- السبت ديسمبر 24, 2011 10:20 am
#45528
معركة المياه في حوض النيل
بعد ما يزيد عن العقدين منذ بداية الحديث عن أزمة المياه والصراعات أو حتى الحروب المتوقعة في منطقة الشرق الأوسط حول مصادر المياه تجمعت وبشكل بدا مفاجئا منذ أزمة جديدة وخطيرة في حوض وادي النيل بعد ما ارتفعت أصوات والتقت علي نحو مخطط ومدبر من تنزانيا وكينيا وكذلك من أوغندا وإثيوبيا وحتى رواندا والكونغو لتطالب بإلغاء الاتفاقيات الدولية الضامنة لحصة مصر من مياه النيل . وأخذت تلك الأصوات تطرح فكرة إعادة تقاسم المياه علي أسس يصفونها بأنها عادلة (مما يعني شيء واحد فقط هو تخفيض حصة مصر في مياه النيل ) وتطرح كذلك مفهوم بيع المياه لمصر وللسودان لقاء مقابل نقدي. بل بدأت بعض الدول فعلا في مخالفة الاتفاقيات الدولية ببناء مشاريع لسحب مياه النيل دون التفاوض مع مصر كما تفرض الاتفاقيات كما حدث في تنزانيا في حالة بحيرة فكتوريا وكما حدث من قبل في إثيوبيا . وتفجرت هذه الأوضاع خلال مجموعة الاجتماعات التي عقدت مؤخرا في أوغندا وكنيا وإثيوبيا . ومصر هي الدولة المعنية أساسا بهذا التهديد لأن مياه النيل تمثل بالنسبة لها قضية أمن قومي مباشر وحيوي ومصيري غير أن رد الفعل المصري بدا معتدلا إلي حد كبير لا يليق بحسامه الموضوع. فقد ظل العنف في الظاهر في يد وزير الموارد المائية وهو ليست أحد كبار وزراء الحكومة أو أركان النظام السياسي . كذلك ظلت تعليقات الصحف القومية (الرسمية) تدور حول معالجات تقليدية تتحدث عن دور إسرائيل في التلاعب مجريات الأمور في حوض وادي النيل والعمل علي تهديد أمن مصر القومي وابتزازها بالتلويح بمنع أو تقليل مياه النيل الواصلة إليها وحتى مع هذه المعالجات التقليدية ظل الاهتمام بالقضية محصورا في نطاق ضيق وسط سيل الانشغالات المألوفة للإعلام الرسمي .
وإذا كان لهذه التطورات من دلالة فهي أن الطرح الجديد لقضية المياه في الشرق الأوسط والذي جاء هذه المرة من الجنوب وليس كما كان الحال من الشمال حيث تركيا ومياه الفرات أو إسرائيل ومياه الليطاني يشير إلي تطورات خطيرة فشل الكثيرون في تتبع مسارها . صحيح أن إسرائيل هي فاعل ظاهر يحرك الأمور في منطقة حوض وادي النيل باتجاه تهديد مصر . ولكن هناك الآن ومنذ ما يزيد عن العقد فاعلين آخرين يتلخصان في الولايات المتحدة ومجلس الكنائس العالمي اللذان دخل إلي تلك المنطقة من أوسع أبوابها –بوابة السودان ومن سائر الأبواب :إرتريا ,إثيوبيا, كينيا, أوغندا, ومن أبواب النفوذ السياسي والإغاثي والإعلامي والعسكري . لم تكن مصادفة مثلا أن تنقل بعض الصحف وقبل أيام قليلة من اجتماعات نيروبي لبحث إعادة توزيع حصص مياه النيل أن حكومة كينيا اتفقت مع الفاتيكان أو الكنيسة الكاثوليكية في البلاد علي قيام الكنيسة بوضع وتعديل المناهج التعليمية التي تدرس في المدارس الرسمية في كينيا رغم وجود أعداد كبيرة من الكينيين المسلمين ومن أتباع مذاهب مسيحية أخرى. ومجلس الكنائس العالمي كان موجودا في الأزمة السودانية إلي جانب قوى التمرد منذ البداية تحت شعار الإغاثة ثم شعار الوساطة . كذلك كان هذا المجلس موجودا وتحت نفس الشعار في سائر دول حوض النيل والدول المحيطة الولايات المتحدة فهي موجودة في السودان تحت شعار الوساطة والمساهمة في حل الأزمة بين الشمال والجنوب وهي كذلك موجودة في إثيوبيا وإرتريا وأوغندا وكينيا تحت شعارات تتراوح من الوساطة إلي المعونة أو حفظ السلام وأخيرا إلي الحرب علي الإرهاب . وتبلور الوجود الغربي (الأمريكي – الأوروبي – الكيني ) في مخطط أو تصور إستراتيجي لتشكيل كتلة معادية للإسلام أولا ثم العروبة في منطقة شرق أفريقيا لا سيما بعد تدهور أوضاع المسلمين والعرب في إرتريا والصومال وفي السودان . وأخذت ملامح هذا الحلف أو الكتلة الإستراتيجية تتشكل وتتضح من خلال محاولة حل المشاكل الواصلة بين أطرافة (حل الصراع الإرتيري والإثيوبي ) ومن خلال الإدخال المفاجئ لكينيا وتنزانيا لتصبح من دول حوض النيل . واستغلت مسألة الحرب علي الإرهاب الإسلامي المزعوم لتوثيق الروابط بين أطراف هذه الكتلة وتوجيه عدائها إلي المسلمين الموجودين داخل بلدانها والذين يشكلون كتلا سكانية كبيرة ربما تصل إلي حد الأغلبية في إثيوبيا وهي أغلبية في إرتريا . وبدأ هذا الحلف يبر عن نفسه في السيطرة علي جنوب البحر الأحمر وبسط النفوذ والتأثير علي الصومال وجيبوتي وحتى اليمن . وكان من التطور الطبيعي أن يكون العمل الأكبر لهذا التحالف هو المحور الشمالي حيث الجائزة الكبرى بضرب أو مجرد حصار وتهديد الوجود الإسلامي الأعمق والأكبر في أفريقيا في السودان ومصر . ولهذا كانت عملية تهديد نصيب مصر والسودان من مياه النيل عملية متوقعة بالنسبة لأي محلل يتابع ظهور تلك الكتلة المباركة وتشجيع أمريكا وأوروبا ومجلس الكنائس العالمي ومشاركة إسرائيل عسكريا وفنيا وسياسيا واستخباريا.
ولكن يبدو أن مصر وهي الطرف الأساسي المعني بكل هذه التحركات لم تكن تتابع الموقف بجدية وبوضوح رؤية في ظل إنشغالات داخلية وخارجية غير مركزة علي المحور الأهم للأمن القومي المصري. ولذلك حدث ما يشبه المفاجأة ولم تجد الصحف الرسمية مجالا للتعليق أكثر من ترديد المقولات القديمة منذ الستينات حول التأثر الإسرائيلي في وادي النيل كما لم تجد تلك الصحف ومعها الدبلوماسية المصرية علي ما يظهر ما ترد به سوى ترديد الاكلشيهات والشعارات القائمة التي أصبحت في هذه الفترة تمثل المضمون الرئيسي والوحيد للأطروحات والمبادرات المصرية الرسمية تجاه العالم الخارجي والمتمثلة في الحديث السرف حول السلام والتسامح والحلول السلمية للنزاعات والتفاوض والتعاون الدولي ...الخ . ومن الواضح أن هذا المضمون للدبلوماسية المصرية قد تشكل ثم تبلور تحت تأثير الحملة والضغوط الغربية المتعلقة بما يسمي الحرب علي ألإرهاب لكنه استخدم الآن لمعالجة التطور الجديد الناشئ حول مياه النيل . فمع الاستبعاد المعلن للأدوات العسكرية والسياسية لم يكن هناك من رد سوى الحديث حول التعاون الفني مع دول حوض وادي النيل للوصول إلي تسوية ترضي الكل حول التوزيع الأمثل للموارد المائية بما لا ينقص حصة مصر . لكن هذا الرد من الجانب المصري كان يتجاهل تماما أن الطرح الجديد لقضية المياه من جانب مجموعة من الأطراف المتواطئة لم ينشأ بسبب أزمة أو مشكلة فنية بل نشأ كتعبير عن قيام كتلة سياسية لها أهداف وأفاق عدوانية تجاه الإسلام والعرب قامت بتشجيع ومباركة ودعم القوى الغربية وإسرائيل . ومثل هذا الوضع يتطلب رد فعل مناسب وعلي مستوى مكافئ.
بعد ما يزيد عن العقدين منذ بداية الحديث عن أزمة المياه والصراعات أو حتى الحروب المتوقعة في منطقة الشرق الأوسط حول مصادر المياه تجمعت وبشكل بدا مفاجئا منذ أزمة جديدة وخطيرة في حوض وادي النيل بعد ما ارتفعت أصوات والتقت علي نحو مخطط ومدبر من تنزانيا وكينيا وكذلك من أوغندا وإثيوبيا وحتى رواندا والكونغو لتطالب بإلغاء الاتفاقيات الدولية الضامنة لحصة مصر من مياه النيل . وأخذت تلك الأصوات تطرح فكرة إعادة تقاسم المياه علي أسس يصفونها بأنها عادلة (مما يعني شيء واحد فقط هو تخفيض حصة مصر في مياه النيل ) وتطرح كذلك مفهوم بيع المياه لمصر وللسودان لقاء مقابل نقدي. بل بدأت بعض الدول فعلا في مخالفة الاتفاقيات الدولية ببناء مشاريع لسحب مياه النيل دون التفاوض مع مصر كما تفرض الاتفاقيات كما حدث في تنزانيا في حالة بحيرة فكتوريا وكما حدث من قبل في إثيوبيا . وتفجرت هذه الأوضاع خلال مجموعة الاجتماعات التي عقدت مؤخرا في أوغندا وكنيا وإثيوبيا . ومصر هي الدولة المعنية أساسا بهذا التهديد لأن مياه النيل تمثل بالنسبة لها قضية أمن قومي مباشر وحيوي ومصيري غير أن رد الفعل المصري بدا معتدلا إلي حد كبير لا يليق بحسامه الموضوع. فقد ظل العنف في الظاهر في يد وزير الموارد المائية وهو ليست أحد كبار وزراء الحكومة أو أركان النظام السياسي . كذلك ظلت تعليقات الصحف القومية (الرسمية) تدور حول معالجات تقليدية تتحدث عن دور إسرائيل في التلاعب مجريات الأمور في حوض وادي النيل والعمل علي تهديد أمن مصر القومي وابتزازها بالتلويح بمنع أو تقليل مياه النيل الواصلة إليها وحتى مع هذه المعالجات التقليدية ظل الاهتمام بالقضية محصورا في نطاق ضيق وسط سيل الانشغالات المألوفة للإعلام الرسمي .
وإذا كان لهذه التطورات من دلالة فهي أن الطرح الجديد لقضية المياه في الشرق الأوسط والذي جاء هذه المرة من الجنوب وليس كما كان الحال من الشمال حيث تركيا ومياه الفرات أو إسرائيل ومياه الليطاني يشير إلي تطورات خطيرة فشل الكثيرون في تتبع مسارها . صحيح أن إسرائيل هي فاعل ظاهر يحرك الأمور في منطقة حوض وادي النيل باتجاه تهديد مصر . ولكن هناك الآن ومنذ ما يزيد عن العقد فاعلين آخرين يتلخصان في الولايات المتحدة ومجلس الكنائس العالمي اللذان دخل إلي تلك المنطقة من أوسع أبوابها –بوابة السودان ومن سائر الأبواب :إرتريا ,إثيوبيا, كينيا, أوغندا, ومن أبواب النفوذ السياسي والإغاثي والإعلامي والعسكري . لم تكن مصادفة مثلا أن تنقل بعض الصحف وقبل أيام قليلة من اجتماعات نيروبي لبحث إعادة توزيع حصص مياه النيل أن حكومة كينيا اتفقت مع الفاتيكان أو الكنيسة الكاثوليكية في البلاد علي قيام الكنيسة بوضع وتعديل المناهج التعليمية التي تدرس في المدارس الرسمية في كينيا رغم وجود أعداد كبيرة من الكينيين المسلمين ومن أتباع مذاهب مسيحية أخرى. ومجلس الكنائس العالمي كان موجودا في الأزمة السودانية إلي جانب قوى التمرد منذ البداية تحت شعار الإغاثة ثم شعار الوساطة . كذلك كان هذا المجلس موجودا وتحت نفس الشعار في سائر دول حوض النيل والدول المحيطة الولايات المتحدة فهي موجودة في السودان تحت شعار الوساطة والمساهمة في حل الأزمة بين الشمال والجنوب وهي كذلك موجودة في إثيوبيا وإرتريا وأوغندا وكينيا تحت شعارات تتراوح من الوساطة إلي المعونة أو حفظ السلام وأخيرا إلي الحرب علي الإرهاب . وتبلور الوجود الغربي (الأمريكي – الأوروبي – الكيني ) في مخطط أو تصور إستراتيجي لتشكيل كتلة معادية للإسلام أولا ثم العروبة في منطقة شرق أفريقيا لا سيما بعد تدهور أوضاع المسلمين والعرب في إرتريا والصومال وفي السودان . وأخذت ملامح هذا الحلف أو الكتلة الإستراتيجية تتشكل وتتضح من خلال محاولة حل المشاكل الواصلة بين أطرافة (حل الصراع الإرتيري والإثيوبي ) ومن خلال الإدخال المفاجئ لكينيا وتنزانيا لتصبح من دول حوض النيل . واستغلت مسألة الحرب علي الإرهاب الإسلامي المزعوم لتوثيق الروابط بين أطراف هذه الكتلة وتوجيه عدائها إلي المسلمين الموجودين داخل بلدانها والذين يشكلون كتلا سكانية كبيرة ربما تصل إلي حد الأغلبية في إثيوبيا وهي أغلبية في إرتريا . وبدأ هذا الحلف يبر عن نفسه في السيطرة علي جنوب البحر الأحمر وبسط النفوذ والتأثير علي الصومال وجيبوتي وحتى اليمن . وكان من التطور الطبيعي أن يكون العمل الأكبر لهذا التحالف هو المحور الشمالي حيث الجائزة الكبرى بضرب أو مجرد حصار وتهديد الوجود الإسلامي الأعمق والأكبر في أفريقيا في السودان ومصر . ولهذا كانت عملية تهديد نصيب مصر والسودان من مياه النيل عملية متوقعة بالنسبة لأي محلل يتابع ظهور تلك الكتلة المباركة وتشجيع أمريكا وأوروبا ومجلس الكنائس العالمي ومشاركة إسرائيل عسكريا وفنيا وسياسيا واستخباريا.
ولكن يبدو أن مصر وهي الطرف الأساسي المعني بكل هذه التحركات لم تكن تتابع الموقف بجدية وبوضوح رؤية في ظل إنشغالات داخلية وخارجية غير مركزة علي المحور الأهم للأمن القومي المصري. ولذلك حدث ما يشبه المفاجأة ولم تجد الصحف الرسمية مجالا للتعليق أكثر من ترديد المقولات القديمة منذ الستينات حول التأثر الإسرائيلي في وادي النيل كما لم تجد تلك الصحف ومعها الدبلوماسية المصرية علي ما يظهر ما ترد به سوى ترديد الاكلشيهات والشعارات القائمة التي أصبحت في هذه الفترة تمثل المضمون الرئيسي والوحيد للأطروحات والمبادرات المصرية الرسمية تجاه العالم الخارجي والمتمثلة في الحديث السرف حول السلام والتسامح والحلول السلمية للنزاعات والتفاوض والتعاون الدولي ...الخ . ومن الواضح أن هذا المضمون للدبلوماسية المصرية قد تشكل ثم تبلور تحت تأثير الحملة والضغوط الغربية المتعلقة بما يسمي الحرب علي ألإرهاب لكنه استخدم الآن لمعالجة التطور الجديد الناشئ حول مياه النيل . فمع الاستبعاد المعلن للأدوات العسكرية والسياسية لم يكن هناك من رد سوى الحديث حول التعاون الفني مع دول حوض وادي النيل للوصول إلي تسوية ترضي الكل حول التوزيع الأمثل للموارد المائية بما لا ينقص حصة مصر . لكن هذا الرد من الجانب المصري كان يتجاهل تماما أن الطرح الجديد لقضية المياه من جانب مجموعة من الأطراف المتواطئة لم ينشأ بسبب أزمة أو مشكلة فنية بل نشأ كتعبير عن قيام كتلة سياسية لها أهداف وأفاق عدوانية تجاه الإسلام والعرب قامت بتشجيع ومباركة ودعم القوى الغربية وإسرائيل . ومثل هذا الوضع يتطلب رد فعل مناسب وعلي مستوى مكافئ.