قراءة في المشروع الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط " وسياستها "
مرسل: السبت ديسمبر 24, 2011 11:04 pm
إن الحدث العراقي الحالي وما قبله الحدث الأفغاني لإشعال المنطقة والعالم اجمع في نار بدأتها أمريكا تدعوا للتساؤل حول :
إلى أين وصلت أمريكا في مشروعها ( الشرق الأوسط الجديد )
و من هنا تكون البداية حول آلية إدراك الأحداث السياسية المحيطة ، و حتى يتم إدراك الأحداث السياسية بشكل واقعي علمي لا انفعالي فلا بد أن يكون لدى السياسي معلومات عن الدولة أو الدول الفاعلة في الحدث وليس الدول المنفعلة فيه, أي لا يهم المحلل السياسي الدولة الواقعة بالحدث نفسه أو تحت تأثير الحدث بقدر ما يجب أن يقوم به الباحث السياسي من دراسة الدولة أو الدول الفاعلة في الحدث, وهذا من بديهيات التحليل السياسي.
فإن رصدنا الدول المنفعلة في الحدث كان البحث عبثياً.
العراق بين الاستعمار البريطاني والاستعمار الأمريكي :
خضع العراق حسب اتفاقية سايس بيكو التي قسمت الوطن العربي بين الدول الاستعمارية ( فرنسا وبريطانيا ) إلى مناطق نفوذ لهاتين الدولتين وبالطبع كما هو معروف خضع العراق تحت الهيمنة الإنجليزية حتى قال بعض المحللين السياسيين :أن العراق هو درة التاج البريطاني في الوطن العربي مقارنة بالهند في شرق أسيا.
وبعد إعلان استقلال العراق بقي النفوذ البريطاني يتحكم في السياسة الداخلية ممثلا بالعائلة المالكة وبدأ نهاية النفوذ البريطاني عند مجيء الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم, والذي تبنى المنظومة الاشتراكية مدعومة من الاتحاد السوفيتي.
وقد استطاع عبد الكريم قاسم من الحد من نفوذ بريطانيا وعملائها بالعراق حتى اغتياله على يد البعثيين وإنقلابهم على حكومته, وعودة الإنجليز إلى العراق مرة أخرى بفضل وصول البعثيين إلى السلطة في العراق.
إلا أن بريطانيا بقيت لها مصالح استراتيجية في العراق الغني بالثروات والذي يتمتع بموقعه الاستراتيجي بالعالم.
وبريطانيا التي بدأ الضعف يدب فيها وبدأت بالتقلص و التحوصل على نفسها, فمن إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس إلى المملكة المتحدة التي تعتمد في إدارة ما تبقى من بعض مستعمراتها على عملائها ومندوبيها في هذه المستعمرات مما أدى إلى فتح المجال للاستعمار الأمريكي الجديد ليستغل هذه النقطة في إفقاد بريطانيا السيطرة على مستعمراتها وكذلك بدء مرحلة الاستعمار الأمريكي الحديث القوي الذي بدا يكنس في بقايا بريطانيا وفرنسا من العالم, أوصل بريطانيا لمرحلة الاسترضائية لأمريكا.
أميركا بدأت بعد انتهاء الحرب الباردة بطرح ثلاثة مشاريع عالمية كبرى لصياغة العالم وهي :
1) السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط الكبير
2) السياسة الأمريكية تجاه شرق أسيا
3) السياسة الأمريكية تجاه إفريقيا
وحتى الآن لا تزال أميركا في طور مشروعها المسمى ( الشرق الأوسط الكبير ) الذي بدأته من أفغانستان وتلاه العراق.
أميركا وسياستها في نشر الفكر الرأسمالي :
لقد كان العراق البلد الثاني الذي تدخله أميركا بعد أفغانستان سائرة في مشروعها متفردة في إعادة صياغة العالم على النظام الرأسمالي الجديد, فبعد انهيار الاتحاد السوفيتي وتفككه لدول اعتنق معظمها الرأسمالية, اعتبرت أمريكا مع معسكرها الرأسمالي (حلف شمال الأطلسي) هذا الانهيار عبارة عن انتصار لها حتى وصل الحد في بعض منظرين الرأسمالية إلى المبالغة في وصف هذا الانتصار لدرجة أن الفيلسوف الياباني فوكوياما اعتبره نهاية التاريخ.
وبتفرد الدول الرأسمالية دوليا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في حكم العالم, ولد نظام دولي جديد وهو ما سمي (النظام العالمي الجديد) وبدا هذا جلياً حين أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب ميلاد النظام الدولي الجديد لان أميركا غدت الدولة الأولى في العالم وزعيمة الدول الرأسمالية وحاملة لواء نشر المبدأ الرأسمالي في العالم.
وقد بدأت أمريكا العمل على نشر الرأسمالية منذ أن خرجت للعالم كدولة استعمارية حيث الاستعمار بصورته القديمة والجديدة هو طريقة تنشر فيها هذا المبدأ.
لكن الذي استجد بعد تفرد مبدأها دوليا هو أنها صارت تعمل بتفرد عالميا فكما نجحت بمساعدة الدول الرأسمالية الأخرى في جعل الرأسمالية أساس العلاقات والأعراف الدولية, فأنها تريد الآن جعله دين الشعوب في العالم, بحيث تعتنق الناس فكرها لتصبح أفكارها مفاهيم ومقاييس وقناعات لهم في سائر نواحي الحياة ولا يكتفون بتطبيقها كأنظمة وقوانين.
وإذا كانت أمريكا قد سعت لجعل المبدأ الرأسمالي أساس العلاقات والأعراف و القوانين الدولية منذ إنشاء الأمم المتحدة حين جعلت الأعراف الرأسمالية الأساس الرئيسي لميثاق هذه المنظمة الدولية الأكبر على مستوى العالم, إلا أنها لم تنجح عمليا في تحقيق هذا الهدف حيث كان الاتحاد السوفيتي يقود المعسكر الشرقي على أساس الاشتراكية وتمكن من فرض وجود مبدأه دوليا وعالميا.
فقد تمكنت موسكو من الحيلولة دون انفراد الرأسمالية دوليا مستغلة ما كانت تعانيه الأمم والشعوب المُستعمَرة من شقاء وعبودية نتيجة لطغيان الدول الغربية المُستعمِرة وظلمها وجشعها, إذ شنت حملة ضارية على امتداد العالم كله صورت فيها الاستعمار بوجهه الحقيقي رابطة بين الاستعمار وبين الرأسمالية مبينة أن السبيل للتخلص من الاستعمار هو من خلال الثورة الاشتراكية.
على أية حال فإن سقوط الاتحاد السوفيتي فتح المجال الدولي للرأسمالية ولم تعد هناك أي مقاومة للتفرد الرأسمالي دوليا.
ولهذا فان الأمم المتحدة التي ظلت منذ الأربعينات مجرد منبر للخطابة وليس لها أي فاعلية حقيقية بفضل الفيتو السوفيتي تحولت الآن إلى جهاز دولي هائل له سلطانه الدولي وأصبحت أداة مهمة في تعزيز هيمنة أميركا ومعسكرها من جهة, ومن ترسيخ الأعراف الرأسمالية كقوانين دولية ملزمة من جهة أخرى.
إلا أن دفاع بعض الدول الرأسمالية من ذات المعسكر الأطلسي جعل أميركا تعيد النظر في صياغة مجلس الأمن ليكون مناسبا لتطبيق مشاريعها الجديدة و أولها الشرق الأوسط, وعلى هذا الأساس رأت أنه لا بد من إعادة النظر في طبيعة العلاقات الأمريكية الأوروبية.
أضواء على العلاقات الأمريكية الأوروبية في ظل المشاريع الأمريكية :
إن تسليط الضوء على العلاقات الأمريكية الأوروبية وما تريده أمريكا من دول أوروبا فيما يخدم السير بمشروعها للشرق الأوسط الكبير يضعها أمام النظر في نوع العلاقات وطبيعتها ومداها.
أما عن العلاقات الأمريكية الأوروبية فلا بد من فهم الوضع الأوروبي ولو بشكل إجمالي حيث أن أغلبية دول أوروبا مثل إيطاليا والبرتغال ودول شرق أوروبا تدور في فلك الولايات المتحدة إن لم تكن تابعة لها في سياساتها الخارجية .
أما بريطانيا فهي وبعد أن كنستها أمريكا من معظم مستعمراتها ومناطق نفوذها قررت مسايرة أمريكا والمحافظة على البقاء بجانبها وذلك لتحافظ على مصالحها عن طريق تأمين مصالح الدول المتفردة بالعالم وبما يتيح لها البقاء على دور تحرص على وجوده مع كونه دورا شكليا في الموقف الدولي.
ويبقى في الساحة الأوروبية الدولتان الأبرز وهما فرنسا وألمانيا, فألمانيا وان برزت معارضتها لأمريكا في بعض السياسات وخصوصا في حربها على العراق فهذا كما يبدو انه ترتيب أمريكي من اجل قطع الطريق على محاولات فرنسا التأثير على الساحة الأوروبية والدولية.
أما فرنسا فهي تحاول جاهدة الدفاع عن وجودها كدولة كانت حتى وقت قريب وقبل تفرد أمريكا دولة مؤثرة في الموقف الدولي حالها حال بريطانيا مع الفرق بين الساسة الإنجليز والفرنسيين.
لذلك فهي تحاول جاهدة التأثير مجددا في مجريات الأحداث الدولية ولو كان ذلك عن طريق اتخاذ مواقف في وجه أمريكا وما تخطط له تجاه أوروبا والعالم, وقد ظهر ذلك جليا في معارضتها للعدوان على العراق وهي مع ذلك لا تمتلك في الوقت الحاضر المتطلبات اللازمة ولا حتى القدرة على الاستمرار في البقاء على موقفها تجاه مخططات أمريكا, وتكتفي في معظم الحالات بمحاولاتها التمرد بين الحين والأخر بل وبث الجرأة بين دول العالم على مواجهة تفرد أمريكا في العالم إضافة إلى إبراز نفسها على الساحة الدولية مما ولد حالات احتكاك تطورت إلى جفاء بينها وبين أمريكا بلغت الذروة أثناء محاولة الأمريكيين استصدرا قرار مجلس الأمن الدولي لغزو العراق, فالإدارة الأمريكية التي تواصل العمل على تقزيم أوروبا تدأب على منع فرنسا بالذات من الارتكاز على ثقل أوروبا السياسي الذي يشكله الاتحاد الأوربي.
ومنع خطر ذلك من التأثير في الموقف الدولي حيال توحدها على الصعيد السياسي وقد نجحت في تحقيق ذلك حتى الآن وستبقى فرنسا مستمرة في محاولاتها للتأثير في مجريات الأحداث الدولية كلما واتتها الفرصة المناسبة مع دوام المراقبة لمصالحها ومدى الضرر الذي يمكن أن يلحق بخروجها عن الرغبة الأمريكية.
وفيما يخص الحرب على العراق و أسباب بدء أمريكا في الحرب على العراق فإن ذلك هو كالتالي :
لماذا جاءت أمريكا إلى العراق :
1) جاءت لضرب مجلس الأمن القديم و إعادة هيكليته و إعادة صياغته على وجه يخدم مصالحها وحدها دونما اعتبار لمصالح الدول الأخرى ومن ضمنها شركائها الرأسماليين الآخرين والدول الكبرى مثل روسيا.
وذلك لأن امتلاك دولا مثل روسيا وفرنسا ( حق النقد الفيتو) في داخل مجلس الأمن يشكل عائقا يقف أمام المشاريع الأمريكية الهادفة لصياغة العالم على الوجه الذي ينسجم مع مصالحها ولذلك كان تهميش مجلس الأمن في الحرب الأخيرة على العراق, وجعل القضية العراقية تعنيها وحدها ولا تعني أحد غيرها من دول العالم, حاملة بيدها سيف محاربة الإرهاب جعل المحللين السياسيين الروس والفرنسيين الكبار يقولون : ( إن الحرب على العراق هي حرب بالدرجة الأولى على مجلس الأمن )
2) استكمالا لمشروع صياغة الشرق الأوسط لجعل العراق نموذجا يحتذى به لجميع دول المنطقة.
3) لصياغة العراق نموذجا للديمقراطية الرأسمالية أمام شعوب ودول العالم حتى تفتح لها طريقا مستقبليا إلى دول العالم الأخر التي وضعت لها مشاريع تالية للشرق الأوسط, وصنع رأي عام عالمي لها بين شعوب العالم على شاكلة دخول الجيش الفرنسي للبنان حين استقبله الشعب اللبناني وتحديدا الطوائف المسيحية منه بالورود.
فأمريكا تسعى لأن تصنع النموذج العراقي لفتح طريقة قادمة لها بين دول إفريقيا وشرق أسيا مصورة جيشها بالفاتح حامل مشكاة الديمقراطية في العالم والمخلص من الأنظمة الديكتاتورية على شاكلة صدام حسين وحركة طالبان وذلك عبر الشعارات التي تحملها مع حملتها وهي :
أ) الديمقراطية
ب) التعددية
ج) حقوق الإنسان
د) سياسات السوق
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن : لماذا العراق بالذات ؟
ببساطة لأن العراق عدا عما يحويه من ثروات هائلة من نفطية ويورانيوم وذهب خام وغيره, وعدا عن مكانته الإستراتيجية التي تحد من أي محاولة حتى مستقبلية روسية أو فرنسية لدخول المنطقة عبرها, بدءاً من أفغانستان ومحاصرة دول مثل إيران, فإن النموذج العراقي فيه عناصر نموذجية في رسم صورة المشروع الديمقراطي الأمريكي مما تتميز به العراق من (قبلية, وطنية , حزبية , عرقية, طائفية دينية ) ولذلك فإن العراق إن نجحت أمريكا في تعميم نموذجها فيه سيكون نموذجا لبقية دول المنطقة والعالم لتسهيل مهمتها نحو الدول البقية وتضمن حفظ مصالحها عالمياً.
4) إقامة الدولة الكردية : وذلك بهدف تقسيم تركيا وضرب العسكر المبني بنية أوروبية وخاصة (أتاتورك), بعد نجاحها طبعا بجعل معظم الوسط السياسي التركي يسير في فلكها في المجال المحيط بها مثل اوزبكستان وقبرص واليونان وغيرها.
إن العائق الذي يقف أمام أمريكا هو (العسكر) وهذا سوف يكون بوابة لاحتواء أوروبا والحد من تمرد فرنسا والتي كغيرها من الدول الأوروبية تدرك ذلك.
5) بناء قاعدة على الحدود الأردنية السورية العراقية تهدف إلى الحفظ على المصالح الأمريكية في كل المنطقة.
6) استكمال مشروعها القاضي بالحد من المجال الحيوي الإسرائيلي عبر إقامة الدولة الفلسطينية وللحد من مجال إسرائيل الحيوية أيضا عبر ما عبّر عنه( شمعون بيريز) في كتابه الشرق الأوسط الجديد وهو قيام دولتين عبرية وأخرى عربية على ارض فلسطين والتي من المحتمل ضم هذه الدولة إلى الأردن لتوطين اللاجئين الفلسطينيين.
7) العمل على جعل العراق محرقة لحرق الوسط السياسي القديم فلا يكاد يمر أسبوع حتى تتناقل وسائل الأنباء خبر اغتيال رئيس جامعة أو سياسي قديم أو ضابط استخبارات بحجج مختلفة أبرزها ( أنصار النظام السابق).
فأمريكا تمارس هذه المحرقة في مذابح منظمة إلى جانب المذابح ضد المدنيين أشبه ما تكون بالمحرقة التي صنعتها في لبنان عام 1982 حين دأبت من لحظات الاجتياح الإسرائيلي للبنان على اغتيال نخبة من العلماء والمفكرين السياسيين الكبار من أمثال المفكر الشيوعي مهدي عامل ورجالات منظمة التحرير وغيرهم.
مهند صلاحات
الحوار المتمدن - العدد: 1016 - 2004 / 11 / 13 - 11:28
إلى أين وصلت أمريكا في مشروعها ( الشرق الأوسط الجديد )
و من هنا تكون البداية حول آلية إدراك الأحداث السياسية المحيطة ، و حتى يتم إدراك الأحداث السياسية بشكل واقعي علمي لا انفعالي فلا بد أن يكون لدى السياسي معلومات عن الدولة أو الدول الفاعلة في الحدث وليس الدول المنفعلة فيه, أي لا يهم المحلل السياسي الدولة الواقعة بالحدث نفسه أو تحت تأثير الحدث بقدر ما يجب أن يقوم به الباحث السياسي من دراسة الدولة أو الدول الفاعلة في الحدث, وهذا من بديهيات التحليل السياسي.
فإن رصدنا الدول المنفعلة في الحدث كان البحث عبثياً.
العراق بين الاستعمار البريطاني والاستعمار الأمريكي :
خضع العراق حسب اتفاقية سايس بيكو التي قسمت الوطن العربي بين الدول الاستعمارية ( فرنسا وبريطانيا ) إلى مناطق نفوذ لهاتين الدولتين وبالطبع كما هو معروف خضع العراق تحت الهيمنة الإنجليزية حتى قال بعض المحللين السياسيين :أن العراق هو درة التاج البريطاني في الوطن العربي مقارنة بالهند في شرق أسيا.
وبعد إعلان استقلال العراق بقي النفوذ البريطاني يتحكم في السياسة الداخلية ممثلا بالعائلة المالكة وبدأ نهاية النفوذ البريطاني عند مجيء الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم, والذي تبنى المنظومة الاشتراكية مدعومة من الاتحاد السوفيتي.
وقد استطاع عبد الكريم قاسم من الحد من نفوذ بريطانيا وعملائها بالعراق حتى اغتياله على يد البعثيين وإنقلابهم على حكومته, وعودة الإنجليز إلى العراق مرة أخرى بفضل وصول البعثيين إلى السلطة في العراق.
إلا أن بريطانيا بقيت لها مصالح استراتيجية في العراق الغني بالثروات والذي يتمتع بموقعه الاستراتيجي بالعالم.
وبريطانيا التي بدأ الضعف يدب فيها وبدأت بالتقلص و التحوصل على نفسها, فمن إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس إلى المملكة المتحدة التي تعتمد في إدارة ما تبقى من بعض مستعمراتها على عملائها ومندوبيها في هذه المستعمرات مما أدى إلى فتح المجال للاستعمار الأمريكي الجديد ليستغل هذه النقطة في إفقاد بريطانيا السيطرة على مستعمراتها وكذلك بدء مرحلة الاستعمار الأمريكي الحديث القوي الذي بدا يكنس في بقايا بريطانيا وفرنسا من العالم, أوصل بريطانيا لمرحلة الاسترضائية لأمريكا.
أميركا بدأت بعد انتهاء الحرب الباردة بطرح ثلاثة مشاريع عالمية كبرى لصياغة العالم وهي :
1) السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط الكبير
2) السياسة الأمريكية تجاه شرق أسيا
3) السياسة الأمريكية تجاه إفريقيا
وحتى الآن لا تزال أميركا في طور مشروعها المسمى ( الشرق الأوسط الكبير ) الذي بدأته من أفغانستان وتلاه العراق.
أميركا وسياستها في نشر الفكر الرأسمالي :
لقد كان العراق البلد الثاني الذي تدخله أميركا بعد أفغانستان سائرة في مشروعها متفردة في إعادة صياغة العالم على النظام الرأسمالي الجديد, فبعد انهيار الاتحاد السوفيتي وتفككه لدول اعتنق معظمها الرأسمالية, اعتبرت أمريكا مع معسكرها الرأسمالي (حلف شمال الأطلسي) هذا الانهيار عبارة عن انتصار لها حتى وصل الحد في بعض منظرين الرأسمالية إلى المبالغة في وصف هذا الانتصار لدرجة أن الفيلسوف الياباني فوكوياما اعتبره نهاية التاريخ.
وبتفرد الدول الرأسمالية دوليا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في حكم العالم, ولد نظام دولي جديد وهو ما سمي (النظام العالمي الجديد) وبدا هذا جلياً حين أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب ميلاد النظام الدولي الجديد لان أميركا غدت الدولة الأولى في العالم وزعيمة الدول الرأسمالية وحاملة لواء نشر المبدأ الرأسمالي في العالم.
وقد بدأت أمريكا العمل على نشر الرأسمالية منذ أن خرجت للعالم كدولة استعمارية حيث الاستعمار بصورته القديمة والجديدة هو طريقة تنشر فيها هذا المبدأ.
لكن الذي استجد بعد تفرد مبدأها دوليا هو أنها صارت تعمل بتفرد عالميا فكما نجحت بمساعدة الدول الرأسمالية الأخرى في جعل الرأسمالية أساس العلاقات والأعراف الدولية, فأنها تريد الآن جعله دين الشعوب في العالم, بحيث تعتنق الناس فكرها لتصبح أفكارها مفاهيم ومقاييس وقناعات لهم في سائر نواحي الحياة ولا يكتفون بتطبيقها كأنظمة وقوانين.
وإذا كانت أمريكا قد سعت لجعل المبدأ الرأسمالي أساس العلاقات والأعراف و القوانين الدولية منذ إنشاء الأمم المتحدة حين جعلت الأعراف الرأسمالية الأساس الرئيسي لميثاق هذه المنظمة الدولية الأكبر على مستوى العالم, إلا أنها لم تنجح عمليا في تحقيق هذا الهدف حيث كان الاتحاد السوفيتي يقود المعسكر الشرقي على أساس الاشتراكية وتمكن من فرض وجود مبدأه دوليا وعالميا.
فقد تمكنت موسكو من الحيلولة دون انفراد الرأسمالية دوليا مستغلة ما كانت تعانيه الأمم والشعوب المُستعمَرة من شقاء وعبودية نتيجة لطغيان الدول الغربية المُستعمِرة وظلمها وجشعها, إذ شنت حملة ضارية على امتداد العالم كله صورت فيها الاستعمار بوجهه الحقيقي رابطة بين الاستعمار وبين الرأسمالية مبينة أن السبيل للتخلص من الاستعمار هو من خلال الثورة الاشتراكية.
على أية حال فإن سقوط الاتحاد السوفيتي فتح المجال الدولي للرأسمالية ولم تعد هناك أي مقاومة للتفرد الرأسمالي دوليا.
ولهذا فان الأمم المتحدة التي ظلت منذ الأربعينات مجرد منبر للخطابة وليس لها أي فاعلية حقيقية بفضل الفيتو السوفيتي تحولت الآن إلى جهاز دولي هائل له سلطانه الدولي وأصبحت أداة مهمة في تعزيز هيمنة أميركا ومعسكرها من جهة, ومن ترسيخ الأعراف الرأسمالية كقوانين دولية ملزمة من جهة أخرى.
إلا أن دفاع بعض الدول الرأسمالية من ذات المعسكر الأطلسي جعل أميركا تعيد النظر في صياغة مجلس الأمن ليكون مناسبا لتطبيق مشاريعها الجديدة و أولها الشرق الأوسط, وعلى هذا الأساس رأت أنه لا بد من إعادة النظر في طبيعة العلاقات الأمريكية الأوروبية.
أضواء على العلاقات الأمريكية الأوروبية في ظل المشاريع الأمريكية :
إن تسليط الضوء على العلاقات الأمريكية الأوروبية وما تريده أمريكا من دول أوروبا فيما يخدم السير بمشروعها للشرق الأوسط الكبير يضعها أمام النظر في نوع العلاقات وطبيعتها ومداها.
أما عن العلاقات الأمريكية الأوروبية فلا بد من فهم الوضع الأوروبي ولو بشكل إجمالي حيث أن أغلبية دول أوروبا مثل إيطاليا والبرتغال ودول شرق أوروبا تدور في فلك الولايات المتحدة إن لم تكن تابعة لها في سياساتها الخارجية .
أما بريطانيا فهي وبعد أن كنستها أمريكا من معظم مستعمراتها ومناطق نفوذها قررت مسايرة أمريكا والمحافظة على البقاء بجانبها وذلك لتحافظ على مصالحها عن طريق تأمين مصالح الدول المتفردة بالعالم وبما يتيح لها البقاء على دور تحرص على وجوده مع كونه دورا شكليا في الموقف الدولي.
ويبقى في الساحة الأوروبية الدولتان الأبرز وهما فرنسا وألمانيا, فألمانيا وان برزت معارضتها لأمريكا في بعض السياسات وخصوصا في حربها على العراق فهذا كما يبدو انه ترتيب أمريكي من اجل قطع الطريق على محاولات فرنسا التأثير على الساحة الأوروبية والدولية.
أما فرنسا فهي تحاول جاهدة الدفاع عن وجودها كدولة كانت حتى وقت قريب وقبل تفرد أمريكا دولة مؤثرة في الموقف الدولي حالها حال بريطانيا مع الفرق بين الساسة الإنجليز والفرنسيين.
لذلك فهي تحاول جاهدة التأثير مجددا في مجريات الأحداث الدولية ولو كان ذلك عن طريق اتخاذ مواقف في وجه أمريكا وما تخطط له تجاه أوروبا والعالم, وقد ظهر ذلك جليا في معارضتها للعدوان على العراق وهي مع ذلك لا تمتلك في الوقت الحاضر المتطلبات اللازمة ولا حتى القدرة على الاستمرار في البقاء على موقفها تجاه مخططات أمريكا, وتكتفي في معظم الحالات بمحاولاتها التمرد بين الحين والأخر بل وبث الجرأة بين دول العالم على مواجهة تفرد أمريكا في العالم إضافة إلى إبراز نفسها على الساحة الدولية مما ولد حالات احتكاك تطورت إلى جفاء بينها وبين أمريكا بلغت الذروة أثناء محاولة الأمريكيين استصدرا قرار مجلس الأمن الدولي لغزو العراق, فالإدارة الأمريكية التي تواصل العمل على تقزيم أوروبا تدأب على منع فرنسا بالذات من الارتكاز على ثقل أوروبا السياسي الذي يشكله الاتحاد الأوربي.
ومنع خطر ذلك من التأثير في الموقف الدولي حيال توحدها على الصعيد السياسي وقد نجحت في تحقيق ذلك حتى الآن وستبقى فرنسا مستمرة في محاولاتها للتأثير في مجريات الأحداث الدولية كلما واتتها الفرصة المناسبة مع دوام المراقبة لمصالحها ومدى الضرر الذي يمكن أن يلحق بخروجها عن الرغبة الأمريكية.
وفيما يخص الحرب على العراق و أسباب بدء أمريكا في الحرب على العراق فإن ذلك هو كالتالي :
لماذا جاءت أمريكا إلى العراق :
1) جاءت لضرب مجلس الأمن القديم و إعادة هيكليته و إعادة صياغته على وجه يخدم مصالحها وحدها دونما اعتبار لمصالح الدول الأخرى ومن ضمنها شركائها الرأسماليين الآخرين والدول الكبرى مثل روسيا.
وذلك لأن امتلاك دولا مثل روسيا وفرنسا ( حق النقد الفيتو) في داخل مجلس الأمن يشكل عائقا يقف أمام المشاريع الأمريكية الهادفة لصياغة العالم على الوجه الذي ينسجم مع مصالحها ولذلك كان تهميش مجلس الأمن في الحرب الأخيرة على العراق, وجعل القضية العراقية تعنيها وحدها ولا تعني أحد غيرها من دول العالم, حاملة بيدها سيف محاربة الإرهاب جعل المحللين السياسيين الروس والفرنسيين الكبار يقولون : ( إن الحرب على العراق هي حرب بالدرجة الأولى على مجلس الأمن )
2) استكمالا لمشروع صياغة الشرق الأوسط لجعل العراق نموذجا يحتذى به لجميع دول المنطقة.
3) لصياغة العراق نموذجا للديمقراطية الرأسمالية أمام شعوب ودول العالم حتى تفتح لها طريقا مستقبليا إلى دول العالم الأخر التي وضعت لها مشاريع تالية للشرق الأوسط, وصنع رأي عام عالمي لها بين شعوب العالم على شاكلة دخول الجيش الفرنسي للبنان حين استقبله الشعب اللبناني وتحديدا الطوائف المسيحية منه بالورود.
فأمريكا تسعى لأن تصنع النموذج العراقي لفتح طريقة قادمة لها بين دول إفريقيا وشرق أسيا مصورة جيشها بالفاتح حامل مشكاة الديمقراطية في العالم والمخلص من الأنظمة الديكتاتورية على شاكلة صدام حسين وحركة طالبان وذلك عبر الشعارات التي تحملها مع حملتها وهي :
أ) الديمقراطية
ب) التعددية
ج) حقوق الإنسان
د) سياسات السوق
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن : لماذا العراق بالذات ؟
ببساطة لأن العراق عدا عما يحويه من ثروات هائلة من نفطية ويورانيوم وذهب خام وغيره, وعدا عن مكانته الإستراتيجية التي تحد من أي محاولة حتى مستقبلية روسية أو فرنسية لدخول المنطقة عبرها, بدءاً من أفغانستان ومحاصرة دول مثل إيران, فإن النموذج العراقي فيه عناصر نموذجية في رسم صورة المشروع الديمقراطي الأمريكي مما تتميز به العراق من (قبلية, وطنية , حزبية , عرقية, طائفية دينية ) ولذلك فإن العراق إن نجحت أمريكا في تعميم نموذجها فيه سيكون نموذجا لبقية دول المنطقة والعالم لتسهيل مهمتها نحو الدول البقية وتضمن حفظ مصالحها عالمياً.
4) إقامة الدولة الكردية : وذلك بهدف تقسيم تركيا وضرب العسكر المبني بنية أوروبية وخاصة (أتاتورك), بعد نجاحها طبعا بجعل معظم الوسط السياسي التركي يسير في فلكها في المجال المحيط بها مثل اوزبكستان وقبرص واليونان وغيرها.
إن العائق الذي يقف أمام أمريكا هو (العسكر) وهذا سوف يكون بوابة لاحتواء أوروبا والحد من تمرد فرنسا والتي كغيرها من الدول الأوروبية تدرك ذلك.
5) بناء قاعدة على الحدود الأردنية السورية العراقية تهدف إلى الحفظ على المصالح الأمريكية في كل المنطقة.
6) استكمال مشروعها القاضي بالحد من المجال الحيوي الإسرائيلي عبر إقامة الدولة الفلسطينية وللحد من مجال إسرائيل الحيوية أيضا عبر ما عبّر عنه( شمعون بيريز) في كتابه الشرق الأوسط الجديد وهو قيام دولتين عبرية وأخرى عربية على ارض فلسطين والتي من المحتمل ضم هذه الدولة إلى الأردن لتوطين اللاجئين الفلسطينيين.
7) العمل على جعل العراق محرقة لحرق الوسط السياسي القديم فلا يكاد يمر أسبوع حتى تتناقل وسائل الأنباء خبر اغتيال رئيس جامعة أو سياسي قديم أو ضابط استخبارات بحجج مختلفة أبرزها ( أنصار النظام السابق).
فأمريكا تمارس هذه المحرقة في مذابح منظمة إلى جانب المذابح ضد المدنيين أشبه ما تكون بالمحرقة التي صنعتها في لبنان عام 1982 حين دأبت من لحظات الاجتياح الإسرائيلي للبنان على اغتيال نخبة من العلماء والمفكرين السياسيين الكبار من أمثال المفكر الشيوعي مهدي عامل ورجالات منظمة التحرير وغيرهم.
مهند صلاحات
الحوار المتمدن - العدد: 1016 - 2004 / 11 / 13 - 11:28