- الجمعة ديسمبر 23, 2011 1:14 pm
#45298
في مسعى مأمول للحفاظ على توازن ورضا، تفكر إشغال ذهنها بأشياء تبعدها تماماً عن اضطرام حال يسودها...كأن تعيد ترتيب أثاث الدار، أو تدهن جدار بلون بهيج، ومن حين لآخر تراودها فكرة اقتناء قطة...هناك أمور كثيرة يمكن فعلها، الاعتناء بأصص النباتات مثلاً، يمكن أن يشغل وقتها أيضاً...غير أنها تقبع في الدار ولا تحسن سوى التأمل...يزعم متحذلقون بأن المرأة حين فروغها من علاقة عاطفية، تقرر تغيير حياتها تماماً، أما المثقفة فتحاول كتابة قصائد وربما تأليف رواية...وغيرها، تقص شعرها، و لا تتوانى في تبديل مظهرها والتخلص من ملابس قديمة نام عليها عطر ذكرى، إلاّ أنها لحد اللحظة لم تؤلف رواية، ولم يزل شعرها طويلاً.
ما انفك الشوق يطاردها، هاهي الآن تصبو اليه ثانية وعاشرة ومائـ...يا شوقاً لاذعاً جائلاً وماثلاً في أغوار الروح...متى تهدأ؟ متى تهدأ!!...تُلقم نيران اشتياق لها متوهجة بحطب تذكر واسترجاعات...يدبّ الفرح فيها غداة لقائهما، تمتص عيناها وجهه، يثب الى كفها شعاع من كفه، ويرتجف طائر المسرّة...له يد طيعة باردة، مثل نبرات صوته يوم علّق، من تكون يده باردة يكون قلبه دافئاً...وبجلاء وجمال، تكتظ روحها بميس ريحان وشهقات نور وعروق عسل...هل هناك ثمة شيء أنعمَ وأبهى من وقت، يجد فيه حرير الحب، دربه الى الروح؟ ليس معقولاً أن يكون هناك معبر سالك ورائق للبهجة والنشوة والسحر غيره...من ذا يستطيع أن يوقف الزمن عند لحظة امتزاج كفّين، ويستعيد ذراعيْ غابة التفّتْ حول عاشقين؟
لاتدرون ماذا يحدث لمّا تحب المرأة في سن رشيد! رغم أن العمر في الذهن، يبلغنا مجربون، وليس في السنين، والحب جائز في كل المراحل، وأزهى البراهين شجر الدردار، حينما لا يزهر الا بعد الخمسين...لَكُم أن تتخيلوا توقدَ أشياء كثيرة ونهوضها من رقاد ورماد، واختلاط حواس وتشابك لوظائفها، لما تسمع في البصر ألواناً، وفي السمع تبصر ألحاناً، وتحلّ مسرّات مؤنسة تبعث على دهشة وخفّة، مثل سكب صاف ينجئ من ظمأ في قيظ...فتروح تداعب نجوماً وتراقص غيوماً وتدفع سماء، لتعصر منها ضوءاً يضحك، ومطراً يجهل البكاء...ترقب روحها تذهب، الى ثمة كوكب، محشو بأحلام أطيب، من حبور وبدور ومرسى لمركب، ليس على أرضه ضمور ونفور، بل محبة ومسرّات ونوال لمأرب...تجد نفسها في لحن يجهش بعذوبة: "حينما رأيتُ العيون اللوزية، و لمحتُ تدفق الحياة في المحيّا، خلْتُ أني أحبك...وحينما دنوتُ من سماء قلبك الماسي، وتركتُ يدي ليديك، عرفت أني أحبك...وحين اشتقت لنسائمك وزوابعك، لصمتك وصخبك، لدفئك وصقيعك، أيقنتُ أني أحبك، أحبك، أحبك ".
ما أروعها من صبابة ونشوة مستعصية على سلوّ!...يقولون لا شيء يرسّخ الأشياء في الذاكرة ويثبّتها، كالرغبة في نسيانها...أترانا نظلم حكايتنا لورميناها في نفاية الذكرى، وكوّمنا تفاصيلها في سلة التاريخ ومدفن الزمن...ما نعيش معه ونحيا به لليوم، لا يجدر ولا يصلح أن يكون ذكرى...فاذا كانت الغابة وأشجارها لم تنسنا، ولم يتلاش صدى أنسنا هناك في كل نزهة وربيع، فكيف نسمح لحياتنا أن تظل مثلومة مكلومة، تتساقط ألوانها وتنمحي معانيها؟ إلام نظل نناطح رخام الشوق وقرميد الفراق، ونترك هزار الجوى الصدوح، مثل حمامة ينوح؟ وآمالنا فيما تبقى من عمر، أينها؟ أكانت مجوّفة تتكأ على وهم وسؤال مهاجر: أن نصون أو لانصون؟
تدخل سيدة الأشواق حناياها وكهوفها وتنقّب عن تساؤلات...هل بقي شيء لم تفعله ولم تقله بعد؟ ربما فاتها أن تسأله:
في أي ركن احتفظت ببقايا قبلة الربيع، بعد أن وقعت منها قطرة على العشب فتوردت وجَناته اخضراراً...ولهفة ماء البحيرة، تتذكرها؟...وضحكات خجولة لصغار أوراق الشجر...وغفلة عصافير تسكعت فوق رؤوسنا، وتأخرت عن أعشاشها...وفرح طرقات جرت معنا وتعقبتنا...وذهول زمن باغتناه، جلس بوداعة ينصت لأحاديثنا وكفّ عن اللحاق بأجزائه...أين لوعة مضطرمة بحجم الكون ودمعة المجرات عند الوداع؟ أين خبأت جثة هوى وليد وفارع، قتلتْه الحصافة وحسن العاقبة، أين أشلاء أغان غنيناها وسمعناها، تصم روحك عنها؟...سعيد أنت الآن بتعففك؟ مرتاح وغير نادم؟...ألا تظن أن زهرة في يدك، خير من الفٍ تذبل وتتيبس على صفحات كتبك؟...ها أنت اخترت لي طريقة للانتحار بك، وآثرتَ لك نهاية تعيش بها، دون أن تعدّ العدة لسنوات كبيسة من حنين وتوق تشجّ القلب، ذهبتَ مع الريح بأجنحة نُهى وتُقى، وتركتّ لي ملح الأشواق، أفركه فتتسع جراحاتي، ومأزقاً أبدياً يركلني بين طيف وحقيقة، بين أمل ومقصلته، وبتعذر مجيء لمبتغى ومرتجى، وخسارة لا تليق بثمرة...أهي حماقتنا صوّرت لنا الافتراق لصالحنا ولإبعاد أذى عن روحينا؟ أم هي رصانة وضيق في خيارات وانحناءة لرجاحة فضيلة...لا نفع ولا شفاعة لحكمة تختال بقشور قسوة وعسر وتلظّ وهجران وهجير، أنها محض هباء وهراء، ونحن أكبر أحمقين، أحمقُ من نعامة وأجهلُ من فراشة، حين ندع سراب وضباب يبتلعانا، و باستطاعتنا الترفق ببرعم الهوى واقتيات عشبة الشباب، أولى بنا أن نعود للحياة من حيث متنا...فحرام أن نضيفها ونضيفنا، الى قائمة فقداناتنا وخيباتنا، حرام نأخذ أشواقنا معنا إلى قبرينا، وألحان تصدح بفيروز لونها : "لا تنسني، عاد الربيع، أنا هنا، والزهرة البعيدة تسألني، إذا حكيت عن هواك حكاية سعيدة، لا تنسني".
يا طيب أوقات لنا معاً رغم شحّتها!...خذ مني اللحظة كل شيء، أي شيء، وهات يديك ألمسها ثانية، هبني تلاق العنفوان لزهر القلب والربيع، قبل مضي الآن والأوان، ومن بَعد، دعني أتمتع بموت سائغ ومكتنز...خذ من نسيج هيامي وأيامي خيوطاً ترفو بها مسافات اختلاف وخلاف بيننا، أعِد خياطة ما تقطّع وصله، اقترفْ القرب والوصال، حتى لو كان لك فيهما عناء وفناء، فذلك أرأف من وجع جفوة ونزف نوى، ومن ماحق هبوبي حين يعصف بأشجاري، حسبنا غروباً وغياباً " يا غائباً لا يغيب، أنت البعيد القريب، مهما تغب عن عيوني، فأنت، أنت الحبيب".
بلا هوادة، تظل روحها تفيء بظل ذكراه، ولا يتعربش ياسمينها الاّعلى سياج أيامه...لو يدنو بسفحه، لا تتوانى في المضيّ نحو الذرى بأرجل الأمل، ولا تجوع فتأكل خطواتها...الاّ أنها توشك تصديق قول من قال، لا يريد الرجل حباً عظيماً بل امرأة تمنحه احساساً بالعظمة...أضاعها، وأي عاشقة أضاع!...حبذا لو تقوى على نفضه من رأسها مثلما نفضها ولفظها شعراً في أنفاسِ ويأسِ كلماته الأخيرة...سماءُ شوقي سيدتي لا تنجب الأقمار...فلا تقربي من بحر مائج بهوج وأخطار، ومن سفن نفس هائمة بلا قرار...هيهات أن يعود ما مرّ وما صار، هيهات، فما تصدّع يوماً لا يرجع أبداُ من نثار...وما من مصبّ يجمعنا، ولا لوذ بشاطئ لا مرفأ لا فيض لا مدّ، لا نهار...أنهارنا جفّت أضرعها وضوت في انحسار...ولكلٍ منا دربه، وجداران من حجار، فلا جدوى أبداً من انتظار، لا جدوى من انتظار... أني أعتزل الحب عن سبق مشيئة وسيف اصرار، وانضوي تحت انهيالات الدجى، في قعر وحشة ومرار...لنفترق، من أجل مجد هذا الحب، فلا رجاء لنا، ولامنشود فيما ما تنشد الأقدار.
غير أنها، وببراعة عالية تشي بخبل، تجد له ذرائع وأعذار، ولو لاذ بفرار...فإن لم تجمعهما حياة عن كثب، تجمعهما أحلام وأسفار.. "أ.ومن أجل ما تبقى لهما من احتمال في ود وورد، تقشّر الليل وتقطّعه شرائح شرائح، عسى أن ينبلج فجر الأشواق عن شمس لقاء فاتنة، شمس منتصف الليل.
بعدما تنتهي من تصفح ما بين يديها، تنزع نظارتها، تغمض عينيها وتبتسم متأملة...تطوي رسالة مبتسرة له، لاتقرأها، لأنها حفظتها من زمن، ولأنها فقدت حبرها ولونها...تحاول تذكّر لونها الأصلي قبل أن تعيدها الى صندوقها بأناة...لا تفلح...وكما كل مرّة، تقرر لصقها وحفظها في مغلّف تفادياً لتمزقها وتلفها...ها قد وجدت شيئاً آخر يشغل وقتها وذهنها، ستفعل ذلك لاحقاً.
كل حين تقول ذلك ولا تفعله، ومنذ أربعين عام خلت.
ما انفك الشوق يطاردها، هاهي الآن تصبو اليه ثانية وعاشرة ومائـ...يا شوقاً لاذعاً جائلاً وماثلاً في أغوار الروح...متى تهدأ؟ متى تهدأ!!...تُلقم نيران اشتياق لها متوهجة بحطب تذكر واسترجاعات...يدبّ الفرح فيها غداة لقائهما، تمتص عيناها وجهه، يثب الى كفها شعاع من كفه، ويرتجف طائر المسرّة...له يد طيعة باردة، مثل نبرات صوته يوم علّق، من تكون يده باردة يكون قلبه دافئاً...وبجلاء وجمال، تكتظ روحها بميس ريحان وشهقات نور وعروق عسل...هل هناك ثمة شيء أنعمَ وأبهى من وقت، يجد فيه حرير الحب، دربه الى الروح؟ ليس معقولاً أن يكون هناك معبر سالك ورائق للبهجة والنشوة والسحر غيره...من ذا يستطيع أن يوقف الزمن عند لحظة امتزاج كفّين، ويستعيد ذراعيْ غابة التفّتْ حول عاشقين؟
لاتدرون ماذا يحدث لمّا تحب المرأة في سن رشيد! رغم أن العمر في الذهن، يبلغنا مجربون، وليس في السنين، والحب جائز في كل المراحل، وأزهى البراهين شجر الدردار، حينما لا يزهر الا بعد الخمسين...لَكُم أن تتخيلوا توقدَ أشياء كثيرة ونهوضها من رقاد ورماد، واختلاط حواس وتشابك لوظائفها، لما تسمع في البصر ألواناً، وفي السمع تبصر ألحاناً، وتحلّ مسرّات مؤنسة تبعث على دهشة وخفّة، مثل سكب صاف ينجئ من ظمأ في قيظ...فتروح تداعب نجوماً وتراقص غيوماً وتدفع سماء، لتعصر منها ضوءاً يضحك، ومطراً يجهل البكاء...ترقب روحها تذهب، الى ثمة كوكب، محشو بأحلام أطيب، من حبور وبدور ومرسى لمركب، ليس على أرضه ضمور ونفور، بل محبة ومسرّات ونوال لمأرب...تجد نفسها في لحن يجهش بعذوبة: "حينما رأيتُ العيون اللوزية، و لمحتُ تدفق الحياة في المحيّا، خلْتُ أني أحبك...وحينما دنوتُ من سماء قلبك الماسي، وتركتُ يدي ليديك، عرفت أني أحبك...وحين اشتقت لنسائمك وزوابعك، لصمتك وصخبك، لدفئك وصقيعك، أيقنتُ أني أحبك، أحبك، أحبك ".
ما أروعها من صبابة ونشوة مستعصية على سلوّ!...يقولون لا شيء يرسّخ الأشياء في الذاكرة ويثبّتها، كالرغبة في نسيانها...أترانا نظلم حكايتنا لورميناها في نفاية الذكرى، وكوّمنا تفاصيلها في سلة التاريخ ومدفن الزمن...ما نعيش معه ونحيا به لليوم، لا يجدر ولا يصلح أن يكون ذكرى...فاذا كانت الغابة وأشجارها لم تنسنا، ولم يتلاش صدى أنسنا هناك في كل نزهة وربيع، فكيف نسمح لحياتنا أن تظل مثلومة مكلومة، تتساقط ألوانها وتنمحي معانيها؟ إلام نظل نناطح رخام الشوق وقرميد الفراق، ونترك هزار الجوى الصدوح، مثل حمامة ينوح؟ وآمالنا فيما تبقى من عمر، أينها؟ أكانت مجوّفة تتكأ على وهم وسؤال مهاجر: أن نصون أو لانصون؟
تدخل سيدة الأشواق حناياها وكهوفها وتنقّب عن تساؤلات...هل بقي شيء لم تفعله ولم تقله بعد؟ ربما فاتها أن تسأله:
في أي ركن احتفظت ببقايا قبلة الربيع، بعد أن وقعت منها قطرة على العشب فتوردت وجَناته اخضراراً...ولهفة ماء البحيرة، تتذكرها؟...وضحكات خجولة لصغار أوراق الشجر...وغفلة عصافير تسكعت فوق رؤوسنا، وتأخرت عن أعشاشها...وفرح طرقات جرت معنا وتعقبتنا...وذهول زمن باغتناه، جلس بوداعة ينصت لأحاديثنا وكفّ عن اللحاق بأجزائه...أين لوعة مضطرمة بحجم الكون ودمعة المجرات عند الوداع؟ أين خبأت جثة هوى وليد وفارع، قتلتْه الحصافة وحسن العاقبة، أين أشلاء أغان غنيناها وسمعناها، تصم روحك عنها؟...سعيد أنت الآن بتعففك؟ مرتاح وغير نادم؟...ألا تظن أن زهرة في يدك، خير من الفٍ تذبل وتتيبس على صفحات كتبك؟...ها أنت اخترت لي طريقة للانتحار بك، وآثرتَ لك نهاية تعيش بها، دون أن تعدّ العدة لسنوات كبيسة من حنين وتوق تشجّ القلب، ذهبتَ مع الريح بأجنحة نُهى وتُقى، وتركتّ لي ملح الأشواق، أفركه فتتسع جراحاتي، ومأزقاً أبدياً يركلني بين طيف وحقيقة، بين أمل ومقصلته، وبتعذر مجيء لمبتغى ومرتجى، وخسارة لا تليق بثمرة...أهي حماقتنا صوّرت لنا الافتراق لصالحنا ولإبعاد أذى عن روحينا؟ أم هي رصانة وضيق في خيارات وانحناءة لرجاحة فضيلة...لا نفع ولا شفاعة لحكمة تختال بقشور قسوة وعسر وتلظّ وهجران وهجير، أنها محض هباء وهراء، ونحن أكبر أحمقين، أحمقُ من نعامة وأجهلُ من فراشة، حين ندع سراب وضباب يبتلعانا، و باستطاعتنا الترفق ببرعم الهوى واقتيات عشبة الشباب، أولى بنا أن نعود للحياة من حيث متنا...فحرام أن نضيفها ونضيفنا، الى قائمة فقداناتنا وخيباتنا، حرام نأخذ أشواقنا معنا إلى قبرينا، وألحان تصدح بفيروز لونها : "لا تنسني، عاد الربيع، أنا هنا، والزهرة البعيدة تسألني، إذا حكيت عن هواك حكاية سعيدة، لا تنسني".
يا طيب أوقات لنا معاً رغم شحّتها!...خذ مني اللحظة كل شيء، أي شيء، وهات يديك ألمسها ثانية، هبني تلاق العنفوان لزهر القلب والربيع، قبل مضي الآن والأوان، ومن بَعد، دعني أتمتع بموت سائغ ومكتنز...خذ من نسيج هيامي وأيامي خيوطاً ترفو بها مسافات اختلاف وخلاف بيننا، أعِد خياطة ما تقطّع وصله، اقترفْ القرب والوصال، حتى لو كان لك فيهما عناء وفناء، فذلك أرأف من وجع جفوة ونزف نوى، ومن ماحق هبوبي حين يعصف بأشجاري، حسبنا غروباً وغياباً " يا غائباً لا يغيب، أنت البعيد القريب، مهما تغب عن عيوني، فأنت، أنت الحبيب".
بلا هوادة، تظل روحها تفيء بظل ذكراه، ولا يتعربش ياسمينها الاّعلى سياج أيامه...لو يدنو بسفحه، لا تتوانى في المضيّ نحو الذرى بأرجل الأمل، ولا تجوع فتأكل خطواتها...الاّ أنها توشك تصديق قول من قال، لا يريد الرجل حباً عظيماً بل امرأة تمنحه احساساً بالعظمة...أضاعها، وأي عاشقة أضاع!...حبذا لو تقوى على نفضه من رأسها مثلما نفضها ولفظها شعراً في أنفاسِ ويأسِ كلماته الأخيرة...سماءُ شوقي سيدتي لا تنجب الأقمار...فلا تقربي من بحر مائج بهوج وأخطار، ومن سفن نفس هائمة بلا قرار...هيهات أن يعود ما مرّ وما صار، هيهات، فما تصدّع يوماً لا يرجع أبداُ من نثار...وما من مصبّ يجمعنا، ولا لوذ بشاطئ لا مرفأ لا فيض لا مدّ، لا نهار...أنهارنا جفّت أضرعها وضوت في انحسار...ولكلٍ منا دربه، وجداران من حجار، فلا جدوى أبداً من انتظار، لا جدوى من انتظار... أني أعتزل الحب عن سبق مشيئة وسيف اصرار، وانضوي تحت انهيالات الدجى، في قعر وحشة ومرار...لنفترق، من أجل مجد هذا الحب، فلا رجاء لنا، ولامنشود فيما ما تنشد الأقدار.
غير أنها، وببراعة عالية تشي بخبل، تجد له ذرائع وأعذار، ولو لاذ بفرار...فإن لم تجمعهما حياة عن كثب، تجمعهما أحلام وأسفار.. "أ.ومن أجل ما تبقى لهما من احتمال في ود وورد، تقشّر الليل وتقطّعه شرائح شرائح، عسى أن ينبلج فجر الأشواق عن شمس لقاء فاتنة، شمس منتصف الليل.
بعدما تنتهي من تصفح ما بين يديها، تنزع نظارتها، تغمض عينيها وتبتسم متأملة...تطوي رسالة مبتسرة له، لاتقرأها، لأنها حفظتها من زمن، ولأنها فقدت حبرها ولونها...تحاول تذكّر لونها الأصلي قبل أن تعيدها الى صندوقها بأناة...لا تفلح...وكما كل مرّة، تقرر لصقها وحفظها في مغلّف تفادياً لتمزقها وتلفها...ها قد وجدت شيئاً آخر يشغل وقتها وذهنها، ستفعل ذلك لاحقاً.
كل حين تقول ذلك ولا تفعله، ومنذ أربعين عام خلت.