منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

#46082
الحور الاخبارية - يكاد باراك أوباما وبنيامين نتنياهو يستعملان العبارة ذاتها في معرض رفض البرنامج النووي الإيراني: “إن جميع الخيارات موجودة على الطاولة” . معنى ذلك أن الخيار العسكري مازال وارداً . فهل تراه ينطوي على إمكانية توجيه ضربة نووية إلى إيران؟هل ضربة نووية "إسرائيلية" لإيران ممكنة؟

الخيار النووي الأمريكي ضد إيران مازال مستبعداً، لكن ليس في المطلق . فإيران لم تمتلك بعد سلاحاً نووياً . حتى لو امتلكت، فهي لا تشكّل تهديداً للأمن القومي الأمريكي . غير أن امتلاكها هذا السلاح مستقبلاً ربما يشكّل تهديداً لأمن “إسرائيل” . إذا كان الأمر كذلك، فهل “تسمح” الولايات المتحدة ل”اسرائيل” باستعمال السلاح النووي لإجهاض البرنامج النووي الإيراني لتفادي قيام إيران نووية؟ وهل تمتثل “إسرائيل” لإرادة أمريكا بعدم استعمال السلاح النووي إذا ما توصلت قيادتها السياسية والعسكرية إلى قرار بأن حماية أمنها القومي يتطلب قراراً من هذا القبيل؟ وهل تنجّر أمريكا إلى الحرب إذا ما انفردت “إسرائيل” بتوجيه ضربة عسكرية، تقليدية أو نووية، إلى إيران؟

الإجابة عن هذه الأسئلة الثلاثة، تقتضي بادئ الأمر الإجابة عن أسئلة ثلاثة ممهدة لها: الأول، هل تمتلك “إسرائيل” القدرة والوسائل اللازمة لتوجيه ضربة عسكرية نووية إلى إيران؟ الثاني، هل بإمكان “إسرائيل” تحمّل الخسائر البشرية والدمار والتداعيات الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن الرد العسكري الإيراني المنتظر؟ الثالث، هل ثمة فعالية ترتجى من العقوبات الاقتصادية وغيرها من الإجراءات العقابية لحمل إيران على التخلي عن برنامجها النووي وتفادي، تالياً، صداماً عسكرياً وربما نووياً معها؟

عن السؤال الأول، الجواب نعم في ضوء المعطيات المتوافرة لدى مراكز الدراسات الاستراتيجية والمعلومات المنسوبة إلى أجهزة الاستقصاء الأطلسية . فقد قدّر خبراء استراتيجيون أن لدى “إسرائيل” أكثر من 400 قنبلة نووية، فضلاً عن قنابل نيوترونية وأسلحة نووية تكتيكية (للمدى القصير)، وأنظمة صواريخ عابرة للقارات لحمل الأسلحة النووية وإصابة الأهداف المطلوبة، وطائرات مقاتلة ناقلة للأسلحة النووية وإطلاقها، وغواصات قادرة على شن هجمات صاروخية نووية .

عن السؤال الثاني، الجواب مازال غير دقيق وهو حالياً مثار جدل حار في “إسرائيل” والولايات المتحدة . وقد رَشَح من سجالات صحفية جرت في “إسرائيل” أن نتنياهو ووزير حربه إيهود باراك “مستعدان لدفع أثمان باهظة تصل إلى مليون قتيل في مواجهة محتملة مع إيران” . إذا صحّت هذه المعلومة فإن الأمر يشي باحتمالين بالغي الخطورة: أن تكون القيادة السياسية والعسكرية “الإسرائيلية” قد توصلت إلى قرار بتوجيه ضربة نووية إلى إيران، وأن إيران تمتلك سلاحاً نووياً أو سلاحاً آخر من أسلحة الدمار الشامل (كيماوي أو بيولوجي أو ما شابه) قادرة بواسطته على تحقيق تدمير هائل وإبادة جماعية .

عن السؤال الثالث، نعم في ضوء العقوبات التي مازالت أمريكا وحليفاتها تعتمدها حالياً وتهدّد بتصعيدها وتعتقد أن من شأنها حمْل إيران على التخلي عن برنامجها النووي أو التوصل معها إلى تسوية في هذا المجال .

“إسرائيل” غير مقتنعة البتة بأن العقوبات في وضعها الحالي أو بعد تصعيدها كافية لمواجهة التحدي الإيراني . ذلك أن جوهر الأزمة مع إيران، في رأي “إسرائيل” (وبعض المسؤولين والجنرالات الأمريكيين)، ليس امتلاكها سلاحاً نووياً، بل تحوّلها قوةً إقليمية مركزية متنامية في قدراتها ومتوسعة في نفوذها . فإيران أصبحت، استراتيجياً، على حدود “إسرائيل” في شمالها الشرقي من خلال قدرات سوريا العسكرية المتحالفة مع الجمهورية الإسلامية، وفي شمالها من خلال حزب الله ومقاومته الفاعلة، وفي الجنوب من خلال حركة “حماس” وسائر تنظيمات المقاومة في قطاع غزة . تستطيع إيران مع حلفائها، إذاً، ومن دون أسلحة نووية شن هجوم كاسح على “إسرائيل” يُلحق بها خسائر بشرية باهظة ودماراً شاملاً .

في ضوء هذه المعطيات، قد تجد “إسرائيل” ضرورةً ودافعاً لضرب إيران قبل أن تقوى وتتعاظم قدراتها فيصعب لجمها أو التغلّب عليها . لذلك تسعى “إسرائيل” إلى إقناع إدارة أوباما بوجوب عدم التأخر في ضرب إيران، وتجد من يصغي إليها في واشنطن . غير أنها لن تتوانى عن اتخاذ قرار الحرب ضد إيران منفردةً إذا ما وجدت نفسها قادرة على تحقيق الغاية المرتجاة وتحمّل الثمن الباهظ الذي يتوجب دفعه .

إدارة أوباما تدرك، بلا شك، أن في وسع “إسرائيل” اتخاذ قرار الحرب ضد إيران من دون ضوء أخضر منها . كما تدرك أن “إسرائيل” قادرة، بواسطة نفوذها القوي والمتجذر في الكونغرس، على تغطية قرار الحرب وحتى حمْلها، أي الإدارة، على دعمها ومساعدتها . ولكن، هل تنجّر أمريكا إلى حرب “إسرائيل” ضد إيران إذا ما تأكدت من أن “إسرائيل” ستستعمل السلاح النووي لاختصار مدة الحرب وتحديد خسائرها؟

إدارة أوباما تُدرك أنها ستنجّر إلى الحرب بفعل نفوذ أنصار “إسرائيل” وأنصار الحرب ذاتها في الكونغرس . لذلك تسعى إلى تفادي هذا الخطر الماثل وتداعياته عن طريق خلق وضع في الشرق الأوسط من شأنه إقناع “إسرائيل” بزوال الحاجة إلى استعمال سلاح نووي في حربها المحتملة على إيران . الوضع الجاري خلقه يتمحور في استثمار أزمة سوريا على نحو يؤدي إلى استنزافها وشلها، فلا تعود قادرة على الوفاء بموجبات تحالفها مع إيران . بعبارة أخرى، تسعى إدارة أوباما إلى استنزاف سوريا وتعطيل فعاليتها السياسية والقتالية، الأمر الذي يمكن أن ينعكس سلباً على حلفائها بين قوى المقاومة، فيسهل على “إسرائيل”، في ظنها، الانفراد بإيران وضربها بأسلحة تقليدية متطورة وبالتالي لجم تحوّلها قوةً إقليمية مركزية .


هذه المقاربة الأمريكية لمسألة الضربة النووية “الإسرائيلية” لإيران تبدو، ظاهراً، معقولة . لكنها تشكو من نقطتي ضعف بارزتين: قدرة سوريا على الانخراط في الحرب وبالتالي الرد بقوة رغم أزمتها المتفاقمة، وقدرة إيران على الرد أيضاً في محيطها، كما على “إسرائيل” بصواريخها البعيدة المدى وذلك بأسلحة متطورة يتعذر، حالياً، تقدير قوتها وفعاليتها .
المصدر: ملتقيات ومنتديات عشاق الحور - من قسم: القسم السياسي -تقارير سياسية - مواضيع سياسية