منتديات الحوار الجامعية السياسية

خاص بالمشكلات السياسية الدولية
By عبدالعزيز العمر
#45146
ما يكشف عن شخصية الرجل الذي حكم العراق بصفته رئيسا للوزراء ووزيرا للدفاع وقاد مباحثات للحد من سيطرة شركات النفط الاجنبية وشرع ببناء مساكن للفقراء واسس مشاريع ستراتيجية كبيرة بعضها افتتحها بنفسه واخرى افتتحت بعده واسهم بوضع الاسس لخطط طموحة ترفع من دخل المواطن وتهيىء له عيشا كريما ،ولم ياخذ عبد الكريم من المال العام فلسا واحدا بل كان يوزع راتبه بين الارامل والفقراء ليعود الى اخيه حامد ويطلب منه الدعم المالي.

شتم أخت الزعيم
مؤيد محمد صالح ابن اخت الزعيم مواليد 1944 حاليا خبير رياضي وسابقا مدرب كرة قدم، استشهد اخيه الملازم الطيار طارق يوم 8 شباط 1963 خلال مجابهة الانقلابيين لاسقاط مبنى وزارة الدفاع في الباب المعظم.
ويروي مؤيد حادثة سيارة الاجرة التي وقعت عام 1960 قال صالح بان خاله كان رحوما لا يرغب بمعاقبة الاخرين مهما كانت جسامة عملهم وخطرها.
واوضح انه كان ينقل والدته من منطقة المهدية في الفضل الى دارهم في بغداد الجديدة واستاجر سيارة اجرة لهذا الامر حيث جلس بجانب السائق واجلس والدته في المقعد الخلفي، يقول صالح «عندما انطلقت السيارة فتح الســــائق المذياع واذا ببرنامج - اهدافنا في خطب الزعيم، وهو برنامج مخصص للخطب السياسية للزعيم عبد الكريم، فما كان من السائق الا ان يغلق المذياع مستنكرا واطلق
كلمات سب وشتم تمس اخت الزعيم التي كانت جالسة في الخلف، في هذا الوقت أشرت لوالدتي
بالسكوت الا اني كنت اغلي في داخلي لان السب والشتم كان يمسني، وحين وصلنا بغداد الجديدة انزلت والدتي وبقيت في سيارة الاجرة بحجة عدم وجود قطع نقدية صغيرة، وطلبت من سائق التكسي ان يقلني الى اي دكان بقصد تصريف ورقة العشرة دنانير، فمررنا بالقرب من مركز شرطة بغداد الجديدة وطلبت منه التوقف ونزلت وقلت له انك شتمت اخت الزعيم عبد الكريم التي كانت جالسة خلفك وانا الان اشتكي عليك في مركز الشرطة وقدمت شكوى ضده وتعرض للتوقيف» .
واضاف «في اليوم الثاني وفيما كنت اتدرب في ملعب الامانة الواقع في معسكر الرشيد قدمت سيارة عسكرية وفيها احد مرافقي خالي الذي طلب مني مرافقته الى وزارة الدفاع لان الزعيم يرغب برؤيتي، وكان خالي عندما تشتد الامور ولايمكنه النزول يرسل
علينا نحن اولاد اخته واخاه لاجل نقل ملابسه او تنفيذ اعمال لايمكن ان يقوم بها الا المقربون منه، وصلت وزارة الدفاع في باب المعظم ودخلت غرفة مدير مكتبة احمد صالح العبدي الذي اخبرني ان خالي زعلان علي وهو يريدني الا انه الان في اجتماع وطلب مني الانتظار، وعندما انتهى الاجتماع دخلت على الزعيم ورأيت الغضب في وجهه ،وكنت احترمه واجله لانه كان دائما يوجهنا ويعاقبنا اذا اخطأنا وقال لي منذ متى وانت توقف الناس في مراكز الشرطة»؟.
اجبته «انه سب وشتم والدتي « فقام وضربني صفعة قوية رماني بها على كرسي الضيوف ،وقال «ساوقفك مكانه» لاننا لسنا قمعيين ولن نقوم بسجن اي مواطن «، وخرجت وجلست في غرفة احمد العبدي وبعد برهة قدم خالي وجلب معه قنينة سينالكو وقبلني وقال لي «ابني هذا المواطن يخرج من الصباح حتى المساء يعمل ويكد ليطعم اولاده فلا يجوز لنا ان نسجنه لانه كادح « واضاف «نحن عملنا ثورة لنرفه عن المواطنين لا لسجنهم وقمعهم».
بعدها علمت ان سائق سيارة الاجرة احيل من مركز شرطة بغداد الجديدة الى مديرية الامن العامة وكان مديرها العميد مجيد جليل وهو صديق الزعيم الذي اخبره في اليوم التالي بالحادث .

شارع الرشيد

*وهل تختزن ذاكرتك شيئا عن محاولة اغتيال الزعيم في شارع الرشيد تشرين الاول 1959؟.
- عندما ضربته مجموعة عبد الوهاب الغريري في شارع الرشيد، اخذت والدتي الى مستشفى السلام في العلوية حيث يرقد وكنا نشق طريقنا بصعوبة بين الجماهير المحتشدة حول المستشفى، الا ان بعض الضباط عرفوا بنا وادخلونا الى غرفة الزعيم، وعندما راته والدتي والرصاص مستقر في جسمة اخذت تبكي وقالت له «كرومي شفت الرحمة مالتك اشـــــــسوت بيك».
واجابها «لا تخافي هؤلاء اولادنا وزعلوا علينا».
ومن خلال معايشتي للاحداث التي مر بها خالي اود القول انه قبل ان يكون رئيسا للوزراء كان شديدا ومهنيا وعسكريا صارما الا انه عندما تسنم رئاسة الوزراء ووزارة الدفاع طغت عليه الرحمة والرافة ما جعل اعداؤه يطمعون بازاحته ،وقد كان همه الاول والاخير هو بناء دولة على اسس صحيحة وليس بناء سلطة.

الرؤوس الكبيرة

ابن اخت الزعيم المدرس المتقاعد رعد عبد الجبار جواد مواليد 1948، بين ان الرأفة التي سيطرت على الزعيم خلال تسنمه رئاسة الوزراء ووزارة الدفاع وعدم الحزم في تنفيذ العقوبات بحق المشاغبين كانت تؤجج الخلافات بينه وبين والدي اللواء المتقاعد عبد الجبار جواد ،مشيرا الى ان الزعيم كان يزور دارنا بشكل مستمر للاطمئنان على اخته وزوجها واحيانا للاستشارة، وكان والدي معارضا لاصدار العفو عن المشاغبين والمثيرين لاحداث اضراب البنزين عام 1961 وعندما قدم خالي لزيارتنا كان والدي يعاتب الزعيم على هذا الامر وسمعته يقول له «ان هؤلاء الشباب مخدوعون، ولا فائدة من سجنهم، علينا ان نبحث عن الرؤوس الكبيرة التي تسيرهم « في حينها والدتي قالت له «كرومي الحجار الي متعجبك تفشخك».
وعبر عن اعتقاده بان عدم الحزم والتساهل مع القوى المضادة التي كانت تحاول ان تقلب نظام الحكم انذاك، وعدم اتخاذ الاجراء المناسب هي السبب في تطاول القوى المضادة واسقاط الجمهورية الوليدة.
ويذكر الاستاذ رعد عبد الجبار انه غالبا ما كان يزور دار الزعيم الواقعة قرب الجندي المجهول -السابق- والذي كان يحتوي على اثاث بسيط حصيرة عادية ثلاجة وستنكهاوس وتلفزيون وسرير عسكري، طبعا الدار كانت مؤجرة من دائرة الاموال المجمدة منذ عام 1956 ولم يزد على اثاث داره اي شيء ولم يخصص من اموال الحكومة اي دينار لتاثيثه.
وقال» في هذا المجال -اوكد ان راتبه كان 180 دينارا فقط وهو راتب الرتبة العسكرية ولم ياخذ اي مخصصات على كونه رئيسا للوزراء او وزيرا للدفاع، وعند وفاته في 8 شباط كان المتبقي من راتبه دينارا وربع الدينار، اي ان راتبه كان يوزعه بين المتعففين والفقراء والمساكين ،حيث عثر في جيبه على قائمة باسماء الذين يقدم لهم المعونة الشهرية من راتبه .

الزعيم مطلوب 13 دينارا

واضاف رعد « في عام 1970 راجعت دائرة الهاتف في العلوية وكان مديرها من اصدقاء العائلة، وعندما وصلت المعاملة له اخبرني ان خالي عبد الكريم مطلوب 13 دينار الى الدائرة والمعاملة باقية حتى الان وسألني هل تريد ان تطفئ الدين، فاجبته نعم حيث دفعت والدتي المبلغ واطفأت دين اخيها.

التهيئة لزواج الزعيم

وقد يتساءل معاصرو الزعيم عبد الكريم قاسم لماذا لم يتزوج وهـو متمكن من ذلك؟.
ابن اخ الزعيم، عبد الله حامد قاسم مواليد 1948 ، كشف جزءا من الجواب حيث قال ان ابي وعمي عبد اللطيف وعماتي الاثنتين ووالدتي وهي ابنة عم الزعيم عرضوا ان يتزوج منذ كان ضابطا وبرتبة صغيرة الا انه لم يرغب لكثرة انشغاله
وسفره ومسؤولياته والدورات التي كان يشارك بها، وبعد 1958 عاد اخوته واخواته
الطلب لتزويجه الا انه كان يقول بان الشعب هم اولاده واخوانه واهله وان انشغاله بخدمة الشعب تبعده عن التفكير بالزواج، وخلال عام 1963 كانت هناك بوادر
لتهيئة داره الذي خصص له في منطقة زيونة مع باقي الضباط لان يكون مسكنا لعائلة واطفال ،موضحا ان الاثاث الذي كان الاهل يتحدثون عنه في ذلك الوقت منحني انطباعا عن ان مشروع خطوبة خالي قريبة جدا الا ان حدوث الانقلاب منع تحقيق ذلك.

تغطية مصروفات الزعيم

واضاف»ان عمي عبد الكريم كان لايغيب عنا اكثر من ثلاثة ايام واحيانا يدخل دارنا لاخذ قسط من الراحة خلال فترة الظهر حيث كنا نسكن كرادة مريم
وحاليا المنطقة الخضراء، وفي احد ايام رمضان عام 1963 دخل عمي دارنا ووجد سجادة جديدة مركونة في احد جوانب الدار وقال لوالدتي هل تستخدمون هذه السجادة في الوقت الحاضر، فاخبرته والدتي بعدم استخدامها، فطلبها عمي له وقال لها بالحرف الوحد وكما سمعت»اريد ان استعيرها لافرشها في غرفة الاستفبال – داره قرب الجندي المجهول- لان عيد الفطــــــــر قادم وسيأتي الاصدقاء والضباط
لتهنئتي بهذه المناسبة وارغب ان تكون غرفة الاستقبال مناســـــبة، وحمل السجادة ووضعها في غرفة الاستقبال الا انه خلال انقلاب 8 شــــباط تم نهب دار الزعيم وكــــانت الســـجادة من ضمن المنهوبات.
واكـــد انه كان يطلب من والده حامد – كان يعمل تاجرا للحبوب – مبالغ مالية.
يقول عبد الله»ان والدي كان يقول له -كرومي راتبك وين اتودينه؟، انت رئيس الوزراء والناس تاخذ منك « فيقاطعه ويقول له «واني اخذ من اخوية الكبير»، ويضحكون ويعطيه ابي ما يحتاجه.
وبين ان عمي عبد الكريم كان يوزع راتبه بين الفقراء والمحتاجين والارامل وكان يصرف من راتبه ولا ياخذ من مبالغ الحكومة.
وان والدي كان يرعى الزعيم ويلبي طلباته ومصاريفه منذ صغره، لانه كان تاجرا ومتمكنا ،وعندما شارك عمي بدورة الضباط الاقدمين في خمسينيات القرن الماضي التي اقيمت في بريطانيا كان والدي يرسل له مصاريفه عن طريق مصرف الرافدين حيث كان والدي يحتفظ بالوصولات لسنوات طويلة.
السعيد وعبد الكريم

المهندس طلال عبد الجبار جواد ابن اخت الزعيم كان صغيرا ايام ثورة 14 تموز ولم تختزن ذاكرته كثير من الوقائع عن خاله الزعيم الا انه كان يسمع حكايات من والدته ووالده عن وقائع واحداث جرت قبل وبعد الثورة منها سبب تعلق نوري السعيد بعبد الكريم فاسم.
يوضح المهندس طلال ان نوري السعيد باعتباره ضابطا كان معجبا بعبد الكريم قاسم لشجاعة وبسالته في تنفيذ الواجب اضافة الى كونه من الضباط المتميزين حيث حصل على درجات متميزة في دورات عسكرية اقيمت ببرطانيا ،وان قاسم لم يفشل في تنفيذ اي واجب اسند اليه اضافة الى كون اول قائد للقوة الجوية العراقية ومؤسسها محمد علي جواد ابن عمة قاسم والذي كان يحظى بصداقة متينة مع العائلة الملكية والملك غازي على وجه الخصوص اذ بلغ الامر انه تم الاحتفال بمناسبة عيد ميلاد الملك فيصل الثاني في دار محمد علي جواد كون ان العائلة الملكية كانت منشغلة بمناسبة حزينة اذ كان محمد متزوجا من احدى اخوات الملك غازي.
وبين ان قائد القوة الجوية اغتيل في الموصل مع الفريق بكر صدقي رئيس اركان الجيش عام 1937 وكان من اشجع الطيارين العراقيين وكانت العائلة المالكة تقدره بشــــــكل كبير وكذلك اقرباؤه.
وعلى هذا الاساس كان نوري السعيد يقدر عاليا عبد الكريم قاسم وان عبد الكريم قاسم لم يكن معاديا لاشخاص
الملوك ووزرائهم وانما لم يكن راضيا عن النهج الذي انتهجوه وتفضيل الانكليز وعدم اهتمامهم بالشعب وفقرائه حيث كان 70 بالمائة من الشعب هم عبيد للاقطاع الى جانب سيطرة شركات النفط على ثروات البلاد.
وتابع ان الزعيم ذكر في اكثر من خطبه ان الاصلاحات التي نفذتها الحكومة الملكية لم تثمر، وانها لو اثمرت لما تم تنفيذ الثورة، واشار في خطب اخرى الى ان القرار السياسي كان بيد السفير البريطاني ببغداد وان المصلحة الوطنية كانت
غائبة وكان التفضيل لمصالح بريطانيا، لذا فان الزعيم وخلال سنوات حكمة نفذ مشاريع اسكانية ضخمة في مناطق الزعفرانية والاسكان والثورة والشعلة والسكك والالف دار، وقناة الجيش التي قام بتنفيذها ضباط وجنود الدائرة الهندسية في الجيش العراقي وسميت باسم الجيش تخليدا لدوره في شق القناة وانقاذ بغداد من الغرق.

المفاوضات مع شركات النفط

وعن المفاوضات مع شركات النفط والتي تمخضت عن اصدار قانون رقم 80 اوضح المهندس طلال» نشر احمد فوزي عبد الجبار في كتابه «قاسم والنفط» الصادر في ثمانينيات القرن الماضي وثيقة سرية صادرة من جهاز المخابرات المصرية تدعي ان هناك اتصالا مباشرا بين الزعيم عبد الكريم قاسم ورئيس مفاوضي شركات النفط «هيدرج» وتضمنت الوثيقة المصرية ان الزعيم يطلب من هيدرج بان يخفف الضغط عليه خلال المباحثات وان لايحرجه امام الوفد العراقي وانه – قاسم- صديق لبريطانيا ويطلب منه بعض الوقت لتسوية الامور».
واشار طلال»خلال وجودي في بريطانيا لغرض الدراسة في ثمانينيات القرن الماضي راسلت انا وصديق لي في كلية الهندسة جامعة كلمورغن – ويلز - مكتب هيدرج بشكل مباشر واخبرناه على نص الوثيقة المصرية وبعد فترة وجيزة
وصلنا الجواب منه شخصيا وبتوقيعه وباسلوب مهذب، وقال هيدرج «انه لا تربطه اية علاقة او مراسلات شخصية خاصة مع الزعيم عبد الكريم خارج المباحثات الرسمية وما ذكر في وثيقة المخابرات المصرية هو كذب وليس له اي مصداقية واشكركم على جهودكم في البحث عن الحقيقة، وهذا يكشف مدى زيف التيارات القومية المصرية للنيل من الزعيم واخلاصه للحصول على حقوق شعبه.وتابع» ان الزعيم في اول لقاء مع وفد شركات النفط المفاوضه نقلهم الى مناطق خلف السدة الشرقية حيث الصرائف ودور المعدمين والكادحين والهاربين من نير الاقطاع، بحيث ان اعضاء الوفد المفاوض وضعوا مناديلهم على انوفهم من هول الروائح النتنة المنبعثة من المياه الاسنة والفضلات والنفايات، حينها التفت الزعيم اليهم واخبرهم «باسم هؤلاء سابدأ المباحثات معكم من اجل حقوقهم وبناء مساكن للمعدمين سابدأ المفاوضات «.

النزاهة والزعيم