بكين وواشنطن والدبلوماسية البراجماتية
مرسل: السبت ديسمبر 24, 2011 4:42 pm
جيفري كمب
بينما تستعجل الصين الانتهاء من تحضيراتها لاستضافة الألعاب الأولمبية لسنة 2008 التي ستعقد في عاصمتها بكين، ينتظر العالم بكثير من الترقب ما إذا كان النمو الاقتصادي الباهر للصين وازدهارها الواضح سيتحول إلى حقيقة ماثلة أمام الجميع. فقد تحولت الصين اليوم، في جزء كبير منها على الأقل، إلى ورش بناء ضخمة، حيث المباني الجديدة تصعد كل يوم وتبنى المطارات والمنشآت الرياضية العصرية، فضلاً عن شق الطرق وإقامة مشروعات أخرى وذلك كله في وقت قياسي. وفي خضم هذا الحراك تعيش المدن الصينية الكبرى رفاهية واضحة من خلال المحلات الكبيرة التي تعرض السلع الفخمة، والسيارات الفارهة، إضافة إلى أضواء المحلات التجارية التي تضيء ليل بكين ومدن أخرى. وبالرغم من استمرار آلاف من الصينيين في استخدام الدراجات للذهاب إلى مقار عملهم، فإن عددهم بدأ يتضاءل مقارنة مع أسطول السيارات الجديد الذي يجتاح شوارع المدن الرئيسية. وأصبحت الفنادق الكبرى توفر جميع الخدمات الترفيهية الموجودة في مثيلاتها الغربية، كما أن المطاعم منتشرة في كل المدن الصينية.
ومع ذلك تواجه الصين في مسيرتها نحو التحول إلى قوة عظمى العديد من التحديات بأتي في مقدمتها ما يلاحظه الزوار من ارتفاع معدلات التلوث في المدن الكبرى. وقد بلغ الأمر درجة من السوء في بعض المراكز المالية في الصين مثل هونج كونج إلى حد مغادرة بعض المديرين للمدينة خوفاً على صحة عائلاتهم. وفي بكين يجري حالياً تفكيك المئات من المصانع ونقلها إلى أماكن أخرى للتقليص من نسبة التلوث العالية في العاصمة قبل موعد تنظيم الألعاب الأولمبية في 2008، خاصة وأنها المناسبة التي يعتبرها الصينيون موعداً مهماً لإظهار تألقهم أمام أعين العالم.
المشكلة الأخرى أقل وضوحاً للزائرين، لكنها مع ذلك تؤرق مضاجع المسؤولين الصينيين متمثلة في الهوة المتسعة بين المدن الغنية الواقعة في الشرق، والمناطق الداخلية، حيث يعيش الملايين من الصينيين في فقر مدقع. ويأمل المسؤولون في أن يؤدي النمو الاقتصادي المتواصل إلى إنقاذ السكان في المناطق القروية وانتشالهم من أوضاعهم المعيشية المزرية. والواقع أن الملايين من هؤلاء الفقراء يهاجرون إلى المدن الصينية للعمل في المصانع التي تنتج بدورها بضائع متنوعة تصدر إلى السوق الأميركية لتنتهي على رفوف المراكز التجارية في الغرب، لاسيما في الولايات المتحدة. وفي هذا السياق، يلعب المستهلك الأميركي، الذي يقبل على البضائع الصينية زهيدة الثمن وعالية الجودة، دوراً مهماً في الحفاظ على معدلات النمو المرتفعة للاقتصاد الصيني. لذا فإن أي تغير جوهري في أنماط الاستهلاك الأميركي ينتج عن ركود ما في اقتصاد الولايات المتحدة، قد يؤدي إلى عواقب وخيمة بالنسبة للصادرات الصينية تؤثر سلباً على العديد من قطاعات التصدير الصينية وترفع شبح المصاعب الاقتصادية التي سيعاني منها ملايين الفقراء في الصين.
ومعروف أن لدى الولايات المتحدة والصين مصالح مشتركة فيما يتصل باحتياجاتهما من الطاقة لإدارة اقتصاديهما المتعطشين للنفط. لذا يعمل البلدان على تأمين تدفق النفط والغاز الطبيعي من جميع الدول المنتجة، وبخاصة من منطقة الشرق الأوسط. فأي تعطيل، أو عرقلة لإمدادات النفط سيؤثر سلباً على الاقتصادين الصيني والأميركي، وهو ما يدفع البلدين إلى تكثيف تعاونهما المشترك لتفادي اندلاع الأزمات في منطقة الشرق الأوسط والعمل على إخماد فتيلها قبل اشتعالها واستفحال أمرها. لكن المشكلة الأساسية هي في المقاربتين المختلفتين اللتين ينتهجهما البلدان. فبينما تعتمد الصين على سياسة خارجية تنبني على الدبلوماسية البراجماتية التي تسعى إلى دعم أجندتها الاقتصادية على ما سواها، تركز الدبلوماسية الأميركية على حربها الأيديولوجية ضد الإرهاب، وهو ما يكسبها العديد من الأعداء في المنطقة ويحد من نفوذها. وبفضل دبلوماسيتها البراجماتية ليس غريباً أن تنسج الصين علاقات ودية مع كوريا الشمالية وإيران والسودان وفنزويلا، وأن تشتري جزءاً كبيراً من سلاحها من إسرائيل، فيما الولايات المتحدة تصر على معاداة دول المنطقة سواء أكانت إيران، أو سوريا وترفض الحوار المباشر معها بسبب تغليب الاعتبارات الأيديولوجية على المصالح البراجماتية.
و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور.
المصدر: الإتحاد الإماراتية-4-11-2006
بينما تستعجل الصين الانتهاء من تحضيراتها لاستضافة الألعاب الأولمبية لسنة 2008 التي ستعقد في عاصمتها بكين، ينتظر العالم بكثير من الترقب ما إذا كان النمو الاقتصادي الباهر للصين وازدهارها الواضح سيتحول إلى حقيقة ماثلة أمام الجميع. فقد تحولت الصين اليوم، في جزء كبير منها على الأقل، إلى ورش بناء ضخمة، حيث المباني الجديدة تصعد كل يوم وتبنى المطارات والمنشآت الرياضية العصرية، فضلاً عن شق الطرق وإقامة مشروعات أخرى وذلك كله في وقت قياسي. وفي خضم هذا الحراك تعيش المدن الصينية الكبرى رفاهية واضحة من خلال المحلات الكبيرة التي تعرض السلع الفخمة، والسيارات الفارهة، إضافة إلى أضواء المحلات التجارية التي تضيء ليل بكين ومدن أخرى. وبالرغم من استمرار آلاف من الصينيين في استخدام الدراجات للذهاب إلى مقار عملهم، فإن عددهم بدأ يتضاءل مقارنة مع أسطول السيارات الجديد الذي يجتاح شوارع المدن الرئيسية. وأصبحت الفنادق الكبرى توفر جميع الخدمات الترفيهية الموجودة في مثيلاتها الغربية، كما أن المطاعم منتشرة في كل المدن الصينية.
ومع ذلك تواجه الصين في مسيرتها نحو التحول إلى قوة عظمى العديد من التحديات بأتي في مقدمتها ما يلاحظه الزوار من ارتفاع معدلات التلوث في المدن الكبرى. وقد بلغ الأمر درجة من السوء في بعض المراكز المالية في الصين مثل هونج كونج إلى حد مغادرة بعض المديرين للمدينة خوفاً على صحة عائلاتهم. وفي بكين يجري حالياً تفكيك المئات من المصانع ونقلها إلى أماكن أخرى للتقليص من نسبة التلوث العالية في العاصمة قبل موعد تنظيم الألعاب الأولمبية في 2008، خاصة وأنها المناسبة التي يعتبرها الصينيون موعداً مهماً لإظهار تألقهم أمام أعين العالم.
المشكلة الأخرى أقل وضوحاً للزائرين، لكنها مع ذلك تؤرق مضاجع المسؤولين الصينيين متمثلة في الهوة المتسعة بين المدن الغنية الواقعة في الشرق، والمناطق الداخلية، حيث يعيش الملايين من الصينيين في فقر مدقع. ويأمل المسؤولون في أن يؤدي النمو الاقتصادي المتواصل إلى إنقاذ السكان في المناطق القروية وانتشالهم من أوضاعهم المعيشية المزرية. والواقع أن الملايين من هؤلاء الفقراء يهاجرون إلى المدن الصينية للعمل في المصانع التي تنتج بدورها بضائع متنوعة تصدر إلى السوق الأميركية لتنتهي على رفوف المراكز التجارية في الغرب، لاسيما في الولايات المتحدة. وفي هذا السياق، يلعب المستهلك الأميركي، الذي يقبل على البضائع الصينية زهيدة الثمن وعالية الجودة، دوراً مهماً في الحفاظ على معدلات النمو المرتفعة للاقتصاد الصيني. لذا فإن أي تغير جوهري في أنماط الاستهلاك الأميركي ينتج عن ركود ما في اقتصاد الولايات المتحدة، قد يؤدي إلى عواقب وخيمة بالنسبة للصادرات الصينية تؤثر سلباً على العديد من قطاعات التصدير الصينية وترفع شبح المصاعب الاقتصادية التي سيعاني منها ملايين الفقراء في الصين.
ومعروف أن لدى الولايات المتحدة والصين مصالح مشتركة فيما يتصل باحتياجاتهما من الطاقة لإدارة اقتصاديهما المتعطشين للنفط. لذا يعمل البلدان على تأمين تدفق النفط والغاز الطبيعي من جميع الدول المنتجة، وبخاصة من منطقة الشرق الأوسط. فأي تعطيل، أو عرقلة لإمدادات النفط سيؤثر سلباً على الاقتصادين الصيني والأميركي، وهو ما يدفع البلدين إلى تكثيف تعاونهما المشترك لتفادي اندلاع الأزمات في منطقة الشرق الأوسط والعمل على إخماد فتيلها قبل اشتعالها واستفحال أمرها. لكن المشكلة الأساسية هي في المقاربتين المختلفتين اللتين ينتهجهما البلدان. فبينما تعتمد الصين على سياسة خارجية تنبني على الدبلوماسية البراجماتية التي تسعى إلى دعم أجندتها الاقتصادية على ما سواها، تركز الدبلوماسية الأميركية على حربها الأيديولوجية ضد الإرهاب، وهو ما يكسبها العديد من الأعداء في المنطقة ويحد من نفوذها. وبفضل دبلوماسيتها البراجماتية ليس غريباً أن تنسج الصين علاقات ودية مع كوريا الشمالية وإيران والسودان وفنزويلا، وأن تشتري جزءاً كبيراً من سلاحها من إسرائيل، فيما الولايات المتحدة تصر على معاداة دول المنطقة سواء أكانت إيران، أو سوريا وترفض الحوار المباشر معها بسبب تغليب الاعتبارات الأيديولوجية على المصالح البراجماتية.
و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور.
المصدر: الإتحاد الإماراتية-4-11-2006