صفحة 1 من 1

الوضع العربي

مرسل: السبت ديسمبر 24, 2011 9:57 am
بواسطة نواف بن محمد السويلم
د. سلمان محمد سلمان * ( فلسطين ) الخميس 3/2/11 م ... قلقيلية – فلسطين


– أستاذ الفيزياء النووية والطاقة العالية –

لا شك أن هناك تحولا استراتيجيا يفرض نفسه وأن الأوضاع غامضة ومتحركة إلى درجة تمنع التوقع. ولا شك أيضا أن من الصعب بلورة نوعية القوى المحركة والمستفيدة. وبذلك يستطيع المحلل السياسي اختيار ما يرغب من الاحتمالات ويبدو منطقيا وموضوعيا. فالمسألة تحتاج إلى زمن حتى تظهر نتائجها. ومع أن المؤشرات تميل لصالح تغيير شامل إلا أن طريقة التحول لن تكون بالضرورة من خلال التنحي وربما يتم قبول انتقال من خلال عدم ترشح مبارك وانتخابات شاملة تقودها حكومة انتقالية تمثل غالبية القوى السياسية.

لكن أيضا لا بد من وجود قوى محركة ومن المستحيل تحرك ثورة بهذا الحجم فقط عشوائيا ولا بد أن تكون القوى المشاركة في التحريك ذات نفوذ دولي ببساطة لأن معركة مصر دولية بكل المقاييس.

وفي نفس الوقت لا بد من القبول أن موقف الجمهور في الشارع يمثل حلقة الكشف والعامل الحاسم في النهاية. فلو توفر للنظام قاعدة دعم فعلية لا بد أن تظهر على شكل مسيرات مضادة وهذا لم يحصل في تونس آو مصر وحصل في لبنان بشكل متفاوت بسبب تركيبتها المختلفة.

لا بد من تحليل حذر في تقييم الأمر وسنحاول في هذا التحليل الوصول إلى نتائج معقولة وواقعية. ولكن اعترف أنني أرغب في أن يكون بعضها كذلك وهذا يمثل جانبا ذاتيا في التقييم بنسبة تأثير ربما تصل إلى 20% من مجمل التحليل.

معطيات ووقائع أساسية
من المؤكد أن مصر تحديدا تمثل كيانا يؤثر بمستقبل المنطقة وعندما انسحبت من الحروب توقفت حروب العرب وبقيت حروب إسرائيل. ولم تصدق مقولة السادات عندما قال لا حرب بعد اليوم وكل ما صدق منها "لا حرب من مصر حتى يثبت فشل استراتيجية الاعتماد على السلام مع إسرائيل".

وعليه فأي حركة شعبية مناوئة للنظام تحتاج إلى حد أدنى من قبول ذلك من قوى التحكم والتدخل. وأهم هذه القوى إسرائيل وأميركا وأوروبا. بمعنى آخر توفرت في اللحظة مواصفات تسمح بإعلان الاحتجاج الشعبي بأمل معقول بالنجاح وإلا لما كان ذلك.

معارضة النظام المصري قديمة والشعب ربما كان مستعدا لمثل هذه التحركات قبل عشر سنوات مثلا. لكن ما يختلف الآن ثلاثة أسباب على الأقل:

الأول وصول عملية السلام إلى فشل استراتيجي وتوقف مخجل بعد تعنت إسرائيل في قبول أي حد أدنى مهما هزل واستهتارها بالصديق قبل العدو وبرئاسة أوباما وحكومته بشكل مذل. ولم يصل الاقتناع بفشل مسيرة السلام على المستوى العالمي أكثر من هذه النقطة منذ عام 1978.

أما السبب الثاني فيتمثل في شيخوخة النظام وتكلسه وتفاقم الوضع الاقتصادي والجشع الرأسمالي لمتنفذيه إلى درجة لا تحتمل في مصر مما أوصل الوضع للجاهزية للتفجر بأقل استفزاز. وقد أدى سقوط تمثيل أحزاب المعارضة في أي تمثيل في البرلمان وترسخ فكرة توريث الحكم إلى وصول الشعب والقوى السياسية إلى درجة من اليأس بالإصلاح لا يمكن الاستمرار بها.

السبب الثالث تمثل في وصول العالم العربي والمنطقة إلى درجة من الضياع اجتماعيا وسياسيا وأمنيا بحيث أصبح من الضروري حصول تغيير مهما كان. وقد تزامن مع ذلك نجاح قوى الممانعة أو "غير المنضوية ضعفا أو رغبة ضمن النفوذ الأمريكي الإسرائيلي بنسخة بوش شارون ونتنياهو" في الصمود وخروجها بكرامة وخسائر اقل من المنضوين. بل تفاقم ذلك أكثر عندما أعلنت تلك القوى تبنيها لقضايا الكرامة العربية أكثر من الأنظمة العربية ورفعت صوتها للدفاع عن القضايا العربية (إيران وتركيا). وقد أثبتت تلك القوى أنها قادرة على لعب دور أفضل وأن إمكانية الحصول على حد أدنى من الكرامة مع لقمة الخبز ممكن. وقد كشف ذلك هزال النظام العربي وضعفه مما عجل في بدء تجربة التغيير. هناك معطيات استراتيجية جعلت الموقف والمزاج الشعبي مهيأ للتغيير.

الموقف الأميركي والإسرائيلي


طبعا كانت مصر منذ كامب ديفيد رهينة لاتفاق السلام المجحف وتصرفت إسرائيل كحاكم بأمر مصر منذ ذلك الحين. واستغلت الولايات المتحدة مصر وسخرتها في خدمة سياستها الدولية بشكل ميكانيكي منذ (قصف مفاعل العراق 81 وحرب لبنان 82 وحرب الخليج 90 وحرب خراب العراق 2003 وحرب لبنان 2006 وحرب غزة 2008 ) إلى (حصارها المهين ومأساة أسطول الحرية التي أرادت بها إسرائيل تمريغ انف تركيا التي تريد إثبات ما لم يره حكام العرب بأن الكرامة ممكنة).

تصرفت أميركا وإسرائيل تجاه مصر كعبد مأمور واستغلتها بشكل مهين. وتم زرع قناعة لدى الشعب منذ كامب ديفيد 1979 أن من المستحيل الحصول على الطعام بنفس الوقت مع الكرامة السياسية والتمسك بقضايا العروبة. وقد ترسخت القناعة مع الزمن لتصبح جزءا من الموقف السياسي والقبول الشعبي. وقد تبين لكل من يريد الحقيقة زيف تلك القناعة دائما. فقد ازداد الشعب المصري فقرا وازدادت القيود على حرية مصر شعبا ووطنا ولم تحصل على مقابل لكرامتها المهدورة ضمن مشاريع السلام إلا ربما منفعة محدود لطبقة طفيلية استعدت للعمل بمثل هذه البيعة الضيزى.

وتمادى الموقف الأميركي والإسرائيلي منذ وصول بوش الابن للسلطة إلى وصول العالم إلى نقطة تحول تاريخية حيث قاد ثورة كبيرة لتوحيد أغنياء العالم في نهب ثروات الأمم دون تمييز بل شمل النهب شعوب الغرب نفسها. وقد ظهر ذلك جليا في سنوات 2003-2008 وما تبع ذلك من انهيارات في النظام الاقتصادي في الغرب نفسه ويقدر ما تم نهبه في تلك السنوات العشر بأكثر من 60 ترليون دولار.

وبدأ الغرب نفسه يشكو وكان سقوط بوش وسياساته ضروريا للانفصال عن مرحلته المدمرة. ومثل نجاح أوباما أملا للعالم أن يستطيع هذا الرجل "القادم من خلفية اجتماعية لا تنتمي لأبناء الأسر الإمبراطورية والمزيج من الأبيض والأسود والمسلم والمسيحي" التغيير نحو مجتمع أقل ظلما إن لم يكن أكثر عدالة. وأنه ربما يكون جائزة الصبر على سنوات بوش العجاف.

ومن منظور ذوي النفوذ وأصحاب رأس المال في السياسة الأميركية مثل وصول أوباما للحكم فرصة لالتقاط الأنفاس على أمل استغلال الرجل كخادم لتنظيف ما دمر بوش ولإثبات استحالة تغيير جوهر النظام مهما تغير الشكل أو المظهر.

وبدا أوباما ضعيفا أمام آلة أميركا ورأسماليتها الجبارة وأن أقصى ما يستطيع وشريكته كلينتون لا يتجاوز الحديث والمحاولة. وأن يستمر التندر عليه حتى نهاية حكمه لتأتي مرحلة جديدة للهيمنة. وقد يئس معظم من أملوا بأوباما التغيير وحسمت كثير من الشعوب اعتقادها أن ليس هناك أمل.

وجاء نتنياهو بعجرفته ليتعالى على من يفترض أن يصنع السلام معهم ويتحدى أميركا ببساطة لأنه يعتقد أنها لا تستطيع استصدار قرار خارج مصلحة إسرائيل وقد اثبت ذلك بسرعة. فقد فشل أوباما في كل خطوة أرادها لنحريك عملية السلام في المنظفة.

وتبني أوباما استراتيجية مختلفة عن سلفه بإعلانه منذ أول يوم أن حل الصراع العربي الفلسطيني مع إسرائيل يمثل أولوية قصوى وأن لا بد من حلها للوصول إلى وضع مستقر لمنطقة الشرق الأوسط والعالم. وهذا الموقف طبعا يتناغم مع التقرير الاستراتيجي الذي صدر عام 2006 والمشهور بتقرير هاملتون بيكر.

لقد أثبت نتنياهو أنه متعجرف ولكنه أيضا قادر على لي الذراع الأميركي رغما عنها. وقد أحرج ذلك كثيرا من قيادات العمل السياسي في الولايات المتحدة لكنه أيضا أكد لهم أن كثيرا من خياراتهم محدودة وأن النظام السياسي في الولايات المتحدة فسد إلى درجة لا تسمح بتنفيذ سياسات أميركا العليا دون موافقة إسرائيل وأن فيتو إسرائيل أصبح سيفا مسلطا.

وقد أضاع أوباما سنتين من حكمة محاولا تجاوز هذه العقدة وبدا بائسا متهالكا يرجو إسرائيل أن تفعل شيئا لإنقاذ عملية السلام بل وعد إسرائيل بمكاسب عظمى لو تنازلت ومددت تجميد الاستيطان شهرين آخرين ولم ينفع ذلك. لقد أسقط في يد أوباما والسياسة الأميركية الخارجية إلى درجة المهانة والشلل.

الموقف التركي والإيراني

وتزامن ذلك مع صراع إسرائيلي جديد ضد تركيا الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة وبأسلوب طفولي. وتم التعامل الإسرائيلي مع تركيا بدرجة من الاستهتار جعلت تركيا تتسارع خارج الصف الغربي وما يتبع ذلك من تحول استراتيجي في توازنات المنطقة.

وظهرت محدودية البدائل ضد إيران ووصل الجميع إلى قناعة أن إيقاف برنامجها النووي يعني حربا واحتلالا لها وهذا يعادل المستحيل ضمن معادلات المنطقة.

لقد ظهر فشل كثير من البدائل الاستراتيجية الأميركية وتزامن ذلك مع عصيان وجحود إسرائيلي بلا حدود. لو كنت مكان صاحب القرار الأميركي لأعلنت موقفا مناوئا دون تردد. طبعا لست في موقع صاحب القرار ولا أحمل تجربتهم ولا أتحمل نتائج التحدي للموقف الصهيوني اليهودي في الولايات المتحدة. وهذا يفسر تواضع نقد موقف إسرائيل رغم كل ذلك.

توقعات تطور الأمور

وعليه يبدو أن بدائل أوباما أصبحت محدودة. فليس لدية القدرة على الضغط المباشر على إسرائيل ولا يستطيع إقناع العرب بمزيد من التنازل أكثر بل ربما ليس من مصلحة أميركا نفسها أن يتنازلوا أكثر.

بل أسوأ من ذلك فقد انتهى الأمر بالأنظمة العربية الوصول إلى نتيجة محرجة لأميركا. وهي أن أسهل طريق لفتح البوابة الأميركية يمر من خلال البوابة الإسرائيلية. وقد أدركت مصر مبارك ذلك من خلال تجربة 30 عاما بحيث أصبح من السهل على حكومة مصر تحقيق مصالحها الحياتية من خلال إرضاء إسرائيل أكثر من أميركا. وأصبحت دول السلام العربي تدور في الفلك الإسرائيلي أكثر من الأميركي. لسبب بسيط أن أميركا هي التي دفعتهم لذلك بحكم العلاقة العضوية بين الموقف الأميركي والإسرائيلي.

لكن ذلك لا يمثل خبرا مفرحا لأميركا من منظور استراتيجي أو من منطلق سياسة يومية روتينية. فوصول الحاكم الأميركي لهذه النتيجة يمثل إهانة. من المفهوم أميركيا الانسجام مع الموقف الإسرائيلي وإسناده. لكن من الصعب ابتلاع فكرة العمل لدى الإسرائيلي وهذا ما أصبح ظاهرا في الفترة الأخيرة.

ليس مستغربا إذن أن تجد أميركا في التحرك الشعبي المناوئ للحكام المحسوبين عليها مخرجا جيدا لها.

فمن جهة فهو يعطي فرصة للإمساك بزمام الموقف السياسي بصورة مجددة داخل هذه الدول مما يعطيها فرصة إعادة رسم التوازنات. من جهة أخرى فإن استغلال كراهية الشعوب لأنظمتها سوف يساعد الولايات المتحدة تحسين صورتها من خلال أنظمة معدلة وأقل سوءا.

وعليه أود الادعاء أن مشاريع التغيير في عدد من الدول العربية مثل مصر وتونس وربما غيرها أصبح يمثل مصلحة أميركية. صحيح أنها مصلحة غير محددة المعالم وغير مؤكدة النتائج وتحتمل الانقلاب بين لحظة وأخرى لكنها تستحق التجربة المدروسة والمحسوبة.

وبما أن الجماهير في معظم البلدان المقصودة جاهزة للتغيير فليس هناك حاجة للتعبئة. وكل ما يلزم تعريف جزء كاف من تلك الشعوب أن أميركا لا تمانع في التغيير ولن يلزمها أكثر من مراقبة للأمر لمنع دخول مناوئ من دول منافسة كالنفوذ الإيراني في لبنان مثلا لكن ذلك النفوذ محدود في المنطقة العربية.

أثبتت تجربة تونس سهولة الأمر فقد هرب رأس النظام خلال فترة وجيزة واستطاعت أميركا بالتنسيق مع فرنسا رسم معادلة جديدة للحكم رغم أن الشعب غير راض عنها ويحتمل أن يعدلها لكنها بالنسبة لأميركا لا تمثل خطرا استراتيجيا في جميع الأحوال.

وشجعت تجربة تونس على الإسراع بتصعيد الموقف في مصر ومن الواضح أن أميركا قد أظهرت اهتماما قليلا بمصير مبارك بل ربما بدت اقرب للتغيير من الحفاظ على النظام. طبعا لا تريد أميركا التغيير بشكل جذري وهي لن تقبل بتغيير يجعل مصر دولة معادية لها. لكنها تعتقد أن بالإمكان حصول تغيير كاف يرضي الشعب دون كسر المعادلة الدولية.

واكتشفت أميركا سريعا أن ذلك ليس سهلا لسبب ربما لم تفكر به بما يكفي: وهو أن المشاكس الأهم في مسيرة التغيير ليست إيران أو الأحزاب الإسلامية بل الحليف الطفيلي الاستراتيجي إسرائيل.

لقد أدركت إسرائيل أن حدود التغيير التي ترغبها الولايات المتحدة لا تصب بالضرورة في اتجاه موقفها بل ربما ينتج عن ذلك زيادة الضغط عليها فحاولت المساومة من خلال النظام المصري المحاصر. وقد طرح مبارك تعديلات تتناسب مع المطلوب الإسرائيلي. وربما اعتقد النظام أنه بذلك يقطع الطريق على دعم أميركا للانتفاضة وكان ذلك ظاهرا يوم الاثنين 30-1 حين أعلنت إسرائيل تخوفها من تحول مصر كإيران في تحذير بأن الخميني وصل للحكم بقبول أميركي وغربي ولم يحسب أحد تطور الأمر لتصبح خصما استراتيجيا.

إسرائيل تريد القول أن اللعب بالنار المصرية خطير وأن سماح أميركا بتطور الأمور لأبعد من التغيير الذي أعلن عنه من قبل الرئيس مبارك يمثل خطرا( تشكيل حكومة جديدة). بل أكثر من ذلك فقد سربت أجهزة الأمن لديها أخبارا تقول أن السفارة الأميركية تقود الانتفاضة. وهي بذلك ترغب في التشهير بها وبالولايات المتحدة وتصويرها دمية أميركية بحتة. وفي نفس الوقت تود نقل رسالة احتجاج إلى أميركا أن التغيير بشكل أكبر مرفوض إسرائيليا. وقد بدأت حملة واضحة في وسائل الإعلام الإسرائيلي وبعض الأميركي مما أجبر الناطق الرسمي الأميركي على نفي أن أميركا وراء التغيير بل أنها لا تتدخل في تحديد من يختاره المصريون وهذا يوضح مدى انفصام الموقفين.

إسرائيل تريد تغييرا في النظام يضمن الولاء للسياسة الإسرائيلية مقابل استعداها دفع الثمن من خلال زيادة الدعم الاقتصادي لمصر بحيث ينشغل المواطن بتحسين أوضاعة وينسى الموقف السياسي. وهذا هو قلب مشروع السلام الاقتصادي الذي يدعو له نتنياهو.

بالمقابل يبدو أن أوباما لا يعتقد أن ذلك ممكن كما ظهر من تصريحاته وتصريحات وزيرة الخارجية. بل ربما هو لا يرغب بذلك الحل حسب التحليل السابق لأنه يفضل تغييرا ينتج ضغطا على إسرائيل لقبول حل سياسي معقول بما يضمن استقرارا طويل المدى في المنطقة.

لكن هذا لا يعني أن أميركا وإسرائيل هم اللاعبون الوحيدون أو الحاسمون بل يبقى الشارع المصري هو الأساس. فالمعركة تدور على أرض مصر وهي جماهيرية من الصعب تصفيتها وتتعاظم بشكل سريع وزخمها الذاتي يترسخ. من الأفضل لها طبعا أن تنال قبولا ودعما غربيا لأن هذا يسهل مهمتها ويخفف خطر التحول للعنف من جهة ويحد من الدور الإسرائيلي من جهة أخرى.

اللاعب المصري هو الذي سيقرر النتيجة وأعتقد أن مسيرة الملايين تحسم الأمر إلى حد كبير باتجاه مصلحة وطنية بالحد الأدنى. نجحت مسيرات الجماهير بفرض موقف الشعب ووفر الجيش مأمنا لم تتوقعه بهذه السرعة. كل هذا سوف يسهل على أميركا دعمها ويحد بالتالي من نفوذ الدور الإسرائيلي.

وتبقى لكن كبيرة: كيف يمكن تصديق إمكانية أن تصبح الولايات المتحدة حليفا للمصلحة العربية. أليست هي من سخر المنطقة لخدمة الاستعمار وإسرائيل. أليس أوباما وكلينتون هم أنفسهم من وافق على يهودية إسرائيل وطالب العرب التطبيع معها.

نعم كل ذلك صحيح لكن أميركا في هذه اللحظة مختلفة. ومصلحة مصر بالتغيير تتطلب استغلال اللحظة. وليس هناك رغبة مصرية جماهيرية بمعاداة أميركا أصلا. وما ترغب به تحسين الأوضاع المعيشية والأمن الشخصي والعدالة في توزيع الثروة بالحد الأدنى. وهي تريد حدا أدنى من الكرامة الوطنية والدور الإقليمي الذي يتطلبه حجمها وموقعها الاستراتيجي. ما لا تستطيع الجماهير قبوله هو استمرار الأوضاع الداخلية بهذا البؤس وبنفس الوقت استمرار الذل والتهميش لدورها الإقليمي والعربي. مثل هذه المطالب يمكن قبولها أميركيا.

أتوقع تطور الأمور بما يضمن تغييرا جذريا للنظام والنخبة السياسية على مدي فترة الأشهر القادمة. وليس من الضروري أن يسقط الرئيس مبارك خلال الفترة الانتقالية. لكن المؤكد أن مشروع التوريث أصبح غير ممكن وأن الحد الأدنى للانتقال الديموقراطي يتطلب انتخابات شاملة. مثل هذا سوف ينتج قوى لا تعادي الغرب بالضرورة لكنها ستكون أقل انقيادا للموقف الإسرائيلي وربما سوف تمثل تجربة ديموقراطية بالحد الأدنى ضمن النظام العربي.

هل هناك تهديد بانقسام في مصر. من الصعب ذلك لأن تركيبة مصر السكانية لا تسمح بانقسام جغرافي بأي شكل ولأن المصريين متضامنون بما يكفي لمنع ذلك والجيش لا يبدو قابلا للانقياد لأي تطور نوعي بمستوى العنف.

يبدو أن ثورة مصر الجديدة سوف تنجح وأنها لن تدفع ثمنا غاليا ولن تضطر إلى الاختيار بين الخبز والكرامة. ويمكنها إضعاف النفوذ الإسرائيلي تدريجيا حتى دون الخوف من إعادة احتلال سيناء وقد كان ذلك السيف المسلط دائما لتبرير عدم قطع العلاقة بإسرائيل.

بمثل هذا الموقف المتزن يمكنها تجاوز الأزمة دون الدخول بمواقف وخيارات صعبة. وسوف تجد بذلك كثيرا من الحلفاء أولهم الشعوب العربية وتركيا بل ربما تجد من دول مثل إيران موقفا متفهما. يضاف لهذا قبول معقول من أوروبا والولايات المتحدة والقوي العظمى. يبدو أنها فرصة تحمل وعودا ايجابية.

ندعو الله أن يحمي المحروسة وأهلها وأن يستطيع ذكاء شعبها الفطري قيادة السفينة نحو بر الأمان.

*


– أستاذ الفيزياء النووية والطاقة العالية – قلقيلية – فلسطين