منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

#46095
التنمية رؤية من منظور الفكر الإسلامي
بقلم: أ‏.‏د‏.‏ سيف الدين عبدالفتاح إسماعيل
أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية‏,‏ جامعة القاهرة



إن العملية الاجتهادية في أصل مقصودها تتحرك صوب‏'‏ المصلحة‏'‏ و‏'‏الإصلاح‏',‏ ومن ثم فإنه لا يمكن تحريكها إلي مناطق هي ضد هذا القصد الأصلي في العمران إلي عناصر‏'‏ طغيان‏'‏ أو‏'‏ فساد‏'‏ أو تخريب‏'‏ أو‏'‏ خلل‏'‏ مفض لتقويض الأصول العمرانية‏.‏

إن هذا الاجتهاد العمراني حري به أن يواصل تأسيس قواعد المدرسة العمرانية‏,‏ هذه المدرسة التي تجعل من النظام المعرفي العمراني أساسا لتعاملها مع مجمل القضايا المتعلقة بالمناحي الحضارية المختلفة‏,‏ وهذه المدرسة ستفرز حتما أجندة بحثية واهتمامات علمية مهمة‏,‏ يجري إهمالها أو إغفالها أو تهميشها علي أجندة البحث المعاصر‏.‏

كما أنها ستؤصل مداخل وصف ورصد‏,‏ وتقدم وحدات تحليل عمرانية متجددة‏,‏ وتصنيفات حضارية عميقة لا تختزل أو تبسط‏,‏ وتقدم قواعد تحليل وقدرات منهج ومداخل تفسير‏,‏ وتنسج أصولا تنظيرية ضمن نسق تعميماتها ومداخل تقويم تظن أهميتها في هذا المقام‏.‏

الاجتهاد العمراني والتجديد العمراني حركتان متواصلتان تؤسسان دعوة المدرسة العمرانية ومواصلة جهودها‏.‏والاجتهاد هنا حركة ممتدة وعملية متواصلة متعددة المجالات‏,‏ تسير في الأفق المتعدد‏,‏ من أفق الكون إلي أفق الإنسان‏,‏ إلي أفق المجتمع‏,‏ إلي أفق التاريخ‏,‏ ضمن عناصر ناظمة تجعل الاجتهاد عملية متسقة تشد بعضها بعضا‏.‏

ويقع اجتهاد المقاصد أو الاجتهاد المقاصدي ليتوج كل العناصر السابق الإشارة إليها‏,‏ فالاجتهاد المقاصدي فكرة حاضنة لكل العناصر السابقة بحيث توفر لها عناصر الحيوية والفاعلية‏,‏ وهي ذات مقصود يفضي إلي الرعاية والحفاظ والحماية والصيانة‏.‏

أولا‏-‏ مفهوم التنمية محاولة لصياغة مقاصدية‏:‏

'‏ التنمية‏'‏ واحد من المفاهيم المختلف فيها وعليها‏,‏ وهي إحدي الحالات النموذجية علي المستوي المفاهيمي التي تعاني من أعراض‏'‏ برج بابل‏',‏ والتي قد تشير إلي أننا قد نكون حيال فوضي مفاهيمية فيما يخص الظاهرة الإنمائية‏,‏ مفاهيم متعددة‏,‏ وتخصصات تنازعته‏.‏

ومن ثم فقد ظل الحديث عن التنمية معبرا عن رغبات غير محددة‏,‏ أكثر من تعبيرها عن سياسات فاعلة وفعالة‏,‏ ومن هنا كان من الضروري استيعاب هذا المشروع التنموي ضمن رؤية حضارية وكلية شاملة لأن الاهتمام بجزء علي حساب العناصر الأخري أورث جملة من الاختلالات ليس فقط في التصور والإدراك‏,‏ بل في العمل والممارسة‏.‏

وأهم عناصر التمثيل لمثل هذا الخلل في الرؤية والحركة معا‏,‏ هو إهمال البعد الثقافي والقيمي للتنمية‏,‏ ضمن تصور لعوالم التنمية يقتصر علي امتلاك عالم الأشياء‏,‏ لا القدرة علي تحويل المفهوم إلي عالم أفكار يشكل أصولا وعناصر للبناء التنموي العمراني‏,‏ يهتم بالأبعاد الثقافية الغائبة‏,‏ والشروط القيمية المصاحبة للعملية الإنمائية العمرانية‏,‏ كل ذلك إنما يقع فيما يمكن تسميته بمعايير ومقاصد التنمية‏.‏

هذه الأبعاد التي أهملت في النظر أو في العمل أو فيهما معا‏,‏ كانت أهم الدوافع التي أشارت إلي تجديد زاوية الاهتمام التي يمكن الانطلاق منها لو صنعها تحت مجهر الاهتمام‏.‏الاهتمام بالموضوع بمفاصله الأساسية والكلية وخريطته الشاملة بما يشير إليه من عناصر تأسيس وتأصيل للنموذج المعرفي المولد للرؤية التنموية والعمرانية كمقدمة للعمليات التي تتعلق بالتفعيل والتشغيل‏.‏

إن صياغة مفهوم التنمية في إطار فكرة المنظومة السباعية ووسطها بالاعتبار‏'‏ الواصل‏'‏ و‏'‏الحاضن‏'‏ لها من خلال المقاصد‏,‏ إنما يجعل من التنمية عملية حضارية شاملة وكاملة‏.‏ هذه الصياغة الكلية لمفهوم التنمية من خلال المنظومة السباعية الواصلة بين العقيدة الدافعة والشرعة الرافعة والقيم الأساسية والتأسيسية الحاكمة والأمة الجامعة‏,‏ والحضارة العمرانية الفاعلة‏,‏ والسنة الإلهية الماضية‏,‏ كل ذلك يقع في مجال المقاصد‏(‏ الحافظة‏,‏ الحاضنة‏,‏ الواصلة‏)‏ المقاصد ومراعاتها هي الكفيلة بمراعاة الصفات التي أتبعناها بعناصر هذه المنظومة من‏:‏ دافعية ورافعية وحاكمية وجامعية وفاعلية‏,‏ وقاضية وماضية‏.‏

وتأتي المقاصد لتتوج عناصر رؤية سباعية‏,‏ المقاصد الحافظة‏,‏ الحاضنة الواصلة‏:‏ الحافظة لمجالات نشاطها الحيوي‏,‏ وعناصر فعاليتها الجوهرية‏,‏ والحاضنة‏(‏ لعقيدتها الدافعة‏,‏ وشرعتها الرافعة‏,‏ ونسق قيمها الحاكمة‏,‏ والأمة الجامعة والحضارة الفاعلة والسنن القاضية‏..),‏ والواصلة بين واجب المقاصد ومقدماته وآلياته ووسائله‏,‏ فإنه القصد والمقصود‏:‏ ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب‏.‏

إنها فاعليات المقاصد حينما تتعلق بمقصودها في الحفظ والوزن والوصف والبناء والتقويم‏.‏ إن مقاصد لا تحفظ مجالاتها ولا تحتضن عناصر وسط تفعليها وشروط فاعليتها‏,‏ ولا تصل بين المقاصد والوسائل والآليات‏,‏ ليست من المقاصد في شيء‏,‏ ولكنها في حقيقة الأمر الوصول بها إلي مضادات مقصودها من استدعاء الضرر لا المصلحة‏,‏ وتوسل طرق التضييع لا الحفظ‏(‏ حفظ أم ضيع‏),‏ وإهدار معاني الواجب والواقع‏,‏ واقتفاء لموازين‏(‏ الأفكار والأحداث‏,‏ والأشخاص‏,‏ والأشياء‏,‏ والنظم والمؤسسات‏,‏ والرموز‏..‏إلخ‏),‏ إنها في واقع الأمر إهدار للوعي بالمقاصد والسعي بها ولها‏.‏

سباعية بعضها من بعض تتحقق منظوميتها ونظامها فتحدد بذلك مناط فاعليتها وتفعيلها‏:‏

*‏ إنه الحفظ لدافعية العقيدة والواصل لعناصره والضام لمكوناته‏.‏ إن‏'‏ عقيدة لا تدفع‏',‏ هو إهدار لمعني العروة الوثقي‏,‏ وإهدار للعقيدة وعيا وسعيا‏.‏

*‏ إنه الحفظ لرافعية الشرعة والواصل بين خصائصها التكوينية والقيام بتفعيل قواعده الكلية‏.‏ إن شريعة لا ترفع‏,‏ هو إهدار لمعني مقاصد الشريعة حينما تأتي لتخرج المكلف عن داعية هواه فترفعه تكريما واستخلافا وأمانة ومسئولية‏,‏ فالشريعة الرافعة‏:‏ حكمة كلها وعدل كلها ورحمة كلها ومصلحة كلها‏.‏

*‏ إنه الحفظ لحاكمية قيم الإسلام التأسيسية‏(‏ التوحيد والتزكية والعمران‏)‏ والأساسية‏(‏ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر‏,‏ والشوري‏,‏ والاختيار‏)‏ والقيم العليا‏(‏ الممثلة في العدل‏)‏ الناظم لأصول منظومة القيم وتصاعدها وتكافلها وتفاعلها‏.‏ إن قيما لا تحكم هي إهدار لمعني مقاصد القيم لأنه إهدار لعموم الدين‏(‏ الدين القيم‏),(‏ دينا قيما‏),(‏ دين القيمة‏),(‏ الصراط المستقيم‏).‏

*‏ إنه الحفظ لمعاني جامعية الأمة والواصل بين معاني اعتصامها بحبل الله وعصمتها‏(‏ لا تجتمع أمتي علي ضلال‏),‏ والضام لمعاني خيريتها ووسطيتها وشهودها الحضاري‏,‏ إن أمة لا تجمع هي فاقدة لأصول معانيها في‏'‏ الأم‏'‏ و‏'‏القصد‏',‏ وهو إهدار لمقاصد الأمة في‏'‏ الوجهة والقبلة‏'.‏ إن أمة لا تجمع ليست من جامعية الأمة في شيء‏,‏ وإن تحول جامعيتها إلي نقيض مقصودها في التنازع مقابل الاعتصام‏,‏ والفشل مقابل الفاعلية‏,‏ وذهاب الريح في مقابل الأثر والتأثير والتمكين‏,‏ إنما يعبر عن إهدار مفهوم الأمة في الوعي والسعي‏.‏

*‏ إنه الحفظ لفاعلية الحضارة والواصل بينها وبين عناصر شهودها وحضورها‏,‏ والضام لفاعليات عمرانهما وعمارتها‏,‏ فاعلية الحضارة في حضورها لا وجودها‏,‏ وحضورها عنوان فاعليتها‏,‏ ونقيض ذلك الغياب في كل أشكاله وكل معانيه‏,‏ إن حضارة لا تفعل ولا تتفاعل ولا تملك تأثيرها وفاعليتها ليست من الحضارة في شيء إنما تعبر عن إهدار مفهوم الحضارة وحضورها في الوعي والسعي‏.‏

*‏ إنه الحفظ لقضاء السنن والواصل بين‏'‏ فعلها‏'‏ و‏'‏شروطه‏'‏ و‏'‏عاقبته‏'‏ والقيام لعناصرها السننية‏(‏ سنن الكون والنفس والتاريخ والمجتمع‏),‏ ونقيض ذلك إغفال السنن أو الانحراف بها أو تزييفها في الواقع والرؤية‏.‏ إن سننا لا تقضي‏,‏ فتتحقق بشروطها‏,‏ ليست من السنن في شيء إنما يعبر ذلك عن إهدار مفهوم السنن الإلهية القاضية في الوعي والسعي‏.‏

التنمية فعل حضاري ممتد‏,‏ وحشد للإمكانات والطاقات‏,‏ وهي كذلك ضمن منظومة الفعل الحضاري بنياته ومساراته‏,‏ والتنمية حركة إحسان وكدح حضاري قادرة علي بلوغ غايتها ومقصدها في الحياة الطيبة‏,‏ ومفهوم السياسة في جوهره مفهوم عمراني وإنمائي وتجديدي يتحرك صوب السياسة بمعني القيام علي الأمر بما يصلحه‏.‏

من الضروري في هذا المقام أن ننظر للتنمية باعتبارها رؤية للعالم تنبثق عنها رؤية للإنسان والكون والحياة‏,‏ ضمن عناصر تأسيس عقدي‏,‏ يستند إلي رؤية توحيدية للعالم‏,‏ تستند إلي عقيدة التوحيد بكل تضميناتها وفاعليتها‏.‏

التنمية‏-‏ ضمن هذا التصور‏-'‏ قيمة‏'‏ شاملة وجامعة وواصلة بين عناصر هذه الرؤية الكلية‏,‏ تتضمن رؤية عمرانية واعية وفاعلة‏,‏ تتضمن أصول وعي وحركات سعي متصلة ومتواصلة‏,‏ ضمن أصول عناصر الكدح الحضاري‏(‏ يا أيها الإنسان إنك كادح إلي ربك كدحا فملاقيه‏(‏ سورة الإنشقاق‏:‏ آية‏6.‏ قيمة تتحرك صوب عمارة الكون وتزكية الإنسان وترقية وتنمية الحياة‏,‏ وتعتبر كل هذه العناصر بدورها فيما تحرك الفاعليات الإنسانية وتفعيلها في الواقع‏,‏ إن النظر إلي القيم الكونية والإنسانية والحياتية‏,‏ والنظر إلي الكون كقيمة‏,‏ والحياة كقيمة إنما يحرك عناصر وعي وسعي يقصد إلي الإلتزام بأصول نظام للقيم ويحرك الطاقات والفاعليات في إطار ترجمة عناصره والقوة المؤمنة إلي طاقات وإمكانية وتمكين‏:'‏ المؤمن القوي خير وأحب إلي الله من المؤمن الضعيف‏'.‏

والتنمية ضمن هذا التصور مفهوم حضاري شامل يشمل كل العناصر الحضارية وفاعليتها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية‏,‏ ويشمل عمران العوالم المختلفة من عالم الأفكار‏,‏ وعالم الأشخاص‏,‏ وعالم الأشياء والنظم‏,‏ وعالم الأحداث‏,‏ علي تفاعل واستطراق فيما بينها ضمن علاقات التفاعل والتأثير والتأثر‏.‏ عمران تلك العوالم هو الذي يضمن لها الحياة والفاعلية‏,‏ وحينما يعبر مالك بن نبي عن‏'‏ عالم الأفكار الميتة والقاتلة‏'‏ والتي تعشش في أركان الكيان الحضاري وتفت في عضده‏,‏ فإنه بذلك يدرك أن العوالم الحية غير العوالم الميتة أو القاتلة‏,‏ وأن هذا التصور الشامل هو الذي يحرك عناصر وأصول الوعي الدافع إلي فاعلية السعي ضمن إدراك يعي فعل السنن ضمن هذه العوالم‏,‏ ويتغيا مقاصد كبري هي في الحقيقة تمثل جوهر الرؤية العمرانية والتنموية‏.‏

والتنمية كذلك مفهوم حضاري شامل بما يجعل الواقع في بؤرة اهتمامه وهمه‏,‏ الواقع هنا أكثر اتساعا من نقطة زمانية أو بقعة مكانية‏,‏ إنه امتداد زمني وامتداد مكاني وعمق حضاري وذاكرة في الزمان والمكان‏,‏ تستوعب كل المجالات بتفكيرها وفعلها‏,‏ هادفة إلي عمرانها‏,‏ بحيث تصير وبحق‏-‏ عملية تربوية‏(‏ التربية المستمرة‏),‏ لا تنفك عن التربية أبدا‏.‏

وضمن هذه السياقات فإن مفهوم التنمية‏,‏ ليس أحد المفاهيم البسيطة في تكوينها أو السطحية في تأثيرها‏,‏ بل هو‏'‏ مفهوم منظومة‏'‏ يشير إلي منظومة متكاملة ومتكافلة ومتفاعلة من المفاهيم المستدعاة بحيث تكون عائلة مفاهيمية واحدة ذات نسب واحد‏,‏ أو شجرة مفاهيمية ذات فروع في جذر واحد‏.‏

وواقع الأمر أنه بدون النظر إلي التنمية كمفهوم منظومة أو باعتباره شجرة مفاهيمية سيظل التعامل مع هذا المفهوم قاصرا في فهم الواقع والتعامل معه‏.‏ومن ثم‏,‏ فإن هذا المفهوم يشير إلي عمليات مستمرة ومتواصلة‏,‏ وأدوات وإمكانيات وعلاقات وتفاعلات ومجالات‏,‏ ومساقات بحثية‏,‏ ومساقات ثقافية‏,‏ ومساقات تربوية‏,‏ ومساقات لمناهج دراسية‏,‏ كل ذلك يشكل نظاما ومنظومة متكاملة من المفاهيم تستوعب كل تلك المجالات والفاعليات‏.‏

كل ذلك قد يحيلنا إلي النظر إلي التنمية باعتبارها نموذجا إرشاديا‏Paradign‏ علي ما يشير إليه ذلك من تأصيل رؤية كلية للوجود وللعالم‏,‏ والإشارة إلي بناء نظري‏,‏ وكذلك منظومة مفاهيمية‏,‏ كما أنه يشير إلي أجندة بحثية شاملة ومتكاملة‏,‏ بما توجه إليه الاهتمام من دراسة إشكالات أجدر بالتناول‏.‏

وقد يرتبط بذلك النظر إلي التنمية ضمن النموذج المقاصدي‏(‏ المقاصد الكلية العامة‏),‏ وباعتبار التنمية تعبيرا عن مقاصد كلية وعمرانية‏,‏ وبما يشير إليه كل ذلك من حفظ الدين كعملية تنموية وحضارية تتعلق بعمارة الدين‏,‏ وكذلك حفظ النفس كعملية عمرانية ممتدة‏,‏ وحفظ العقل بما يشير إليه ذلك من مهمات عمرانية في الصياغة العمرانية للعقل وإعادة تشكيل العقل المسلم‏,‏ وحفظ النسل بما يشير إليه من امتداد الاهتمام ومواصلة العمل ضمن عمليات التنمية البشرية والتربوية‏,‏ وحفظ المال بما يشير إليه من عملية استخلافية عمرانية‏,‏ وبما يوفر عناصر البنية الأساسية للعملية التنموية‏,‏ المال هنا رمز لعناصر تنموية في جوانبها التأسيسية والمادية باعتباره من أهم عناصر المادة العمرانية‏.‏

الأمر هنا يشير ليس فقط إلي تلك المجالات العمرانية علي تفاعلها وتكافلها‏,‏ بل يشير كذلك إلي عناصر الأولويات التنموية والعمرانية‏,‏ وذلك في إطار التمييز والتحديد والتعيين والتفعيل لأصول الضرورات العمرانية والإنمائية‏,‏ وتحديد الحاجات الإنمائية‏,‏ وأخيرا العمل في حقل التحسينيات العمرانية‏,‏ وذلك في سياق منظومة اهتمام تتعرف علي أصول عناصر الوزن والترجيح والتقويم‏.‏

وفي هذا المقام يجب ألا يغيب ضمن هذه الرؤية الشاملة الاهتمام بالرؤي الاستشرافية لمستقبل التنمية‏,‏ بحيث نجعل عناصر هذه الرؤية ضمن جوهر مفهوم التنمية والعمران‏.‏

ثانيا‏-‏ المقاربات التراثية لعملية التنمية‏:‏

‏(‏ أ‏)‏ المقاربة الماوردية‏:‏ صلاح الدنيا وعملية التنمية‏:‏

من الأمور المهمة أن نبحث هنا في مجال تلك المقاربات في ذاكرة موضوع التنمية‏,‏ والظواهر المتعلقة بها‏,‏ فهل لم يكن للمفكرين المسلمين رؤية حال عمران الدنيا‏,‏ الأمر يتأكد من خلال ضرورته في بناء الرؤية العمرانية العامة لمفهوم الإنماء‏.‏ الماوردي يقع علي رأس هؤلاء المهتمين في سياق حس عمراني يتحدث حول منهج النظر للعملية الإنمائية وعناصر القيام علي عمارتها وصلاحها وإصلاحها‏,‏ فالنظر في أمور الدنيا لازم من أحوال تنميتها وعمرانها‏.'‏ فواجب ستر أحوالها‏,‏ والكشف عن جهة انتظامها واختلالها‏,‏ لنعلم أسباب صلاحها وفسادها ومواد عمرانها وخرابها‏,‏ لتنتفي عن أهلها شبه الحيرة‏,‏ وتتجلي لهم أسباب الخيرة‏,‏ فيقصدوا الأمور من أبوابها‏,‏ ويعتمدوا علي صلاح قواعدها وأسبابها‏..'.‏

والتنمية والصلاح معتبران من وجهين‏..'‏أولهما ما ينتظم به أمور جملتها‏,‏ والثاني ما يصلح به حال كل واحد من أهلها‏.‏ فهما شيئان لا صلاح لأحدهما إلا بصاحبه‏',‏ إنها رؤية شاملة للتنمية تتحرك صوب الدوائر المتعددة بدءا بعمران الإنسان الفرد‏,‏ حتي تشمل العمارة الكونية‏.'‏ فاعلم أن ما به تصلح الدنيا حتي تصير أحوالها منتظمة‏,‏ وأمورها ملتئمة‏,‏ ستة أشياء هي قواعدها وإن تفرعت‏,‏ وهي‏:‏ دين متبع وسلطان قاهر وعدل شامل وأمن عام وخصب دائم وأمل فسيح‏',‏ وأما ما يصلح به حال الإنسان ويرقي‏:'‏ فثلاثة أشياء‏,‏ هي قواعد أمره ونظام حاله‏,‏ وهي نفس مطيعة إلي رشدها منتهية عن غيها‏,‏ وألفة جامعة‏..‏ ومادة كافية تسكن نفس الإنسان إليها ويستقيم أوده بها‏'.‏

إننا أمام رؤية كلية شاملة للظاهرة العمرانية والإنمائية تبحث في عناصر التنمية الشاملة والتنمية البشرية‏,‏ فتؤصل القاعدة وتحدد المجالات‏.‏

*‏ علاقة الدين بالظاهرة الإنمائية هي أول هذه القواعد التي تحرك عناصر الالتزام والفاعلية في إطار عقدي يتحرك فيه الإنسان صوب مصلحته وإصلاحه‏.‏ إنه يدرك حقيقة العلاقة الإيجابية بين الظاهرة الدينية والظاهرة الإنمائية في إطار الفهم لصحيح الدين وما يؤثر به من فاعلية‏.‏

*‏ علاقة الظاهرة السياسية بالظاهرة الإنمائية من القواعد المهمة في هذا المقام‏,‏ هيبة السلطة وقدرتها إنما تعبر عن إحدي الضرورات للظاهرة الإنمائية‏.‏

*‏ ثم العدل كحالة شاملة للكيان أفرادا وجماعات‏,‏ حكاما ومحكومين‏,‏ ذلك أن هيبة السلطة لا تتأتي إلا من عدلها وقدرتها أن تجعل من الهيبة رضا بالعدل والسوية‏.‏

*‏ و‏'‏أمن عام‏'‏ هي من أهم شروط عناصر الاستقرار التي توفر قاعدة ووسطا للعملية العمرانية‏,‏ فالفوضي ضد العمران‏,‏ والتهارج ضد الاجتماع‏,‏ والأمن قرين العمران‏,‏ معادلات مهمة‏,‏ تؤسس أصول الأمن العام المترتب علي العدل الشامل‏.‏

*'‏ خصب دائم‏'‏ هو عنوان وإشارة إلي عناصر الإنماء الممتد والشامل والدائم‏,‏ إنها مجالات التنمية بأسرها وبتنوعها وبتكافلها‏.‏

*‏ وأمل فسيح يحدد أفق الرؤية ورحابتها‏,‏ رؤية لحال الجماعة والكيان في استقبالها‏,‏ المتعلق بالأمل المصاغ ضمن أصول وعي وقواعد سعي‏.‏

وصلاح الدنيا موصول بصلاح الإنسان وعمرانه‏,‏ وما يتطلبه ذلك من متقضيات عناصر ووسط التنمية البشرية وعمرانها من أصول الماوردي‏,‏ والتي يمكن إيجازها في الشكل التالي‏:‏

ب‏-‏ المقاربة الخلدونية‏:‏ أصول العمران وتأسيسه وخرابه وانهياره‏:‏

أردنا أن نضع ابن خلدون بمقاربته العمرانية ضمن سلسة من المقاربات التي سبقته أو لحقته حتي لا يتصور البعض أن ابن خلدون فلتة لا تقبل التكرار‏,‏ ومصادفة لا يقاس عليها‏,‏ أو هو نتوء ضمن إسهامات معرفية أو منهجية أو علمية متواضعة‏,‏ فإن هذا كما يحمل ظلما لابن خلدون فإنه يعبر من جانب آخر عن ظلم فادح للحضارة التي أنجبته‏,‏ فخرج من رحمها‏,‏ وتغذي من مرجعيتها ما شاء‏,‏ فكانت مقدمته التي لا تدعي انفصالا عن حضارته بل كانت لبنة ضمن بنائها وضمن شبكتها المعرفية‏,‏ وليس من غرضنا استعراض نصوص خلدونية في مقدمته‏,‏ بل الغرض أن نشير بما تميزت به مقاربته العمرانية‏,‏ والمفاتيح التي دلف من خلالها إلي الظاهرة العمرانية والتعرف علي عناصرها وشبكة علاقاتها‏,‏ والمستلزمات والمتطلبات التي يجب التسلح بها عند مقاربة ظاهرة العمران أو الاقتراب منها‏,‏ ومن هنا فقد أشار ابن خلدون إلي‏:‏

*‏ ضرورة الاعتبار بالتاريخ‏,‏ فأسس وأصل فكرة أن للظاهرة الاجتماعية والسياسية والعمرانية عمقا تاريخيا‏,‏ وللظواهر التاريخية عمقا حضاريا عمرانيا‏.‏

*‏ ضرورة النظر إلي الظاهرة العمرانية ضمن امتدادها‏,‏ وعناصر شمولها‏,‏ لشؤون العمران ما يعرض له فيه من العوارض الذاتية من الملك والسلطان‏(‏ ظاهرة السلطة‏),‏ والكسب والمعاش والصنائع والعلوم‏(‏ مجالات العمران‏),‏ وعمارة الحياة والأمة التي هي مقصد عالم عمران ابن خلدون‏(‏ المقاصد العمرانية‏)‏ وهو بذلك يشير إلي انتقادات حادة إلي تفتيت الظاهرة العمرانية بدعوي التخصصات الدقيقة‏,‏ وما يشير إليه من ضرورة إعادة النظر في تصنيف العلوم معرفيا لغرض عمارة العلم بلوغا إلي جوهر العلم النافع الدافع‏.‏

فقد شرح ابن خلدون‏'‏ من أحوال العمران والتمدن‏,‏ وما يعرض في الاجتماع الإنساني من العوارض الذاتية ما يمتعك بعلل الكوائن وأسبابها‏,‏ ويعرفك‏:‏ كيف دخل أهل الدول من أبوابها حتي تنزع من التقليد‏,‏ وتقف علي أحوال ما قبلك من الأيام والأجيال وما بعدك‏'.‏

وهي إشارات واضحة إلي التنبيه إلي علم الاجتماع العمراني والسياسي الذي يري الظاهرة السياسية في جوف الظاهرة الاجتماعية والظاهرة التاريخية‏,‏ وكل هذه الظواهر تجدل في مساق واحد‏,‏ وتضفر عناصرها ومستوياتها وشبكة علاقاتها بحيث تشكل الظاهرة العمرانية لها وبينها‏,‏ والضابطة لتفاعلاتها‏,‏ والمكونة لتجلياتها‏.‏

*‏ يكمل ذلك تصوره للعمران البشري لا في علاقته التأسيسية‏,‏ بل في وسطه وسياقه‏,‏ فيتحدث عن العمران البشري والمقدمات المتعلقة به التي تتصل بالجغرافيا الطبيعية والبشرية‏,‏ وأثر البيئة علي أبدان البشر وأحوالهم وما ينشأ من العمران‏,‏ وهو يصنف أنواع العمران ويتحرك صوب وصف مفاصل كل نوع وسماته التي يتميز ويميز بها‏,‏ من عمران بدوي‏,‏ ونشأة الدول وتطورها وقوتها ثم ضعفها‏,‏ والعمران الحضري‏,‏ ونشأة الهياكل العظمية وبنائها وخراب الأمصار إذا تراجع عمرانها أو إذا انقرضت الدول القائمة فيها‏,‏ والمعاش وجوبه ووجوهه وأصنافه ومذاهبه‏,‏ والعلوم التي هي من أهم مقدمات العمران وأصنافها والتعليم‏,‏ وطرائقه وسائر وجوهه‏.‏

وعكف ابن خلدون يتحري شبكة العلاقات بين تلك المقدمات العمرانية محققا أصول تحليله وتصنيفه وتفسيره في ضوء عناصر الترتيب المقترن بنظرية المقاصد الكلية العامة من الضروري والحاجي والتحسيني‏,‏ والأصلي والمكمل فيقول ابن خلدون‏'‏ وقد قدمت العمران البدوي لأنه سابق علي جميعها‏,‏ كما نبين لك بعد‏,‏ وكذا تقديم الملك علي البلدان والأمصار‏,‏ وأما تقديم المعاش‏,‏ فلأن المعاش ضروري طبيعي‏,‏ وتعلم العلم كمالي أو حاجي‏,‏ والطبيعي أقدم من الكمالي‏,‏ وجعلت الصنائع مع الكسب لأنها منه ببعض الوجوه‏,‏ ومن العمران كما نبين لك بعد‏'.‏

*‏ وفي هذا السياق ينتقل ابن خلدون إلي فكرة الأطوار متبعا منهجا سننيا‏,‏ فالأطوار الحضارية محكومة بقوانينها وسننها‏,‏ سنن تتعلق بالمظاهر العمرانية وإمكانات تحويلها إلي عالم أفكار تتعلق بالقيم المتعلقة بها‏,‏ إن فهم ابن خلدون لهذه الأطوار لا يركن فيه إلي الانبهار بعالم الأشياء أو المادة العمرانية‏,‏ ولكنه يتحدث عما يكمن تحت سطحها وفي عمقها ومكنونها من قيم وأفكار‏,‏ وما ينتجه من تفاعل بين عالم الأشياء والأفكار والأشخاص من عالم أحوال جدير بالملاحظة والبحث في مفاصله واستنباط قوانينه وسننه‏,‏ إن هذه الرؤية المتعمقة تفرض علينا أن نتخذ بعض ما تمليه علينا من منهج النظر إلي الظاهرة العمرانية والإنمائي وما يرتبط بها من عوالم‏.‏

*‏ يعالج ابن خلدون كذلك أسباب الانهيار والتي عدد بعضها‏,‏ إلا أنه يؤكد علي سنة ذهبية وناموس عمراني‏,‏ هما في غالب الأحوال تعبير عن سنة تحذيرية‏:'‏ أن الترف مؤذن بخراب العمران‏',‏ فالترف أو الانغماس في التمدن هو من أسباب انهيار الحضارة‏..‏ إذا يعلمنا ابن خلدون من مقالته تلك في تأسيس رؤيتنا للتنمية‏,‏ ويولد من سنته التأسيسية سننا مشتقة أو فرعية‏,‏ فإن أكثر المترفين يترفع عن مباشرة حاجاته‏,‏ أو أن يكون عاجزا عنها لما ربي عليه من خلق التنعم والترف‏,'‏ فترك العمل ومباشرة الحاجات مؤذن بدوره بانهيار الحضارة والعمران والتحول إلي مرحلة التمني والركون والدعة‏..'.‏

مفاتيح عمرانية خلدونية يمكن أن تولد رؤية للتنمية علي شاكلتها‏,‏ وتؤصل منهج نظر وتعامل وتناول للظاهرة العمرانية والإنمائية‏,‏ وتحرك عناصر لفهم جوهر العلاقة بين الإسلام والتنمية‏.‏

ج‏-‏ المقاربة الشاطبية‏:‏ المقاصد الكلية وتأسيس قواعد الحفظ وأصول العمران‏:‏

إذ عبر الماوردي في رؤيته عن رؤية قيمية تؤسس للحركة والممارسة في إطار عقلية فقهية صاغت تفكيره ورؤيته‏,‏ وإذ صاغ ابن خلدون رؤيته علي قاعدة من علم العمران السياسي الذي انطلق فيه من الواقع إلي السنن‏,‏ ولكن ضمن وسط يشد إلي مرجعية التأسيس في تأصيل العلم السنني‏,‏ فإن الشاطبي‏-‏ عالم اللغة‏-‏ قصد المعين الأصولي ليؤسس الكليات العمرانية‏,‏ حتي ليمكن أن تري ضمن اختلاف هذه المسالك في وجهات نظرها وتنظيرها كيف تتكامل وتتكافل وتتفاعل‏,‏ فقد خرجت من مشكاة واحدة تضيء النظر إلي الظاهرة العمرانية علي اختلاف جوانبها وعناصرها ومستوياتها وعلاقاتها‏.‏

المقاربة الشاطبية في المقاصد الكلية وتأسيس قواعد الحفظ وأصول العمران لا تتسع الصفحات بل الكتاب الواحد لأن يستوعب مقالاته ومقولاته‏,‏ قواعده ومناهجه في النظر والتعامل للظاهرة العمرنية‏,‏ وحسبنا في هذا المقام أن نشير إلي بعض مفاتيحه العمرانية من غير استيعاب‏,‏ وفي إجمال غير تفصيل‏,‏ وفي حالات إلي مظان التأصيل‏.‏ إن النموذج المقاصدي‏-‏ في أصل بنيته‏-‏ تتفاعل ضمن منظومة عناصر ثلاثة‏:‏

الأول‏-‏ يتعلق بالحفظ كعملية تتضمن عناصر حفظ متوازنة ومتتالية‏,‏ مستطرقة ومتفاعلة‏,‏ والحفظ ضربان هما حفظ دفع‏,‏ أي حفظ سلبي‏(‏ دفع المضار‏),‏ وحفظ جلبي إيجابي بنائي‏(‏ جلب المنافع والمصالح‏),‏ الحفظ عملية تولد جملة من العمليات كلها علي وزن تفعيل‏,‏ بما يشير إلي الوعي بعناصر الفعل‏,‏ والوعي بأصول فاعلية‏,‏ وأصول السعي الحافظة والحاضنة لتلك الأفعال‏,‏ والوعي بضمان استمرارية الحفظ في عملياته المتولدة‏,‏ يتحرك من الحفظ كمنطلق ومبدأ‏,‏ والحفظ كغاية ومقصد عام‏,‏ الحفظ هنا عمليات وأدوات ووسائل‏,‏ ومستويات‏,‏ وعلاقات وإمكانات وقدرات‏.‏

الثاني‏-‏ يتعلق بالمجالات العمرانية‏,‏ كساحة أساسية للفعل الحضاري وإعمال القواعد المقاصدية‏,‏ فقه المجالات‏,‏ عنصر تأسيس آخر في النموذج المقاصدي‏,‏ فهي متعلق الحفظ ومجاله الحيوي‏(‏ حفظ الدين وحفظ النفس وحفظ العقل وحفظ النسل وحفظ المال‏),‏ إنها مجالات الحفظ العمراني‏,‏ تستوعب كل مجالات الفعل الحضاري والعمراني علي تفاعل بينها واستطراق في تفاعلاتها‏.‏

الثالث‏-‏يتصرف ضمن بنية هذا النموذج بعمليات التصنيف والتكييف والترتيب والوزن‏,‏ عمليات كلها تتعلق بأصول فهم الواقع بغرض حفظ مجالات عمارته وإنمائه‏,‏ نحن أمام‏-‏ ليس فقط محاولة الوزن ضمن ترتيب تصاعدي للمجالات‏-‏ لكن ضمن ترتيب تتابع أفقي‏(‏ الضروري‏,‏ الحاجي‏,‏ التحسيني‏),‏ إن فاعليات الحفظ ووزن المجالات لا يمكن أن تكتمل صورتهما إلا ضمن منظومة تدخل في إطار عمليات التكييف لما يعتبر ضروريا أو حاجيا أو تحسينيا‏.‏

الضروري يتعلق بأصل الكيان والحفاظ عليه وجودا واستمرارا‏,‏ والحاجي يتعلق بمحركات الفاعلية والتفاعل ضمن علاقات‏,‏ والتحسيني يحرك عناصر مهمة في إطار حركة إحسانية مفتوحة تعني طلب الأحسن ضمن عناصر تجويد تضمن مزيدا في إطار الوجود التكريمي للإنسان والوجود الفاعل المؤثر‏.‏

هذه تشكل بنية التأسيس وتتولد من تلك العناصر عناصر أخري تحرك أصول تفكير منهجي في رؤية عناصر الحفظ‏,‏ وسعة المجالات وقدرات الترتيب والوزن‏.‏ تكامل هذه العناصر الحفظ كفعل‏,‏ والمجالات التي تتعلق بالفاعلية والسعي‏,‏ والمراتب التي ترتبط بأصول الفعل والفاعلية والحركة في سياق تحصيلها جميعا إنما يعبر عن قدرات مهمة ضمن هذا النموذج المقاصدي‏.‏

الشاطبي ينقلنا إلي هدف العملية الإنتمائية والعمرانية‏,‏ وعناصر المادة العمرانية‏,‏ ووسائل الحفظ العمراني وتكافل عناصر الحفظ‏,‏ وتنوع مستوياتها بين دفع الضرر وجلب المصالح وعناصر وزن وتكييف الحالات والأفعال‏(‏ الضروري والحاجي والتحسيني‏).‏

إنه يتحرك صوب عناصر فهم العملية العمرانية والإنمائية وفق عناصر النموذج المقاصدي‏,‏ والذي يؤصل بحق منهج تعامل وتناول مع أصول الظاهرة العمرانية‏.‏ كما أنه يلفت الانتباه إلي عناصر تقويم الفعل العمراني للمجالات‏.‏

وإن الخيامي أحد المفكرين في حقل التراث السياسي الإسلامي في العصر الحديث في رسالة‏'‏ الراعي والرعية‏'‏ يبين كيف تعتبر المقاصد الكلية وظائف للدولة تحرك العناصر الإنمائية والعمرانية‏.‏