الاستبداد السياسي
مرسل: الجمعة ديسمبر 23, 2011 2:48 pm
بسم الله الرحمن الرحيم
الاستبداد السياسي هو الانفراد بالسلطة، ومعنى استبد به: أي انفرد به يقال: استبد بالأمر، يستبد به استبداداً إذا انفرد به دون غيره(1).
ويكتسب الاستبداد معناه السيئ في النفس من كونه انفراداً في أمر مشترك، فإدارة الأمة وولايتها تعود إليها برضاها، فإذا قام أحد وغلب الأمة وقهرها في أمر يهمها جميعا، وانفرد بإدارتها دون رضاها، فقد وقع في العدوان والطغيان.
وهذا الاستيلاء والسيطرة على أمر الأمة دون رضى منها يفتح أبواب الظلم والفساد وضروب العدوان وهو ما يسمى "الاستبداد السياسي".
فالحكم والولاية العامة على المسلمين حق للأمة، ولا يجوز الانفراد بها دون مشورة لهم كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " من بايع رجلاً من غير مشورة المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا "(2) وجاء في زيادة: "إنه لا خلافة إلا عن مشورة"(3).
فالاستبداد السياسي هو التغلب والاستفراد بالسلطة، والسيطرة التامة على مقاليد الدولة واغتصابها من الأمة دون مشورة و رضى منهم.
والاستبداد جزء من الطغيان وليس مرادفا له، فقد يكون المستبد طاغياً وظالماً، وقد يكون عادلاً مجتهداً في الإصلاح(4).
وقد ظهر الاستبداد في الأمة الإسلامية في وقت مبكر، وذلك بعد ولاية معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، والذي عهد بالخلافة من بعده لابنه يزيد، وقال: "من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر فليطلع لنا قرنه، فلنحن أحق به ومن أبيه"(5).
وقد كانت هذه البداية في تحويل الحكم من الشورى إلى الوراثة، وهذا ما لم يكن معهوداً في زمن الخلفاء الراشدين الذين هم النموذج التطبيقي للفكر السياسي الإسلامي. وبهذا انتزع حق الأمة في تولية الأصلح بطريقة جماعية شوريّة إلى تولية الأبناء والذرية وان كانت تنقصهم الكفاءة وفي الأمة من هو أصلح منهم.
وهذا الإنفراد في تولية الخلفاء فتح على الأمة الإسلامية باب شر عظيم لا زال يضعفها حتى وصلت إلى الحالة المزرية الآن، واستحكام الاستبداد فيها، وتولي الأشرار لأمرها، وإضعاف دور شعوبها مما سبب ضعفها أمام الأمم الأخرى.
وقد وقف علماء الصحابة من هذه الظاهرة الغريبة المفضية إلى الطغيان موقفاً قوياً وأنكروا على معاوية رضي الله عنه(6)، ومن ذلك أن عبد الرحمن بن أبي بكر قطع خطبة معاوية وقال له: "إنك والله لوددت أنا وكّلناك في أمر ابنك إلى الله، وإنا والله لا نفعل، والله لتردنّ هذا الأمر شورى بين المسلمين أو لنعيدنها عليك جذعة ثم خرج"(7).
ولما قال مروان ابن الحكم في بيعة يزيد:"سنة "أبي بكر" الراشدة المهدية " رد عليه عبد الرحمن ابن أبي بكر فقال: "ليس بسنة "أبي بكر"، وقد ترك أبو بكر الأهل والعشيرة، وعدل إلى رجل من بني عدي؛ أن رأى انه إلى ذلك أهل ولكنها هرقلية"(8).
ولما كلم معاوية رضي الله عنه عبد الله بن عمر رضي الله عنه في أمر استخلاف ابنه يزيد قال له ابن عمر رضي الله عنه:" إنه قد كان قبلك خلفاء لهم أبناء، ليس ابنك بخير من أبنائهم، فلم يرو في أبنائهم ما رأيت أنت في ابنك، ولكنهم اختاروا للمسلمين حيث علموا الخيار، وأنت تحذرني أن أشق عصا المسلمين، وأن أسعى في فساد ذات بينهم، ولم أكن لأفعل، إنما أنا رجل من المسلمين فإذا اجتمعوا على أمر فإنما أنا رجل منهم"(9).
يقول ابن كثير: " لما أخذت البيعة ليزيد في حياة أبيه كان الحسين ممن امتنع من مبايعته هو وابن الزبير ، وعبد الرحمن بن أبي بكر، وابن عمر وابن عباس "(10).
وقد كان امتناع هؤلاء الصحابة، وهم أعلم الناس في زمانهم لعلمهم الأكيد بآثار الاستبداد على الأمة، وخطره عليهم، بل وصل الأمر إلى الخروج المسلح بعد وفاة معاوية رضي الله عنه، ولم تستقر الدولة ليزيد، وقد استمر الخروج المسلح على الاستبداد زمنا طويلا (11).
إن هذه المواقف القوية ضد الاستبداد تدل على بطلان نسبة إقرار الاستبداد إلى الدين، فإن الدين لم يأمر بالتغلب والظلم، بل أمر بالشورى {وشاورهم في الأمر} [آل عمران/159], {وأمرهم شورى بينهم}[الشورى/38] , وقد أجمع الصحابة رضوان الله عليهم على أن الولاية العامة لا تكون إلا بشورى ورضى من الأمة وهذا ما كانت به الولاية لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين.
والإمامة لا تتم إلا بالبيعة، وهي عقد من العقود، وقاعدة الشريعة الإسلامية في العقود هي ضرورة رضى المتعاقدين، وهي من جنس الوكالة.
فالحاكم وكيل عن الأمة في تطبيق أحكام الإسلام، ولهم خلعه إذا خالف مقتضى العقد بالكفر أو الظلم(12).
ولا ينبغي أن تنسب تجاوزات الحكام، وجعل الإمامة بالوراثة بدلا عن الشورى واختيار الأمة إلى الإسلام(13)، فقد تبين سابقاً الأمر بالشورى، وضرورة رضى الأمة الاختياري بمن يلي أمرهم، ويدبر شؤونهم.
وقد يظن البعض أن النهي عن الخروج على الحاكم حتى لو كان متغلباً ومستبداً يدل على تبرير الاستبداد، وهذا الظن غير صحيح، لأن النهي عن القتال معلل بأنه فتنة تسبب الفرقة وشق عصا المسلمين، والمعادلة بين الاستبداد مع خطره وطغيانه، وبين القتال الذي يراق فيه دماء المسلمين ويفرق كلمتهم تجعل الصبر على الاستبداد مع مقاومته بالاحتساب خير من القتال لأنه أقل ضرراً، فمعصية القتال أكبر من معصية الاستبداد، ولهذا جاء في الحديث: "وإن تأمر عليكم عبد حبشي فاسمعوا وأطيعوا "(14)، وقوله: "تأمر" يعني أمر نفسه دون رأى منكم.
وهذا لا يعني تبرير الاستبداد والظلم، فمقاومته بغير القتال لا تزال قائمة في الدين وهو باب عظيم عد من أركان الإسلام وهو باب "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".
فترك القتال لمصلحة الأمة لا يعني إقرار الاستبداد إذا اقتصر على تفرده بالسلطة مع إقامة شعائر الدين، وتطبيق أحكامه، ولهذا لو أمكن خلع الحاكم المستبد دون قتال وفتنة لكان ذلك واجباً، لأنه رد الأمر إلى أهله.
وقد استمر الاستبداد في الأمة من زمن الدولة الأموية وإلى الدولة العثمانية، وقد جاءت آثاره تدريجيا في الأمة إلى أن استحكم ووصل لذروته اليوم.
وقد وجدت أسباب ساعدت في نموه، وبررت لوجوده، ودافعت عنه، ودعمته حتى وصل إلى هذا الحد المزري في الأمة.
ومن هذه الأسباب:
1- ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يقول تعالى: {لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِيَ إِسْرَائِيلَ عَلَىَ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} [المائدة/78- 79].
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من رأى منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان"(15)، وقال: " إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم: يا ظالم، فقد تودع منها"(16)، وقال: " إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه عمهم الله بعقابه "(17) وقال:" لتأخذن على يد الظالم، و لتأطرنه على الحق أطرا، ولتقصرنه على الحق قصرا، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم ليلعننكم كما لعنهم"(18)، ولهذا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم فضيلة الاحتساب على الحكام والولاة فقال "سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله"(19)، وقال " أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر"(20).
وقد قامت الأمة بمحاسبة الحكام(21)، وردهم إلى الحق وعدم مجاملتهم على حساب الحق، وهذا ما كان له اثر كبير في حياة الأمة، واستمرارها على تطبيق أحكام الإسلام مع وجود الاستبداد والحكم الوراثي.
ولكن مع تراجع دور الأمة، والعلماء بالذات في القرون المتأخرة عن محاسبة الحكام وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر زاد الاستبداد والطغيان، وتفاقم الظلم والاعتداء على الحريات والحقوق وارتكاب نواقض الإيمان دون أيّ خوف أو تردد.
الاستبداد السياسي هو الانفراد بالسلطة، ومعنى استبد به: أي انفرد به يقال: استبد بالأمر، يستبد به استبداداً إذا انفرد به دون غيره(1).
ويكتسب الاستبداد معناه السيئ في النفس من كونه انفراداً في أمر مشترك، فإدارة الأمة وولايتها تعود إليها برضاها، فإذا قام أحد وغلب الأمة وقهرها في أمر يهمها جميعا، وانفرد بإدارتها دون رضاها، فقد وقع في العدوان والطغيان.
وهذا الاستيلاء والسيطرة على أمر الأمة دون رضى منها يفتح أبواب الظلم والفساد وضروب العدوان وهو ما يسمى "الاستبداد السياسي".
فالحكم والولاية العامة على المسلمين حق للأمة، ولا يجوز الانفراد بها دون مشورة لهم كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " من بايع رجلاً من غير مشورة المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا "(2) وجاء في زيادة: "إنه لا خلافة إلا عن مشورة"(3).
فالاستبداد السياسي هو التغلب والاستفراد بالسلطة، والسيطرة التامة على مقاليد الدولة واغتصابها من الأمة دون مشورة و رضى منهم.
والاستبداد جزء من الطغيان وليس مرادفا له، فقد يكون المستبد طاغياً وظالماً، وقد يكون عادلاً مجتهداً في الإصلاح(4).
وقد ظهر الاستبداد في الأمة الإسلامية في وقت مبكر، وذلك بعد ولاية معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، والذي عهد بالخلافة من بعده لابنه يزيد، وقال: "من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر فليطلع لنا قرنه، فلنحن أحق به ومن أبيه"(5).
وقد كانت هذه البداية في تحويل الحكم من الشورى إلى الوراثة، وهذا ما لم يكن معهوداً في زمن الخلفاء الراشدين الذين هم النموذج التطبيقي للفكر السياسي الإسلامي. وبهذا انتزع حق الأمة في تولية الأصلح بطريقة جماعية شوريّة إلى تولية الأبناء والذرية وان كانت تنقصهم الكفاءة وفي الأمة من هو أصلح منهم.
وهذا الإنفراد في تولية الخلفاء فتح على الأمة الإسلامية باب شر عظيم لا زال يضعفها حتى وصلت إلى الحالة المزرية الآن، واستحكام الاستبداد فيها، وتولي الأشرار لأمرها، وإضعاف دور شعوبها مما سبب ضعفها أمام الأمم الأخرى.
وقد وقف علماء الصحابة من هذه الظاهرة الغريبة المفضية إلى الطغيان موقفاً قوياً وأنكروا على معاوية رضي الله عنه(6)، ومن ذلك أن عبد الرحمن بن أبي بكر قطع خطبة معاوية وقال له: "إنك والله لوددت أنا وكّلناك في أمر ابنك إلى الله، وإنا والله لا نفعل، والله لتردنّ هذا الأمر شورى بين المسلمين أو لنعيدنها عليك جذعة ثم خرج"(7).
ولما قال مروان ابن الحكم في بيعة يزيد:"سنة "أبي بكر" الراشدة المهدية " رد عليه عبد الرحمن ابن أبي بكر فقال: "ليس بسنة "أبي بكر"، وقد ترك أبو بكر الأهل والعشيرة، وعدل إلى رجل من بني عدي؛ أن رأى انه إلى ذلك أهل ولكنها هرقلية"(8).
ولما كلم معاوية رضي الله عنه عبد الله بن عمر رضي الله عنه في أمر استخلاف ابنه يزيد قال له ابن عمر رضي الله عنه:" إنه قد كان قبلك خلفاء لهم أبناء، ليس ابنك بخير من أبنائهم، فلم يرو في أبنائهم ما رأيت أنت في ابنك، ولكنهم اختاروا للمسلمين حيث علموا الخيار، وأنت تحذرني أن أشق عصا المسلمين، وأن أسعى في فساد ذات بينهم، ولم أكن لأفعل، إنما أنا رجل من المسلمين فإذا اجتمعوا على أمر فإنما أنا رجل منهم"(9).
يقول ابن كثير: " لما أخذت البيعة ليزيد في حياة أبيه كان الحسين ممن امتنع من مبايعته هو وابن الزبير ، وعبد الرحمن بن أبي بكر، وابن عمر وابن عباس "(10).
وقد كان امتناع هؤلاء الصحابة، وهم أعلم الناس في زمانهم لعلمهم الأكيد بآثار الاستبداد على الأمة، وخطره عليهم، بل وصل الأمر إلى الخروج المسلح بعد وفاة معاوية رضي الله عنه، ولم تستقر الدولة ليزيد، وقد استمر الخروج المسلح على الاستبداد زمنا طويلا (11).
إن هذه المواقف القوية ضد الاستبداد تدل على بطلان نسبة إقرار الاستبداد إلى الدين، فإن الدين لم يأمر بالتغلب والظلم، بل أمر بالشورى {وشاورهم في الأمر} [آل عمران/159], {وأمرهم شورى بينهم}[الشورى/38] , وقد أجمع الصحابة رضوان الله عليهم على أن الولاية العامة لا تكون إلا بشورى ورضى من الأمة وهذا ما كانت به الولاية لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين.
والإمامة لا تتم إلا بالبيعة، وهي عقد من العقود، وقاعدة الشريعة الإسلامية في العقود هي ضرورة رضى المتعاقدين، وهي من جنس الوكالة.
فالحاكم وكيل عن الأمة في تطبيق أحكام الإسلام، ولهم خلعه إذا خالف مقتضى العقد بالكفر أو الظلم(12).
ولا ينبغي أن تنسب تجاوزات الحكام، وجعل الإمامة بالوراثة بدلا عن الشورى واختيار الأمة إلى الإسلام(13)، فقد تبين سابقاً الأمر بالشورى، وضرورة رضى الأمة الاختياري بمن يلي أمرهم، ويدبر شؤونهم.
وقد يظن البعض أن النهي عن الخروج على الحاكم حتى لو كان متغلباً ومستبداً يدل على تبرير الاستبداد، وهذا الظن غير صحيح، لأن النهي عن القتال معلل بأنه فتنة تسبب الفرقة وشق عصا المسلمين، والمعادلة بين الاستبداد مع خطره وطغيانه، وبين القتال الذي يراق فيه دماء المسلمين ويفرق كلمتهم تجعل الصبر على الاستبداد مع مقاومته بالاحتساب خير من القتال لأنه أقل ضرراً، فمعصية القتال أكبر من معصية الاستبداد، ولهذا جاء في الحديث: "وإن تأمر عليكم عبد حبشي فاسمعوا وأطيعوا "(14)، وقوله: "تأمر" يعني أمر نفسه دون رأى منكم.
وهذا لا يعني تبرير الاستبداد والظلم، فمقاومته بغير القتال لا تزال قائمة في الدين وهو باب عظيم عد من أركان الإسلام وهو باب "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".
فترك القتال لمصلحة الأمة لا يعني إقرار الاستبداد إذا اقتصر على تفرده بالسلطة مع إقامة شعائر الدين، وتطبيق أحكامه، ولهذا لو أمكن خلع الحاكم المستبد دون قتال وفتنة لكان ذلك واجباً، لأنه رد الأمر إلى أهله.
وقد استمر الاستبداد في الأمة من زمن الدولة الأموية وإلى الدولة العثمانية، وقد جاءت آثاره تدريجيا في الأمة إلى أن استحكم ووصل لذروته اليوم.
وقد وجدت أسباب ساعدت في نموه، وبررت لوجوده، ودافعت عنه، ودعمته حتى وصل إلى هذا الحد المزري في الأمة.
ومن هذه الأسباب:
1- ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يقول تعالى: {لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِيَ إِسْرَائِيلَ عَلَىَ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} [المائدة/78- 79].
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من رأى منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان"(15)، وقال: " إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم: يا ظالم، فقد تودع منها"(16)، وقال: " إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه عمهم الله بعقابه "(17) وقال:" لتأخذن على يد الظالم، و لتأطرنه على الحق أطرا، ولتقصرنه على الحق قصرا، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم ليلعننكم كما لعنهم"(18)، ولهذا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم فضيلة الاحتساب على الحكام والولاة فقال "سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله"(19)، وقال " أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر"(20).
وقد قامت الأمة بمحاسبة الحكام(21)، وردهم إلى الحق وعدم مجاملتهم على حساب الحق، وهذا ما كان له اثر كبير في حياة الأمة، واستمرارها على تطبيق أحكام الإسلام مع وجود الاستبداد والحكم الوراثي.
ولكن مع تراجع دور الأمة، والعلماء بالذات في القرون المتأخرة عن محاسبة الحكام وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر زاد الاستبداد والطغيان، وتفاقم الظلم والاعتداء على الحريات والحقوق وارتكاب نواقض الإيمان دون أيّ خوف أو تردد.