من يحاكم من في سجل الجريمة العالمي؟!
يوسف الكويليت
ليس دفاعاً عن تركيا حول ما قيل عن مجزرة الأرمن، والتي صارت شماعة ترفع لاستفزاز بلد عضو في حلف الأطلسي، لتأتي الاتهامات ممن يجتمع بهم اقتصادياً واستراتيجياً..
الاتهام الأخير جاء من حكومة ساركوزي الفرنسية، ولو كان الأمر يقتصر على حرية الدفاع عن موقف تاريخي فإن محاكمة فرنسا على جرائمها سيفتح أبواباً تضعها في موقع الدفاع، فأفريقيا شاهد إثبات على مذابح وإبادات جماعية ارتكبها الاستعمار الفرنسي الذي رفضت كل الحكومات الاعتراف بتلك الوقائع، ولم يكن المليون شهيد في الجزائر ثمناً سهلاً للاستقلال، ولا آلاف القتلى في فيتنام قبل الهزيمة المدوية بعد موقعة «بيان - بيان - فو» التي قادها «جياب» ، ولا الاعتداء على مصر في حرب السويس لمجرد أنها ساعدت الجزائر على نيل حريتها..
لو أن السجل الفرنسي كان نظيفاً، وأنها بلد محايد وقف من النزاعات الدولية بعيداً، لأعطيناها الحق في نقد وتقويم ما حدث في كل العالم من جرائم أياً كان نوعها، لكنها في عُرف التاريخ مدانة سلفاً بشواهد لا تستطيع إنكارها، والأمر لا يقتصر عليها وحدها، فألمانيا أشعلت حربين عالميتين، وبريطانيا قطعت أصابع الهنديات أثناء الاستعمار، وأسبانيا والبرتغال دمرتا شعوب وحضارات أمريكا الجنوبية وكذلك بقية دول أوروبا التي تنافست على استعمار العالم لتحريك آلتها الاقتصادية، ولا ننسى كيف أن بريطانيا التي فرضت الأفيون على الشعب الصيني سجلت في تاج مستعمراتها البقع السوداء في تاريخ الاستعمار، في مخالفةِ كل الأعراف البشرية..
لا أحد يدري لماذا تُستهدف دول قد تكون لها تجاوزات حقوقية مع شعوب أخرى، ولا تؤخذ جرائم إمبراطوريات وحكومات في كل القارات في تعديات وصلت إلى حدود لاإنسانية، ثم تأتي متسربلةً ثوب العفة والطهارة والنداء بالحقوق الإنسانية، وتحاكِم عليها بينما لا تعترف كيف تشرع الاحتلال والاعتداء، وإبادة الإنسان وتلويث بيئته، وتدّعي ما يناقض سلوكها في الماضي والحاضر، وإلى سنوات قريبة، ولا تزال تهدد من لا يسير في خطها المستقيم.
لا أحد يبرر المخالفات التشريعية والقانونية ضد الإنسان أياً كان مصدرها، لكن سجل العذاب بالسحل والقتل، وقطع الأطراف، وكل ما تسوغه السياسة، بات جزءاً من واقع خلفته ظروف تأسست أصلاً على استعباد الإنسان للإنسان، وقد اختفت حالة الرقيق، والاستعمار وما قيل بالحتمية البيولوجية، عن رقي شعوب على أخرى، وهي جزء من حملات عنصرية بدأت بتفوق الرجل الأبيض على كل الأجناس، ولم تنته مع الاحتكار والإملاءات السياسية والضغوط الاقتصادية كمبرر للقوة، إلى أن وصلنا للاستعمار الاقتصادي والقوة الناعمة ومصطلحات أخرى راجت لتكون جزءاً من امتدادٍ لحروب بلغات وأسلحة أخرى..
لنسأل.. هل اختفت العنصرية داخل القلاع الديمقراطية وهضم حقوق مواطنين من جنسيات أخرى وحتى في ملاعب كرة القدم تبرز هذه الظاهرة رغم وجود القوانين والتشريعات؟ وفي هذه الحال إذا كانت الإدانة والملاحقة يجب ان تصلا إلى تركيا فكل حيطان المنازل في الغرب من زجاج، وفتحُ سجل السوابق، إذا لم يُغلق فإن محاكم شعبية ستنشأ للمطالبة بحقوق مواطنيها من الأموات والأحياء ولن تسقط مع تقادم الزمن..