By مالك الغربي 131 - الجمعة ديسمبر 23, 2011 8:38 pm
- الجمعة ديسمبر 23, 2011 8:38 pm
#45413
تختلف مفاهيم السياسة الخارجية بأختلاف رؤية كل باحث ومفكر سياسي فهناك من يعتبر السياسة الخارجية انها تمثل كافة السلوكيات السياسية الهادفة والناجمة عن عملية التفاعل المتعلقة بعملية صنع القرار الخارجي للوحدة الدولية, فالسلوك السياسي الخارجي لأية وحدة دولية هو عبارة عن حدث أو فعل ملموس تقوم به هذه الوحدة الدولية بصورة مقصودة وهادفة للتعبير عن توجهاتها في البيئةالخارجية, فيما يعرفها البعض الآخر بأنها: عبارة عن برنامج عمل للتحرك الخارجي, يتضمن تحديدا للأهداف التي تسعى الدولة إلى تحقيقها, والمصالح التي تحرص على تأمينها وصيانتها, والوسائل والإجراءات التي تراها ملائمة لذلك, وفقا لما تعتنقه من مبادئ ومعتقدات, وعملية رسم السياسة الخارجية تبدأ ببيان الأهداف التي تسعى الدولة إلى بلوغها وفق ما تؤمن به من معتقدات, وتنتهي بتحديد الوسائل والإجراءات الكفيلة بتحقيق تلك الأهداف, وتعتمد هذه العملية على عنصرين رئيسيين: المعلومات المتعلقة برسم السياسة الخارجية وصانعو تلك السياسة.
وعملية صنع السياسة الخارجية عملية معقدة لتأثرها بمجموعة كبيرة من العوامل في عملية صنع السياسة الخارجية و قد قسمها د. أكريد إلى ثلاث مراحل:
1- المرحلة الأولى (المدخلات) : و تشمل المعلومات و الملاحظات و نقل المعلومات و تدريب أفراد جهاز السياسة الخارجية.
2- المرحلة الثانية (القرارات) : و تشمل استعمال المعلومات و عملية التخطيط و عملية التحليل التي تركز على الأهداف و الاستراتيجيات البديلة و المناقشة و المساومة و النصح و التوصيات .
3- المرحلة الثالثة (المخرجات) : و تشمل الخيارات السياسية و التنفيذ و المتابعة و الإعلام و المفاوضة و التعلم من خبرة التطبيق.
وهناك فرق بين صنع السياسة الخارجية و صنع قرار السياسة الخارجية و تنفيذ السياسة الخارجية حيث وجد أن:
1- صنع السياسة الخارجية :يعني مجمل النشاطات التي تنتهي إلى وضع الإطار العام للتحرك الخارجي للمجتمع من حيث أهدافه و مبادئه و توجيهاته العامة . و هي بهذا المعنى تتضمن مشاركة أجهزة و قوى و جماعات عديدة رسمية و غير رسمية .
2- صنع قرار السياسة الخارجية:يعني تحديد البدائل للحركة المتاحة لمواجهة المشكلة أو موقف معين . وجوهر تلك العملية يتمثل في الوظيفة المعلوماتية للأجهزة السياسية المسؤولة عن توصيل المعلومات ، والتقارير الكامنة و السليمة إلى أجهزة اتخاذ القرار في التوقيت السليم و الملائم .
3- تنفيذ السياسة الخارجية:يعني تحويل القرارات و السياسات إلى برامج و آليات و نشاطات و يرتبط بالتنفيذ تقييم النجاح أو الفشل .
و تتأثر عملية صنع السياسة الخارجية بمجموعة من العوامل المختلفة ، و التي يصعب علينا و خصوصاً في العصر الحالي حصرها بسبب حالة عدم الاستقرار التي تعصف بالعالم منذ سقوط الاتحاد السوفييتي و أهم هذه العوامل :
أولاً : العوامل الموضوعية و التي تقسم إلى : 1- الداخلية 2- الخارجية
ثانياً : العوامل النفسية
العوامل الموضوعية الداخلية : و هي تلك العوامل التي تنشأ عن البيئة الموضوعية الداخلية للوحدة الدولية ، الآتية من داخل نطاق ممارستها لسلطتها و تشمل تلك العوامل نوعين :
أ- الخصائص القومية : و يقصد بها كل الأبعاد الكامنة في كيان الوحدة الدولية ذاتها كوحدة شاملة و التي تتسم بالاستقرار النسبي و تقسم هذه العوامل إلى :
1- المقدرات القومية : و تشمل حجم الإمكانيات المتاحة للدولة و مستواها و بالتالي القدرات الاقتصادية و العسكرية المتاحة ، بما يشمل حجم تلك القدرات و مستوى تطورها التقني .
2- المشكلات الاجتماعية : و يقصد بها تلك المشكلات اللصيقة بالثبات الاجتماعي و الاقتصادي للدولة ، و التي تتسم بنوع من الديمومة خلال فترة زمنية طويلة .
3- مستوى التطور القومي : ينصرف هذا المستوى إلى درجة تبلور الخصائص المشتركة بين الأفراد و المجتمع ووعي الأفراد بتلك الخصائص و درجة تبلور حركتهم نحو تكوين دولة مستقلة .
4- التكوين الاجتماعي : و يقصد بذلك آثار النخبة السياسية و الطبقات الاجتماعية و جماعات المصالح السياسية .
5- التوجهات المجتمعية : و يقصد بها مجموعة الأفكار الأساسية التي يعتنقها معظم أفراد المجتمع ،و التي تحدد رؤيتهم للعالم السياسي و تشمل تلك التوجهات الثقافية و السياسية و الأيديولوجية .
6-النظام السياسي : لا ينصرف معنى النظام السياسي في هذا المجال إلى المفهوم العام للنظام السياسي و إنما إلى طبيعة تكوين السلطة التنفيذية و الموارد المتاحة لها و الضوابط السياسية الواقعة عليها .
العوامل الموضوعية الخارجية: و هي تلك العوامل الناشئة عن البيئة الخارجية للوحدة الدولية أي الآتية من خارج نطاق ممارستها لسلطتها أو تلك التي تنسأ نتيجة التفاعل مع وحدة دولية أخرى و تشمل:
1- النسق الدولي : و ينطوي على عدة عوامل و هي : عدد الوحدات الدولية و ماهيتها و بنيان النسق الدولي و المستوى المؤسس للنسق الدولي و العمليات السياسية الدولية بما في ذلك تأثير الأحلاف.
2- المسافة الدولية : و يقصد بها التشابه و التعاون بين خصائص الوحدة الدولية محل البحث و الوحدات الدولية الأخرى التي تدخل معها تلك الوحدات في علاقات و يشمل عامل المسافة الدولية : المقدرات النسبية و توازن القوى و تشابه القوى.
3- التفاعلات الدولية : إذ تتأثر السياسة الخارجية للدولة بنوعية التفاعلات التي تربطها بالدول الأخرى و تشتمل سباق التسلح و التبعية الاقتصادية و سياسة الاستقطاب .
4- الموقف الدولي : و يقصد به الحافز المباشر الناشئ من البنية الخارجية في فترة زمنية معينة و الذي يتطلب من صانع السياسة الخارجية التصرف بشكل معين للتعامل معه .
ثانياً : العوامل النفسية : إن السياسة الخارجية ليست مجرد محصلة للتأثير الآلي للعوامل الموضوعية فالسياسة الخارجية يضعها في التحليل النهائي فرداً أو مجموعة أفراد وهو في ذلك يتأثر بدوافعها الذاتية و خصائص شخصيته و بتصوراته الذهنية لطبيعة العوامل الموضوعية .
و يلعب القائد دوراً أساسياً و مهماً في صنع السياسة الخارجية و خصوصاً في بلدان العالم الثالث حيث تعد المؤسسة الرئاسية (النخبة الأساسية ) هي الصانع الحقيقي للسياسة الخارجية لتلك البلدان و ذلك من خلال : التخطيط و التطوير و التكييف و إن أهم الصفات الواجب توافرها في القائد الناجح في ممارسته لسياستها الخارجية:
1- الإحاطة بالتعقيدات السياسية الدولية و المتغيرات الدولية .
2- السمات الشخصية و الذاتية للقائد و التجارب و القدرات .
3- الثقافة و المعارف النظرية .
4- أسلوب القائد.
فالقائد الناجح هو من يستطيع كسب التأييد الداخلي لتنفيذ قرارات السياسة الخارجية و أن يعرف إلى أي مدى يستطيع المضي في تنفيذ الأهداف مع الاحتفاظ بتأييد الرأي العام .
ودون الخوض في التفاصيل الدقيقة لمجريات السياسة الخارجية العراقية عبر العقود الماضية الا ان تحليل السياسة الخارجية العراقية تحليلا اكاديميا وفق المراحل التي مرت بها يبين لنا انها كانت سياسة خارجية غير متوازنة وذلك بسبب عدم الاستقرار السياسي المتمثل في الثورات والانقلابات التي أنتجت جوا مرحليا للسلطة السياسية .
ففي العهد الملكي لم تكن السياسة الخارجية العراقية سياسة خارجية واضحة في تعاملها مع اللاعبين الدوليين وذلك بسبب وجود التحكم الخارجي المتمثل بالتدخل البريطاني في كل مجالاتها ،وكانت السياسة الخارجية العراقية ناجحة قدر تعلق الامر بالارتباطات الخارجية التي يأتي في مقدمتها الارتباط ببريطانيا.
إما ما يتعلق بالفترة التي تلت إنهاء النظام الملكي بإعلان النظام الجمهوري في العراق وبدلا من إحداث التغيرات في السياسة الخارجية للعراق لم نشهد تغيرا ايجابيا من حيث بناء منظومة من العلاقات القائمة على اساس المصالح المشتركة ،واستمرت عجلة السياسة الخارجية بالدوران في الاتجاه المغاير للمعايير المعتمدة في مدارس العلاقات ونظريات السياسة الخارجية . فالتحرك الدبلوماسي العراقي لم يكن بالمستوى المطلوب ،حيث اعتمدت السلطة السياسية في العراق أسلوب العدائية والاستعلاء على الدول الإقليمية وتحويل العراق إلى أداة لتنفيذ السياسة الدولية على حساب الشعب العراقي .وقدم اعلان شباط عام 1980 خطوطا عريضة لما يجب ان تكون عليه السياسة الخارجية العراقية في كيفية التعامل مع المسائل الاقليمية والدولية حسب تصورات الحكومة العراقية انذاك ومن تلك المبادئ الاتي:
أولا: رفض تواجد الجيوش والقوات العسكرية وأية قوات وقواعد أجنبية في الوطن العربي أو تسهيل تواجدها بأية صيغة من الصيغ وتحت أية ذريعة أو غطاء لأي سبب من الأسباب وعزل أي نظام عربي لا يلتزم بهذا المبدأ ومقاطعته سياسيا واقتصاديا ومقاومة سياساته بكل الوسائل المتاحة.
ثانيا: تحريم اللجوء إلى استخدام القوات المسلحة من قبل أية دولة عربية ضد أية دولة عربية أخرى وفض أية منازعات يمكن أن تنشأ بين الدول العربية بالوسائل السلمية وفي ظل مبادىء العمل القومي المشترك والمصلحة العربية العليا.
ثالثا: ويطبق المبدأ الوارد في البند الثاني على علاقات الأمة العربية وأقطارها مع الأمم والدول المجاورة للوطن العربي فلا يجوز اللجوء إلى استخدام القوات المسلحة في المنازعات مع هذه الدول إلا في حالة الدفاع عن السيادة والدفاع عن النفس ضد التهديدات التي تمس أمن الأقطار العربية ومصالحها الجوهرية.
رابعا: تضامن الأقطار العربية جميعا ضد أي عدوان أو انتهاك يقوم به أي طرف أجنبي للسيادة الإقليمية لأي قطر عربي أو دخوله في حالة حرب فعلية معه وقيام هذه الأقطار بالتصدي المشترك لذلك العدوان أو الانتهاك وإحباطه بكل الوسائل والطرق بما في ذلك العمل العسكري وإجراءات المقاطعة الجماعية السياسية والاقتصادية وفي جميع الميادين الأخرى التي تقتضيها الضرورة والمصلحة القومية.
خامسا: تأكيد التزام الأقطار العربية بالقوانين والأعراف الدولية في ما يتعلق باستخدام المياه والأجواء والأقاليم من قبل أية دولة ليست في حالة حرب مع أي من الأقطار العربية.
سادسا: ابتعاد الأقطار العربية عن دوائر الصراعات أو الحروب الدولية والتزامها الحياد التام وعدم الانحياز إزاء أي طرف من أطراف الصراع أو الحرب ما لم ينتهك أحد أطراف الصراع أو الحرب السيادة الإقليمية العربية والحقوق الثابتة للأقطار العربية التي تكفلها القوانين والأعراف الدولية وامتناع الأقطار العربية عن اشتراك قواتها العسكرية كلا أو جزءا في الحروب والمنازعات العسكرية في المنطقة وخارجها نيابة عن أية دولة أو جهة أجنبية.
سابعا: التزام الأقطار العربية بإقامة علاقات اقتصادية متطورة وبناءة في ما بينها بما يوفر ويعزز الأرضية المشتركة للبناء الاقتصادي العربي المتطور والوحدة العربية وتحرص الأقطار العربية على الابتعاد عن أي تصرف يمكن أن يلحق الأذى بهذه العلاقات أو يعطل استمرارها وتطورها بغض النظر عن تباين الأنظمة العربية والعلاقات السياسية الهامشية التي تحدث بينها مادامت أطراف العلاقة ملتزمة بمبادىء هذا الإعلان.
وتلتزم الأقطار العربية بمبدأ التكامل الاقتصادي القومي وتتعهد الأقطار العربية المقتدرة اقتصاديا بتقديم كل أنواع المساعدات الاقتصادية للأقطار العربية بالشكل الذي يصونها من احتمالات الاتكال على القوى الأجنبية بما يمس استقلالها وإرادتها القومية.
ثامنا: اذ يضع مبادىء هذا الإعلان يؤكد استعداده للالتزام به تجاه كل قطر عربي وأي طرف يلتزم به وهو مستعد لمناقشته مع الأشقاء العرب وسماع ملاحظاتهم حوله بما يقوي من فاعلية مبادئه ويعمق مضامينه.
الا ان واقع الحال اثبت عكس تلك المبادئ والخاصة بالسياسة الخارجية العراقية وابرز دليل على ذلك احتلال الكويت وهي دولة مجاورة وذات سيادة وقد ادخل هذا الامر المنطقة في جملة من التطورات تمثلت بتواجد القوات الاجنبية بشكل مباشر فضلا عن تأثر العلاقة مع الاقطار العربية المجاورة وفسح المجال امام تدخل غربي اكبر .
وبعد ان تغيرت المعادلة السياسية في العراق بعد سقوط بغداد, دخلت السياسة الخارجية العراقية مرحلة جديدة اثر التحول السياسي الكبير التي حدث في العراق ودخول القوات الأمريكية وفقدان العراق لسيادته الوطنية ، فوقوع العراق تحت الاحتلال الامريكي يجعله فاقدا للسيادة التي تؤهله لكي يتمتع بسياسة خارجية مستقلة وبعيدة عن تأثير الاطراف الدولية خصوصا وان والعالم اليوم يعيش برمته في أمواج من التغيرات السياسية المتصارعة ولابد من انتهاج سياسة خارجية أكاديمية وواقعية مع المحيط الدولي بحيث تحفظ استقلالية السياسة الخارجية العراقية التي لم تشهد الانفتاح والشمولية في التعامل مع اللاعبين الدوليين بما تخدم المصلحة الوطنية العليا .
واليوم نحن بحاجة إلى تقوية الجانب العلاقاتي في مجال السياسة الخارجية ، لكي نتخلص من الإفرازات السلبية التي خلفها النظام السابق. ولا يتحقق ذلك دون إيجاد الية لوضع إستراتيجية جديدة للسياسة الخارجية في العراق الجديد.
وبما ان السياسة الخارجية كما هو معروف انعكاس للسياسة الداخلية لذلك فأن قيام سياسة خارجية فاعلة يتطلب القيام بالاتي:
1 : ـ حل كافة التشكيلات المسلحة وإدماجها بالجيش الوطني الجديد على قاعدة الولاء للوطن وتكريس ذلك في أطر ولوائح قانونية . مع التركيز على العقيدة الدفاعية للمؤسسة العسكرية العراقية وعدم ارتباطها بأية أحلاف عسكرية , الأمر الذي يتيح لها حرية اتخاذ قراراتها السيادية .
2: ـ تفتيت الأجهزة الامنية والمخابراتية التي أنشأتها القوى السياسية أبان كفاحها ضد الديكتاتورية والعمل على فك ارتباطها مع الأجهزة الأمنية للقوى الإقليمية / الدولية بهدف منع التأثيرات الخارجية على مصالح الدولة العراقية وأمنها الوطني. وهنا لابد من التأكيد على ضرورة تشكيل مجلس للدفاع الوطني يضم كافة الأجهزة الدفاعية والأمنية شريطة أن تناط قيادة هذا المجلس بقوى مشهود لها بالوطنية والكفاءة الفكرية / الإدارية.
3: ـ إتباع سياسة خارجية تستند الى عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى والعمل مع دول الجوار على بناء الأمن الإقليمي المستند الى توازن المصالح واحترام خيارات الدول الإقليمية في بناء أنظمتها السياسية.
4: ـ ان المتطلبات المشار اليها تترابط وقضايا أساسية أخرى أهمهما اعادة بناء وحدة التشكيلة العراقية المرتكزة على نبذ العنف والاحتكام الى الديمقراطية والشرعية الانتخابية.
وعليه نقول ان بناء سياسة عراقية خارجية فاعلة يتطلب اولا بناء الداخل العراقي من اجل العودة الى ميادين العلاقات الدولية من جديد ولكن ليس قبل ان يستعيد العراق سيادته بخروج المحتل من اراضيه.
وعملية صنع السياسة الخارجية عملية معقدة لتأثرها بمجموعة كبيرة من العوامل في عملية صنع السياسة الخارجية و قد قسمها د. أكريد إلى ثلاث مراحل:
1- المرحلة الأولى (المدخلات) : و تشمل المعلومات و الملاحظات و نقل المعلومات و تدريب أفراد جهاز السياسة الخارجية.
2- المرحلة الثانية (القرارات) : و تشمل استعمال المعلومات و عملية التخطيط و عملية التحليل التي تركز على الأهداف و الاستراتيجيات البديلة و المناقشة و المساومة و النصح و التوصيات .
3- المرحلة الثالثة (المخرجات) : و تشمل الخيارات السياسية و التنفيذ و المتابعة و الإعلام و المفاوضة و التعلم من خبرة التطبيق.
وهناك فرق بين صنع السياسة الخارجية و صنع قرار السياسة الخارجية و تنفيذ السياسة الخارجية حيث وجد أن:
1- صنع السياسة الخارجية :يعني مجمل النشاطات التي تنتهي إلى وضع الإطار العام للتحرك الخارجي للمجتمع من حيث أهدافه و مبادئه و توجيهاته العامة . و هي بهذا المعنى تتضمن مشاركة أجهزة و قوى و جماعات عديدة رسمية و غير رسمية .
2- صنع قرار السياسة الخارجية:يعني تحديد البدائل للحركة المتاحة لمواجهة المشكلة أو موقف معين . وجوهر تلك العملية يتمثل في الوظيفة المعلوماتية للأجهزة السياسية المسؤولة عن توصيل المعلومات ، والتقارير الكامنة و السليمة إلى أجهزة اتخاذ القرار في التوقيت السليم و الملائم .
3- تنفيذ السياسة الخارجية:يعني تحويل القرارات و السياسات إلى برامج و آليات و نشاطات و يرتبط بالتنفيذ تقييم النجاح أو الفشل .
و تتأثر عملية صنع السياسة الخارجية بمجموعة من العوامل المختلفة ، و التي يصعب علينا و خصوصاً في العصر الحالي حصرها بسبب حالة عدم الاستقرار التي تعصف بالعالم منذ سقوط الاتحاد السوفييتي و أهم هذه العوامل :
أولاً : العوامل الموضوعية و التي تقسم إلى : 1- الداخلية 2- الخارجية
ثانياً : العوامل النفسية
العوامل الموضوعية الداخلية : و هي تلك العوامل التي تنشأ عن البيئة الموضوعية الداخلية للوحدة الدولية ، الآتية من داخل نطاق ممارستها لسلطتها و تشمل تلك العوامل نوعين :
أ- الخصائص القومية : و يقصد بها كل الأبعاد الكامنة في كيان الوحدة الدولية ذاتها كوحدة شاملة و التي تتسم بالاستقرار النسبي و تقسم هذه العوامل إلى :
1- المقدرات القومية : و تشمل حجم الإمكانيات المتاحة للدولة و مستواها و بالتالي القدرات الاقتصادية و العسكرية المتاحة ، بما يشمل حجم تلك القدرات و مستوى تطورها التقني .
2- المشكلات الاجتماعية : و يقصد بها تلك المشكلات اللصيقة بالثبات الاجتماعي و الاقتصادي للدولة ، و التي تتسم بنوع من الديمومة خلال فترة زمنية طويلة .
3- مستوى التطور القومي : ينصرف هذا المستوى إلى درجة تبلور الخصائص المشتركة بين الأفراد و المجتمع ووعي الأفراد بتلك الخصائص و درجة تبلور حركتهم نحو تكوين دولة مستقلة .
4- التكوين الاجتماعي : و يقصد بذلك آثار النخبة السياسية و الطبقات الاجتماعية و جماعات المصالح السياسية .
5- التوجهات المجتمعية : و يقصد بها مجموعة الأفكار الأساسية التي يعتنقها معظم أفراد المجتمع ،و التي تحدد رؤيتهم للعالم السياسي و تشمل تلك التوجهات الثقافية و السياسية و الأيديولوجية .
6-النظام السياسي : لا ينصرف معنى النظام السياسي في هذا المجال إلى المفهوم العام للنظام السياسي و إنما إلى طبيعة تكوين السلطة التنفيذية و الموارد المتاحة لها و الضوابط السياسية الواقعة عليها .
العوامل الموضوعية الخارجية: و هي تلك العوامل الناشئة عن البيئة الخارجية للوحدة الدولية أي الآتية من خارج نطاق ممارستها لسلطتها أو تلك التي تنسأ نتيجة التفاعل مع وحدة دولية أخرى و تشمل:
1- النسق الدولي : و ينطوي على عدة عوامل و هي : عدد الوحدات الدولية و ماهيتها و بنيان النسق الدولي و المستوى المؤسس للنسق الدولي و العمليات السياسية الدولية بما في ذلك تأثير الأحلاف.
2- المسافة الدولية : و يقصد بها التشابه و التعاون بين خصائص الوحدة الدولية محل البحث و الوحدات الدولية الأخرى التي تدخل معها تلك الوحدات في علاقات و يشمل عامل المسافة الدولية : المقدرات النسبية و توازن القوى و تشابه القوى.
3- التفاعلات الدولية : إذ تتأثر السياسة الخارجية للدولة بنوعية التفاعلات التي تربطها بالدول الأخرى و تشتمل سباق التسلح و التبعية الاقتصادية و سياسة الاستقطاب .
4- الموقف الدولي : و يقصد به الحافز المباشر الناشئ من البنية الخارجية في فترة زمنية معينة و الذي يتطلب من صانع السياسة الخارجية التصرف بشكل معين للتعامل معه .
ثانياً : العوامل النفسية : إن السياسة الخارجية ليست مجرد محصلة للتأثير الآلي للعوامل الموضوعية فالسياسة الخارجية يضعها في التحليل النهائي فرداً أو مجموعة أفراد وهو في ذلك يتأثر بدوافعها الذاتية و خصائص شخصيته و بتصوراته الذهنية لطبيعة العوامل الموضوعية .
و يلعب القائد دوراً أساسياً و مهماً في صنع السياسة الخارجية و خصوصاً في بلدان العالم الثالث حيث تعد المؤسسة الرئاسية (النخبة الأساسية ) هي الصانع الحقيقي للسياسة الخارجية لتلك البلدان و ذلك من خلال : التخطيط و التطوير و التكييف و إن أهم الصفات الواجب توافرها في القائد الناجح في ممارسته لسياستها الخارجية:
1- الإحاطة بالتعقيدات السياسية الدولية و المتغيرات الدولية .
2- السمات الشخصية و الذاتية للقائد و التجارب و القدرات .
3- الثقافة و المعارف النظرية .
4- أسلوب القائد.
فالقائد الناجح هو من يستطيع كسب التأييد الداخلي لتنفيذ قرارات السياسة الخارجية و أن يعرف إلى أي مدى يستطيع المضي في تنفيذ الأهداف مع الاحتفاظ بتأييد الرأي العام .
ودون الخوض في التفاصيل الدقيقة لمجريات السياسة الخارجية العراقية عبر العقود الماضية الا ان تحليل السياسة الخارجية العراقية تحليلا اكاديميا وفق المراحل التي مرت بها يبين لنا انها كانت سياسة خارجية غير متوازنة وذلك بسبب عدم الاستقرار السياسي المتمثل في الثورات والانقلابات التي أنتجت جوا مرحليا للسلطة السياسية .
ففي العهد الملكي لم تكن السياسة الخارجية العراقية سياسة خارجية واضحة في تعاملها مع اللاعبين الدوليين وذلك بسبب وجود التحكم الخارجي المتمثل بالتدخل البريطاني في كل مجالاتها ،وكانت السياسة الخارجية العراقية ناجحة قدر تعلق الامر بالارتباطات الخارجية التي يأتي في مقدمتها الارتباط ببريطانيا.
إما ما يتعلق بالفترة التي تلت إنهاء النظام الملكي بإعلان النظام الجمهوري في العراق وبدلا من إحداث التغيرات في السياسة الخارجية للعراق لم نشهد تغيرا ايجابيا من حيث بناء منظومة من العلاقات القائمة على اساس المصالح المشتركة ،واستمرت عجلة السياسة الخارجية بالدوران في الاتجاه المغاير للمعايير المعتمدة في مدارس العلاقات ونظريات السياسة الخارجية . فالتحرك الدبلوماسي العراقي لم يكن بالمستوى المطلوب ،حيث اعتمدت السلطة السياسية في العراق أسلوب العدائية والاستعلاء على الدول الإقليمية وتحويل العراق إلى أداة لتنفيذ السياسة الدولية على حساب الشعب العراقي .وقدم اعلان شباط عام 1980 خطوطا عريضة لما يجب ان تكون عليه السياسة الخارجية العراقية في كيفية التعامل مع المسائل الاقليمية والدولية حسب تصورات الحكومة العراقية انذاك ومن تلك المبادئ الاتي:
أولا: رفض تواجد الجيوش والقوات العسكرية وأية قوات وقواعد أجنبية في الوطن العربي أو تسهيل تواجدها بأية صيغة من الصيغ وتحت أية ذريعة أو غطاء لأي سبب من الأسباب وعزل أي نظام عربي لا يلتزم بهذا المبدأ ومقاطعته سياسيا واقتصاديا ومقاومة سياساته بكل الوسائل المتاحة.
ثانيا: تحريم اللجوء إلى استخدام القوات المسلحة من قبل أية دولة عربية ضد أية دولة عربية أخرى وفض أية منازعات يمكن أن تنشأ بين الدول العربية بالوسائل السلمية وفي ظل مبادىء العمل القومي المشترك والمصلحة العربية العليا.
ثالثا: ويطبق المبدأ الوارد في البند الثاني على علاقات الأمة العربية وأقطارها مع الأمم والدول المجاورة للوطن العربي فلا يجوز اللجوء إلى استخدام القوات المسلحة في المنازعات مع هذه الدول إلا في حالة الدفاع عن السيادة والدفاع عن النفس ضد التهديدات التي تمس أمن الأقطار العربية ومصالحها الجوهرية.
رابعا: تضامن الأقطار العربية جميعا ضد أي عدوان أو انتهاك يقوم به أي طرف أجنبي للسيادة الإقليمية لأي قطر عربي أو دخوله في حالة حرب فعلية معه وقيام هذه الأقطار بالتصدي المشترك لذلك العدوان أو الانتهاك وإحباطه بكل الوسائل والطرق بما في ذلك العمل العسكري وإجراءات المقاطعة الجماعية السياسية والاقتصادية وفي جميع الميادين الأخرى التي تقتضيها الضرورة والمصلحة القومية.
خامسا: تأكيد التزام الأقطار العربية بالقوانين والأعراف الدولية في ما يتعلق باستخدام المياه والأجواء والأقاليم من قبل أية دولة ليست في حالة حرب مع أي من الأقطار العربية.
سادسا: ابتعاد الأقطار العربية عن دوائر الصراعات أو الحروب الدولية والتزامها الحياد التام وعدم الانحياز إزاء أي طرف من أطراف الصراع أو الحرب ما لم ينتهك أحد أطراف الصراع أو الحرب السيادة الإقليمية العربية والحقوق الثابتة للأقطار العربية التي تكفلها القوانين والأعراف الدولية وامتناع الأقطار العربية عن اشتراك قواتها العسكرية كلا أو جزءا في الحروب والمنازعات العسكرية في المنطقة وخارجها نيابة عن أية دولة أو جهة أجنبية.
سابعا: التزام الأقطار العربية بإقامة علاقات اقتصادية متطورة وبناءة في ما بينها بما يوفر ويعزز الأرضية المشتركة للبناء الاقتصادي العربي المتطور والوحدة العربية وتحرص الأقطار العربية على الابتعاد عن أي تصرف يمكن أن يلحق الأذى بهذه العلاقات أو يعطل استمرارها وتطورها بغض النظر عن تباين الأنظمة العربية والعلاقات السياسية الهامشية التي تحدث بينها مادامت أطراف العلاقة ملتزمة بمبادىء هذا الإعلان.
وتلتزم الأقطار العربية بمبدأ التكامل الاقتصادي القومي وتتعهد الأقطار العربية المقتدرة اقتصاديا بتقديم كل أنواع المساعدات الاقتصادية للأقطار العربية بالشكل الذي يصونها من احتمالات الاتكال على القوى الأجنبية بما يمس استقلالها وإرادتها القومية.
ثامنا: اذ يضع مبادىء هذا الإعلان يؤكد استعداده للالتزام به تجاه كل قطر عربي وأي طرف يلتزم به وهو مستعد لمناقشته مع الأشقاء العرب وسماع ملاحظاتهم حوله بما يقوي من فاعلية مبادئه ويعمق مضامينه.
الا ان واقع الحال اثبت عكس تلك المبادئ والخاصة بالسياسة الخارجية العراقية وابرز دليل على ذلك احتلال الكويت وهي دولة مجاورة وذات سيادة وقد ادخل هذا الامر المنطقة في جملة من التطورات تمثلت بتواجد القوات الاجنبية بشكل مباشر فضلا عن تأثر العلاقة مع الاقطار العربية المجاورة وفسح المجال امام تدخل غربي اكبر .
وبعد ان تغيرت المعادلة السياسية في العراق بعد سقوط بغداد, دخلت السياسة الخارجية العراقية مرحلة جديدة اثر التحول السياسي الكبير التي حدث في العراق ودخول القوات الأمريكية وفقدان العراق لسيادته الوطنية ، فوقوع العراق تحت الاحتلال الامريكي يجعله فاقدا للسيادة التي تؤهله لكي يتمتع بسياسة خارجية مستقلة وبعيدة عن تأثير الاطراف الدولية خصوصا وان والعالم اليوم يعيش برمته في أمواج من التغيرات السياسية المتصارعة ولابد من انتهاج سياسة خارجية أكاديمية وواقعية مع المحيط الدولي بحيث تحفظ استقلالية السياسة الخارجية العراقية التي لم تشهد الانفتاح والشمولية في التعامل مع اللاعبين الدوليين بما تخدم المصلحة الوطنية العليا .
واليوم نحن بحاجة إلى تقوية الجانب العلاقاتي في مجال السياسة الخارجية ، لكي نتخلص من الإفرازات السلبية التي خلفها النظام السابق. ولا يتحقق ذلك دون إيجاد الية لوضع إستراتيجية جديدة للسياسة الخارجية في العراق الجديد.
وبما ان السياسة الخارجية كما هو معروف انعكاس للسياسة الداخلية لذلك فأن قيام سياسة خارجية فاعلة يتطلب القيام بالاتي:
1 : ـ حل كافة التشكيلات المسلحة وإدماجها بالجيش الوطني الجديد على قاعدة الولاء للوطن وتكريس ذلك في أطر ولوائح قانونية . مع التركيز على العقيدة الدفاعية للمؤسسة العسكرية العراقية وعدم ارتباطها بأية أحلاف عسكرية , الأمر الذي يتيح لها حرية اتخاذ قراراتها السيادية .
2: ـ تفتيت الأجهزة الامنية والمخابراتية التي أنشأتها القوى السياسية أبان كفاحها ضد الديكتاتورية والعمل على فك ارتباطها مع الأجهزة الأمنية للقوى الإقليمية / الدولية بهدف منع التأثيرات الخارجية على مصالح الدولة العراقية وأمنها الوطني. وهنا لابد من التأكيد على ضرورة تشكيل مجلس للدفاع الوطني يضم كافة الأجهزة الدفاعية والأمنية شريطة أن تناط قيادة هذا المجلس بقوى مشهود لها بالوطنية والكفاءة الفكرية / الإدارية.
3: ـ إتباع سياسة خارجية تستند الى عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى والعمل مع دول الجوار على بناء الأمن الإقليمي المستند الى توازن المصالح واحترام خيارات الدول الإقليمية في بناء أنظمتها السياسية.
4: ـ ان المتطلبات المشار اليها تترابط وقضايا أساسية أخرى أهمهما اعادة بناء وحدة التشكيلة العراقية المرتكزة على نبذ العنف والاحتكام الى الديمقراطية والشرعية الانتخابية.
وعليه نقول ان بناء سياسة عراقية خارجية فاعلة يتطلب اولا بناء الداخل العراقي من اجل العودة الى ميادين العلاقات الدولية من جديد ولكن ليس قبل ان يستعيد العراق سيادته بخروج المحتل من اراضيه.