مشكلة تركيا المتعلقة بسياسة " صفر مشاكل "
مرسل: السبت ديسمبر 24, 2011 1:45 pm
..
لقد كانت سياسة تركيا المتعلقة بوجود " صفر مشاكل مع الجيران " سياسة جيدة في حينها. لقد ساعدت تلك السياسة التي صاغتها الحكومة المنتخبة الجديدة في تركيا سنة 2002 تلك الحكومة على الصعود الى مصاف القوى الاقليمية التي تتمتع بالنفوذ. لقد بدا الهدف من تلك السياسة -وهو بناء روابط اقتصادية وسياسية واجتماعة قوية مع جيران تركيا المباشرين بينما في الوقت نفسه تقوم تركيا بتخفيف اعتمادها على الولايات المتحدة الامريكية – وكأنه في متناول اليد لكن الربيع العربي كشف اوجه الضعف في تلك السياسة ويجب على تركيا الان ان تسعى الى مبدأ توجيهي جديد يحكم انخراطها بالوضع الاقليمي .
لقد كان مصطلح " صفر مشاكل مع الجيران " حتى بداية الانتفاضات العربية يعني صفر مشاكل مع الانظمة السلطوية الراسخة في الشرق الأوسط ولكن عندما بدأت المعارضة السياسية بتحقيق تقدم ملموس هذا العام ، واجهت حكومة رئيس الوزراء رجب طيب اردوجان خيار لا يمكنها تجنبه وهو اما ان تحافظ على سياستها في الانخراط مع القادة العرب السلطويين وإما الاقرار بإن مواطني بلدانهم لم يكن لديهم " صفر مشاكل "
ان الثورة في ليبيا شكلت التحدي الملموس الاول لسياسة تركيا تلك وبالرغم من ان شركاء تركيا الغربيين قطعوا علاقاتهم مع القائد الليبي معمر القذافي بشكل سريع دعما للمعارضة فإن مبدأ " صفر مشاكل " كان يقتضي ان تحتفظ الحكومة التركية بعلاقات مع النظام القديم وبعد ان قامت في بادىء الامر بتبني موقف محايد ، ادركت تركيا سريعا ان ترددها يضر بصورتها.
وهكذا واجهت تركيا صراع اساسي بين سياستها التي تعتز بها والمتعلقة بالانخراط مع الحكام السياسيين الاقليميين بدون توجيه انتقادات اليهم وبين حتمية دعم الطموحات الديمقراطية للشعب الليبي وفي نهاية المطاف قررت الحكومة ان تدعم الخيار الثاني بدلا من الاول مما يعني عمليا انهاء سياستها المتعلقة " بصفر مشاكل" مع الجيران. لقد اصبحت تركيا آخر عضو في الناتو تقدم دعمها للثوار الليبيين .
لقد كانت سوريا في نواح كثيرة تجسيدا حيا لسياسة " صفر مشاكل مع الجيران " لكن الازمة السورية اصبحت بمثابة مسمار اخر في نعش سياسة تركيا الاقليمية . لقد كانت سوريا وتركيا على حافة الحرب في نهاية التسعينات بسبب دعم سوريا للارهاب الكردي ولكن الحكومتين قامتا بتحسين علاقتهما وحتى انهما كانتا تفكران في انشاء سوق مشتركة اقليمية .
وعليه ، عندما انطلقت الاحتجاجات الشعبية في سوريا في يناير كانت تركيا تأمل ان تستخدم علاقة الثقة المتبادلة التي من المفترض ان البلدين قد قاموا بتطويرها أي عمليا دفع الرئيس السوري بشار الاسد تجاه الاصلاحات الديمقراطية . لكن عندما وجدت حكومة اردوجان ان هناك تصلبا في موقف الاسد اظهرت تلك الحكومة انها تعلمت من الخبرة الليبية وفي هذه المرة لم تتردد تركيا قبل ان تنتقد الاسد بشدة وفي خروج واضح عن السياسة التركية الراسخة ، قام اردوجان بفرض عقوبات احادية ضد سوريا وهذا شيء له دلالة اكبر وخاصة اذا علمنا ان تركيا عادة ما كانت تدين العقوبات علما انه حتى وقت قريب قامت تركيا في العام الماضي بالتصويت ضد عقوبات جديدة على ايران في مجلس الامن الدولي.
في الوقت نفسه تغيرت لهجة خطاب الحكومة التركية ايضا حيث قدمت تلك الحكومة دعمها الكامل للمعارضة السورية كما بدأ القادة الاتراك في التعبير عن واجب بلدهم بحماية الناس المضهدين في الشرق الاوسط.
ان من المرجح ان تكون عواقب هذا التحول الاساسي في النظرة الاقليمية لتركيا كبيرة فنظرة تركيا الجديدة توحي بإنها مصممة ولأول مرة في تاريخ الجمهورية التركية على الترويج للمبادىء الديمقراطية في المنطقة.
ان سياسة تركية اكثر صخبا فيما يتعلق بالحريات الاساسية والاصلاح الديمقراطي في المنطقة سوف تقوم بالضرورة بتغيير علاقات تركيا مع جيرانها الاقل تقدمية وحتى تتمتع الاجندة التركية الجديدة بالمصداقية فإنه ليس بإمكان حكومة اردوجان الاستمرار في تجاهل الانتهاكات الكبيرة لحقوق الانسان في ايران المجاورة علما ان حكومة اردوجان كانت اول حكومة تهنىء الرئيس محمود احمدي نجاد بعد انتخابات ايران المشكوك في صحتها سنة 2009.
ان من العناصر المهمة الاخرى لمصداقية السياسة الجديدة قدرة تركيا على حل أوجه القصور الديمقراطي في تركيا وخاصة فيما يتعلق بحرية التعبير وعدم التدخل في وسائل الاعلام بالاضافة الى حقوق الاقليات . ان احراز تقدم في تلك المجالات سوف يكون حاسما لنجاح اجندة السياسة الخارجية التركية.
ان دور تركيا الجيوسياسي كبلد اوروبي وشرق اوسطي اكثر تعقيدا من أي وقت مضى وبالنسبة لهذا البلد لا يوجد شيء يدعى " لا مشاكل " وفي بيئة يتم اعادة تشكيلها بطرق غير متوقعة من قبل الصحوة العربية فإنه سوف يتوجب على تركيا اعادة تعريف معنى ان تكون جارا طيبا.
لقد كانت سياسة تركيا المتعلقة بوجود " صفر مشاكل مع الجيران " سياسة جيدة في حينها. لقد ساعدت تلك السياسة التي صاغتها الحكومة المنتخبة الجديدة في تركيا سنة 2002 تلك الحكومة على الصعود الى مصاف القوى الاقليمية التي تتمتع بالنفوذ. لقد بدا الهدف من تلك السياسة -وهو بناء روابط اقتصادية وسياسية واجتماعة قوية مع جيران تركيا المباشرين بينما في الوقت نفسه تقوم تركيا بتخفيف اعتمادها على الولايات المتحدة الامريكية – وكأنه في متناول اليد لكن الربيع العربي كشف اوجه الضعف في تلك السياسة ويجب على تركيا الان ان تسعى الى مبدأ توجيهي جديد يحكم انخراطها بالوضع الاقليمي .
لقد كان مصطلح " صفر مشاكل مع الجيران " حتى بداية الانتفاضات العربية يعني صفر مشاكل مع الانظمة السلطوية الراسخة في الشرق الأوسط ولكن عندما بدأت المعارضة السياسية بتحقيق تقدم ملموس هذا العام ، واجهت حكومة رئيس الوزراء رجب طيب اردوجان خيار لا يمكنها تجنبه وهو اما ان تحافظ على سياستها في الانخراط مع القادة العرب السلطويين وإما الاقرار بإن مواطني بلدانهم لم يكن لديهم " صفر مشاكل "
ان الثورة في ليبيا شكلت التحدي الملموس الاول لسياسة تركيا تلك وبالرغم من ان شركاء تركيا الغربيين قطعوا علاقاتهم مع القائد الليبي معمر القذافي بشكل سريع دعما للمعارضة فإن مبدأ " صفر مشاكل " كان يقتضي ان تحتفظ الحكومة التركية بعلاقات مع النظام القديم وبعد ان قامت في بادىء الامر بتبني موقف محايد ، ادركت تركيا سريعا ان ترددها يضر بصورتها.
وهكذا واجهت تركيا صراع اساسي بين سياستها التي تعتز بها والمتعلقة بالانخراط مع الحكام السياسيين الاقليميين بدون توجيه انتقادات اليهم وبين حتمية دعم الطموحات الديمقراطية للشعب الليبي وفي نهاية المطاف قررت الحكومة ان تدعم الخيار الثاني بدلا من الاول مما يعني عمليا انهاء سياستها المتعلقة " بصفر مشاكل" مع الجيران. لقد اصبحت تركيا آخر عضو في الناتو تقدم دعمها للثوار الليبيين .
لقد كانت سوريا في نواح كثيرة تجسيدا حيا لسياسة " صفر مشاكل مع الجيران " لكن الازمة السورية اصبحت بمثابة مسمار اخر في نعش سياسة تركيا الاقليمية . لقد كانت سوريا وتركيا على حافة الحرب في نهاية التسعينات بسبب دعم سوريا للارهاب الكردي ولكن الحكومتين قامتا بتحسين علاقتهما وحتى انهما كانتا تفكران في انشاء سوق مشتركة اقليمية .
وعليه ، عندما انطلقت الاحتجاجات الشعبية في سوريا في يناير كانت تركيا تأمل ان تستخدم علاقة الثقة المتبادلة التي من المفترض ان البلدين قد قاموا بتطويرها أي عمليا دفع الرئيس السوري بشار الاسد تجاه الاصلاحات الديمقراطية . لكن عندما وجدت حكومة اردوجان ان هناك تصلبا في موقف الاسد اظهرت تلك الحكومة انها تعلمت من الخبرة الليبية وفي هذه المرة لم تتردد تركيا قبل ان تنتقد الاسد بشدة وفي خروج واضح عن السياسة التركية الراسخة ، قام اردوجان بفرض عقوبات احادية ضد سوريا وهذا شيء له دلالة اكبر وخاصة اذا علمنا ان تركيا عادة ما كانت تدين العقوبات علما انه حتى وقت قريب قامت تركيا في العام الماضي بالتصويت ضد عقوبات جديدة على ايران في مجلس الامن الدولي.
في الوقت نفسه تغيرت لهجة خطاب الحكومة التركية ايضا حيث قدمت تلك الحكومة دعمها الكامل للمعارضة السورية كما بدأ القادة الاتراك في التعبير عن واجب بلدهم بحماية الناس المضهدين في الشرق الاوسط.
ان من المرجح ان تكون عواقب هذا التحول الاساسي في النظرة الاقليمية لتركيا كبيرة فنظرة تركيا الجديدة توحي بإنها مصممة ولأول مرة في تاريخ الجمهورية التركية على الترويج للمبادىء الديمقراطية في المنطقة.
ان سياسة تركية اكثر صخبا فيما يتعلق بالحريات الاساسية والاصلاح الديمقراطي في المنطقة سوف تقوم بالضرورة بتغيير علاقات تركيا مع جيرانها الاقل تقدمية وحتى تتمتع الاجندة التركية الجديدة بالمصداقية فإنه ليس بإمكان حكومة اردوجان الاستمرار في تجاهل الانتهاكات الكبيرة لحقوق الانسان في ايران المجاورة علما ان حكومة اردوجان كانت اول حكومة تهنىء الرئيس محمود احمدي نجاد بعد انتخابات ايران المشكوك في صحتها سنة 2009.
ان من العناصر المهمة الاخرى لمصداقية السياسة الجديدة قدرة تركيا على حل أوجه القصور الديمقراطي في تركيا وخاصة فيما يتعلق بحرية التعبير وعدم التدخل في وسائل الاعلام بالاضافة الى حقوق الاقليات . ان احراز تقدم في تلك المجالات سوف يكون حاسما لنجاح اجندة السياسة الخارجية التركية.
ان دور تركيا الجيوسياسي كبلد اوروبي وشرق اوسطي اكثر تعقيدا من أي وقت مضى وبالنسبة لهذا البلد لا يوجد شيء يدعى " لا مشاكل " وفي بيئة يتم اعادة تشكيلها بطرق غير متوقعة من قبل الصحوة العربية فإنه سوف يتوجب على تركيا اعادة تعريف معنى ان تكون جارا طيبا.