- السبت ديسمبر 24, 2011 12:11 pm
#45545
الاتحاد الأوروبي في أزمة وجودية
الحور الاخبارية - من قمة إلى قمة ومن اقتراح إلى اقتراح، يعجز قادة الاتحاد الأوروبي عن العثور على طريقة لحل أزمة الدين التي تعصف بدول منطقة اليورو، لاسيما الكبرى والغنية منها مثل فرنسا وبريطانيا وإيطاليا، بعد أن عصفت الأزمة بالدول الأضعف والأفقر مثل البرتغال وأيرلندا واليونان . وحتى الآن أجبرت هذه الأزمة رؤساء وزراء عديدين على الاستقالة في هذا العام: الأيرلندي براين كووين في فبراير/شباط، والبرتغالي جوزيه سقراط في مارس/آذار والإسباني جوزيه ثاباتيرو في يوليو/تموز، والتشيكية إيفيتا راديكوفا في أكتوبر/تشرين الأول ثم اليوناني جورج باباندريو والإيطالي سيلفيو برلسكوني في نوفمبر/تشرين الثاني .
ويبدو أن هذه الأزمة تتجاوز أوروبا لتطاول النظام الرأسمالي برمته، وهي بدأت تدريجياً ولم تأت في لحظة مفاجئة . ففي عودة إلى الوراء بدأت الأزمة في اليابان التي كانت تحتل المركز الثاني في الاقتصاد العالمي . كان ذلك في العام 1990 أي قبل ولادة الاتحاد الأوروبي بقليل عندما انفجرت “الفقاعة المالية”، وتسببت بإفلاس شركات مالية كبرى قبل أن تتدخل الحكومة اليابانية لإنقاذها عبر ضخ كميات كبيرة من السيولة المالية في السوق . لكن هذا الأخير امتص هذه السيولة بسرعة لتعود الأزمة أقوى هذه المرة في العام 1993 . ومنذ ذلك الوقت تتخبط الحكومات اليابانية في محاولات الإفلات من حبائل هذه الأزمة التي راحت تتجول لتحط في منطقة آسيا الجنوبية - الشرقية وبلدانها المعروفة بالنمور الآسيوية، العام ،1997 ثم روسيا، العام 1998 ثم أمريكا - اللاتينية بعدها بقليل، إلى أن انفجرت أزمة الرهونات العقارية في الولايات المتحدة انطلاقاً من العام 2007-2008 لتطاول الاقتصاد العالمي برمته وتحديداً الاقتصادات الغربية ومنها الأوروبية .
في العام 2010 بدأ ت ماليات بعض الدول الأوروبية تكشف عن عجز خطر يتطلب تدخلاً على المستوى الأوروبي فوق - الوطني . وهنا احتدم النقاش عن العلاجات المفترض تبنيها منعاً لتفاقم الأزمة وانتشارها . وفضح هذا النقاش أنانية الزعماء الأوروبيين أو لنقل تعلقهم بالمصالح الوطنية على حساب التضامن الأوروبي . وهذا سببه النظام السياسي القائم على الاقتراع العام، فالزعماء الأوروبيون مضطرون إلى مراعاة مصالح شعوبهم التي تنتخبهم وتحاسبهم على ما قدموه لبلادهم وشعوبهم، وليس على ما ضحوا به لأجل المصالح الأوروبية العليا . وقد دلت استطلاعات الرأي على أن أقل من نصف المواطنين (بين 46 و47 في المئة) في البلدان الأوروبية عموماً مقتنعون بالجدوى من الاتحاد الأوروبي، ما يعني أنهم غير مستعدين للتضحية بجزء من المصالح الوطنية على معبد المصلحة الأوروبية العليا . وفي ألمانيا بالتحديد، وهي البلد الأقوى اقتصادياً، فإن الموطنين ملّوا من تقديم التضحيات المستمرة في سبيل إنقاذ الآخرين في أوروبا، تارة البرتغاليين ثم اليونانيين وطوراً الأيرلنديين وغداً ربما الفرنسيين، وهم يفضلون الخروج من الاتحاد والعودة إلى المارك الذي طالما شكل مصدر عزتهم وفخرهم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية .
ويؤمن الرئيس ساركوزي، الذي تقف بلاده على حافة خطر الركود والعجز الخطرين، كما المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بأنه لابد من معاهدة أوروبية جديدة تتضمن مؤسسة فوق - وطنية ذات صلاحيات من أجل مراقبة الميزانيات العامة . لكن زعماء آخرين يرفضون مثل هذه المعاهدة التي قد تمس بسيادة بلادهم وترفضها شعوبهم . وقد فشلت قمة بروكسل الأخيرة على هذه الخلفية . ما يعني أن الأزمة التي يعانيها الاتحاد الأوروبي هي أزمة متعددة الأوجه . إنها من ناحية، أزمة وجودية لأن الأوروبيين لا يعرفون حتى الآن ما إذا كان اتحادهم نوعاً من الفيدرالية مع ما يترتب عليها من أولوية للسلطات الفيدرالية على حساب السيادات الوطنية، وهي أيضاً أزمة بنيوية لأن الاتحاد في الأصل لم يبن بطريقة تتوقع حصول مثل هذه الأزمات وكيفية التصدي لها، عدا كونها أزمة ديمقراطية، لأن القرارات تتخذ من فوق من دون استشارة الشعوب التي لا تملك سوى صناديق الاقتراع لتعيين الحكام الذين سواء كانوا من اليمين أو اليسار أو الوسط، لا يملكون حلولاً لنظام أضحى يفتقر إلى الليونة والتكيف . إنها في النهاية أزمة ليبرالية اقتصادية ومالية مفرطة خلقت طبقة طفيلية تسيطر على الأحزاب والحكومات ولا تخضع لها بدليل أن الشعوب تتظاهر ضد النظام المالي القائم وهيمنة المصارف عليه (حركات “احتلال وول ستريت” في أمريكا، و”عبروا عن استيائكم” في أوروبا) في وقت يحل فيه حاكم سابق للمصرف المركزي اليوناني مكان رئيس الوزراء المستقيل باباندريو، وفي إيطاليا يحل أحد الاقتصاديين المصرفيين محل برلسكوني المستقيل . وفي الحالتين فإن حزب بابانديو، هو الذي أجبره على الاستقالة كما حزب برلسكوني وليس الشعب أو البرلمان اللذان يملكان حق المساءلة .
أما عن البرلمان الأوروبي وهو المؤسسة الأكثر ديمقراطية من الناحية المبدئية كونه منتخباً من الشعوب وليس معيناً كما هي حال المفوضية وغيرها من المؤسسات فإنه غائب تماماً عن القرار . هذا البرلمان يعاني الغياب المتكرر لعدد كبير من نوابه، ثم إنه ناتج في الأصل عن انتخابات على المستوى الأوروبي تعاني نسب مشاركة ضعيفة جداً من قبل الشعوب لا تزيد على العشرين في المئة في أفضل الأحوال .
المصدر: ملتقيات ومنتديات عشاق الحور - من قسم: القسم السياسي -تقارير سياسية - مواضيع سياسية
الحور الاخبارية - من قمة إلى قمة ومن اقتراح إلى اقتراح، يعجز قادة الاتحاد الأوروبي عن العثور على طريقة لحل أزمة الدين التي تعصف بدول منطقة اليورو، لاسيما الكبرى والغنية منها مثل فرنسا وبريطانيا وإيطاليا، بعد أن عصفت الأزمة بالدول الأضعف والأفقر مثل البرتغال وأيرلندا واليونان . وحتى الآن أجبرت هذه الأزمة رؤساء وزراء عديدين على الاستقالة في هذا العام: الأيرلندي براين كووين في فبراير/شباط، والبرتغالي جوزيه سقراط في مارس/آذار والإسباني جوزيه ثاباتيرو في يوليو/تموز، والتشيكية إيفيتا راديكوفا في أكتوبر/تشرين الأول ثم اليوناني جورج باباندريو والإيطالي سيلفيو برلسكوني في نوفمبر/تشرين الثاني .
ويبدو أن هذه الأزمة تتجاوز أوروبا لتطاول النظام الرأسمالي برمته، وهي بدأت تدريجياً ولم تأت في لحظة مفاجئة . ففي عودة إلى الوراء بدأت الأزمة في اليابان التي كانت تحتل المركز الثاني في الاقتصاد العالمي . كان ذلك في العام 1990 أي قبل ولادة الاتحاد الأوروبي بقليل عندما انفجرت “الفقاعة المالية”، وتسببت بإفلاس شركات مالية كبرى قبل أن تتدخل الحكومة اليابانية لإنقاذها عبر ضخ كميات كبيرة من السيولة المالية في السوق . لكن هذا الأخير امتص هذه السيولة بسرعة لتعود الأزمة أقوى هذه المرة في العام 1993 . ومنذ ذلك الوقت تتخبط الحكومات اليابانية في محاولات الإفلات من حبائل هذه الأزمة التي راحت تتجول لتحط في منطقة آسيا الجنوبية - الشرقية وبلدانها المعروفة بالنمور الآسيوية، العام ،1997 ثم روسيا، العام 1998 ثم أمريكا - اللاتينية بعدها بقليل، إلى أن انفجرت أزمة الرهونات العقارية في الولايات المتحدة انطلاقاً من العام 2007-2008 لتطاول الاقتصاد العالمي برمته وتحديداً الاقتصادات الغربية ومنها الأوروبية .
في العام 2010 بدأ ت ماليات بعض الدول الأوروبية تكشف عن عجز خطر يتطلب تدخلاً على المستوى الأوروبي فوق - الوطني . وهنا احتدم النقاش عن العلاجات المفترض تبنيها منعاً لتفاقم الأزمة وانتشارها . وفضح هذا النقاش أنانية الزعماء الأوروبيين أو لنقل تعلقهم بالمصالح الوطنية على حساب التضامن الأوروبي . وهذا سببه النظام السياسي القائم على الاقتراع العام، فالزعماء الأوروبيون مضطرون إلى مراعاة مصالح شعوبهم التي تنتخبهم وتحاسبهم على ما قدموه لبلادهم وشعوبهم، وليس على ما ضحوا به لأجل المصالح الأوروبية العليا . وقد دلت استطلاعات الرأي على أن أقل من نصف المواطنين (بين 46 و47 في المئة) في البلدان الأوروبية عموماً مقتنعون بالجدوى من الاتحاد الأوروبي، ما يعني أنهم غير مستعدين للتضحية بجزء من المصالح الوطنية على معبد المصلحة الأوروبية العليا . وفي ألمانيا بالتحديد، وهي البلد الأقوى اقتصادياً، فإن الموطنين ملّوا من تقديم التضحيات المستمرة في سبيل إنقاذ الآخرين في أوروبا، تارة البرتغاليين ثم اليونانيين وطوراً الأيرلنديين وغداً ربما الفرنسيين، وهم يفضلون الخروج من الاتحاد والعودة إلى المارك الذي طالما شكل مصدر عزتهم وفخرهم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية .
ويؤمن الرئيس ساركوزي، الذي تقف بلاده على حافة خطر الركود والعجز الخطرين، كما المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بأنه لابد من معاهدة أوروبية جديدة تتضمن مؤسسة فوق - وطنية ذات صلاحيات من أجل مراقبة الميزانيات العامة . لكن زعماء آخرين يرفضون مثل هذه المعاهدة التي قد تمس بسيادة بلادهم وترفضها شعوبهم . وقد فشلت قمة بروكسل الأخيرة على هذه الخلفية . ما يعني أن الأزمة التي يعانيها الاتحاد الأوروبي هي أزمة متعددة الأوجه . إنها من ناحية، أزمة وجودية لأن الأوروبيين لا يعرفون حتى الآن ما إذا كان اتحادهم نوعاً من الفيدرالية مع ما يترتب عليها من أولوية للسلطات الفيدرالية على حساب السيادات الوطنية، وهي أيضاً أزمة بنيوية لأن الاتحاد في الأصل لم يبن بطريقة تتوقع حصول مثل هذه الأزمات وكيفية التصدي لها، عدا كونها أزمة ديمقراطية، لأن القرارات تتخذ من فوق من دون استشارة الشعوب التي لا تملك سوى صناديق الاقتراع لتعيين الحكام الذين سواء كانوا من اليمين أو اليسار أو الوسط، لا يملكون حلولاً لنظام أضحى يفتقر إلى الليونة والتكيف . إنها في النهاية أزمة ليبرالية اقتصادية ومالية مفرطة خلقت طبقة طفيلية تسيطر على الأحزاب والحكومات ولا تخضع لها بدليل أن الشعوب تتظاهر ضد النظام المالي القائم وهيمنة المصارف عليه (حركات “احتلال وول ستريت” في أمريكا، و”عبروا عن استيائكم” في أوروبا) في وقت يحل فيه حاكم سابق للمصرف المركزي اليوناني مكان رئيس الوزراء المستقيل باباندريو، وفي إيطاليا يحل أحد الاقتصاديين المصرفيين محل برلسكوني المستقيل . وفي الحالتين فإن حزب بابانديو، هو الذي أجبره على الاستقالة كما حزب برلسكوني وليس الشعب أو البرلمان اللذان يملكان حق المساءلة .
أما عن البرلمان الأوروبي وهو المؤسسة الأكثر ديمقراطية من الناحية المبدئية كونه منتخباً من الشعوب وليس معيناً كما هي حال المفوضية وغيرها من المؤسسات فإنه غائب تماماً عن القرار . هذا البرلمان يعاني الغياب المتكرر لعدد كبير من نوابه، ثم إنه ناتج في الأصل عن انتخابات على المستوى الأوروبي تعاني نسب مشاركة ضعيفة جداً من قبل الشعوب لا تزيد على العشرين في المئة في أفضل الأحوال .
المصدر: ملتقيات ومنتديات عشاق الحور - من قسم: القسم السياسي -تقارير سياسية - مواضيع سياسية