادة انتخابه. تنافس سبعة مرشحين من الحزب الديمقراطي وثمانية من الحزب الجمهوري للفوز في الانتخابات التمهيدية لحزبيهما بالتسمية لعضوية مجلس الشيوخ. حصل أوباما بسهولة على تسمية الحزب الديمقراطي بفوزه بحصة من الأصوات بلغت 53 بالمئة، ففاقت ما حصل عليه منافسوه الستة مجتمعين.
مع احتفاظ الجمهوريين في ذلك الحين بأغلبية ضئيلة جداً في مجلس الشيوخ، كانت 51 مقعداً من أصل 100 مقعد، رأى الديمقراطيون في المنافسة على مقاعد مجلس الشيوخ في إلينوي معركة حرجة تؤثر على فرصهم لاستعادة الغالبية في مجلس الشيوخ في شهر تشرين الثاني/نوفمبر من تلك السنة (وبالفعل فإنهم لم يستعيدوا السيطرة على مجلس الشيوخ إلا في العام 2006). ولأن جون كيري كان يرغب في منح حملة أوباما دفعة إلى الأمام من خلال إعطائه دوراً بارزاً في المؤتمر الانتخابي للديمقراطيين، وبسبب القدرات الخطابية المعروفة لأوباما، والانطباع الجيد الذي تركه في نفس المرشح الديمقراطي للرئاسة، فقد حسم جون كيري قراره باختيار أوباما ليكون الخطيب الرئيسي في المؤتمر الديمقراطي الانتخابي.
خطاب أوباما، بلغته المصقولة، المُحلَّقة، حول الحاجة إلى تجاوز الانقسامات الحزبية، ودعوته إلى اتّباع "سياسات الأمل" بدلاً من "سياسات التشكيك"، أدى إلى أكثر بكثير من إثارة حماس الحاضرين في المؤتمر. فقد وضع هذا الخطاب أوباما تحت أضواء وسائل الإعلام القومية كنجم صاعد في الحزب الديمقراطي. فانطلق من هناك للفوز بسهولة في سباق مجلس الشيوخ في ذلك الخريف وحصل على نسبة ساحقة بلغت 70 بالمئة من الأصوات الشعبية. غير أنه ورغم الفوضى الكاملة تقريباً التي حلت بصفوف الجمهوريين في إلينوي تلك السنة التي ساهمت بدون شك في تحقيق تلك النسبة الساحقة من النجاح لأوباما، إلاّ أن انتصاره ظل حدثاً مؤثراً بعمق من حيث أنه فاز في 93 مقاطعة من المقاطعات الـ102 للولاية، وحصل على أصوات الناخبين البيض بما يزيد عن هامش اثنين إلى واحد.
كانت شهرة أوباما في كونه يمثل جيلاً جديداً من السياسيين قادراً على التغلب على الانقسامات العرقية التقليدية تتنامى باستمرار. ففي مقال عن سيرة أوباما نشر في صحيفة النيويوركر، وبعد أن لاحظ موهبة أوباما "المتمثلة في قدرته على الانزلاق بمهارة في لهجة محدثه"، قال الكاتب وليام فينينغان إن أوباما "يتحدث بمجموعة شاملة من اللهجات العامية الأميركية". قدم أوباما تفسيراته الخاصة لماذا يستطيع التواصل مع الناس البيض. فقال: "أنا أعرف هؤلاء الناس، انهم جديَّ وجدتي ... طبائعهم، حساسياتهم، شعورهم بما هو صح وخطأ، كلها أشياء مألوفة كلّياً لديّ."
في مجلس الشيوخ، جمع أوباما سجلاً انتخابياً يتماشى مع الجناح الليبرالي في الحزب الديمقراطي. انتقاده للحرب في العراق كان إحدى علاماته الفارقة ويعود إلى خطاب ألقاه في العام 2002، حتى قبل أن تبدأ الحرب، عندما حذر من أن أي عمل عسكري كهذا "سوف لن يستند إلى المبادئ بل إلى السياسة". كما عمل على تعزيز المعايير الأخلاقية في الكونغرس وتحسين العناية بالمحاربين القدامى وزيادة استعمال أنواع الوقود المتجدد.
الترشّح للرئاسة
كانت الحملة الانتخابية التمهيدية الطويلة للحزب الديمقراطي التي جرت في العام 2008، مع الانتخابات والاجتماعات الانتخابية الحزبية في كافة الولايات الخمسين، تاريخية من عدة جوانب. وإذا كان قد ترشح في السابق أميركيون من أصل إفريقي ونساء لمنصب الرئاسة، لكن في هذه المرة كان المرشحان المتقدمان هما امرأة وأميركي من أصل إفريقي. ومع بدء باراك أوباما وسبعة غيره من المتنافسين للفوز بتسمية الحزب الديمقراطي بتنظيم صفوفهم في العام 2007، كانت استطلاعات الرأي تصنف أوباما باستمرار كمرشح للرئاسة، في الموقع الثاني بعد المرشح المفضل المفترض، وهي عضو مجلس الشيوخ في ولاية نيويورك هيلاري كلينتون. غير أن أوباما حقق نجاحاً كبيراً في هذه المرحلة المبكرة من السباق بحشده كادرات من المؤيدين المتحمسين، وعلى وجه الخصوص بين الشباب، مما أوجد تنظيما رئيسيا للحملة على مستوى البلاد وبنية تحتية واسعة النطاق لجمع التبرعات عبر الإنترنت.
وحيث كانت كلينتون تتمتع بشهرة أكبر بفضل اسمها المعروف، وبآلية انتخابية جيدة التنظيم، وبدعم على مستوى الولايات من الزعماء الديمقراطيين، فقد صمم معسكر أوباما استراتيجية مبتكرة لإبطال مفعول هذه المزايا: استهداف الولايات التي تستخدم اجتماعات انتخابية حزبية بدلاً من الانتخابات التمهيدية العامة، والتركيز على الولايات الأصغر حجماً التي كانت تدلي بأصواتها تقليدياً لصالح الحزب الجمهوري في الانتخابات العامة. استغلت هذه المقاربة نظام التمثيل النسبي للحزب الديمقراطي، الذي يمنح الفائز في كل ولاية نسبة من أصوات مندوبي المؤتمر الانتخابي تتناسب تقريباً مع حصة ذلك المرشح من الأصوات الشعبية، وذلك خلافاً للنظام الجمهوري الذي يمنح أكثرية أو كل مندوبي المؤتمر إلى الفائز في كل ولاية.
نجحت هذه الاستراتيجية في أول اجتماع حزبي انتخابي في البلاد جرى في ولاية آَيوا في 3 كانون الثاني/يناير، 2008، عندما سجل أوباما انتصاراً غير متوقع على كلينتون. أدى الانتصار في آَيوا إلى تغيير قواعد اللعبة، كما وصفتها صحيفة الواشنطن بوست، إذ كتبت تقول: "الانتصار على كلينتون بدّل مجرى السباق من خلال تثبيت أوباما كمنافس رئيسي لكلينتون، وهو أصبح المرشح الوحيد الذي يحمل رسالة، وقدرات تنظيمية وموارد مالية لتحدي موقعها المتقدم كالمرشح الأول."
سجلت هذه الاستراتيجية نجاحاً ثانياً في "الثلاثاء العظيم"، حين جرت الانتخابات بالتزامن مع بعضها البعض في 22 ولاية في 5 شباط/فبراير، عندما تعادل أوباما مع كلينتون واكتسح بسهولة الولايات الريفية في الغرب والجنوب. كما أصابت هذه الاستراتيجية النجاح عندما تمكن أوباما من الانتصار في 10 منافسات انتخابية متتالية أخرى في شباط/فبراير، مرسخاً بذلك تقدماً في عدد المندوبين لم تتمكن كلينتون أبداً من اللحاق به.
رئاسة أوباما
باراك أوباما هو من بين أصغر الرؤساء الأميركيين سناً. ولد في نهاية جيل "طفرة المواليد" بعد الحرب العالمية الثانية (1946-1964)، كما انه أيضاً أول رئيس بلغ سن الرشد في الثمانينات من القرن الماضي، التي كان ينبغي التوقع ان تُشكِّل بحد ذاتها نذيراً تغييرياً. البيئة التي ترعرع فيها كانت مختلفة بشكل ملحوظ عن الستينات الصاخبة اجتماعياً، وهي السنوات التي كانت صاغت شخصية جيل طفرة المواليد الذي سبق جيل أوباما. وكما قال أوباما في إحدى المرات عن الانتخابات الرئاسية للعام 2000 وللعام 2004، التي تنافس فيها مرشحون من جيل سبق بكثير جيل ما بعد حرب فيتنام، فقال، "شعرت أحياناً كما لو كنت أراقب دراما نفسية لجيل طفرة المواليد، أي تلك القصة المتجذرة في الضغائن القديمة والمؤامرات الانتقامية التي جرى إعدادها في أحرام جامعات معدودة منذ وقت طويل، وكانت تنفذ الآن على المسرح القومي."
قدمت لاريسا مكفاركوهار من مجلة نيويوركر، نظرية حول الجاذبية الملحوظة لأوباما المتجاوزة للخطوط السياسية التقليدية، فكتبت تقول، "سِجل أوباما الانتخابي يشير إلى أنه من أشد الليبراليين في مجلس الشيوخ، ولكنه كان دائماً يحصل على إعجاب الجمهوريين ربما لأنه يتحدث حول الأهداف الليبرالية بلغة محافظة."
وأضافت تقول، "في نظرته للتاريخ، في احترامه للتقاليد، في يقينه بأن العالم لا يمكن أن يتغير بأي طريقة غير الطريقة البطيئة، البطيئة جداً، كان أوباما يعتبر محافظاً بعمق."
حطَّم الرئيس أوباما حدوداً جديدة في السياسات الأميركية. جاء ترشيحه في الوقت الدقيق الذي كان العديد من الأميركيين يعتقدون فيه أن بلادهم بحاجة إلى تحول أساسي في توجهاتها. من المحتمل أن بي جي ديون، المعلق السياسي في صحيفة الواشنطن بوست، قد عبّر بصورة ممتازة عن اللقاء التصادمي بين ترشيح أوباما وروح العصر الأميركي عندما كتب يقول:
"التغيير، وليس الخبرة، كان السمة الطاغية لليوم. النظرة الشاملة، وليس إجادة التفاصيل، كان الفضيلة الأكثر قيمة في خطابات الحملة الانتخابية. الانفصال الكامل عن الماضي، وليس فقط العودة إلى أيام أفضل، شكّل الوعد الأكثر جدارة للنضال من أجله
السيرة الذاتية الفريدة لباراك أوباما، وحملته الناجحة للوصول إلى سدة رئاسة الولايات المتحدة، فتحتا فصلاً جديداً في معترك السياسة الحزبية الأميركية.
الرئيس أوباما، أول رئيس أميركي إفريقي للولايات المتحدة، يحمل معه سيرة حياة تختلف عن حياة أي رئيس سابق للولايات المتحدة. فباراك أوباما، هذا الابن الثنائي العرق، لأب كيني وأم من قلب الأراضي الأميركية، انطلق كالشهب إلى الشهرة القومية، عبر خطاب مفصلي ألقاه في العام 2004 ولقيَ قبولاً حماسياً. ألقى الخطاب السياسي الرئيسي في المؤتمر القومي للحزب الديمقراطي في ذلك العام، وهو العام الذي انتخب فيه لاحقا عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية إلينوي. وبعد مرور أربع سنوات فقط، استطاع أن يبلغ مقدمة المضمار المكتظ بشخصيات مرموقة من الحزب الديمقراطي، ليكسب تسمية حزبه لانتخابات الرئاسة ثم ليفوز في الانتخابات الرئاسية ضد المرشح الجمهوري السناتور جون ماكين.
لقد كان أوباما حقيقة الأمر مرشحاً نموذجيا للقرن الواحد والعشرين: فهو صاحب أسلوب مصقول في الكلام، وبلاغة فصيحة ترفع المعنويات، وقدرة على إثارة حماس الناخبين الشباب بالترافق مع الاستعمال المعقد للإنترنت كأداة في الحملة الانتخابية. شدد أوباما في حملته على موضوعين أساسيين يتعلقان، من جهة أولى، بتغيير طريقة واشنطن التقليدية في قيادة شؤون البلاد، ومن جهة ثانية، مناشدة الاميركيين من مختلف الخلفيات الأيديولوجية، والاجتماعية، والعرقية للاتحاد سوية من أجل الخير العام.
قال أوباما في خطابه سنة 2004، في المؤتمر القومي للحزب الديمقراطي: "ليست هناك أميركا ليبرالية، وليست هناك أميركا محافظة، وليست هناك أميركا حمراء وأميركا زرقاء، بل هناك فقط الولايات المتحدة الأميركية" وأضاف، "ليست هناك أميركا سوداء وأميركا بيضاء، أو أميركا لاتينية وأميركا آسيوية، بل هناك الولايات المتحدة الأميركية... نحن شعب واحد، جميعنا تعهدّنا بالولاء للعلم الأميركي، جميعنا ندافع عن الولايات المتحدة الأميركية."
السنوات الأولى
جاء والدا أوباما من خلفيتين شديدتي الاختلاف. والدته، آن دونهام، ولدت وترعرعت في بلدة صغيرة في ولاية كانزاس. وبعد ان انتقلت عائلتها إلى جزر هاوائي، تعرفت على باراك أوباما الأب، الطالب الكيني الذي كان يدرس في جامعة هاوائي بموجب منحة. تزوج الاثنان في العام 1959، وفي 4 آب/أغسطس، 1961، ولد باراك أوباما الابن في هونولولو. بعد انقضاء سنتين ترك أوباما الأب عائلته الجديدة لمتابعة الدراسات العليا في جامعة هارفارد ومن ثم الالتحاق بوظيفة مسؤول اقتصادي حكومي في كينيا. قابل أوباما الابن والده مرة أخرى واحدة فقط، عندما كان في سن العاشرة.
عندما كان أوباما في سن السادسة، تزوجت والدته من جديد، وهذه المرة من موظف تنفيذي يعمل في قطاع النفط الإندونيسي، وانتقلت العائلة إلى إندونيسيا، فأمضى أوباما فترة أربع سنوات يدرس في جاكرتا، عاصمة تلك البلاد. عاد في نهاية المطاف إلى هاوائي حيث التحق بالمدرسة الثانوية وعاش في كنف جده وجدته لجهة والدته.
في أول كتاب له، Dreams From My Father "أحلام من والدي"، وصف أوباما هذه الفترة من حياته بأنها تميزت بقدر يزيد عما هو معتاد من اضطرابات المراهقة، في الحين الذي كان يكافح فيه لإضفاء معنى على إرثه الثنائي العرق، وهي صفة كانت لا تزال في ذلك الحين غير مألوفة نسبياً في الولايات المتحدة. لكن تجذره في الثقافة السوداء كما في الثقافة البيضاء على حدٍ سواء، قد يكون ساعد في توفير الرؤيا الشمولية المتعمقة التي أدخلها أوباما إلى المشهد السياسي الأميركي في السنوات اللاحقة، تلك الرؤيا القادرة على تفهم العديد من وجهات النظر واحتوائها.
قالت زميلته في كلية الحقوق، كاسندرا بوتس، لمراسلة صحيفة نيو يوركر، لاريسا مكفاركوهار: "يملك أوباما قدرة لا تصدق على دمج الحقائق التي تبدو متناقضة وجعلها متماسكة. يعود ذلك لكونه خرج من منزل اعتنى فيه به أناس بيض، ثم دخل إلى العالم الخارجي الذي كان يُنظر فيه إليه على أنه شخص أسود."
غادَر أوباما هاوائي لمتابعة دروسه في كلية اوكسيدنتال في مدينة لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا لفترة دامت سنتين. وانتقل عقب ذلك إلى نيويورك حيث حصل على شهادة البكالوريوس في الآداب من جامعة كولومبيا العريقة سنة 1983. وفي خطاب ألقاه في العام 2008، وصف أوباما تفكيره في تلك الفترة، فقال، "عندما تخرجت من الجامعة تملكتني فكرة جنونية بأنني سوف أعمل على المستوى الشعبي لتحقيق التغيير."
دعوته للخدمة العامة
في سياق بحثه عن هويته الخاصة وعن توجّه هادف لحياته، ترك أوباما لاحقاً عمله ككاتب مالي لدى إحدى الشركات الاستشارية الدولية في نيويورك، وانتقل إلى شيكاغو في العام 1985. عمل هناك كمنظم للمجتمع الأهلي لدى اتحاد من الكنائس المحلية في الجانب الجنوبي للمدينة، وهي منطقة فقيرة يقطنها أميركيون من أصل إفريقي أصيبت بضرر كبير لكونها كانت تتحول من مركز صناعي إلى اقتصاد مستند إلى الخدمات.
استعاد أوباما بعد سنوات ذكريات هذه الفترة في الخطاب الذي أعلن فيه ترشحه لمنصب رئاسة البلاد: "تلقيت في هذه الأحياء أفضل تعليم حصلت عليه في حياتي وتعلمت المعنى الحقيقي لإيماني الديني كمسيحي."
حقق أوباما بعض النجاحات الملموسة في هذا العمل ووفر لسكان الجانب الجنوبي من شيكاغو صوتاً مسموعاً في مسائل مثل إعادة التنمية الاقتصادية، والتدريب الوظيفي، وجهود تنظيف البيئة. فقد اعتبر أن دوره الأولي كمنظم للمجتمع الأهلي هو بمثابة دور محفّز لحشد المواطنين العاديين في جهد ينطلق من قاعدة الهرم إلى رأسه لكي يقوموا بصياغة استراتيجيات أهلية تمكّنهم سياسياً واقتصادياً.
بعد ثلاث سنوات من هذا العمل، استنتج أوباما أن إدخال التحسينات الصحية إلى مثل هذه المجتمعات الأهلية البائسة يتطلب مشاركة على مستوى أعلى في المجالين القانوني والسياسي. تبعاً لذلك، التحق بكلية الحقوق في جامعة هارفرد حيث ميّز نفسه بانتخابه أول رئيس أسود لمجلة "هارفارد لو ريفيو" المرموقة وتخرج بامتياز كبير في العام 1991.
لاحظ ديفيد أكسلرود، المخطط الاستراتيجي لحملة أوباما الرئاسية، أنه بمؤهلات كهذه "كان بإمكان أوباما أن يفعل أي شيء يريده". عاد أوباما إلى شيكاغو، المدينة التي تبناها، حيث مارس قانون الحقوق المدنية ودرّس القانون الدستوري في جامعة شيكاغو. في العام 1992، تزوج مي?يل روبنسون، وكانت هي الأخرى قد تخرجت من كلية الحقوق في جامعة هارفارد. وعمل على تسجيل الناخبين في شيكاغو لمساعدة مرشحين من الحزب الديمقراطي مثل بيل كلينتون.
باراك في العاشرة من عمره، مع والده الكيني، باراك أوباما الأب.وإذ واظب على التزامه القوي بالخدمة العامة، قرر أوباما أن يقوم بأول محاولة له للترشّح لانتخابات العام 1996، ففاز بمقعد عن مدينة شيكاغو في مجلس شيوخ ولاية إلينوي. كان السباق بطرق عديدة تقدماً منطقياً لعمله المبكر كمنظم للمجتمع الأهلي، وحمل أوباما معه الكثير من تلك النظرة الشمولية إلى رؤياه السياسية، والتي تعتبر بأن السياسي ما هو إلاّ عامل تمكين للجهود الأساسية الموجهة نحو المواطن ومنشئ لتحالفات سياسية ذات قاعدة عريضة.
قال أوباما في ذلك الوقت: "أي أميركي إفريقي لا يتحدث سوى عن العرقية كحاجز يعيق نجاحه يكون مُضَللاً لدرجة خطيرة إذا لم يتعامل بحزم مع القوى الاقتصادية الأعظم التي تخلق عدم الاستقرار الاقتصادي لجميع العمال، البيض، واللاتين، والآسيويين على حدٍ سواء." من بين إنجازاته التشريعية خلال السنوات الثماني التالية في مجلس شيوخ الولاية نذكر إصلاح تمويل الحملات الانتخابية، والتخفيضات الضريبية للعمال الفقراء، وإدخال التحسينات في النظام القضائي الجنائي في الولاية.
المرحلة القومية
في العام 2000، قام أوباما بأول محاولة له لدخول الكونغرس الأميركي، إذ تحدى من دون أن يوافقه الحظ بوبي راش، عضو الكونغرس الديمقراطي من شيكاغو الذي كان يشغل المقعد في الكونغرس. بعد الخيبة التي أصابته بسبب خسارته غير المتوازنة في الانتخابات التمهيدية لصالح راش، تحول أوباما إلى البحث عن النفوذ في ما هو أبعد من المجلس التشريعي لولاية إلينوي، فأقنع ميشيل بفكرة ترشحه لمجلس الشيوخ الأميركي كمحاولة أخيرة إمّا "للنجاح الكامل أو للخروج الكامل" بهدف تعزيز مسيرته السياسية.
تحوّل سباق العام 2004 لمجلس الشيوخ الأميركي في ولاية إلينوي إلى سباق مفتوح للجميع، وذلك خلال السنة السابقة لتلك الانتخابات عندما أعلن بيتر فيتزجرالد، الجمهوري الذي كان يشغل مقعداً في مجلس الشيوخ، أنه لن يسعى لإعادة انتخابه. تنافس سبعة مرشحين من الحزب الديمقراطي وثمانية من الحزب الجمهوري للفوز في الانتخابات التمهيدية لحزبيهما بالتسمية لعضوية مجلس الشيوخ. حصل أوباما بسهولة على تسمية الحزب الديمقراطي بفوزه بحصة من الأصوات بلغت 53 بالمئة، ففاقت ما حصل عليه منافسوه الستة مجتمعين.
مع احتفاظ الجمهوريين في ذلك الحين بأغلبية ضئيلة جداً في مجلس الشيوخ، كانت 51 مقعداً من أصل 100 مقعد، رأى الديمقراطيون في المنافسة على مقاعد مجلس الشيوخ في إلينوي معركة حرجة تؤثر على فرصهم لاستعادة الغالبية في مجلس الشيوخ في شهر تشرين الثاني/نوفمبر من تلك السنة (وبالفعل فإنهم لم يستعيدوا السيطرة على مجلس الشيوخ إلا في العام 2006). ولأن جون كيري كان يرغب في منح حملة أوباما دفعة إلى الأمام من خلال إعطائه دوراً بارزاً في المؤتمر الانتخابي للديمقراطيين، وبسبب القدرات الخطابية المعروفة لأوباما، والانطباع الجيد الذي تركه في نفس المرشح الديمقراطي للرئاسة، فقد حسم جون كيري قراره باختيار أوباما ليكون الخطيب الرئيسي في المؤتمر الديمقراطي الانتخابي.
خطاب أوباما، بلغته المصقولة، المُحلَّقة، حول الحاجة إلى تجاوز الانقسامات الحزبية، ودعوته إلى اتّباع "سياسات الأمل" بدلاً من "سياسات التشكيك"، أدى إلى أكثر بكثير من إثارة حماس الحاضرين في المؤتمر. فقد وضع هذا الخطاب أوباما تحت أضواء وسائل الإعلام القومية كنجم صاعد في الحزب الديمقراطي. فانطلق من هناك للفوز بسهولة في سباق مجلس الشيوخ في ذلك الخريف وحصل على نسبة ساحقة بلغت 70 بالمئة من الأصوات الشعبية. غير أنه ورغم الفوضى الكاملة تقريباً التي حلت بصفوف الجمهوريين في إلينوي تلك السنة التي ساهمت بدون شك في تحقيق تلك النسبة الساحقة من النجاح لأوباما، إلاّ أن انتصاره ظل حدثاً مؤثراً بعمق من حيث أنه فاز في 93 مقاطعة من المقاطعات الـ102 للولاية، وحصل على أصوات الناخبين البيض بما يزيد عن هامش اثنين إلى واحد.
كانت شهرة أوباما في كونه يمثل جيلاً جديداً من السياسيين قادراً على التغلب على الانقسامات العرقية التقليدية تتنامى باستمرار. ففي مقال عن سيرة أوباما نشر في صحيفة النيويوركر، وبعد أن لاحظ موهبة أوباما "المتمثلة في قدرته على الانزلاق بمهارة في لهجة محدثه"، قال الكاتب وليام فينينغان إن أوباما "يتحدث بمجموعة شاملة من اللهجات العامية الأميركية". قدم أوباما تفسيراته الخاصة لماذا يستطيع التواصل مع الناس البيض. فقال: "أنا أعرف هؤلاء الناس، انهم جديَّ وجدتي ... طبائعهم، حساسياتهم، شعورهم بما هو صح وخطأ، كلها أشياء مألوفة كلّياً لديّ."
في مجلس الشيوخ، جمع أوباما سجلاً انتخابياً يتماشى مع الجناح الليبرالي في الحزب الديمقراطي. انتقاده للحرب في العراق كان إحدى علاماته الفارقة ويعود إلى خطاب ألقاه في العام 2002، حتى قبل أن تبدأ الحرب، عندما حذر من أن أي عمل عسكري كهذا "سوف لن يستند إلى المبادئ بل إلى السياسة". كما عمل على تعزيز المعايير الأخلاقية في الكونغرس وتحسين العناية بالمحاربين القدامى وزيادة استعمال أنواع الوقود المتجدد.
الترشّح للرئاسة
كانت الحملة الانتخابية التمهيدية الطويلة للحزب الديمقراطي التي جرت في العام 2008، مع الانتخابات والاجتماعات الانتخابية الحزبية في كافة الولايات الخمسين، تاريخية من عدة جوانب. وإذا كان قد ترشح في السابق أميركيون من أصل إفريقي ونساء لمنصب الرئاسة، لكن في هذه المرة كان المرشحان المتقدمان هما امرأة وأميركي من أصل إفريقي. ومع بدء باراك أوباما وسبعة غيره من المتنافسين للفوز بتسمية الحزب الديمقراطي بتنظيم صفوفهم في العام 2007، كانت استطلاعات الرأي تصنف أوباما باستمرار كمرشح للرئاسة، في الموقع الثاني بعد المرشح المفضل المفترض، وهي عضو مجلس الشيوخ في ولاية نيويورك هيلاري كلينتون. غير أن أوباما حقق نجاحاً كبيراً في هذه المرحلة المبكرة من السباق بحشده كادرات من المؤيدين المتحمسين، وعلى وجه الخصوص بين الشباب، مما أوجد تنظيما رئيسيا للحملة على مستوى البلاد وبنية تحتية واسعة النطاق لجمع التبرعات عبر الإنترنت.
وحيث كانت كلينتون تتمتع بشهرة أكبر بفضل اسمها المعروف، وبآلية انتخابية جيدة التنظيم، وبدعم على مستوى الولايات من الزعماء الديمقراطيين، فقد صمم معسكر أوباما استراتيجية مبتكرة لإبطال مفعول هذه المزايا: استهداف الولايات التي تستخدم اجتماعات انتخابية حزبية بدلاً من الانتخابات التمهيدية العامة، والتركيز على الولايات الأصغر حجماً التي كانت تدلي بأصواتها تقليدياً لصالح الحزب الجمهوري في الانتخابات العامة. استغلت هذه المقاربة نظام التمثيل النسبي للحزب الديمقراطي، الذي يمنح الفائز في كل ولاية نسبة من أصوات مندوبي المؤتمر الانتخابي تتناسب تقريباً مع حصة ذلك المرشح من الأصوات الشعبية، وذلك خلافاً للنظام الجمهوري الذي يمنح أكثرية أو كل مندوبي المؤتمر إلى الفائز في كل ولاية.
نجحت هذه الاستراتيجية في أول اجتماع حزبي انتخابي في البلاد جرى في ولاية آَيوا في 3 كانون الثاني/يناير، 2008، عندما سجل أوباما انتصاراً غير متوقع على كلينتون. أدى الانتصار في آَيوا إلى تغيير قواعد اللعبة، كما وصفتها صحيفة الواشنطن بوست، إذ كتبت تقول: "الانتصار على كلينتون بدّل مجرى السباق من خلال تثبيت أوباما كمنافس رئيسي لكلينتون، وهو أصبح المرشح الوحيد الذي يحمل رسالة، وقدرات تنظيمية وموارد مالية لتحدي موقعها المتقدم كالمرشح الأول."
سجلت هذه الاستراتيجية نجاحاً ثانياً في "الثلاثاء العظيم"، حين جرت الانتخابات بالتزامن مع بعضها البعض في 22 ولاية في 5 شباط/فبراير، عندما تعادل أوباما مع كلينتون واكتسح بسهولة الولايات الريفية في الغرب والجنوب. كما أصابت هذه الاستراتيجية النجاح عندما تمكن أوباما من الانتصار في 10 منافسات انتخابية متتالية أخرى في شباط/فبراير، مرسخاً بذلك تقدماً في عدد المندوبين لم تتمكن كلينتون أبداً من اللحاق به.
رئاسة أوباما
باراك أوباما هو من بين أصغر الرؤساء الأميركيين سناً. ولد في نهاية جيل "طفرة المواليد" بعد الحرب العالمية الثانية (1946-1964)، كما انه أيضاً أول رئيس بلغ سن الرشد في الثمانينات من القرن الماضي، التي كان ينبغي التوقع ان تُشكِّل بحد ذاتها نذيراً تغييرياً. البيئة التي ترعرع فيها كانت مختلفة بشكل ملحوظ عن الستينات الصاخبة اجتماعياً، وهي السنوات التي كانت صاغت شخصية جيل طفرة المواليد الذي سبق جيل أوباما. وكما قال أوباما في إحدى المرات عن الانتخابات الرئاسية للعام 2000 وللعام 2004، التي تنافس فيها مرشحون من جيل سبق بكثير جيل ما بعد حرب فيتنام، فقال، "شعرت أحياناً كما لو كنت أراقب دراما نفسية لجيل طفرة المواليد، أي تلك القصة المتجذرة في الضغائن القديمة والمؤامرات الانتقامية التي جرى إعدادها في أحرام جامعات معدودة منذ وقت طويل، وكانت تنفذ الآن على المسرح القومي."
قدمت لاريسا مكفاركوهار من مجلة نيويوركر، نظرية حول الجاذبية الملحوظة لأوباما المتجاوزة للخطوط السياسية التقليدية، فكتبت تقول، "سِجل أوباما الانتخابي يشير إلى أنه من أشد الليبراليين في مجلس الشيوخ، ولكنه كان دائماً يحصل على إعجاب الجمهوريين ربما لأنه يتحدث حول الأهداف الليبرالية بلغة محافظة."
وأضافت تقول، "في نظرته للتاريخ، في احترامه للتقاليد، في يقينه بأن العالم لا يمكن أن يتغير بأي طريقة غير الطريقة البطيئة، البطيئة جداً، كان أوباما يعتبر محافظاً بعمق."
حطَّم الرئيس أوباما حدوداً جديدة في السياسات الأميركية. جاء ترشيحه في الوقت الدقيق الذي كان العديد من الأميركيين يعتقدون فيه أن بلادهم بحاجة إلى تحول أساسي في توجهاتها. من المحتمل أن بي جي ديون، المعلق السياسي في صحيفة الواشنطن بوست، قد عبّر بصورة ممتازة عن اللقاء التصادمي بين ترشيح أوباما وروح العصر الأميركي عندما كتب يقول:
"التغيير، وليس الخبرة، كان السمة الطاغية لليوم. النظرة الشاملة، وليس إجادة التفاصيل، كان الفضيلة الأكثر قيمة في خطابات الحملة الانتخابية. الانفصال الكامل عن الماضي، وليس فقط العودة إلى أيام أفضل، شكّل الوعد الأكثر جدارة للنضال من أجله