منتديات الحوار الجامعية السياسية

خاص بالمشكلات السياسية الدولية
#45474
..
مشكلة التداخل بين الأحزاب السياسية ومنظمات حقوق الإنسان في سورية


من الشائع في سوريا أن تجد كثيراً من أفراد منظمات حقوق الإنسان منتمين للأحزاب السياسية المعارضة أو على هوامشها أو تاركين لها وباحثين بالوقت ذاته عن أدوار جديدة ريادية وطليعية بالضرورة في المنظمات الحقوقية أو منظمات المجتمع المدني وباعتبار أن الأحزاب السياسية قد فشلت في معركتها ضد السلطة فإنها تنقل فشلها وأيضاً حلمها بالانتصار إلى داخل المنظمات الحقوقية معتقدة بأنها ستكسب المعركة من جديد ، خاصةً وأنها تخلت عبر ممارساتها عن مرجعيتها الاشتراكية أو القومية أو الإسلامية وتبنت مرجعية حقوق الإنسان الغربية الرأسمالية ، والمتوافقة مع المجتمع الليبرالي ، وباعتبارها أيضاً لم تدرس وتنتقد أسباب فشل أحزابها السياسية وتعلن تحملها مسؤولية ذلك الفعل ، إذاً هي تنقل نفس العقلية والممارسات والسلوكيات لتعيد تفشيل أو فشل المنظمات الحقوقية .
والمفارقة أنه بمقدار تكاثر وانقسام واختلاف أحزاب المعارضة الهامشية تتكاثر وتنقسم وتختلف منظمات حقوق الإنسان والمنظمات المدنية بحيث تضاهيها هامشية وتزيد عليها ، وبذلك نصل لحقيقة مفادها أن الأحزاب السياسية المعارضة لم تعد أحزاب سياسية بل هي أقرب إلى جمعيات حقوق الإنسان وأن منهجها وبرنامجها بصورة عامة صار برنامجاً ليبرالياً وأن جمعيات حقوق الإنسان لم تستطع أن تكون جمعيات مراقبة وتدقيق وملاحقة قانونية ومتخصصة بقضايا محددة ووفق شرعة حقوق الإنسان السياسية والاقتصادية والاجتماعية وبالتالي هي أقرب إلى الأحزاب السياسية النيوليبرالية ذات البعد الحقوقي والمشوه بالضرورة ...
هذا التداخل هو تداخل غير فاعل ومعيق وشال للعمل السياسي والحقوقي بآن واحد . حيث الضياع في سلم الأولويات والمهام ، وسيبقى له ذات الفاعلية الهامشية ما دام لم يتجاوز هذا الشكل من الأطروحات والممارسات المريضة والمشوهة ...
من الضرورة القول بأن أصل المشكلة أنها مشكلة عامة أي أن المجتمع محكوم وخاضع بكليته لنظام دكتاتوري وعبر أجهزة أمنية من مخلفات الحرب الباردة وبالتالي لا يستطيع أن يكون مجتمعاً واحداً وإنما مجتمعات متعددة وأفراد متذررين وأنانيين وهو إذا غير قادر على فرز وإنتاج قوى سياسية أو حقوقية أو اجتماعية أو ديمقراطية فاعلة وذات توسع جماهيري واهتمام جاد بقضايا أساسية ، بل يخلق أمراض متعددة تتميز بها القيادات السياسية السلطوية والمعارضة بأن واحد ، كالثقة اللامحدودة بالذات ومن الذات ، وانعدام الثقة أيضاً، والشعور بالرعب والخوف الشديد وعدم الثقة بالآخرين بصورة مطلقة ، والرهبة من أي عمل جماعي ، وحصر العمل بشكل عصبوي وضيق ومحدود ، وتصغير أي فعل أخر معارض أو سلطوي ، وتهميش مقصود وغير مقصود لأية بوادر جديدة ، وتشويهها ما أمكن وعند أية فرصة سانحة، وتقديس الذات أو الحزب الضيق أو المنظمة الحقوقية باعتبارها أو باعتباره محرك التاريخ ومخرج إياه من أزماته وانسدادا ته ومولد للأفكار الصحيحة والتي يصح تطبيقها في دول الجوار والعالم الأول والثاني والثالث والرابع ، فهي محور الوجود والماضي والحاضر وكذلك المستقبل، هذه العقلية أصفها بالعقلية السحرية التكفيرية ...
ونعبر بصيغة قانونية عن علاقة السلطة والمجتمع بالقول بمقدار ما تمارس السلطة السياسية الاستبداد الكلي ، بمقدار ما تفرز المجتمعات الظاهرات المشوهة والمريضة ، وبمقدار ما تكون ظاهرات المجتمع مشوهة ، بمقدار ما تكون قواه السياسية أو الحقوقية معدومة الفاعلية وهامشية التأثير وفوضوية في تحديد مهماتها ...
وبالتالي ما وصفّناه سابقاً عن الحراك السياسي والحقوقي هو توصيف عام وهو مقارب لهذا المجتمع المحكوم والمنضبط والمقيد .
ولكن هذا لا يعني غياب الإمكانيات والارتهان للموت المؤجل والدوران في فلك الانسداد والتشوه والتداخل وعدم التركيز وعدم القدرة على الخروج من هذا الواقع بل إن الخروج من الواقع المشوه والممارسات السلبية أمر ممكن وواقعي ولكنه يتطلب قبل الفعل وأثنائه فعلاً فكرياً وفلسفياً ونقدياً يعيد تأسيس السياسة والتفكير والوعي وذلك عبر دراسة التجربة التاريخية لهذه القوى وللسلطة ذاتها واحترام الانتاجات الفكرية النقدية وفهم الواقع التاريخي بتعقيداته المختلفة والتي لم يعد ممكناً فهمها بالعقلية السابقة عقلية الحرب الباردة والعزلة عن المشكلات الحقيقية التي يعيشها أغلبية الناس وبعد ذلك الاستناد لهذه المعرفة والعمل على تغيير الواقع والعبور نحو مجتمع المواطنة والديمقراطية العلمانية وقيم عصر التنوير الإنسية حيث الإنسان أي إنسان بما هو إنسان يعد مركز الوجود وهو أثمن قيمةٍ فيه...




من هنا أعتقد أن الحزب السياسي إذا أراد أن يكون حزباً سياسياً عليه الاهتمام بصياغة برنامجه السياسي والاقتصادي والاجتماعي مستنداً لرؤيةٍ فلسفيةٍ ومنهجيةٍ حديثةٍ وعلميةٍ وأن ينطلق من قراءةٍ متأنيةٍ لمشكلات واقعه وارتباطاتها وأن يتجاوز في فعله هذا المحصل تاريخياً والفاشل واقعياً وعبر الصراع المخاض وأن يعيد قراءة تاريخه بعين البحث العلمي وبذلك ربما يستطيع وضع تصور للمستقبل وبذلك أيضاً يمكنه أن لا يتحول لمنظمةٍ حقوقيةٍ وأن يترك المنظمات الحقوقية للمهتمين بهذا العمل وللمحامين بصورة خاصة ..
وكذلك على المنظمات الحقوقية أن تحدد طبيعة عملها والمهمات المراد تحقيقها والآليات المتوافقة لها والوسائل القادرة من خلالها على تحقيق مهماتها وأن تكون بالضرورة على مسافةٍ متساويةٍ من السلطة وأفرادها والمعارضة وأفرادها بأن واحد وأن ترصد الخروقات والمشكلات التي تحدث للأفراد والجماعات ، وأن تشيد بالممارسات الصائبة من أين أتت وأن تشير للخطأ والمخالفات وخرق القانون والدستور وحقوق الناس ومن أين أتت ، وبدون أن ترهن نفسها لجهةٍ سياسيةٍ معينةٍ ، سلطةً كانت أم معارضةً ..
وباعتبارها تدعي بعلاقاتها مع مرجعية حقوق الإنسان وفق شرعة الأمم المتحدة فعليها عدم الاقتصار على الحقوق السياسية فقط بل والعمل على مراقبة الخروقات للحقوق الاقتصادية والاجتماعية للأفراد كذلك ، وبذلك يتعين عليها توسيع عملها مع تخصيص وتحديد اهتماماتها ومهماتها وألا تكتفي بالمتابعة المحدودة للحقوق السياسية ولبعض الأفراد بالتحديد..
تقتضي الممارسة بهذا النحو أن لا تحل المنظمة الحقوقية مكان الحزب السياسي وأن ترفض دخول أفراد الأحزاب السياسية إليها وان تسمح فقط لمن يكون ناشطاً حقيقياً ومضطلعاً على مرجعية حقوق الإنسان ومستوعباً إياها وقادراً بذات الوقت على التفرقة بين مهامه الحزبية أثناء عمله داخل نشاطه الحزبي ونشاطه الحقوقي بما يخص مهمات المنظمة الحقوقية ..
وبمعنى أخر إن الشكل المتبع في سوريا من توسيع قاعدة المنظمة الحقوقية هو شكل اعتباطي وفوضوي وسياسي وهو انعكاس وتعبير عن فهم ضعيف ومبتسر وضيق لقيادات هذه المنظمات وتشويه لعملها الحقوقي بالضرورة وإن محاولتهم التحشيدية والتنظيمية والتفاخر بذلك وبالعدد الكمي يحول المنظمة الحقوقية إلى حزب سياسي أو رديف للحزب السياسي أو في حال فشل المنظمة الحقوقية أو إطلاق الحريات العامة أو سقوط النظام أقول يحول المنظمة إلى حزب سياسي وبالتالي فإذا كانت مرجعية المنظمة الحقوقية الحزب السياسي وقياداته الفاشلة أو الناجحة فهي منظمة فاشلة ومقضيٌ عليها كمنظمة حقوقية ومشكوك بأهمية عملها وبتحيزها وعدم استقلاليتها عن جميع الأطراف والأفراد بشكل متساوٍ..
أما الحزب السياسي الذي يركز اهتمامه بقضايا محددة ويبني ذاته على قضية مركزية واحدة ويهمش كل قضية أخرى كالاهتمام بالحريات فقط أو تطبيق الديمقراطية أو القانون والدستور فهو يعزل ذاته فعلياً عن الأوساط الجماهيرية وعن مشكلاتها الاجتماعية والاقتصادية والفكرية وبالتالي لا نجد لهذا الحزب اهتماماً بمستويات المعيشة المتدنية أو بمشكلات الفكر والطائفية العلمانية والعقلانية ونقد التراث والحركات الطائفية وغيرها وعادة ما يتم مناقشة هذه القضايا بشكلٍ تقريري وعبر معلومات شبه صحفية وبعيدة عن البحث العلمي والجاد وبذلك يدفع أفراده دفعاً نحو المنظمات الحقوقية أو منظمات المجتمع المدني أو غيرها ..
هذه المقدمات تفرض على المنظمات الحقوقية أن تبحث لماذا هي منظمات تحاول الاستقلالية عن الأحزاب السياسية ؟ ولماذا هي متكاثرة و يصل عددها إلى إحدى عشر منظمة إن لم تفرخ إثناء كتابة هذا المقال ولماذا تستقطب أفراد لا علاقة لهم بالهم الحقوقي؟ ولماذا هي ملحقةٌ بالأحزاب السياسية ؟ وكذلك لماذا لا تهتم بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية وتكتفي بشكل جزئي ومشوه وغير متخصص بالحقوق السياسية ؟ وان تقف أمام المرآة والتاريخ جيداً..
والحقيقة أن غياب الحزب السياسي الفاعل أو الأحزاب الفاعلة هو ما يجعل هذه المنظمات تأخذ أحياناً دور الحزب السياسي وهذا بالضبط ما يضعفها ويفشلها وهذا الغياب للحزب السياسي لا يمكن إعادته إلى تغييب السلطة الاستبدادية له فقط والتي تحتجز المجتمع وتمنع تطوره وتعيق نشاط فعالياته بل هو متعلق أيضاً بالحزب السياسي نفسه وبتاريخ تشكل أفكاره وارتهانه للماضي وعدم عيشه بالحاضر أو تأمل المستقبل وكذلك متعلق بعقيلة قياداته ومواقعهم الطبقية وبتأهيلهم العلمي والثقافي وهو ما يفترض على تلك القيادات

التي تدعي تحمل المسؤولية التاريخية والنطق باسم الشعب والتاريخ ووحدة المعارضة أن تعيد النظر بكل هذه المشكلات وأن تستعيد عافيتها وذهنيتها النقدية وعلاقتها مع البشر بصورة صحيحة ..
الدور السياسي للمنظمة الحقوقية( أو المنظمات) واهتماماتها بمسألة الديمقراطية أو الاستبداد أو الديكتاتورية أو الفساد بصورة عامة لا يفيدها بشيء بل هو يضعف وجودها ويهمش فاعليتها ولذلك هي معنية إذا أرادت أن تكون منظمة حقوقية ناجحة الابتعاد عن لعب أي دور سياسي مباشر وتحديد مشكلاتها وملاحقة انتقاص الحقوق أو عدم وجودها والتي يعاني منها الأفراد أينما كانوا في المعارضة أم في السلطة وتقع من قبل أي فاعلية في المجتمع ..
وبمعنى أخر لا بد من تحديد مهام المنظمة الحقوقية بأنها مهام محددة وبقضايا جزئية كاهتمام إحدى المنظمات أو إحدى هيئاتها بشؤون المعتقلين أو السجناء السياسيين والمجردين من حقوقهم المدنية أو الملاحقة أمام المحاكم أو الموجودين في السجون أو الموجودين في المعتقلات أو بحقوق العمال الخ وانطلاقاً من مرجعية حقوق الإنسان العامة ..
فالتسأل يكون هنا هل هذه الحقوق مصانة ومحققة في دنيا البشر أم هي غير متحققة ومنقوصة وإذا كانت كذلك لا بد من متابعتها ومعرفة أسبابها بدقة وملاحقة المسئولين عنها ومحاولة اكتسابها أو الوصول إليها ..
وبتأملنا للمشكلة الأخيرة بين السيد مهند الحسني رئيس مجلس قسم من المنظمة السورية لحقوق الإنسان ( سواسية) وجزء من المنظمات الحقوقية والأحزاب السياسية المعارضة نلاحظ مدى التداخل بين هذه المنظمات والأحزاب السياسية وثانياً العقلية الثأرية والحاقدة والمشوهة لأعمال الآخرين وادعاءات التمثيل المطلق بدلاً من الدعوة للحوار والنقاش المغلق والهادئ والرزين للخروج بحل لهذه المشكلة والابتعاد عن عقلية التشهير والتخوين والتجريم والقتل والتكفير المعروفة جيداً في الوسط السياسي السوري سلطةً ومعارضةً.وثالثاً العقلية السياسية للمنظمات الحقوقية والتبعية السياسية للأحزاب السياسية .وبغض النظر عن الموقف الصحيح من هذه المشكلة ..
وإن نفس هذا النقد يمكن توجيهه لأسباب الانقسام الحاصل بين أقسام لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان في سوريا بالإضافة لغيرها...
ونختتم مقالتنا بالقول لا يفيد التداخل بين مهام المنظمة الحقوقية والحزب السياسي حل أي من تلك المهام ويفيد الفصل بينهما الشيء الكثير والتقدم الممكن في حل المهمات وإن التخصص وتحديد المهمات من العوامل التي تساعد على التقدم وإعادة بناء المنظمة الحقوقية ذاتها والحزب السياسي بمعناه المشار إليه أعلاه وبذلك يمكن خوض نضالات متعددة وذات مستويات مختلفة وبأشكال متباينة وبما يؤدي إلى تحصيل الحقوق العامة للبشر أفراد وجماعات والتخلص من الاستبداد والفقر والضياع والاحتلال في الحياة الواقعية وليس في القانون فقط...