الديمقراطية
مرسل: الخميس ديسمبر 22, 2011 1:51 pm
سوف أبدأ حديثي بالقول إننا حين نتعامل مع مفهوم الديمقراطية فإننا نتعامل مع أحد أكثر المفاهيم مرونة، فهو كمفهوم واضح لا لَبس فيه من حيث دلالته أي من حيث الشكل ، إلا أنه يطرح إشكاليات متعددة عندما يتعلق الموضوع في طبيعة كل بلد على حدا أي من حيث البنية الثقافية والمعرفية والاجتماعية لكل مجتمع بما يعرف بالخصوصية .
وقد اعتدنا في علم الاجتماع على الحذر ومحاولة التعاطي بدقة فيما يتعلق بالمفاهيم والمصطلحات وذلك لأن نحت المفهوم في العلوم الاجتماعية لا يخلو في جانبه الأوسع من التأثر بما يسمى بالعامل الذاتي رغم المحاولات الجادة لتغليب العامل الموضوعي ، وعلى العموم هي إشكالية علمية يعاني منها هذا الاختصاص وهو ليس موضوع حديثنا إنما أردنا الإشارة إليه لننبه إلى صعوبة التعاطي علمياً مع المفاهيم ومنها الديمقراطية فمن الواضح اليوم أن الجميع متفق على الديمقراطية من حيث المبدأ لكن الاختلاف هو على قضايا تخص المرجعيات الأيديولوجية لكل طرف ، فالمسلمين مثلاً ينادون بالديمقراطية من حيث أن الإسلام يحمل في جوهره مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان ولكن بما لا يتعارض مع الشريعة وإن تعارض مع الآخرين وانتهك حقهم قي الاختلاف وهو الحق الأول الذي من المفترض أن يكفله نظام الحكم الديمقراطي .
فما هي الديمقراطية :
الديمقراطية لفظاً مشتقة من اليونانية ، وهي من اجتماع كلمتين الشق الأول من الكلمة DEMOS وتعني عامة الناس والشق الثاني من الكلمة KRATIA وتعني حكم فتصبح DEMOCRATIA أي حكم عامة الناس ( حكم الشعب ) .
والديمقراطية اصطلاحاً يمكن استخدامها بمعنى واسع لوصف مجتمع حر ، وكشكل من أشكال الحكم هي حكم الشعب لنفسه بصورة جماعية ، وعادة ما يكون ذلك عبر حكم الأغلبية وعن طريق نظام التصويت والتمثيل النيابي .
ولكن بالحديث عن المجتمع الحر فإن الديمقراطية تعني حكم الشعب لنفسه بصورة منفردة من خلال حق الملكية الخاصة والحقوق والواجبات المدنية ( الحريات والمسؤوليات الفردية ) وهو ما يعني توزيع السلطات من القمة إلى الأفراد المواطنين ، والسيادة بالفعل في المجتمع الحر هي للشعب ومنه تنتقل للحكومة وليس العكس .
إن مصطلح الديمقراطية بشكله الإغريقي القديم قد تم نحته في أثينا القديمة في القرن الخامس ق.م ، والديمقراطية الأثينية عموماً يُنظر لها على أنها من أولى الأمثلة التي تتطابق مع المفاهيم المعاصرة للحكم الديمقراطي .
إلا أن أولى أشكال الديمقراطية ظهرت في جمهوريات الهند القديمة والتي تواجدت في فترة القرن السادس ق.م ، ووفقاً للمؤرخين اليونانيين فإن دولتي ساباركايي وسامباستاي وذلك في القرن الرابع ق.م واللتان تعرفان اليوم بباكستان وأفغانستان فإن شكل الحكم فيهما كان ديمقراطياً وليس ملكياً .
ولنتطرق بإيجاز إلى أنواع الديمقراطية :
الديمقراطية المباشرة: وتسمى عادة بالديمقراطية النقية وهي نظام يصوت فيه الشعب على قرارات الحكومة مثل المصادقة على القوانين أو رفضها وتسمى بالمباشرة لأن الناس يمارسون بشكل مباشر سلطة صنع القرار من دون وسطاء أو نواب ينوبون عنهم .
الديمقراطية النيابية: وهي نظام سياسي يصوت فيه أفراد الشعب على اختيار أعضاء الحكومة الذين بدورهم يتخذون القرارات التي تتفق ومصالح الناخبين ، وتسمى بالنيابية لأن الشعب لا يصوت على قرارات الحكومة بل ينتخب نواباً يقررون عنهم ذلك.
وتشيع بين منظّري علم السياسة أربعة تصورات حول الديمقراطية :
1- ديمقراطية الحد من سلطة الأحزاب: وفق هذا النظام يمنح المواطنين القادة السياسيين الحق في ممارسة الحكم وإنتاج القوانين والسياسات عبر انتخابات دورية، فالمواطنين وفق هذا التصور لا يجب أن يحكموا لأنهم في معظم القضايا لا يملكون حولها فكرة واضحة .
2- المفهوم التجزيئي للديمقراطية: وتكون الحكومة على شكل نظام ينتج قوانين وسياسات قريبة من آراء الناخب الوسطي .
3- الديمقراطية الاستشارية: ويقول القائلون بهذا الرأي بأن القوانين والسياسات يجب أن تقوم على أسباب تكون مقبولة من كافة المواطنين وبأن الميدان السياسي يجب أن يكون ساحة لنقاشات القادة والمواطنين ليصغوا فيها لبعضهم ويغيروا آرائهم .
4- الديمقراطية التشاركية: وفيها يجب أن يشارك المواطنون مشاركة مباشرة لا من خلال نوابهم في وضع القوانين والسياسات.
الديمقراطية الليبرالية
في الاستخدام الشائع يتم الخلط خطأً بين الديمقراطية والديمقراطية الليبرالية، ولكن الديمقراطية الليبرالية هي بالتحديد شكل من أشكال الديمقراطية النيابية حيث السلطة السياسية للحكومة مقيدة بدستور يحدد بدوره حقوق وحريات الأفراد والأقليات (وتسمى كذلك الليبرالية الدستورية).
ولهذا يضع الدستور قيوداً على ممارسة إرادة الأغلبية.
أما الديمقراطية غير الليبرالية فهي التي لا يتم فيها احترام هذه الحقوق والحريات الفردية.
ويجب أن نلاحظ بأن بعض الديمقراطيات الليبرالية لديها صلاحيات لأوقات الطوارئ والتي تجعل هذه الأنظمة الليبرالية أقل ليبراليةً مؤقتاً إذا ما طُبقت تلك الصلاحيات(سواء كان من قبل الحكومة أو البرلمان أو عبر الاستفتاء).
الديمقراطية الاشتراكية
يمكن القول بأن الديمقراطية الاشتراكية مشتقة من الأفكار الاشتراكية والشيوعية في إطار تقدمي وتدريجي ودستوري.
العديد من الأحزاب الديمقراطية الاشتراكية في العالم توصلت - لأسباب أيديولوجية أو براغماتية - تبنت إستراتيجية التغيير التدريجي من خلال المؤسسات الموجودة أو من خلال سياسة العمل على تحقيق الإصلاحات عوضاً عن التغيير الثوري المفاجئ.
وعلى العموم فإن السمات المميزة للديمقراطية الاشتراكية هي :
- تنظيم الأسواق
- الضمان الاجتماعي ويعرف كذلك بدولة الرفاهية.
- مدارس حكومية و خدمات صحية ممولة أو مملوكة من قبل الحكومة.
- نظام ضريبي تقدمي.
وعلاوة على ذلك فبسبب الانجذاب الأيديولوجي أو لأسباب أخرى فإن غالبية الديمقراطيين الاشتراكيين يلتقون مع أنصار حماية البيئة و أنصار تعدد الثقافات و العلمانيين.
إن خلق نظام يستطيع فيه الشعب أن يستبدل الإدارة الحاكمة من دون تغيير الأسس القانونية للحكم سوف يؤدي إلى الاستقرار السياسي، وأيضاً معرفة المواطنين بأنه مع كل امتعاضهم من السياسات الحالية للحكومة فإنهم سيحصلون على فرص منتظمة لتغيير حكامهم أو تغيير السياسات التي لا تتفق وآرائهم سوف يؤدي إلى طمأنتهم وهذا أيضاً مدعاة للاستقرار، وفي مقابل ذلك نلاحظ أنه في الأنظمة الديكتاتورية سيحدث التغيير عبر اللجوء إلى العنف وذلك بسبب غياب الوسائل السلمية لتحقيق التغيير .
ومما لا شك فيه فإن ما توفره الديمقراطية من حرية للصحافة ومراقبة البرلمان للسلطة التنفيذية واستقلال القضاء واحترام حقوق الإنسان (السياسية ، الاجتماعية ، الاقتصادية ) ... الخ سوف تؤدي إلى انخفاض مستوى الفساد وانخفاض مستويات الفقر والمجاعة .
إن الحكم على دولة بالقول أنها ديمقراطية أو ليست كذلك يمكن اختصاره بنقاط واضحة وأساسية كوجود مجموعة تصنع القرار السياسي وفق شكل من أشكال الإجراء الجماعي ، وفي المجتمعات الديمقراطية المعاصرة هم البالغون من أفراد الشعب والبالغ يعد مواطناً عضواً في نظام الحكم ، مع التأكيد على احترام حقوق الأقليات الدينية والعرقية وصيانتها بالدستور والقوانين .
وأيضاً وجود إجراء خاص باتخاذ القرارات وهو قد يكون مباشراً كالاستفتاء أو غير مباشر كالانتخابات النيابية وأن يعترف الشعب بشرعية الإجراء المذكور ويتقبل نتائجه ، فالشرعية السياسية هي استعداد الشعب لتقبل قرارات الدولة وحكومتها ومحاكمها - في حالت الدولة الديمقراطية والحكومات المنتخبة - رغم إمكانية تعارضها مع الميول والمصالح الشخصية وهذا الشرط ضروري في النظام الديمقراطي ، سيام وان كل انتخابات فيها الرابح والخاسر .. وبنفس الوقت أن يكون الإجراء فعالاً بمعنى أنه يمكن بواسطته على الأقل تغيير الحكومة في حال وجود تأييد كاف لذلك .
إن الديمقراطية ثقافة مجتمع أكثر من كونها شكل للحكم ، ففي الوقت الذي يمكن فيه أن يكون للمجتمع الديمقراطي حكومة ديمقراطية فإن وجود حكومة ديمقراطية لا يعني بالضرورة وجود مجتمع ديمقراطي .
ومع انتشار مفهوم الديمقراطية في القرن العشرين واكتسابه إيحاءً إيجابياً في النصف الأخير منه دفع بالديكتاتوريين الشموليين إلى التشدق بدعم الديمقراطية وإجراء انتخابات معروفة النتائج سلفاً كما حصل في مصر في الانتخابات الرئاسية الأخيرة .
في المقابل فإن كل حكومات العالم تقريباً تدعي اليوم الديمقراطية ، وعلينا في الوقت نفسه أن نلاحظ بأن معظم الأيديولوجيات السياسية المعاصرة اشتملت ولو على دعم بالاسم على نوع من أنواع الديمقراطية بغض النظر عما تنادي به تلك الأيديولوجيات .
وهذا يدفعنا إلى التأكيد على اختلافات مهمة بين عدة أنواع من الديمقراطية ومنه الإشارة إلى أنه ليس كل ما أطلق عليه صفة الديمقراطية يحمل في طياته معنى فعال للديمقراطية .
وهنا أشير إلى أنه كل ما تطلق عليه الأحزاب الشمولية اسم الديمقراطية المركزية هو إقصاء لحرية التعبير والتعددية الفكرية والسياسية وتحميل معنى ضيق لمفهوم الديمقراطية .
وأكثر ما يمكن أن يعنينا من الديمقراطية هو امتلاك أساساً قانونياً يتيح الفصل بين السلطات ، ويتضمن الدستورية، أي حكم القانون، والذي يعني أن يكون لسلطة القيادات ومؤسسات الحكم حدود، وأن يكون فرض هذه الحدود ممكناً من خلال إجراءات قائمة ، بحيث يستطيع المجتمع من خلال مؤسسات القضاء محاكمة كل من يسمح لنفسه الاعتداء والإضرار بمصلحة المجتمع والمواطن .
وتتخذ اليوم الإدارة الأميركية على عاتقها نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط والعالم، واعتمدت الخيار العسكري لتحقيق هذا الإدعاء، ويرى البعض أن هذه الشعارات ليست أكثر من غطاء لمشاريع جديدة أرادت أميركا تسويقها للعالم بصيغة القوة أي الفرض وتهدف لتنفيذ مخططات استعمارية جديدة يأتي في مقدمتها إعادة رسم خارطة المنطقة بما يسوغ وجود إسرائيل وهذا ما عُرف بمشروع الشرق الأوسط الجديد، في حين يرى البعض الآخر مصداقية المشروع الأمريكي ويتفقون معه، ويذهب آخرون إلى تبنّيه والمساهمة في تحقيقه .
وبغض النظر عما تشكله هذه الدعوات فإننا لا نتفق مع من يوافقون على تبني التوجه الغربي لنشر الديمقراطية بالقوة العسكرية والتخلص من الأنظمة الديكتاتورية بالحروب التي يكون الخاسر الحقيقي فيها الشعوب، بل نؤكد على التغيير من الداخل حتى لو أخذ فترة طويلة لأنه الطريق الوحيد لتأسيس حالة صحية ديمقراطية لا تكون عرضية إنما نابعة من الإرادة الحرة والوعي السياسي للمواطنين .
وعموماً لم تشهد الديمقراطية حتى الآن تحقيقاً فعلياً لها فحتى في الدول الديمقراطية المتقدمة تلعب المصالح الشخصية - المشروع الأيديولوجي الأميركي اليوم مثلاً- والسياسات الضيقة التي لا تعنى سوى فئة محدودة ومرتبطة بغايات وأهداف معينة لا تتفق ومصالح المواطنين ، إنّ لم نقل أنها تتعارض وتتصادم مع رأي الأغلبية والأمثلة على ذلك واضحة ، مما يمكّننا من القول و حسب قراءة سريعة للأحداث منذ انهيار الاتحاد السوفييتي ومع بداية القرن الجديد تحديدا أنه حصل تراجع كبير للديمقراطية في أكثر وأكبر البلدان تبنياً لها ، هذا عدا عن الانتهاكات والتلاعب ، وبالإضافة إلى ذلك محاولة تغييب الرأي العام من خلال السيطرة على وسائل الإعلام وتصدير الدعايات الكاذبة كما حصل في حالة العراق ، وما يحصل من تشويه وتلفيق لشعوب العالم وحضاراته .
إن إشكالية الديمقراطية في العالم ليست في المقام الأول نظرية وإنما في التطبيق والممارسة ، وهذه الإشكالية نستطيع أن نعممها على جميع مظاهر الحياة الإنسانية ، فكثيرة هي المبادئ والأفكار والقيم التي تتغنى بها الإنسانية ، ولكن وليس كحكم مطلق أين هي من التطبيق ..... ؟
و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق.
وقد اعتدنا في علم الاجتماع على الحذر ومحاولة التعاطي بدقة فيما يتعلق بالمفاهيم والمصطلحات وذلك لأن نحت المفهوم في العلوم الاجتماعية لا يخلو في جانبه الأوسع من التأثر بما يسمى بالعامل الذاتي رغم المحاولات الجادة لتغليب العامل الموضوعي ، وعلى العموم هي إشكالية علمية يعاني منها هذا الاختصاص وهو ليس موضوع حديثنا إنما أردنا الإشارة إليه لننبه إلى صعوبة التعاطي علمياً مع المفاهيم ومنها الديمقراطية فمن الواضح اليوم أن الجميع متفق على الديمقراطية من حيث المبدأ لكن الاختلاف هو على قضايا تخص المرجعيات الأيديولوجية لكل طرف ، فالمسلمين مثلاً ينادون بالديمقراطية من حيث أن الإسلام يحمل في جوهره مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان ولكن بما لا يتعارض مع الشريعة وإن تعارض مع الآخرين وانتهك حقهم قي الاختلاف وهو الحق الأول الذي من المفترض أن يكفله نظام الحكم الديمقراطي .
فما هي الديمقراطية :
الديمقراطية لفظاً مشتقة من اليونانية ، وهي من اجتماع كلمتين الشق الأول من الكلمة DEMOS وتعني عامة الناس والشق الثاني من الكلمة KRATIA وتعني حكم فتصبح DEMOCRATIA أي حكم عامة الناس ( حكم الشعب ) .
والديمقراطية اصطلاحاً يمكن استخدامها بمعنى واسع لوصف مجتمع حر ، وكشكل من أشكال الحكم هي حكم الشعب لنفسه بصورة جماعية ، وعادة ما يكون ذلك عبر حكم الأغلبية وعن طريق نظام التصويت والتمثيل النيابي .
ولكن بالحديث عن المجتمع الحر فإن الديمقراطية تعني حكم الشعب لنفسه بصورة منفردة من خلال حق الملكية الخاصة والحقوق والواجبات المدنية ( الحريات والمسؤوليات الفردية ) وهو ما يعني توزيع السلطات من القمة إلى الأفراد المواطنين ، والسيادة بالفعل في المجتمع الحر هي للشعب ومنه تنتقل للحكومة وليس العكس .
إن مصطلح الديمقراطية بشكله الإغريقي القديم قد تم نحته في أثينا القديمة في القرن الخامس ق.م ، والديمقراطية الأثينية عموماً يُنظر لها على أنها من أولى الأمثلة التي تتطابق مع المفاهيم المعاصرة للحكم الديمقراطي .
إلا أن أولى أشكال الديمقراطية ظهرت في جمهوريات الهند القديمة والتي تواجدت في فترة القرن السادس ق.م ، ووفقاً للمؤرخين اليونانيين فإن دولتي ساباركايي وسامباستاي وذلك في القرن الرابع ق.م واللتان تعرفان اليوم بباكستان وأفغانستان فإن شكل الحكم فيهما كان ديمقراطياً وليس ملكياً .
ولنتطرق بإيجاز إلى أنواع الديمقراطية :
الديمقراطية المباشرة: وتسمى عادة بالديمقراطية النقية وهي نظام يصوت فيه الشعب على قرارات الحكومة مثل المصادقة على القوانين أو رفضها وتسمى بالمباشرة لأن الناس يمارسون بشكل مباشر سلطة صنع القرار من دون وسطاء أو نواب ينوبون عنهم .
الديمقراطية النيابية: وهي نظام سياسي يصوت فيه أفراد الشعب على اختيار أعضاء الحكومة الذين بدورهم يتخذون القرارات التي تتفق ومصالح الناخبين ، وتسمى بالنيابية لأن الشعب لا يصوت على قرارات الحكومة بل ينتخب نواباً يقررون عنهم ذلك.
وتشيع بين منظّري علم السياسة أربعة تصورات حول الديمقراطية :
1- ديمقراطية الحد من سلطة الأحزاب: وفق هذا النظام يمنح المواطنين القادة السياسيين الحق في ممارسة الحكم وإنتاج القوانين والسياسات عبر انتخابات دورية، فالمواطنين وفق هذا التصور لا يجب أن يحكموا لأنهم في معظم القضايا لا يملكون حولها فكرة واضحة .
2- المفهوم التجزيئي للديمقراطية: وتكون الحكومة على شكل نظام ينتج قوانين وسياسات قريبة من آراء الناخب الوسطي .
3- الديمقراطية الاستشارية: ويقول القائلون بهذا الرأي بأن القوانين والسياسات يجب أن تقوم على أسباب تكون مقبولة من كافة المواطنين وبأن الميدان السياسي يجب أن يكون ساحة لنقاشات القادة والمواطنين ليصغوا فيها لبعضهم ويغيروا آرائهم .
4- الديمقراطية التشاركية: وفيها يجب أن يشارك المواطنون مشاركة مباشرة لا من خلال نوابهم في وضع القوانين والسياسات.
الديمقراطية الليبرالية
في الاستخدام الشائع يتم الخلط خطأً بين الديمقراطية والديمقراطية الليبرالية، ولكن الديمقراطية الليبرالية هي بالتحديد شكل من أشكال الديمقراطية النيابية حيث السلطة السياسية للحكومة مقيدة بدستور يحدد بدوره حقوق وحريات الأفراد والأقليات (وتسمى كذلك الليبرالية الدستورية).
ولهذا يضع الدستور قيوداً على ممارسة إرادة الأغلبية.
أما الديمقراطية غير الليبرالية فهي التي لا يتم فيها احترام هذه الحقوق والحريات الفردية.
ويجب أن نلاحظ بأن بعض الديمقراطيات الليبرالية لديها صلاحيات لأوقات الطوارئ والتي تجعل هذه الأنظمة الليبرالية أقل ليبراليةً مؤقتاً إذا ما طُبقت تلك الصلاحيات(سواء كان من قبل الحكومة أو البرلمان أو عبر الاستفتاء).
الديمقراطية الاشتراكية
يمكن القول بأن الديمقراطية الاشتراكية مشتقة من الأفكار الاشتراكية والشيوعية في إطار تقدمي وتدريجي ودستوري.
العديد من الأحزاب الديمقراطية الاشتراكية في العالم توصلت - لأسباب أيديولوجية أو براغماتية - تبنت إستراتيجية التغيير التدريجي من خلال المؤسسات الموجودة أو من خلال سياسة العمل على تحقيق الإصلاحات عوضاً عن التغيير الثوري المفاجئ.
وعلى العموم فإن السمات المميزة للديمقراطية الاشتراكية هي :
- تنظيم الأسواق
- الضمان الاجتماعي ويعرف كذلك بدولة الرفاهية.
- مدارس حكومية و خدمات صحية ممولة أو مملوكة من قبل الحكومة.
- نظام ضريبي تقدمي.
وعلاوة على ذلك فبسبب الانجذاب الأيديولوجي أو لأسباب أخرى فإن غالبية الديمقراطيين الاشتراكيين يلتقون مع أنصار حماية البيئة و أنصار تعدد الثقافات و العلمانيين.
إن خلق نظام يستطيع فيه الشعب أن يستبدل الإدارة الحاكمة من دون تغيير الأسس القانونية للحكم سوف يؤدي إلى الاستقرار السياسي، وأيضاً معرفة المواطنين بأنه مع كل امتعاضهم من السياسات الحالية للحكومة فإنهم سيحصلون على فرص منتظمة لتغيير حكامهم أو تغيير السياسات التي لا تتفق وآرائهم سوف يؤدي إلى طمأنتهم وهذا أيضاً مدعاة للاستقرار، وفي مقابل ذلك نلاحظ أنه في الأنظمة الديكتاتورية سيحدث التغيير عبر اللجوء إلى العنف وذلك بسبب غياب الوسائل السلمية لتحقيق التغيير .
ومما لا شك فيه فإن ما توفره الديمقراطية من حرية للصحافة ومراقبة البرلمان للسلطة التنفيذية واستقلال القضاء واحترام حقوق الإنسان (السياسية ، الاجتماعية ، الاقتصادية ) ... الخ سوف تؤدي إلى انخفاض مستوى الفساد وانخفاض مستويات الفقر والمجاعة .
إن الحكم على دولة بالقول أنها ديمقراطية أو ليست كذلك يمكن اختصاره بنقاط واضحة وأساسية كوجود مجموعة تصنع القرار السياسي وفق شكل من أشكال الإجراء الجماعي ، وفي المجتمعات الديمقراطية المعاصرة هم البالغون من أفراد الشعب والبالغ يعد مواطناً عضواً في نظام الحكم ، مع التأكيد على احترام حقوق الأقليات الدينية والعرقية وصيانتها بالدستور والقوانين .
وأيضاً وجود إجراء خاص باتخاذ القرارات وهو قد يكون مباشراً كالاستفتاء أو غير مباشر كالانتخابات النيابية وأن يعترف الشعب بشرعية الإجراء المذكور ويتقبل نتائجه ، فالشرعية السياسية هي استعداد الشعب لتقبل قرارات الدولة وحكومتها ومحاكمها - في حالت الدولة الديمقراطية والحكومات المنتخبة - رغم إمكانية تعارضها مع الميول والمصالح الشخصية وهذا الشرط ضروري في النظام الديمقراطي ، سيام وان كل انتخابات فيها الرابح والخاسر .. وبنفس الوقت أن يكون الإجراء فعالاً بمعنى أنه يمكن بواسطته على الأقل تغيير الحكومة في حال وجود تأييد كاف لذلك .
إن الديمقراطية ثقافة مجتمع أكثر من كونها شكل للحكم ، ففي الوقت الذي يمكن فيه أن يكون للمجتمع الديمقراطي حكومة ديمقراطية فإن وجود حكومة ديمقراطية لا يعني بالضرورة وجود مجتمع ديمقراطي .
ومع انتشار مفهوم الديمقراطية في القرن العشرين واكتسابه إيحاءً إيجابياً في النصف الأخير منه دفع بالديكتاتوريين الشموليين إلى التشدق بدعم الديمقراطية وإجراء انتخابات معروفة النتائج سلفاً كما حصل في مصر في الانتخابات الرئاسية الأخيرة .
في المقابل فإن كل حكومات العالم تقريباً تدعي اليوم الديمقراطية ، وعلينا في الوقت نفسه أن نلاحظ بأن معظم الأيديولوجيات السياسية المعاصرة اشتملت ولو على دعم بالاسم على نوع من أنواع الديمقراطية بغض النظر عما تنادي به تلك الأيديولوجيات .
وهذا يدفعنا إلى التأكيد على اختلافات مهمة بين عدة أنواع من الديمقراطية ومنه الإشارة إلى أنه ليس كل ما أطلق عليه صفة الديمقراطية يحمل في طياته معنى فعال للديمقراطية .
وهنا أشير إلى أنه كل ما تطلق عليه الأحزاب الشمولية اسم الديمقراطية المركزية هو إقصاء لحرية التعبير والتعددية الفكرية والسياسية وتحميل معنى ضيق لمفهوم الديمقراطية .
وأكثر ما يمكن أن يعنينا من الديمقراطية هو امتلاك أساساً قانونياً يتيح الفصل بين السلطات ، ويتضمن الدستورية، أي حكم القانون، والذي يعني أن يكون لسلطة القيادات ومؤسسات الحكم حدود، وأن يكون فرض هذه الحدود ممكناً من خلال إجراءات قائمة ، بحيث يستطيع المجتمع من خلال مؤسسات القضاء محاكمة كل من يسمح لنفسه الاعتداء والإضرار بمصلحة المجتمع والمواطن .
وتتخذ اليوم الإدارة الأميركية على عاتقها نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط والعالم، واعتمدت الخيار العسكري لتحقيق هذا الإدعاء، ويرى البعض أن هذه الشعارات ليست أكثر من غطاء لمشاريع جديدة أرادت أميركا تسويقها للعالم بصيغة القوة أي الفرض وتهدف لتنفيذ مخططات استعمارية جديدة يأتي في مقدمتها إعادة رسم خارطة المنطقة بما يسوغ وجود إسرائيل وهذا ما عُرف بمشروع الشرق الأوسط الجديد، في حين يرى البعض الآخر مصداقية المشروع الأمريكي ويتفقون معه، ويذهب آخرون إلى تبنّيه والمساهمة في تحقيقه .
وبغض النظر عما تشكله هذه الدعوات فإننا لا نتفق مع من يوافقون على تبني التوجه الغربي لنشر الديمقراطية بالقوة العسكرية والتخلص من الأنظمة الديكتاتورية بالحروب التي يكون الخاسر الحقيقي فيها الشعوب، بل نؤكد على التغيير من الداخل حتى لو أخذ فترة طويلة لأنه الطريق الوحيد لتأسيس حالة صحية ديمقراطية لا تكون عرضية إنما نابعة من الإرادة الحرة والوعي السياسي للمواطنين .
وعموماً لم تشهد الديمقراطية حتى الآن تحقيقاً فعلياً لها فحتى في الدول الديمقراطية المتقدمة تلعب المصالح الشخصية - المشروع الأيديولوجي الأميركي اليوم مثلاً- والسياسات الضيقة التي لا تعنى سوى فئة محدودة ومرتبطة بغايات وأهداف معينة لا تتفق ومصالح المواطنين ، إنّ لم نقل أنها تتعارض وتتصادم مع رأي الأغلبية والأمثلة على ذلك واضحة ، مما يمكّننا من القول و حسب قراءة سريعة للأحداث منذ انهيار الاتحاد السوفييتي ومع بداية القرن الجديد تحديدا أنه حصل تراجع كبير للديمقراطية في أكثر وأكبر البلدان تبنياً لها ، هذا عدا عن الانتهاكات والتلاعب ، وبالإضافة إلى ذلك محاولة تغييب الرأي العام من خلال السيطرة على وسائل الإعلام وتصدير الدعايات الكاذبة كما حصل في حالة العراق ، وما يحصل من تشويه وتلفيق لشعوب العالم وحضاراته .
إن إشكالية الديمقراطية في العالم ليست في المقام الأول نظرية وإنما في التطبيق والممارسة ، وهذه الإشكالية نستطيع أن نعممها على جميع مظاهر الحياة الإنسانية ، فكثيرة هي المبادئ والأفكار والقيم التي تتغنى بها الإنسانية ، ولكن وليس كحكم مطلق أين هي من التطبيق ..... ؟
و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق.