منتديات الحوار الجامعية السياسية

الوقائع و الأحداث التاريخية
#45331
سفينة "إيران" إلى أين ستأخذ أبناء شيعة الخليج؟
عايض بن سعد الدوسري

بسم الله الرحمن الرحيم

قبل ما يُقارب خمسة عشر عامًا جمعتني صحبة دراسية بأحد الزملاء الشيعة. لقد كان ذكيًا ومتوقد الإيمان، وكنا نجتمع في أماكن الدراسة العامة نتبادل أطراف الحديث وأحيانًا الحوار الساخن. وبعد فترة ليست طويلة تولد بيننا نوعٌ من الألفة وبدأ يتغير موضوع الحوار من المسائل المذهبية إلى المشتركات الإنسانية. ولا زلتُ أذكر في لحظة مصارحة وصفاء منه أنه قال لي: "كُنا نُحشى بالضغينة والكراهية على وطننا "السعودية" وعلى بقية السعوديين، وفي المقابل نُملأ بالحب العميق والرغبة الجامحة والشوق العظيم إلى إيران وما فيها ومن فيها". ويقول صاحبي: "لقد تخيلت أنَّ إيران هي الدولة المؤمنة الوحيدة، التي توافرت فيها جميع عناصر دولة الهادة المهديـين، ولم يـبق إلا أن يخرج المهدي المنـتظر لتكتمل الدولة الشيعية المثالية". يقول وهو في حماسٍ شديد: "عملتُ المستحيل للسفر إلى إيران إلى درجة أنني زورتُ جوازًا لهذا الغرض". ثم يقول وهو يتنهد عميقًا: "لقد تحطمت تلك الصورة "الطوباوية" عن إيران سريعًا بمجرد وصولي إليها، حيث كَثُرَ على مسمعي ورود كلمة "يا عرب يا أنجاس"، وأنا العربي الأصيل، فتعجبتُ من كراهية الإيرانيين للعرب مع أن العرب هم معدن ومادة الإسلام، وأهل البيت هم سادة العرب. كانت تلك الشتائم الإيرانية المتكررة هي بداية إبصاري بعين العقل لا بعين المذهب والعاطفة". ويواصل مصارحته ويتابع حديثه: "ثم بدأت أبصر حالة الشعب الإيراني كيف كان غارقًا في الفقر والذل والمهانة، وفي نفس الوقت كان الشعب غارقًا في الأحلام والأوهام والوعود بقرب الظهور". يختم صاحبي كلامه بقوله: "والله لأول مرة أشعر وقتها ماذا يعني أن أكون سعوديًا".

وبعد كلام صاحبي هذا بزمنٍ سمعتُ مثل هذا الكلام كثيرًا من أبناء الشيعة العقلاء الذين رجعوا من إيران وهم في حالة صدمة من حجم الكراهية للعرب بشكل عام، ثم زادت الكراهية بعد موت المرجع آية الله "الشيرازي"، أو اغتياله كما يذكر أتباعه، وتعريته ودهس جثته، ثم سرقة جثمانه ودفنها في قارعة الطريق على يد قوات "ولي الفقيه".

كل هذا لا زلتُ أتذكره وأنا أتابع ما يجري حاليًا في مدينة "العوامية" من أحداث، وإن كانت ولله الحمد من قلة حتى الآن، إلا أنها مؤسفة مؤلمة أن تصدر عن شباب ينـتمون في أصلهم إلى هذا الوطن. وأود من مقالي هذا أن أبعث برسالتين إلى جهات عديدة، كما يلي:

أولاً: دعوة إلى شباب الشيعة أن يتعظوا من التاريخ.

أعرف –من خلال تخصصي- أن الدافع للشاب الشيعي –في الغالب- نحو التمرد والشغب يمكن في أمرين: الأول: هو الرواسب "التاريخية-الأيديولوجية" التي يتعمد بعض علماء الشيعة إبرازها على وجه الخصوص، ويتم عرضها في كل لحظة في كثير من المجتمعات الشيعية، ليتم تحويلها من مجتمعات الأصل فيها المسالمة إلى بؤر توتر ودوائر قلقة ومنغلقة تنـتظر الانفجار. أما الثاني: فهو أمر حادث مع ظهور مبدأ "ولاية الفقيه" والذي تُوج عمليًا بزعامة "الخميني" لإيران. ومنذ تأسيس دولة "ولي الفقيه" أصبحت إيران مصدرًا للتوتر والحروب والفتن في دول المنطقة، ومن المفارقات أن أول ضحية لهذه الدولة الطائفية هم أبناء الطائفة الشيعية أنفسهم.

وأصبحت هناك سياسة راسخة عند "ولي الفقيه" من أجل أطماعه التوسعية، وهي استخدام أبناء الشيعة كوقود لسياساته وأطماعه، لا يهتم بمصالحهم ولا بمنافعهم، وفي اللحظة التي يحتاج فيها أبناء الشيعة "ولي الفقيه" يتخلى عنهم بدم بارد إذا تعارض ذلك مع مصلحته. إن "ولي الفقيه" يعتبر جميع أبناء الشيعة من أبناء منطقة الخليج وغيرها مجرد قطيع يجوز التضحية بهم لأجل مصالحه، وهذا ما أكده الأمين السابق لحزب الله في لبنان "صبحي الطفيلي" حيث قال: "الإيرانيون يعتبرون أن الشيعة في لبنان مزرعة لهم"[1]. وهذه الحقيقة ليست في لبنان فقط، بل في كل دولة فيها شيعة.

وسبب الخلاف بين "صبحي الطفيلي" و"ولي الفقيه" في إيران هو اصطدام مصلحة إيران بمصلحة لبنان، حيث رفض "الطفيلي" تقديم المصلحة الإيرانية على بلده وكأنه مجرد عميل. يقول "الطفيلي": "قلت مراراً للإيرانيين لن أكون أبداً عميلاً لإيران ولسياستها"[2]. ثم يـبين أنهم رفضوه بسبب ذلك، وعينوا بدلاً عنه "حسن نصر الله". يقول "الطفيلي": "هم يفضلون الضعفاء الذين يدينون لهم بالولاء الأعمى"[3]. ثم يُعلق على قرارات "حزب الله" في لبنان بقوله: "القرار ليس في بيروت وإنما في طهران"[4].

لم يكن خوف العالم والقائد الشيعي "صبحي الطفيلي" من تبعات الولاء "لولي الفقيه" على حساب الوطن مجرد أوهام أو صراعات حزبية، بل كان عن إدراك لحقيقة مطامع وأهداف الدولة الإيرانية في المنطقة. فالناطق باسم حزب الله "إبراهيم السيد" يؤكد أنَّ مهمتهم كلبنانيين يدينون بالولاء لإيران تتمثل في أن يكون "الأساس في لبنان أن يبقى ساحةً وموقعاً للصراع"، وأن من "مصلحة الإسلام أن يكون لبنان كذلك"[5]. ثم يؤكد أنَّ هذه السياسة هي من تكريس "الأجهزة الإيرانية كافة، من حوزات قم إلى حرس الثورة، ومن الدعاة، إلى وزارة الداخلية"[6].

بل إن الأمين الحالي لحزب الله "حسن نصر الله" يؤكد تلك السياسة الإيرانية في لبنان، ويؤكد فوقها أنهم ليسوا معنيين بمصالح لبنان الاقتصادية بل بإدامة الصراع فيها، وجعل لبنان بؤرة للتدريـبات العسكرية لأبناء الشيعة من كافة الدول العربية والإسلامية، لتصدير الميليشيات لكافة تلك الدول من أجل الخروج المسلح وزعزعت الأمن والسلم الاجتماعي، وزرع الشقاق بين المسلمين. يقول "حسن نصر الله" بالحرف الواحد: "عندما يكون في لبنان مليون جائع، فإن مهمتنا لا تكون في تأمين الخبز، بل بتوفير الحالة الجهادية حتى تحمل الأمة السيف في وجه كل القيادات السياسية"[7].

وهذا الأمر ليس مستغربًا، لأن هذا الولاء السياسي سُبِقَ بولاء أيديولوجي، "فحسن نصر الله" يقول: "إن المرجعية الدينية في إيران تشكل الغطاء الديني والشرعي لكفاحنا ونضالنا"[8]. ويؤكد "نصر الله" مراراً وتكراراً التزامه بمرجعية الخميني وأنه هو الإمام المطاع، فيقول: "إن الإمام الخميني من وجهة نظرنا هو المرجع الديني والإمام والمرشد بكل ما تحمله هذه الكلمة من معاني"[9]. ويؤكد "حسين الموسوي"، وهو مسئول وقيادي بارز في حزب الله، أن مرجعية الخميني ليست روحية فقط، بل سياسية وعقائدية، فيقول: "إننا نتبع الإمام الخميني على مستوى الفكر السياسي والعقائدي والديني"[10].

ولذلك اعتبرت إيران الشيعة في سوريا وفي لبنان مجرد دمى تُديرها حسب مصالحها، ولذلك قام مرشد الثورة "علي خامنئي" بتعيـين "محمد يزبك" -الإيراني الجنسية والذي يعمل مستشارًا لحزب الله ومدرسًا بحوزة الإمام المنتظر ببعلبك- و"حسن نصر الله" وكيلين شرعيين عنه في لبنان، وهما يعينان الوكلاء من قِبَلِهِمَا في بقية المناطق[11].

وأصبحت لبنان وسوريا مرتهنة في يد "ولي الفقيه" يحركهما كيفما شاء نحو مصلحة إيران فقط، ولو على حساب احتراق لبنان وسوريا. وهذا ما عبر عنه وزير الخارجية الإيراني "كمال خرازي" حينما ألمح إلى نظيره السوري "فاروق الشرع" بأن مصير سوريا ولبنان أصبح مترابطًا بمصير إيران السياسي[12].

ولذلك أصبح مفهوم الأعداء أو الأصدقاء لا يُحدد حسب مصلحة لبنان أو سوريا، بل من خلال المفهوم الإيراني، فولي الفقيه هو من بيده تحديد قواعد اللعبة لحزب الله وغيره من المليشيات الشيعية. يقول "نعيم قاسم" -نائب الأمين العام لحزب الله- معترفًا بهذه الحقيقة: "الولي الفقيه يعطي القواعد العامة"، وهو الذي "يحدد الأعداء من الأصدقاء"[13].

من أجل هذا قام "ولي الفقيه" بإعداد مُعسكرات تدريب إرهابية في إيران ولبنان والعراق وسوريا، كنقاط تجمع لأبناء الشيعة المغرر بهم من كل أنحاء العالم الإسلامي، لتنفيذ الأجندة الإيرانية. يقول الجنرال "جورج كايسي"، قائد عسكري أميركي في العراق، ما نصه: "إن الإيرانيين من خلال قوات العمليات الخاصة السرية يقدمون أسلحة وتكنولوجيا قنابل، وتدريب لجماعات شيعية متطرفة في أنحاء جنوب العراق، والتدريب يجري في إيران وفي بعض الحالات في لبنان"[14]. وكذلك أكدت تقرير غربية عن ظهور ميليشيات شيعية وأنها ذات تمويل وإشراف إيرانيين مباشرين[15]. ويؤكد "حسن نصر الله" ذلك، ويقر صراحةً أن إيران هي من تدرب الكوادر الشيعة في لبنان وفي سوريا. يقول ما نصه: "أتت قوات إيرانية إلى سوريا ولبنان للمساعدة، وهذه القوات هي التي تولت تدريب مقاتلينا"[16].

كل ما مضى هو محاولة مختصرة لشرح ما عمله "ولي الفقيه" في العراق ولبنان وسوريا، وذلك لأجل أمرين اثنين: الأول كشف حجم الدمار الذي لحق بالبلدان التي خضعت لسياسة التبعية لإيران، فتم تدمريها من خلال سياسة "حرق الأتباع لبقاء المتبوع"، فكل محاولات إيران التدميرية في العراق وسوريا ولبنان، والتي يسمونها مقاومة، هي من أجل الحفاظ على كيان "ولي الفقيه". الثاني: محاولة إعطاء أبناء الشيعة في الخليج العربي الصورة الكاملة للمشهد الحقيقي، وأن بلدانهم الآمنة في الخليج يُريد لها "ولي الفقيه" أن تصبح مواضع جديدة للصراع، كي يـبقى هو المستفيد الوحيد من ذلك، ولن يهتم لو قتل آلاف الشيعة فضلاً عن أهل السنة، فلسان حاله هو: أن تبقى إيران آمنة وسالمة وليذهب أبناء الشيعة وغيرهم بعد ذلك إلى الجحيم.

ولذلك لم يستغرب المحللون والسياسيون والعقلاء ما حدث في "البحرين" وما حدث في "العوامية" وما سيحدث في "الكويت" وفي "قطر"، لا قدر الله، إن استمر تجاهل المشكلة الحقيقية. فقد تنبأ وتوقع المحللون والسياسيون والعقلاء حدوث ذلك منذ سنوات، استشرافًا للمستقبل من خلال قراءة فاحصة للماضي والحاضر، وكانت توقعاتهم أن "ولي الفقيه" سوف يـبدأ بالبحرين لأسبابٍ إستراتيجية، وفعلاً هذا الذي حدث في البحرين تمامًا.

ففي تاريخ 5/5/2006 أعرب "عدد من المثقفين والخبراء الإيرانيين" أن إيران في ظل التصعيد الحاد مع المجتمع الدولي الرافض امتلاكها التكنولوجيا النووية، ستقوم ببعض الخيارات من أجل تشتيت المجتمع الدولي، ومنها: استخدام عمليات الاغتيال والاختطاف، واستخدام "حزب الله" في لبنان، وتخريب الوضع العراقي[17].

وأكد "وليد جنبلاط" بتاريخ 2/5/ 2006 أن الإستراتيجية الإيرانية تقوم على إشعال حروب في المنطقة العربية بعيدة عن حدودها، والهدف من ذلك رسالة للغرب على مدى قدرتها على التحكم في مصير المنطقة. وأكد كذلك أن المشروع الإيراني المتمثل في تدخلها وسياستها التوسعية في المنطقة يشكل خطرًا على السعودية[18].

وذهبت الكاتبة "هدى الحسيني" بتاريخ 12/2/2006 إلى أن إيران سوف تتوقى الضغوط عليها بتفجير الوضع في "البحرين" لأنها الساحة الأخصب لإيران لفتح جبهات أخرى للقتال[19].

إذن، نحن أمام مشروع إيراني واضح المعالم، لضرب المنطقة بكل من فيها وما فيها، لحساب مصلحة إيران الخاصة، ووقودها في ذلك هم بعض أبناء الشيعة الذين ينخرطون بولاء صادق وإيمان عميق "بولي الفقيه" وبالمرجعية الإيرانية.

وهنا أود أن أتوجه إلى أبناء الشيعة في السعودية على وجه الخصوص بهذا السؤال، وهو: هل ترغبون في أن تتحول مناطقكم إلى بؤر صراع وقتل واضطراب دائم كما ترغب إيران؟ هل تقدمون مصلحة إيران على مصلحة بلدانكم وأهلكم؟

إن الولاء لإيران لا يجتمع أبدًا مع الولاء لبلدكم، وإن رفع أعلام "حزب الله" أو صور "ولي الفقيه" تُنافي أقل مقدار من الولاء لبلدكم، لأنه لا يخفى –للأسف الشديد- مدى الكراهية والعداء الذي يُكنه "ولي الفقيه" لبلدانكم، وما حصل من أحداث في "البحرين" أو "العوامية" ليس وليدة اليوم، بل هو مخطط إيراني لزعزعة أمن الخليج بمن فيه شيعة وسنة.

هل تريدون أن تجربوا تجربة سبق وأن قام بها أصحابها سنين طويلة ثم فشلوا وخسروا أرواحهم وأموالهم وأهليهم ظنًا منهم أنهم يقومون بخدمة لدينهم وهم في الحقيقة يُحرقون أنفسهم من أجل أطماع "ولي الفقيه" الفارسي.

وإذا أدرتم أن تتعظوا، فاتعظوا بمن سبقكم، وهو أذكى وأعلم وأعرف منكم، حيث سلك نفس سبيلكم اليوم، وبعد سنوات طويلة لم يجد إلا الخسران والخيانة والنكران. وإذا كنتم قد اغتررتم بما يقوله لكم الآن المرجع آية الله "محمد تقي المدرسي"، فهو الرجل المخادع نفسه الذي غرر بشباب الشيعة قبل سنوات، ولم يجدوا منه إلا الثمار المرة. وكذلك لا تغتروا بخطيبٍ جاهل أرعن يحضكم على الإرهاب والفتنة، وهو أول من يهرب ويختفي عند المواجهة.

إن كنـتم لا تقدرون على أن تتذكروا ما جرى قبل سنوات، فلندع أحد أبناء الشيعة السعوديين يروى لكم قصته وتجربته المرة لكم بكل صدق وصراحة، بعد أن سلك سبيلكم هذا منذ سنوات، ولم يحصد إلا الخيانة والغدر ممن زج به في هذا المعترك الخطير.

فأنتم تعرفون جيدًا الأستاذ "عادل اللباد"، وتذكرون تاريخه بشكل ممتاز، وقد ألف كتابًا مهمًا وهو "الانقلاب: بيع الوهم على الذات" يحكي لكم عن تجربته قبل سنوات.

فقد ذكر "عادل اللباد" أنه في أحداث (1400هـ) في الشرقية كان من الشعارات التي كان يرددها الثوار الشيعة، ما يلي: "نحن جنودك يا إمام، خميني خميني... نحن فداك يا إمام، خميني خميني"[20]. وشعار: "يا خالد شيل إيدك ... ترى الشعب ما يريدك". يقصدون الملك خالد رحمه الله.

ويذكر "عادل اللباد" أن سفير "دولة ما!" لم يسمها، سهل له تزوير جواز سفر، كي يسافر إلى إيران. ثم أخذ "اللباد" يشرح بعد ذلك كيف انتقلوا إلى إيران عبر سوريا، وانضموا لمركز تدريب عسكري تابع للمرجع "محمد تقي المدرسي"، حيث أكد "عادل اللباد" أن "المدرسي" هذا كان هو المسؤول هناك عن الحركات الشيعية في السعودية والكويت[21].

ويواصل "عادل اللباد" سرد ذكرياته فيذكر أن الشيعة المغرر بهم كانت أعمارهم حين نقلوا من سورياً إلى إيران للتدريب تتراوح بين (12-25) سنةً. ويذكر أنهم التحقوا بمعسكر كانت أعمار الأفراد فيه تتراوح بين (12-38)، ويذكر أنه نشأت علاقات غرامية بين بعض أفراد المعسكر[22].

ويؤكد "عادل اللباد" أنه ومن كان معه من الشيعة السعوديين في إيران كانوا يتلقون تدريباً عسكرياً، على استعمال السلاح، وتصنيع المتفجرات، وتكتيكات الاقتحام، واستعمال قذاف (الآر بي جي)، وكذلك على الكاراتيه والتاكوندوا، ويدرسون تاريخ المنظمات الثورية، مثل منظمة بادر ماينهوف، والألوية الحمراء، وعمليات كارلوس في عالم الاختطاف والقتل، ولشدة هذه التدريبات، فقد لقي بعضهم حتفه فيها[23].

ويواصل "عادل اللباد" حديثه فيذكر كيف أن بعضهم فكر في ترك التدريب والعودة للبلد، بعدما رأى المشاق وصعوبة احتمال التدريبات العسكرية الجادة. لكنه يذكر أن نظرة المجتمع لمن يعود نظرة حارقة، فكانوا يسمونه "متراجع"، وينظر إليه أشد من النظرة إلى من يفر يوم الزحف، فيشنع عليه في الأصقاع بطريقة لا يدرك شدتها من لم يجربها[24].

ويذكر "عادل اللباد" كيف كان "هادي المدرسي" -الأخ الأصغر لمحمد تقي المدرسي- يحاضر فيهم ويحرضهم على الإرهاب، وكيف كان يقول: "لا بديل عن السلاح"، "نحن لا نريد إسلام الأرانب، بل إسلام الأسود"[25].

ويـبين "عادل اللباد" طريقة تدريبهم على السمع والطاعة المطلقة للقيادة، وكيف كانت دون نقاش، ويحكي كيف قام مدربهم يوماً بتقسيمهم إلى صفين متقابلين، ثم أمر أحد الصفين أن يصفع كل واحدٍ منهم من يقابله في الصف الآخر بكل ما أوتي من قوةٍ، من غير أن يـبدي الطرف المصفوع أدنى معارضةٍ أو حركةٍ. ثم ينصرف الجميع وقد احمرَّت وجوههم من وقع الصفعات عليها[26].

ويستطرد "عادل اللباد" فيحكي كيف دخل عليهم ثلاثة من المدربين، في ليلة شديدة البرودة، وقالوا لهم: "وقوف يا تنابلة"، ثم أمروهم بخلع ملابسهم، والانبطاح على الأرض، ثم انهالوا عليهم ضرباً بأسلاك كهربائية، فجعلوا يتلوون على الأرض من الألم. ثم بعدما أشبعوهم ضرباً، وبعدما احمرت ظهورهم واسودت، أخبروهم أن هذا العذاب هو ما يلاقيه زملاؤهم في السجون و المعتقلات[27].

ويحكي "عادل اللباد" طائفة من الأهازيج والشعارات التي يرددونها في ذلك الوقت، ومنها: "ياطالب يا ابن المقرودة...بيع كتبك واشتر بارودة"[28]. وقولهم: "عيدي اليوم عيدي...كلاشنكوف بيدي...كلنا رجال مستعدة للقتال وحنا ارجال....يا ابو صالح –المهدي المنتظر- لا تحزن وحنا ارجال"[29]. ومن أناشيدهم في معسكرات إيران هذه المقطوعة:

"يا شعبنا هز البارود يا شعبنا..يا شعبنا

سمِّع الدنيا هذا صوت ارصاصنا..ارصاصنا.

أبداً ما نرمي سلاحنا من يدِّنا...من يدِّنا.

ألا بعد ما نحررك يا بلادنا...يا بلادنا.

إذا جاء يومٌ وقيل السلاح...تهلل وجهي وقلت نعم.

مدرسي مدرسي جهادك رمز لنا.

مدرسي مدرسي جهادك رمز لنا.

مدرسي مدرسي قيادة وقوة لشعبنا.

مدرسي مدرسي قيادة وقوة لشعبنا.

يا صفار عود عود...خلصنا من آل سعود.

يا صفار عود عود ...خلصنا من آل سعود.

القدس تلعن اليهود ... والكعبة تلعن آل سعود"[30].

ويذكر "عادل اللباد" كيف كان "حسن الصفار" يزورهم، ويحثهم على الصبر والاستمرار في التدريب، وطاعة أوامر القيادة[31].

ويحكي "عادل اللباد" كيف كان المسؤولون عن التدريب يأمرون (كميل) أحد المتدربين، ليحكي لهم رؤيا منامٍ كرره عليهم مراتٍ ومراتٍ، رأى فيها الإمام المهدي يحمل سيفاً يقطف به رؤوس من حوله، وكيف كانت العمائم تتهاوي صفاً صفاً من غير أن ينطق أحدٌ ببنت شفة، حتى وصل إلى "المدرسي" فاقترب منه، ثم رفع السيف، وأهوى به على من يليه، فتهلل وجه المدرسي ضياءً ونوراً، في حين استمر الإمام المهدي "في جز الأعناق حتى تكومت كالتلال في بحر من الدم القاني"[32].

ويذكر "عادل اللباد" عن تاريخه في المعسكرات الإيرانية كيف كانوا يتدربون على الرمي، وقد وضعت لهم أهداف من خشب تجسد حكام العرب[33].

ولعل من أخطر ما يذكره "عادل اللباد" هو ما نصَّ عليه من أنهم في تلك البرامج التدريبية، تلقوا "دروساً تدخل في حيز غسل العقول بماء الطاعة والولاء للقيادة الربانية المتمثلة في آية الله محمد تقي المدرسي"[34].

ويحكي "عادل اللباد" فصلاً جديداً من طريقة تدريبهم على الطاعة المطلقة للولي الفقيه، فيذكر كيف أنهم ذات صباح، وحين وضع إفطارهم بعد جوعٍ شديدٍ إثر أداء تمارين الصباح الشاقة، دخل عليهم أحد المدربين قبل أن يشرعوا في تناول طعامهم، فخطب فيهم عن أن أهم ما يميز "المقاتل الرسالي –بعد إيمانه بالله-، هو الطاعة في كل الظروف" ثم بعد حديث عن منزلة الطاعة، وبعدما ذكر لهم قصة طالوت وجنوده، وكيف نهاهم عن شرب الماء، فأطاعته طائفة، وعصته أخرى، بعد ذلك: رفع كيساً كان بيده، ثم استخرج منه ضفدعاً بحجم قبضة اليد، أخضر اللون، مع خطوط سوداء، يتصبب لزوجةً وقذارة، ثم صاح فيهم: "من منكم يمثل الفئة التي لم تشرب الماء؟" ففهم الجميع أنه يريدهم أن يضعوا الضفدع في أفواههم ويمضغوه. فقفز أحد الجنود مبادراً معلناً موافقته، ودون تردد وضع الضفدع في فمه، ثم أخذ يضغط عليه ويلوكه بأسنانه، ثم استوقفه المدرب كي يبقي لزملائه بقية، فأخرج الضفدع من فمه، ودفعه لمن بعده، وهكذا تنقل الضفدع بين الأفواه. ويذكر هنا كيف أن بعضهم تقيأ وتذمر. لكن كل ذلك ذهب أدراج رياح الحماس[35].

وبعد تلك التضحية من بعض أبناء الشيعة السعوديين في سبيل ولائهم "لولي الفقيه" ولدولة إيران، ماذا حدث لهؤلاء المغرر بهم؟

يحكي "عادل اللباد" كيف أن الوضع السياسي تغير عليهم في إيران، بعد صفقة "إيران غيت" والتي تسلمت فيها إيران "أسلحة أمريكية" عن طريق "إسرائيل"، وبعدها تم التضييق على المتدربين في المعسكرات داخل إيران، وتمت تصفية "مهدي الهاشمي" المسؤول عن الجناح الثوري لحركات التحرر في إيران، وابتدأت تصفية مجموعة من المعسكرات التدريبية شيئاً فشيئاً، وكأن هذا كان من "بنود الصفقة"، ثم يحكي كيف أن المتدربين تشردوا ما بين الهند، وسوريا، ثم قطعت عنهم المعونات المالية التي كانت تصرف لهم، فعانوا من الحرمان والعوز إضافة لمشكلة الغربة. ثم يحكي كيف تأثر وضعهم بتوتر العلاقة بين "الخميني" و"الشيرازي"[36].

ثم يحكي "عادل اللباد" كيف أن قياداتهم (توفيق السيف، حمزة الحسن، حسن الصفار، جعفر الشايب، عيسى المزعل، صادق الجبران، محمد المحفوظ، موسى بوخمسين) منذ عام (1404هـ) بدأوا يراجعون أنفسهم، بعدما أدركوا عجزهم وفشل مشروعهم، لكنهم لم يستطيعوا تغيير منهجهم في فورة الثورة الإسلامية والحرب العراقية الإيرانية. لكنهم بعد عام (1408هـ)، وبعد نهاية الحرب، بدأ خطاب قياداتهم يتغير[37].

ثم يواصل "عادل اللباد" حكاية معاناتهم مع قياداتهم الثورية فيذكر كيف وقعت خلافات حول "الأموال التي تجبى من شيعة السعودية"، وكيف اعترض قيادات المعارضة الشيعية السعوديين، على فتح حسينية الإمام علي في البحرين، كغطاء لاستقبال تبرعات الشيعة السعوديين[38]. وينقل "عادل اللباد" أن "حسن الصفار" كان يقول لهم: "لدينا رصيد رهيب في أوروبا"[39].

ويتذكر "عادل اللباد" بحرقة شديدة قرار حل الحركة الذي اتخذته القيادة بطريقة منفردة، والدخول في مفاوضات للعودة إلى وطنهم السعودية. ويذكر "عادل اللباد" بألم كيف ضاعت تضحياته وتضحيات غيره سدى، ويذكر الآلام التي عانها الأفراد في سبيل دعم الحركة، حتى إن منهم من كان يتبرع بنصف دخله لهم، ثم في النهاية تم بيع قضيته نظير صفقة سياسية، بين إيران من طرف وأمريكا وإسرائيل من طرف آخر، ثم بين قيادات الثورة والحكومة السعودية ثانياً. وينقل عن توفيق السيف أمين عام حركتهم قوله بلا مبالاة: "لا يجوز لأحدٍ محاسبتنا"[40].

وأخيرًا ينقل "عادل اللباد" عن "حسن الصفار" قوله: "نحن لا نمانع أن يـبقى أحدٌ في الخارج، وسوف ندعمه. فقد جاء لنا (حزب الله الحجاز)، محتجاً على نزولنا. فقلنا: ابقوا أنتم في الخارج معارضة، ونحن في الداخل، لتتوحد الجهود في سبيل الحصول على حقوقنا. فما هي إلا أيام حتى سبقونا في العودة إلى البلد"[41].

وبعد هذه التضحيات من الشباب المغرر بهم من الشيعة تم بيعهم أو قتلهم من قبل إيران بدم بارد، وكذلك تم التضحية بهم من قبل قيادات الثورة المزعومة مقابل مطامع دنيوية ومبالغ مالية، وتبخرت كل الأحلام بالمهدي ودولته بتعاون إيران مع إسرائيل وأمريكا.

فهل يعيد التاريخ نفسه؟

فالمدعو "محمد تقي المدرسي" هو الشخص نفسه الذي يعيد اليوم لعب دوره بالأمس، من تحريض شباب الشيعة في البحرين والسعودية على الخروج والثورة وتكفير المسلمين. وأنتم أيضًا تشاهدون وتلاحظون أن نفس شعارات الأمس تُردد اليوم لكن الأسماء تغيرت، فقد سمعتُ بأذني في أحداث "العوامية" بعض المغرر بهم من أبناء الشيعة يردد: "ارحل يا محمد بن فهد.. أحنا ما ننذل بهالبلد". وهو نفس الشعار الذي أمركم به آية الله "المدرسي" وسمعتُه بنفسي يقول لكم رددوا هذه الشعارات.

و"محمد تقي المدرسي" هو الشخص المخادع صاحب المعسكرات الإيرانية، الذي يقوم بنفس الدور الإجرامي، فقد سمعتُه بنفسي في هذه الأحداث يصف أسر الحكم في الخليج بأنها "فاجرة فاسقة متخلفة"، ويصف السعوديين على وجه الخصوص بأنهم "أحفاد بني أمية"، وهذه أشارة خطيرة إلى تكفير الشعب السعودي واستباحة دمه، لأن الأمويين عند الشيعة "نواصب" حلال دمهم وعرضهم ومالهم. وقد سمعتُ أيضًا "محمد تقي المدرسي" قبل يومين في بيان على قناة "أهل البيت" يأمر الشيعة بالثورة والتمرد والخروج في وجه القوات السعودية. وقد قرأتُ قبل يومين كذلك البيان الصادر من "المشاغبين" في "العوامية" يصفون أنفسهم ومن قام بالشغب بأنهم "جنود خبير"، وهذا فيه إشارة إلى أنهم في معركة مع اليهود، أي أن الشعب السعودي هم اليهود!

والسؤال: هل سيتعظ أبناء الشيعة في الخليج عمومًا وفي السعودية خصوصًا بما مضى؟ أم أنهم يريدون أن يجربوا الاحتراق بنار إيران والقيادات الثورية بأنفسهم؟

أتمنى من أبناء الشيعة في الخليج العربي أن يتمعنوا في هذا الكلام جيدًا، وأن يتقبلوا الحق بصرف النظر عن قائله هل هو على نفس المذهب أو على خلافه، فالحق أصيل، والرجال يُعرفون بالحق كما رُوي عن علي رضي الله عنه.

ثانياً: دعوة إلى حكام الخليج إلى العمل الفكري.

هذه الرسالة الثانية أخص بها حكام الخليج، وعلى وجه الخصوص ولاة الأمر في السعودية –وفقهم الله لخدمة دينه- وأقول لهم: إن الحلول السريعة أو المؤقتة ليست علاجًا للمرض، بل مسكنات مرحلية، لكن المرض لا يزال يمد جذوره بعمق، حتى يميت الجسد. وكذلك فإن الحلول الأمنية ليست وحدها كافية، خصوصا أننا –ولله الحمد- أمام تجربة ناجحة وفريدة في السعودية في مكافحة الإرهاب تعتمد بعد الله على عمل فريد متوازن بين "الفكر" و"الأمن"، ولولا الله ثم العمل الفكري مع الأمني لما تم القضاء على الإرهاب.

إننا هنا نواجه إرهابًا آخر، وعبثًا آخر، المسكنات غير مجدية، ووضع الرأس في التراب أيضًا غير مجدي، لأن غيرك يعمل ويجند جنوده في كل لحظة. والحل الأمني وحده لا يجدي كذلك، والتنازلات لا تجدي، بل قد تفهم بشكل عكسي، ومن القواعد المهمة في العمل السياسي: "أن الضعف يحرض عليك الآخرين".

إن أخطر أنواع الضعف الذي قد تُصاب به أي دولة هو الضعف الفكري، وهذا بدوره سيحرض جميع أشكال وأنواع الأفكار الأخرى المعادية لاختراق نطاقنا الفكري ومنظومتنا الأمنية، لتفقد المنظومة تماسكها وجوهريتها، وجاذبيتها وقوتها. وكما أن الأحداث الإرهابية التي حدثت في السعودية سُبِقت باختراقٍ فكريٍ خارجي وافد، وتم تجنيد مئات الشباب في هذا المسلك الإرهابي، عن طريق إقناعهم بواسطة الفكر أو "القوة الناعمة للتكفيريين"، ومن ثَمَّ أثاروا القتل والدمار أينما حلُّوا، وكانت بدايتهم مجرد فكرة، كذلك الأحداث اليوم في "العوامية" هي في أساسها فكرية أولاً ثم لما أهمل التعامل معها فكريًا تطورت من فكرة إلى عمل كما يقول ذلك "فرانك أنلو" في كتابه "القيادة والتغيير". وإن إهمال المواجهة الفكرية اليوم يهدد ديننا وأمننا الفكري ووطننا، فبالفكرة وحدها يمكن اختراق أقوى الأنظمة كما يقول "جوزيف ناي" -مدير مجلس المخابرات الوطني الأمريكي- في مؤلفه "القوة الناعمة".

إن الحل هو في عمل فكري كبير ومنظم ومدعوم يواجه العمل الفكري الذي تقوم به "الدولة الأجنبية"، التي تمتلك وتمول وتدعم أكثر من (40) قناة فضائية، وتملك وتدعم مئات المواقع الضخمة على الشبكة العنكبوتية، ولها عشرات الآلاف من المندوبين والمبلغين والمبشرين، وعندها مئات المراكز الناشطة، وعشرات المراكز البحثية، وفي المقابل لا يوجد شيء من ذلك ألبتة في دول الخليج مجتمعة.

إن الأفكار التي تبثها "الدولة الأجنبية" مثل "أحلام المهدي" أو فكرة "313" أو فكرة "مقتل حاكم خليجي"، أو غير ذلك من الأفكار ذات الطابع الثوري أو الانفصالي، أو بث الكراهية والأحقاد في المسيرات الفكرية المعبأة والملغمة، إذا لم يُلتفت إليه فكريًا فسوف تصنع أفعلاً وأحداثًا، لأن جاذبيتها على الطرف المستعد للإيمان بها كبير، ومن ثم يسهل على "الدولة الأجنبية" –كما يقول"جوزيف ناي"- أن تستغل جاذبيتها الفكرية وتسخير ذلك لزيادة إمكانية اختراقها والتأثير عليها.

إن عدم الاهتمام بهذا الجانب وتجاهله يُعد بكل وضوح تضحية بجيل يمكن أن يُغرر به ويفقد ولاءه، والاستهانة بقناة فضائية أو مركز فكري أو عالم ديني يوجه رسائل ثورية؛ خطأ فادح وكبير، لأن"الأفكار الفلسفية التي يطرحها أستاذ من مكتبه الهادئ قادرة على إبادة حضارة بكاملها" كما قال الألماني "هاينه". وحقيقة الأمر كما ذكر ذلك "روبرت رايلي"، مدير إذاعة صوت أمريكا، هي: "أن الحروب تخاض ويتم فيها تحقيق النصر أو الهزيمة في عقول الناس، قبل وقت طويل من بلوغها نهايتها في ميدان قتال بعيد". وإهمال الأفكار المخالفة دون تصدٍّ لها "يكسبها قوة كاسحة، لا يمكن مقاومتها أو كبحها، تفرض على أعداد هائلة من البشر"، كما يقول الباحث الغربي "إيزايا برلين".

فحينما تدعم إيران والمرجعيات الموالية لها عشرات القنوات الفضائية لبث الكراهية والإرهاب، ونشر التشيع، وطباعة الكتب بالآلاف بل بالملايين، وتوزيع الأشرطة، وإقامة المؤتمرات ومراكز البحث العلمي بالعشرات، لا تجد من يقابل مشروعها الفكري بأقل القليل.

وحينما يقوم مركز فكري إيراني متخصص مثل مركز "الدراسات العقدية" بإيران، بنشاطات التجسس في الخليج وتجنيد من يسميهم "المستبصرين" أو "المبلغين"، فإنه لا يوجد مركز خليجي واحد يرصد ذلك ويتابعه فكريًا.

وحينما يقوم في إيران مثل "محمد تقي المدرسي" منذ عقود بعمل مكثف للدعوة إلى الإرهاب والتمرد والخروج المسلح، وفتح معسكرات إرهابية لتدريب المتطوعين على الاغتيالات والقتل والتفجير، ثم هو اليوم من إيران وكربلاء يكرر عمله في أحداث "البحرين" و"العوامية"، ويدعو للإرهاب والفتنة، ويبث أشرطته، ويُلقي كلماته عبر قنوات الشيعة ومنها قناة "أهل البيت"، ويطبع كتبه وأبحاثه، ويوجه دعوات صريحة وتحريضية على العنف، ومع ذلك لم يُتَخَذ بحقه أي إجراء قانوني، بل ولم يتم دراسة مشروعه الفكري وأهدافه من قبل مركز مختص.

وحينما يقوم عالم ديني آخر في إيران وهو "علي الكوراني" ويـبث أفكارًا دينية متطرف يُـبشر فيها بقرب مقتل حاكم خليجي، كما في كتابه (عصر الظهور)، لا يُحاسب قانونيًا ولا يواجه فكريًا، مع أن تلك الأفكار خطيرة جدًا. ويجب أن لا يُستهان بهذه الأفكار التي يروجها القادة في إيران، فعن طريقها تمرر المشاريع السياسية المشبوهة. "فعلي الكوراني" حين يسرد في كتابه بشارات وعلامات خروج مهدي الشيعة، ويسرد مجموعة روايات، منها مقتل شخص اسمه "الملك عبدالله" في الحج وفي عرفات، ماذا يريد، وماذا يقصد، ولأي شيء يهدف؟

ولتتضح الصورة أكثر، فقد ذكر روايات كثيرة منها: ما ينسبون إلى جعفر بن محمد أنه قال: "من يضمن لي موت عبد الله أضمن له القائم. ثم قال: إذا مات عبدالله لم يجتمع الناس بعدة على أحد، ولم يتناه هذا الأمر دون صاحبكم إن شاء الله. ويذهب ملك السنين، ويصير ملك الشهور والأيام. فقلت: يطول ذلك ؟ قال: كلا". ثم يتحدث "الكوراني" بهذه الأمر على القنوات الشيعية بلغة تحريضية واضحة على الاغتيال والإرهاب، ثم يؤكد في كتابه أنَّ: "عبد الله آخر من يحكم الحجاز"، ثم يقول إن الروايات "تكاد تكون متواترة بأن ظهور المهدي عليه السلام يكون على أثر موت حاكم أو ملك أو خليفة واختلاف على من يكون بعده وحصول أحداث داخلية و فراغ سياسي في الحجاز" [42].

ثم يقوم شيوخ الشيعة بترويج مثل هذه الشائعات الخطرة، مثل الشيخ "فارس فقيه" حيث يقول: "تشير الرواية إلى أن آخر حكام الحجاز هو الملك عبدالله، وأن الأسرة الحاكمة ستختلف من بعده على غرار الخلاف الذي حصل في الكويت"[43]. ويقول الشيخ "ماجد المهدي" ما نصه: "ستكون هناك حالة فراغ سياسي في ذلك الوقت بعد موت ملك و اسمه (عبد الله) ونحن نعرف إن الأمير عبد الله هو ولي العهد في السعودية اليوم وأن مسالة تسلمه الحكم أصبحت مسألة وقت. وقد ذُكر عن الإمام الصادق "من يضمن لي موت عبد الله اضمن له القائم المهدي، أما إنه إذا مات عبد الله لم يجتمع الناس بعده على أحد" [44].

أقول: إن أخطر ما في هذا الأمر أن زعماء وساسة الشيعة، الموجود معظمهم في إيران، يوظفون تلك الروايات المكذوبة على أرض الواقع، ويحمسون ويشجعون أتباعهم ومن يواليهم على تحقيقها من أجل تعجيل خروج المهدي. وقد ثبت أنه في منتصف عام 2004، وتحديداً في 18 يونيو/ حزيران، حينما اندلعت في اليمن "فتنة الحوثي" بقيادة "حسين الحوثي"، والتي كبدت اليمنيين الكثير من الخسائر في الأرواح والممتلكات، كان وراءها دعماً إيرانيا لوجستياً، ووجدوا أوراقاً ووثائق إيرانية تثبت ذلك، وقد سبق ذلك بثٌ لأفكارٍ مشابهٍ نص فيها "علي الكوراني" على أن "الحوثي" هو الزعيم اليماني الذي بشر به الأئمة. وهذا اليماني هو من يعتقدون أنه سيساعد المهدي في إسقاط حكام الحجاز.

ويقول مؤلف كتاب "الحرب في صعدة": "لم يظهر التعصب المذهبي إلى أن ذهب حسين الحوثي مع والده إلى إيران وأقاما هناك عدة أشهر، ثم قيامه بزيارة حزب الله في لبنان، ثم قدوم مجموعة من الشيعة العراقيين إلى مراكزه التي أقامها، للتدريس فيها، وقد أدّى ذلك إلى التأثير عليه وعلى أتباعه".

ولذلك، فإن ما تعمله إيران في العراق والبحرين وسوريا ولبنان واليمن والعوامية وغيرها من المناطق هو استهداف بالدرجة الأولى لدول أهل السنة وعلى رأسها السعودية، وطبقاً لقول مسئول رفيع المستوى في وزارة الاستخبارات الإيرانية، فإن "إيران تعتبر السعودية هي منافسها الرئيسي ليس فقط في المنطقة، ولكن في العالم الإسلامي ككل، ومن ثم فإن عملياتنا في العراق وفي الخليج تمثل وسائلنا الأساسية لموازنة ذلك"[45].

إن إيران لديها الاستعداد أن تحرق جميع أبناء شيعة المنطقة لتحقيق توسعها ونفوذها، وذلك من خلال مشروعها الفكري التبشيري، وقد بذلت لذلك عشرات القنوات والمراكز والصحف ومواقع الإنترنت، واستخدمت علماء الشيعة القابعون عندها لترويج الشائعات والأساطير والخرافات التي تبث الفتن والبلبلة بين أبناء الشيعة أنفسهم وبينهم وبين أهل السنة الذين يعيشون معهم بسلام ووئام في الخليج العربي.

والسؤال الأخير والمهم: هل سيوجد هناك مشروع أو برنامج فكري يواجه المشروع الفكري الإيراني، لحماية أبناء الوطن، سنة وشيعة؟

أتمنى أن لا يطول الانتظار، في وقتٍ يعمل من يريد بالبلاد السوء ليل نهار!

عايض بن سعد الدوسري
الرياض
7/10/2011