- الجمعة ديسمبر 23, 2011 8:30 pm
#45402
صنع السياسة الخارجية
يقصد بصنع السياسة الخارجية تحويل الهدف العام للدولة إلى قرار محدد. و السياسة الخارجية للدولة هي من صنع أفراد وجماعات يمثلون الدولة ويعرفون بصناع القرارات. لذا فصناعة قرارات السياسة الخارجية يمكن أن تدرس في ضوء التفاعل بين متخذي أو صناع القرارات وبيئتهم الداخلية.
إن ما يميز قرارات السياسة الخارجية عن بقية القرارات هي أنها تخضع لتفاعل فريد من نوعه ألا وهو التفاعل بين البيئة الداخلية والخارجية وما يحتويه ذلك التفاعل من ضغوط مختلفة ومتعارضة.
وأن عملية صناعة القرار الخارجي تختلف من دولة إلى أخرى حسب تركيبة النظام السياسي للدولة. إلا أنه رغم هذا الاختلاف في النظم السياسية للدول فإن هناك أصولاً مشتركة في صنع السياسة الخارجية. فبغض النظر عن طبيعة النظام السياسي يشارك في صناعة القرار الخارجي عدد من الأجهزة الحكومية والتي عادة ما يكون لها مفاهيم ومواقف مختلفة. . . إلا انه خلال عملية صناعة القرار تقلل التناقضات بين الأجهزة المختلفة وتقرب وجهات النظر بقدر الإمكان. . .
عموماً يمكن أن نميز بين مجموعتين تساهمان في صنع السياسة الخارجية. المؤسسات الحكومية والمؤسسات غير الحكومية. المؤسسات الحكومية تتمثل بالسلطة التنفيذية وما يتبعها من أجهزة فرعية مثل الوزارات والمؤسسات العامة، وكذلك السلطة التشريعية وما تشمله من لجان مختلفة. أما المؤسسات غير الحكومية فهي تشمل الأحزاب السياسية، وجماعات المصالح، والإعلام، والرأي العام.
المؤسسات الحكومية: Governmental Institutions
رغم أن حديثنا عن المؤسسات الحكومية ودورها في صنع السياسة الخارجية سوف يكون حديثاً عاماً إلا أننا سنوظف الهيكل الأمريكي لمحاولة توضيح عملية صنع السياسة الخارجية من خلال المؤسسات الحكومية. في هذا الإطار فان المؤسسات الحكومية المعنية بصنع السياسة الخارجية تشمل كلا من: رئيس الحكومة، وزير الخارجية، الاستخبارات، مجلس الأمن القومي، والسلطة التشريعية.
رئيس الحكومة: Head of Government
إن أول خطوة يبدأ بها صنع القرار هي "مشروع القرار" حيث تتقدم الحكومة ممثلة برئيسها بالمشروع إلى السلطة التشريعية (الكونجرس). وفي الحكومة تبدأ فكرة المشروع أما بمبادرة من رئيس الحكومة أو من أحد وزرائه أو مستشاريه سواء نتيجة لمبادراتهم الذاتية أو نتيجة لطلب تقدمت به حكومة أجنبية.
وعادة ما يكون لرئيس الدولة دوراً بارزاً في صناعة القرار السياسي في الدولة ذات النظام الرئاسي مثل أمريكا حيث يجمع الرئيس بين رئاسة الحكومة والجمهورية.
وفي الدول ذات النظام البرلماني مثل بريطانيا والهند والتي لها رئيس دولة بالإضافة إلى رئيس الحكومة يكون دور رئيس الدولة (سواء كان ملكاً أو رئيس جمهورية) دوراً مراسيمياً فقط يتمثل باستقبال السفراء وتمثيل الدولة في المناسبات القومية والدولية. أما صنع القرارات الخارجية فيترك لرئيس الحكومة مع وزرائه.
إن أهمية دور رئيس الحكومة في صنع السياسة الخارجية تستمد عادة من السلطات الواسعة التي يمنحها له دستور الدولة، ومن طبيعة العمل في مجال السياسة الخارجية.
ففي أمريكا مثلاً ينص دستور الدولة على أن الرئيس هو القائد الأعلى للقوات المسلحة وهو القناة الرسمية الوحيدة للاتصال بالحكومات الأجنبية. وفي عام 1936م، أكدت المحكمة الفيدرالية العليا في أمريكا ما نص عليه الدستور الأمريكي حيث قضت بأن للرئيس وحده سلطة تمثيل الحكومة الأمريكية في مجال العلاقات الدولية. فلا الكونجرس الأمريكي ولا أي جماعة أو إدارة أخرى يمكنها التفاوض مع الحكومات الأخرى باسم الحكومة الأمريكية.
وبالإضافة إلى هذه الصلاحيات الدستورية الواسعة فإن طبيعة العمل في مجال السياسة الخارجية يعطي الحكومة ممثلة برئيسها سلطة خاصة. فالمعروف إن إدارة الشؤون الخارجية في أي دولة تتطلب معلومات ومثل هذه المعلومات تتاح لعدد محدود من المسؤولين في مقدمتهم رئيس الحكومة. وبذلك فعدم توفر هذه المعلومات السرية لدى الكونجرس وغيره من الأجهزة الأخرى يجعلها غير قادرة على اتخاذ أي قرار في مجال العلاقات الدولية.
وعندما نتحدث عن دور الرئيس في صنع السياسة الخارجية فلا يعني أنه يقوم بنفسه بإعداد مشروع القرار وبلورة الأفكار. بل أنه كثيراً ما يلجأ للاستنارة والترشيد إلى جهاز استشاري ضخم يضم مستشارين ذوي خبرة ومعرفة في الشؤون الدولية.
وفي أمريكا وغيرها من دول العالم يقوم مستشاروا رئيس الحكومة في الشؤون الدولية بدور لا يقل عن دور وزير الخارجية إن لم يكن أكثر. فالمستشارون نظراً لاتصالهم شبه اليومي برئيس الحكومة وتوفر المعلومات لهم يكونوا الأقرب إلى معرفة النظرة العامة لرئيس الحكومة وما يفضله من خيارات. لذا تكون توصياتهم الأكثر قبولاً لرئيس الحكومة وكثيراً ما يفضلها على اقتراحات وتوصيات رؤساء الإدارات الأخرى بمن فيهم وزير الخارجية.
أما دور بقية أعضاء الحكومة (الوزراء) في صنع السياسة الخارجية فهو عادة ما يكون دوراً محدوداً نظراً لنقص المعلومات المتاحة لهم وانشغالهم باختصاصاتهم. وكثيراً ما تحظى توصيات رئيس الحكومة ووزير خارجيته بموافقة أعضاء الحكومة.
وزير الخارجية: Minister of Foreign Affairs
ويلي رئيس الحكومة في الأهمية وزير الخارجية والذي يسمى في بريطانيا بسكرتير الدولة للشؤون الخارجية وفي أمريكا بسكرتير الدولة. ويعتمد دور وزير الخارجية في صناعة السياسة الخارجية على علاقاته برئيس الحكومة وعلى اهتمام رئيس الحكومية بالسياسة الخارجية.
فمن حيث العلاقة من المعروف أنه إذا كان وزير الخارجية من اختيار رئيس الحكومة فهو عادة يحظى بثقته ويمنحه صلاحيات واسعة ويكون له دور كبير في صناعة القرار السياسي الخارجي. أما إذا كان وزير الخارجية مفروضاً على رئيس الحكومة وتولي منصبه نتيجة لائتلاف حكومي أو مطالب حزبية ففي مثل هذا الوضع تكون علاقاته مع رئيس الحكومة فيها نوع من التردد وعدم الثقة. وهذا يجعل رئيس الحكومة حذراً في منح الصلاحيات الواسعة لوزير خارجيته.
أما من حيث الاهتمام فإن اهتمام رئيس الحكومة في السياسة الخارجية له أثر على دور وزير الخارجية. فخلال رئاسة الرئيس الأمريكي "ايزنهاور" للولايات المتحدة كان لوزير خارجيته "جون فوستر دلس" دور كبير في صنع السياسة الخارجية الأمريكية لأن الرئيس "ايزنهاور" كان غير مهتم في تفاصيل القرارات بصفة عامة والخارجية منها بصفة خاصة.
وعلى خلاف "ايزنهاور" كان الرئيس الأمريكي "كيندي" مهتماً إلى أبعد الحدود بتفاصيل القرارات التي يتخذها وبالذات الخارجية. وفي الأشهر الأولى من رئاسته للولايات المتحدة لوحظ أن سكرتير الدولة (وزير الخارجية) يتلقى باستمرار استفسارات من الرئيس "كيندي" عن بعض التفاصيل الدقيقة في بعض الأمور الخارجية.
وعموماً يمكن القول أنه مهما كانت الثقة بين رئيس الحكومة ووزير الخارجية ومهما قل اهتمام رئيس الحكومة في المسائل الخارجية فإن وزير الخارجية "لا يضع سياسات بدون موافقة رئيس الحكومة".
ويستمد وزير الخارجية أهميته من رئاسته لأهم جهاز ذي صلة بالشؤون الدولية وهو وزارة الخارجية. وتعتبر وزارة الخارجية من المصادر الرئيسية للمعلومات الخارجية ومن الأدوات الأساسية لتنفيذ السياسة الخارجية.
فمن حيث المعلومات تقوم السفارات بإرسال تقارير مفصلة ومستمرة عن أوضاع الدول المختلفة التي توجد بها. وبعد وصول هذه التقارير يتم تحليلها عن طريق خبراء مختصين موزعين على أقسام رئيسية في وزارة الخارجية. ويقدم ملخص لهذه التقارير بعد تحليلها إلى وزير الخارجية مع نصيحة حول ما يجب أن تكون عليه السياسة الخارجية.
وبالإضافة إلى كون وزارة الخارجية مصدراً أساسياً للمعلومات فهي إدارة هامة لتنفيذ سياسة الحكومة الخارجية. وتقوم وزارة الخارجية بتنفيذ السياسة الخارجية عن طريق بعثاتها الدبلوماسية وتعتبر مهمة تنفيذ السياسة الخارجية من أبرز مهام السلك الدبلوماسي.
وبالإضافة إلى مهمة جمع المعلومات وتحليلها وتنفيذ سياسة الدولة الخارجية تقوم وزارة الخارجية عن طريق السفارات التابعة لها بمهام جانبية أخرى مثل رعاية مصالح الدولة ومواطنيها في الخارج وتمثيل الحكومة والتفاوض باسمها.
الاستخبارات: Intelligence Organizations
ولها دور في صناعة السياسة الخارجية شبيهة بدور وزارة الخارجية، إلا أنها تتميز عن وزارة الخارجية بسرية نشاطاتها نظراً لعدم قانونية وشرعية ممارساتها.
كذلك تختلف عن وزارة الخارجية بأنها لا تستخدمها كل الدول كأداة للسياسة الخارجية وإنما تستخدمها دول محدودة عادة تكون دولاً قوية وغنية ونشطة في المجتمع الدولي مثل الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي.
والاستخبارات كأداة للسياسة الخارجية برزت بشكل ملحوظ بعد الحرب العالمية الثانية ولعبت دوراً بارزاً في توجيه السياسة الدولية في المجتمع الدولي والسياسات الخارجية للعديد من الدول. وهي بصفة عامة مثل وزارة الخارجية تقوم بجمع المعلومات وتحليلها وكذلك تعمل كأداة لتنفيذ سياسة الحكومة الخارجية.
إلا أن ما يميزها عن وزارة الخارجية هو أنها تختص بجمع المعلومات السرية ذات الصلة بالأمن القومي وتعمل لتنفيذ سياسات الحكومة التي لا تتفق مع القواعد الدبلوماسية المألوفة. ومن أبرز أجهزة الاستخبارات في العالم وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية والتي تعرف بـ "سي. آي . أيه" C.I.A Central Intelligence Agency
تأسست وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي. آي . أيه" عام 1947م. . . [حيث] وجدت لتؤدي ثلاث وظائف رئيسية كلها ذات صلة بالأمن القومي الأمريكي. وهذه الوظائف هي:
1- جمع المعلومات السرية عن الدول الأخرى وتقييمها.
2- التدخل السياسي السري وعمليات الحرب النفسية في المناطق الأجنبية.
3- عمليات الاستخبارات المضادة فيما وراء البحار.
الأجهزة الحكومية الأخرى
وبالإضافة إلى وزارة الخارجية والاستخبارات العامة هناك أجهزة حكومية أخرى لها دور . . . في صنع القرارات الخارجية. ويعتمد هذا الدور على طبيعة القرار الخارجي ومدى علاقة هذا القرار بوظيفة وعمل الجهاز الحكومي.
وفي المملكة العربية السعودية . . . فإن أكثر الوزارات . . . فيها لها علاقات مستمرة مع دول أخرى ومع مؤسسات دولية وإقليمية. ومن أبرز الوزارات . . . السعودية التي لها علاقات دولية مستمرة . . . الإعلام، الدفاع، البترول، التجارة، و التعليم العالي . . . هذه الوزارات . . . لها اتصال شبه يومي مع الخارج.
مجلس الأمن القومي: National Security Council
وهذا المجلس يوجد في بعض الدول ويأخذ أحياناً صفة لجنة خاصة في الحكومة وهو يقوم بدور استشاري يتمثل بتقديم النصيحة لرئيس الدولة فيما يتعلق بتنسيق السياسات الرئيسية ذات الصلة بالأمن القومي وهي: الخارجية ، والعسكرية، وبعض السياسات الداخلية ذات الصلة بالأمن القومي.
وفي أمريكا يتكون مجلس الأمن القومي من الرئيس والذي يعمل كرئيس للمجلس، نائب الرئيس، وسكرتير الدولة (وزير الخارجية)، وسكرتير الدفاع (وزير الدفاع). أما مساعد الرئيس لشؤون الأمن القومي فهو يعمل كمدير تنفيذي للمجلس.
وفي بعض الحالات يدعو رئيس المجلس (رئيس الحكومة) بعض الأشخاص لحضور المجلس مثل مندوب الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، ورئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، ومدير الاستخبارات العام ("سي. آي . أيه" وبعض موظفي البيت الأبيض.
إن الوظيفة الرئيسية لمجلس الأمن القومي هي جمع المسؤولين الكبار في الحكومة وتزويدهم بمعلومات متكاملة وشاملة تؤهلهم لاستعراض تحليلي لسياسات الأمن القومي. وعادة ما يكون للمجلس مجموعة خاصة من الباحثين الذين يقومون بتقديم الدراسات ذات الصلة بوظيفة المجلس.
وباختصار يمكن القول أن مجلس الأمن القومي يقوم بدور المخطط والمنسق للسياسة الخارجية للدولة وبالذات السياسة الأمنية. فهو يحدد الإطار العام للقرار الخارجي ويساهم بذلك في صنع السياسة الخارجية.
يقصد بصنع السياسة الخارجية تحويل الهدف العام للدولة إلى قرار محدد. و السياسة الخارجية للدولة هي من صنع أفراد وجماعات يمثلون الدولة ويعرفون بصناع القرارات. لذا فصناعة قرارات السياسة الخارجية يمكن أن تدرس في ضوء التفاعل بين متخذي أو صناع القرارات وبيئتهم الداخلية.
إن ما يميز قرارات السياسة الخارجية عن بقية القرارات هي أنها تخضع لتفاعل فريد من نوعه ألا وهو التفاعل بين البيئة الداخلية والخارجية وما يحتويه ذلك التفاعل من ضغوط مختلفة ومتعارضة.
وأن عملية صناعة القرار الخارجي تختلف من دولة إلى أخرى حسب تركيبة النظام السياسي للدولة. إلا أنه رغم هذا الاختلاف في النظم السياسية للدول فإن هناك أصولاً مشتركة في صنع السياسة الخارجية. فبغض النظر عن طبيعة النظام السياسي يشارك في صناعة القرار الخارجي عدد من الأجهزة الحكومية والتي عادة ما يكون لها مفاهيم ومواقف مختلفة. . . إلا انه خلال عملية صناعة القرار تقلل التناقضات بين الأجهزة المختلفة وتقرب وجهات النظر بقدر الإمكان. . .
عموماً يمكن أن نميز بين مجموعتين تساهمان في صنع السياسة الخارجية. المؤسسات الحكومية والمؤسسات غير الحكومية. المؤسسات الحكومية تتمثل بالسلطة التنفيذية وما يتبعها من أجهزة فرعية مثل الوزارات والمؤسسات العامة، وكذلك السلطة التشريعية وما تشمله من لجان مختلفة. أما المؤسسات غير الحكومية فهي تشمل الأحزاب السياسية، وجماعات المصالح، والإعلام، والرأي العام.
المؤسسات الحكومية: Governmental Institutions
رغم أن حديثنا عن المؤسسات الحكومية ودورها في صنع السياسة الخارجية سوف يكون حديثاً عاماً إلا أننا سنوظف الهيكل الأمريكي لمحاولة توضيح عملية صنع السياسة الخارجية من خلال المؤسسات الحكومية. في هذا الإطار فان المؤسسات الحكومية المعنية بصنع السياسة الخارجية تشمل كلا من: رئيس الحكومة، وزير الخارجية، الاستخبارات، مجلس الأمن القومي، والسلطة التشريعية.
رئيس الحكومة: Head of Government
إن أول خطوة يبدأ بها صنع القرار هي "مشروع القرار" حيث تتقدم الحكومة ممثلة برئيسها بالمشروع إلى السلطة التشريعية (الكونجرس). وفي الحكومة تبدأ فكرة المشروع أما بمبادرة من رئيس الحكومة أو من أحد وزرائه أو مستشاريه سواء نتيجة لمبادراتهم الذاتية أو نتيجة لطلب تقدمت به حكومة أجنبية.
وعادة ما يكون لرئيس الدولة دوراً بارزاً في صناعة القرار السياسي في الدولة ذات النظام الرئاسي مثل أمريكا حيث يجمع الرئيس بين رئاسة الحكومة والجمهورية.
وفي الدول ذات النظام البرلماني مثل بريطانيا والهند والتي لها رئيس دولة بالإضافة إلى رئيس الحكومة يكون دور رئيس الدولة (سواء كان ملكاً أو رئيس جمهورية) دوراً مراسيمياً فقط يتمثل باستقبال السفراء وتمثيل الدولة في المناسبات القومية والدولية. أما صنع القرارات الخارجية فيترك لرئيس الحكومة مع وزرائه.
إن أهمية دور رئيس الحكومة في صنع السياسة الخارجية تستمد عادة من السلطات الواسعة التي يمنحها له دستور الدولة، ومن طبيعة العمل في مجال السياسة الخارجية.
ففي أمريكا مثلاً ينص دستور الدولة على أن الرئيس هو القائد الأعلى للقوات المسلحة وهو القناة الرسمية الوحيدة للاتصال بالحكومات الأجنبية. وفي عام 1936م، أكدت المحكمة الفيدرالية العليا في أمريكا ما نص عليه الدستور الأمريكي حيث قضت بأن للرئيس وحده سلطة تمثيل الحكومة الأمريكية في مجال العلاقات الدولية. فلا الكونجرس الأمريكي ولا أي جماعة أو إدارة أخرى يمكنها التفاوض مع الحكومات الأخرى باسم الحكومة الأمريكية.
وبالإضافة إلى هذه الصلاحيات الدستورية الواسعة فإن طبيعة العمل في مجال السياسة الخارجية يعطي الحكومة ممثلة برئيسها سلطة خاصة. فالمعروف إن إدارة الشؤون الخارجية في أي دولة تتطلب معلومات ومثل هذه المعلومات تتاح لعدد محدود من المسؤولين في مقدمتهم رئيس الحكومة. وبذلك فعدم توفر هذه المعلومات السرية لدى الكونجرس وغيره من الأجهزة الأخرى يجعلها غير قادرة على اتخاذ أي قرار في مجال العلاقات الدولية.
وعندما نتحدث عن دور الرئيس في صنع السياسة الخارجية فلا يعني أنه يقوم بنفسه بإعداد مشروع القرار وبلورة الأفكار. بل أنه كثيراً ما يلجأ للاستنارة والترشيد إلى جهاز استشاري ضخم يضم مستشارين ذوي خبرة ومعرفة في الشؤون الدولية.
وفي أمريكا وغيرها من دول العالم يقوم مستشاروا رئيس الحكومة في الشؤون الدولية بدور لا يقل عن دور وزير الخارجية إن لم يكن أكثر. فالمستشارون نظراً لاتصالهم شبه اليومي برئيس الحكومة وتوفر المعلومات لهم يكونوا الأقرب إلى معرفة النظرة العامة لرئيس الحكومة وما يفضله من خيارات. لذا تكون توصياتهم الأكثر قبولاً لرئيس الحكومة وكثيراً ما يفضلها على اقتراحات وتوصيات رؤساء الإدارات الأخرى بمن فيهم وزير الخارجية.
أما دور بقية أعضاء الحكومة (الوزراء) في صنع السياسة الخارجية فهو عادة ما يكون دوراً محدوداً نظراً لنقص المعلومات المتاحة لهم وانشغالهم باختصاصاتهم. وكثيراً ما تحظى توصيات رئيس الحكومة ووزير خارجيته بموافقة أعضاء الحكومة.
وزير الخارجية: Minister of Foreign Affairs
ويلي رئيس الحكومة في الأهمية وزير الخارجية والذي يسمى في بريطانيا بسكرتير الدولة للشؤون الخارجية وفي أمريكا بسكرتير الدولة. ويعتمد دور وزير الخارجية في صناعة السياسة الخارجية على علاقاته برئيس الحكومة وعلى اهتمام رئيس الحكومية بالسياسة الخارجية.
فمن حيث العلاقة من المعروف أنه إذا كان وزير الخارجية من اختيار رئيس الحكومة فهو عادة يحظى بثقته ويمنحه صلاحيات واسعة ويكون له دور كبير في صناعة القرار السياسي الخارجي. أما إذا كان وزير الخارجية مفروضاً على رئيس الحكومة وتولي منصبه نتيجة لائتلاف حكومي أو مطالب حزبية ففي مثل هذا الوضع تكون علاقاته مع رئيس الحكومة فيها نوع من التردد وعدم الثقة. وهذا يجعل رئيس الحكومة حذراً في منح الصلاحيات الواسعة لوزير خارجيته.
أما من حيث الاهتمام فإن اهتمام رئيس الحكومة في السياسة الخارجية له أثر على دور وزير الخارجية. فخلال رئاسة الرئيس الأمريكي "ايزنهاور" للولايات المتحدة كان لوزير خارجيته "جون فوستر دلس" دور كبير في صنع السياسة الخارجية الأمريكية لأن الرئيس "ايزنهاور" كان غير مهتم في تفاصيل القرارات بصفة عامة والخارجية منها بصفة خاصة.
وعلى خلاف "ايزنهاور" كان الرئيس الأمريكي "كيندي" مهتماً إلى أبعد الحدود بتفاصيل القرارات التي يتخذها وبالذات الخارجية. وفي الأشهر الأولى من رئاسته للولايات المتحدة لوحظ أن سكرتير الدولة (وزير الخارجية) يتلقى باستمرار استفسارات من الرئيس "كيندي" عن بعض التفاصيل الدقيقة في بعض الأمور الخارجية.
وعموماً يمكن القول أنه مهما كانت الثقة بين رئيس الحكومة ووزير الخارجية ومهما قل اهتمام رئيس الحكومة في المسائل الخارجية فإن وزير الخارجية "لا يضع سياسات بدون موافقة رئيس الحكومة".
ويستمد وزير الخارجية أهميته من رئاسته لأهم جهاز ذي صلة بالشؤون الدولية وهو وزارة الخارجية. وتعتبر وزارة الخارجية من المصادر الرئيسية للمعلومات الخارجية ومن الأدوات الأساسية لتنفيذ السياسة الخارجية.
فمن حيث المعلومات تقوم السفارات بإرسال تقارير مفصلة ومستمرة عن أوضاع الدول المختلفة التي توجد بها. وبعد وصول هذه التقارير يتم تحليلها عن طريق خبراء مختصين موزعين على أقسام رئيسية في وزارة الخارجية. ويقدم ملخص لهذه التقارير بعد تحليلها إلى وزير الخارجية مع نصيحة حول ما يجب أن تكون عليه السياسة الخارجية.
وبالإضافة إلى كون وزارة الخارجية مصدراً أساسياً للمعلومات فهي إدارة هامة لتنفيذ سياسة الحكومة الخارجية. وتقوم وزارة الخارجية بتنفيذ السياسة الخارجية عن طريق بعثاتها الدبلوماسية وتعتبر مهمة تنفيذ السياسة الخارجية من أبرز مهام السلك الدبلوماسي.
وبالإضافة إلى مهمة جمع المعلومات وتحليلها وتنفيذ سياسة الدولة الخارجية تقوم وزارة الخارجية عن طريق السفارات التابعة لها بمهام جانبية أخرى مثل رعاية مصالح الدولة ومواطنيها في الخارج وتمثيل الحكومة والتفاوض باسمها.
الاستخبارات: Intelligence Organizations
ولها دور في صناعة السياسة الخارجية شبيهة بدور وزارة الخارجية، إلا أنها تتميز عن وزارة الخارجية بسرية نشاطاتها نظراً لعدم قانونية وشرعية ممارساتها.
كذلك تختلف عن وزارة الخارجية بأنها لا تستخدمها كل الدول كأداة للسياسة الخارجية وإنما تستخدمها دول محدودة عادة تكون دولاً قوية وغنية ونشطة في المجتمع الدولي مثل الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي.
والاستخبارات كأداة للسياسة الخارجية برزت بشكل ملحوظ بعد الحرب العالمية الثانية ولعبت دوراً بارزاً في توجيه السياسة الدولية في المجتمع الدولي والسياسات الخارجية للعديد من الدول. وهي بصفة عامة مثل وزارة الخارجية تقوم بجمع المعلومات وتحليلها وكذلك تعمل كأداة لتنفيذ سياسة الحكومة الخارجية.
إلا أن ما يميزها عن وزارة الخارجية هو أنها تختص بجمع المعلومات السرية ذات الصلة بالأمن القومي وتعمل لتنفيذ سياسات الحكومة التي لا تتفق مع القواعد الدبلوماسية المألوفة. ومن أبرز أجهزة الاستخبارات في العالم وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية والتي تعرف بـ "سي. آي . أيه" C.I.A Central Intelligence Agency
تأسست وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي. آي . أيه" عام 1947م. . . [حيث] وجدت لتؤدي ثلاث وظائف رئيسية كلها ذات صلة بالأمن القومي الأمريكي. وهذه الوظائف هي:
1- جمع المعلومات السرية عن الدول الأخرى وتقييمها.
2- التدخل السياسي السري وعمليات الحرب النفسية في المناطق الأجنبية.
3- عمليات الاستخبارات المضادة فيما وراء البحار.
الأجهزة الحكومية الأخرى
وبالإضافة إلى وزارة الخارجية والاستخبارات العامة هناك أجهزة حكومية أخرى لها دور . . . في صنع القرارات الخارجية. ويعتمد هذا الدور على طبيعة القرار الخارجي ومدى علاقة هذا القرار بوظيفة وعمل الجهاز الحكومي.
وفي المملكة العربية السعودية . . . فإن أكثر الوزارات . . . فيها لها علاقات مستمرة مع دول أخرى ومع مؤسسات دولية وإقليمية. ومن أبرز الوزارات . . . السعودية التي لها علاقات دولية مستمرة . . . الإعلام، الدفاع، البترول، التجارة، و التعليم العالي . . . هذه الوزارات . . . لها اتصال شبه يومي مع الخارج.
مجلس الأمن القومي: National Security Council
وهذا المجلس يوجد في بعض الدول ويأخذ أحياناً صفة لجنة خاصة في الحكومة وهو يقوم بدور استشاري يتمثل بتقديم النصيحة لرئيس الدولة فيما يتعلق بتنسيق السياسات الرئيسية ذات الصلة بالأمن القومي وهي: الخارجية ، والعسكرية، وبعض السياسات الداخلية ذات الصلة بالأمن القومي.
وفي أمريكا يتكون مجلس الأمن القومي من الرئيس والذي يعمل كرئيس للمجلس، نائب الرئيس، وسكرتير الدولة (وزير الخارجية)، وسكرتير الدفاع (وزير الدفاع). أما مساعد الرئيس لشؤون الأمن القومي فهو يعمل كمدير تنفيذي للمجلس.
وفي بعض الحالات يدعو رئيس المجلس (رئيس الحكومة) بعض الأشخاص لحضور المجلس مثل مندوب الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، ورئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، ومدير الاستخبارات العام ("سي. آي . أيه" وبعض موظفي البيت الأبيض.
إن الوظيفة الرئيسية لمجلس الأمن القومي هي جمع المسؤولين الكبار في الحكومة وتزويدهم بمعلومات متكاملة وشاملة تؤهلهم لاستعراض تحليلي لسياسات الأمن القومي. وعادة ما يكون للمجلس مجموعة خاصة من الباحثين الذين يقومون بتقديم الدراسات ذات الصلة بوظيفة المجلس.
وباختصار يمكن القول أن مجلس الأمن القومي يقوم بدور المخطط والمنسق للسياسة الخارجية للدولة وبالذات السياسة الأمنية. فهو يحدد الإطار العام للقرار الخارجي ويساهم بذلك في صنع السياسة الخارجية.