نحو وضوح أرقى
نحو وضوح أرقى
تركي عبدالله السديري
بات طبيعياً أن نقول رحم الله صدام حسين، فقد حاول أن يسند دولة لمجتمع واحد، وكان مواجهاً صارماً لمحاولات إيران التدخل في شؤون العراق، ومع أن في حكمه سلبيات قسوة كبيرة ومحاولته احتلال الكويت التي لم تكن منطقية إطلاقاً ومع ذلك وبكل رصيد السيئات فإن عراق صدام يختلف كثيراً عن عراق اليوم..
هل دخلت أمريكا بغداد لكي تقتل صدام فقط أم لكي تخرج منه وهو توزيع طائفي وقبلي وعرقي مخيف؟.. هو الدولة الأقرب لأن تكون في واجهة النمو العربي لو لم تعرف مراحل عبدالكريم قاسم مروراً بصدام حسين وأخيراً مخلفات أمريكا الفوضوية فيها الآن..
اقرأ تعليق السياسة الأمريكية على أوضاع لبنان.. إن مناصرة المواطن السوري المعترض على أوضاع بلده لا تأتي إلا عبر عبارات عاطفية مائعة، وإذا كانت مصر تشير بعض تصريحات مسؤوليها إلى وجود تموين أجنبي لنزاعاتها، فإن ما يقال عن ترحيب أمريكا لوصول الإخوان إلى قيادة السلطة فهو ترحيب في نفس الوقت بوجود مراحل صدام أعنف مما يحدث الآن.. ما تستغربه فيما يقال عن أحداث العالم العربي بأنه ربيع اعتراض وإصلاح؛ فإنك لا تجد أمريكا قبل أسبوع تقريباً قد قبلت أن تكون حركة المحتجين باسم احتلال في نيويورك ربيعاً أمريكياً، بل قامت باعتقال أكثر من خمسين شخصاً.. وقبلها بريطانيا منذ بضعة أشهر رفضت أن يكون الشارع اللندني مجال نهب برموز اعتراض، فقد أولت من فعل ذلك أقسى مظاهر العنف ولم تسمّ ذلك ربيعاً بريطانياً، وإنما كانت محقة في فرض الاستقرار على مدينة حضارية أولى في العالم..
ما هو جدير أن نلاحظه هو أن الحصانة الغربية والأمريكية بشكل خاص لرفض إسرائيل مفاوضات المصالحة وفي نفس الوقت رفض إدانتها لما تمارسه من قتل معلن ضد أي فلسطينيين معترضين بين وقت وآخر، بل إن نيويورك التي رفضت دخول الفلسطيني إلى عضوية الأمم المتحدة وعاقبت اليونسكو التي قبلت هذه العضوية بإيقاف معونتها.. هذه المبالغة في حجب إسرائيل عن أي اعتراض أو عقوبة يتلازم معها محاولات تفكيك أكثر لأوضاع العالم العربي، ولا تستثني أي موقع عربي من ذلك، فالمصلحة الأمريكية هي الهدف الأول حتى ولو أتى اعتراض عملي ضد نووية إيران، فإن التعامل مع إيران من جانب والتعامل المركز منذ تاريخ طويل مع إسرائيل كطرفي إعاقة لأي ترابط عربي أو توجه نحو التطوير..
إن النوايا السيئة موجودة في توجهات سياسة الدول الكبرى؛ فمصالحها هي من تحدد ما هو الخطأ وما هو الصواب.. الدول الكبرى تعبير لا يخص أمريكا ودول أوروبا.. ولكنه يشمل روسيا الشيوعية سابقاً وبعض طموحات الدول الآسيوية.. على سبيل المثال موسكو الشيوعية قديماً توغّلت في القارات الفقيرة، وبالذات أفريقيا، بحثاً عن نفوذ ومصالح، وفي نفس الوقت تغرير بشعوب متدنية الوعي..
ما أقصده هنا أن مطلب الحضور العلمي والاقتصادي والوعي الاجتماعي لا يتوقف عند حدود سلوك الدول الكبرى فجميعها تبحث عن مصالحها، حتى وجود إسرائيل ليس تعاطفاً مع اليهودية الدينية بقدر ما هو توظيف قوة دخيلة على العالم العربي لإشغاله بمتعددات الخسائر..