دلالات وتحديات تنامي علاقات إيران مع دول أمريكا اللاتينية 1
مرسل: الأحد ديسمبر 25, 2011 2:31 pm
نجد إيران ، التى تعتبر أن إقرار المزيد من التعاون ودول أمريكا اللاتينية فى شتى المجالات هو إحدى أولويات سياستها، تسعى للاستفادة القصوى من قدراتها ، وطاقاتها الاقتصادية ، لكسب أصدقاء وحلفاء فى أمريكا اللاتينية وكذلك فى أفريقيا ، وتوظيف تنامى هذه العلاقات لكسر العزلة السياسية والدبلوماسية ، والدعم السياسى فى المنظمات الدولية.
-------------------------
فى السياق الاشمل ، ومن الناحية التاريخية والاستراتيجية ، يمكن القول بأنه منذ الثورة الإيرانية عام 1979، وعلى أساس أيديولوجى ، ورغم التمايز بين المكون الإسلامى، والماركسى ، ارتبطت الجمهورية الإسلامية فى إيران بعلاقات أيديولوجية ومصلحية ، فى آن واحد ، مع كوبا كاسترو، بحيث توطدت ، وتعمقت هذه العلاقة بشكل كبير فى فترة ما بعد انتهاء الحرب العراقية – الإيرانية ، فى نهاية الثمانينات من القرن الفائت ، إذ كانت حركة عدم الانحياز هى المظلة التى استظلت تحتها كلتا الدولتين فى معركتهما السياسية والأيديولوجية ، ضد التوزيع الظالم للقوة فى العالم ، والامتعاض والاستنكار الإيرانى لسياسة الحصار الشامل الذى فرضته الإدارات الأمريكية المتعاقبة على الثورة الكوبية ، التى جسدت مطلباً وحاجة جماهيرية ، منذ عام 1962 ، ومحاولة خنق هذه الثورة . وتوفرت إرادة سياسية للاستفادة من الإمكانيات المتاحة بين إيران وكوبا ، خاصة فى المجال الطبى والصحى للتعاون المشترك ، أو فى بلد ثالث .
ثانياً : تطورات ومحددات تنامي علاقات إيران بدول أمريكا اللاتينية
وفى تطور لاحق ، حصلت كوبا ، القلعة الشيوعية الحصينة فى مواجهة الولايات المتحدة فى بحر الكاريبى ، على استثمارات إيرانية فى مشروعات للبنية الأساسية والإنشاءات ، وتفاوضت على عقود لتوريد تكنولوجيا طبية لإيران ، وما أبدته إيران من استعداد للإسهام فى كوبا بخبراتها فى مجال الكشف عن البترول فى المياه العميقة ، كما أبرزت إمكان زيادة الاستثمارات فى العديد من القطاعات بعد إبرام اتفاق عام 2007 ، للامتيازات الجمركية بين البلدين . وقد فرضت سياسة إيران فى فترة ما بعد العام 1979، القائمة على أساس سياسة عدم الانحياز فى السياسة الدولية ، بحيث دفعها هذا التوجه السياسى الجديد ، خلافاً لحقبة الشاه ، لنهج استراتيجية توسيع دائرة الأصدقاء ، وتضييق دائرة الأعداء فى دول العالم الثالث ، ومنها الدول اللاتينية ، والآسيوية ، والأفريقية .
وساهمت سياسة الولايات المتحدة الأمريكية – الحليف الاستراتيجى للكيان الصهيونى ، ومواقف الثورة الإيرانية من هذا الكيان- المعلنة لاحتواء إيران ، والتضييق عليها ، وعزلها تماماً عن شرايين النظام الدولى ، سياسياً واقتصادياً وتكنولوجياً وثقافياً ، فى دفع إيران إلى بذل مجهود ، وحركة دبلوماسية نشطة وفاعلة ، تستهدف فتح قنوات اتصال وتواصل مع هذه البلدان ، التى برهن بعضها على عدائيته لأمريكا أكثر من العداء الإيرانى التاريخى للسياسات الأمريكية فى الخليج العربى ، والشرق الأوسط . فاستراتيجياً سعت إيران إلى كسر العزلة المفروضة عليها أمريكياً وأوروبياً ، من خلال توطيد منظومة العلاقات مع دول أمريكا اللاتينية فى مختلف الأصعدة . وعلى خلفية النظر إلى حقيقة أن إيران لم تعد دولة عادية ، كباقى دول العالم ، حيث أمست قوة إقليمية لا يستهان بها ، ودولة مثيرة للجدل ، بسياستها الخارجية ، وكثافة تفاعلات هذه السياسة ، بحيث لم تعد إيران تكتفى بمحيطها الإقليمى ، بل صارت تسعى لتوطيد علاقاتها مع كل العالم ، لمحددات متعددة ،منها ما ينبع من البيئة الإقليمية ، وأخرى من البيئة الدولية ، أو من البعد الايديولوجى ، وطبيعة القيادة ، والمصلحة القومية ، التى تؤثر فى عملية صنع السياسة الخارجية ، توسعت دائرة العلاقات الإيرانية الإيجابية مع العالم الخارجى ، بوصول رئيس إصلاحى على شاكلة الرئيس محمد خاتمى ، فى العام 1997، وأحسنت الدبلوماسية الإيرانية الاستفادة من سمات ، ومميزات شخصية خاتمى الإصلاحية المعتدلة ، واعتماده لغة عالمية ، ومصطلحات تقوم على أساس التقارب بين البشر، من خلال حوار حضارات البشرية ، وتلاقى الثقافات الإنسانية ، وتوظيف ذلك لخدمة أهداف السياسة الخارجية الإيرانية ، خاصة فى بلدان العالم الثالث ، لجهة الحصول على الدعم السياسى لإيران فى المحافل الدولية ، مثل الأمم المتحدة ، والوكالة الدولية للطاقة الذرية ، خاصة فيما يتعلق بطموح إيران النووى.
ومنذ وصول نجاد لسدة الحكم ، ومن منظوره الاستراتيجى ، وفى سياق التحول فى أهداف السياسة الخارجية الإيرانية ، من مجرد محاولة مواجهة الظروف المحلية الطارئة ، وتلبية الحاجات فى ظل معطيات الوضع القائم ، إلى محاولة التعرف على المناخ الدولى المحيط ، وتهيئته بما يحقق أكبر قدر ممكن من المصالح الإيرانية ، أى الانتقال من التسليم بالواقع ، إلى تغييره بما يخدم المصالح الإيرانية، سعى منذ البداية إلى تحقيق أهداف إضافية أخرى من وراء استراتيجية التقارب مع أمريكا اللاتينية ، وتوثيق الصلات مع حكوماتها ، وشعوبها على حد سواء ، فى المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية ، وفى ميادين أخرى شتى . ومن هذه الأهداف : الرغبة الشديدة فى الحصول على دعم دول أمريكا اللاتينية ، ومساندتها لمواجهة الضغوط الأمريكية والأوروبية الممارسة على إيران لوقف مشروعها فى اكتساب التقنية النووية ، وتطوير القدرات النووية للأغراض السلمية . وفى هذا السياق يتوجب التذكير بأن فنزويلا ن وكوبا ، وسورية هى من الدول التى صوتت لصالح إيران ، وبرنامجها النووى داخل أروقة الوكالة الدولية للطاقة الذرية ، فى فبراير 2006، عندما أصدرت الوكالة قراراً يقضى بإرسال ملف إيران إلى مجلس الأمن الدولى ، لحمل إيران على إيقاف أنشطتها النووية المتعلقة بتخصيب اليورانيوم ، ودعم فنزويلا حق طهران فى استخدام التقنية النووية فى المجالات المدنية . كما سعى نجاد إلى توظيف المناخ المعادى للسياسات الأمريكية فى دول أمريكا اللاتينية ، وهى المجال الحيوى ، ومنطقة النفوذ التقليدية للولايات المتحدة ، حيث استغلت إيران تململ الشعوب من سياسات واشنطن " الامبريالية والاستعمارية والاستغلالية " ، لفرز حكومات ، ونخب يسارية معادية لأمريكا والكيان الصهيونى .
ومما لاشك فيه ، أن من بين حصاد هذا التطور قيام فنزويلا بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع الكيان الصهيونى، احتجاجاً على حربها على غزة. وتعكس التفاعلات السياسية على مستوى القمة مدى درجة تنامى العلاقات بين إيران وأمريكا اللاتينية , ويكفى فى هذا الصدد ، رصد أن نجاد منذ ولايته الأولى عام 2005، قام بزيارة هذه القارة ثلاث مرات : الأولى كانت لفنزويلا ، فى يوليو 2007 ، والثانية لكل من فنزويلا ونيكاراجوا والأكوادور ، فى سبتمبر من نفس العام ، والثالثة كانت لفنزويلا وبوليفيا ، فى اكتوبر 2007 . بالمقابل ، استقبل نجاد فى طهران قيادات اليسار البارزة ، تشافيز ، موراليس ، دانييل أورتيجا ، كورييا ، لولا دى سيلفا . وربما حاولت إيران ، من خلال تعزيز نفوذها السياسى ، وتطوير مصالحها الاقتصادية فى الحديقة الخلفية للولايات المتحدة ، تحقيق توازن مع عدوها " الشيطان الأكبر " ، فى وقت تنتشر فيه قوات الاحتلال الأمريكى على مقربة من الشواطئ الإيرانية فى الخليج . ونتيجة تنامى الوجود الإيرانى فى الخاصرة الضعيفة للولايات المتحدة ، وحديقتها الخلفية ، تتوافر لإيران بفعل ذلك المتغير، ومن الناحية الاستراتيجية ، وفى ضوء المستجدات ، القدرة على فتح قنوات تفاوض وحوار مع الأمريكيين ، خاصة فى ظل إدارة أوباما ، من موقع كونها أصبحت صاحبة نفوذ عند جيران أمريكا اللاتينيين ، لاسيما وأن هناك توزيعاً ضمنياً للمصالح ، ومناطق النفوذ ، بين الدولتين ، فى كل من الشرق الأوسط ، وأمريكا اللاتينية .
كما تسبب تنامى الوجود الإيرانى فى أمريكا اللاتينية فى إثارة القلق والمخاوف الصهيونية ، وليس الأمريكية وحدها . وبصرف النظر عن مصداقية ما ورد فى مقالة حديثة للخبير الاستراتيجى الإسرائيلى ، ايلى كرمون ، الباحث فى " المعهد الدولى لمواجهة الإرهاب " ، فى هرتسليا ، من عدمها ، فقد ربطت المقالة بين قضية الاختراقات الإيرانية الناجحة لبعض الدول فى أمريكا اللاتينية ، والتمدد الإيرانى فى الحديقة الخلفية للولايات المتحدة ، وبين استغلال " حزب الله اللبنانى " للسجادة الإيرانية فى تلك المنطقة ، لتعميق نفوذه السياسى والاقتصادى والايديولوجى بين العرب ، والمسلمين الموجودين فى العديد من الدول اللاتينية .
كما استغلت إيران بشكل كبير مشاعر الغضب والإحباط السائدين فى أوساط الشعوب اللاتينية من السياسات الأمريكية تجاه هذه البلدان ، والاستغلال الذى وقع عليها تاريخياً ، بفعل الإدارات الأمريكية المتعاقبة ، إما من خلال المشاركة فى دعم انقلاب عسكرى، أو اختراق مخابراتى، أو استغلال لثرواتها الطبيعية والمعدنية من قبل شركاتها العملاقة.
ويبدو أن الإدارة الأمريكية الحالية تدرك مخاطر ، ومحاذير ترك أمريكا اللاتينية لقمة سائغة لإيران ، وبحيرة بشرية لتمدد نفوذها ، لاسيما وأن القيادة الإيرانية الحالية مسلحة بالمساعدات الاقتصادية ، والرؤية الاستراتيجية لاختراق مناطق النفوذ الأمريكية فى فنائها الخلفى ، خاصة وأن إدارة بوش الابن السابقة ، استخدمت لغة استعلائية ، واتبعت استراتيجية العزل والمضايقة ، والتدخل فى الشأن الداخلى لبعض هذه الدول ، والتلويح بالحروب الإستباقية ، لاسيما بعد وصول أحزاب ونخب يسارية إلى الحكم ، أظهرت توجهات معادية لأمريكا ، فى تصريحات مسئوليها ، وقادتها السياسيين . وهذا ما أشارت إليه وزيرة الخارجية الأمريكية ، هيلارى كلينتون ، وأكدت عليه ، فى لقاء فى وزارة الخارجية، مع العاملين فى السلك الدبلوماسى والعلاقات الخارجية ، حيث تم التأكيد على أن غياب الدور الأمريكى الفاعل، ذى الصبغة التعاونية مع دول وشعوب أمريكا اللاتينية ، قد استغل من قبل إيران ، والصين ، وروسيا ، بحيث تحركت الدول الثلاث ضمن استراتيجية مدروسة ، لتوثيق الصلات مع الدول اللاتينية، من خلال القيام بالنشاطات الاقتصادية والسياسية والثقافية، وحتى العسكرية المشتركة .
وخلاصة القول ، يمكن اعتبار الصراع الأمريكى – الإيرانى على مناطق النفوذ فى أمريكا اللاتينية ، " معادلة صفرية " ، بمعنى أن أى إنجاز إيرانى ، أو روسى ، أو صينى ، فى هذه المنطقة القريبة من البوابات الجنوبية للولايات المتحدة ، يعد خسارة أمريكية كبيرة بامتياز .
وعلى سبيل المثال ، وفى مدينة " سيودا دل لستى " ، الواقعة على مثلث حدودى يجمع الأرجنتين ، مع البرازيل والباراغواى، يتواجد 25 ألف مهاجر عربى قدموا من لبنان فى عام 1948 ، بعد النكبة ، وعام 1985 خلال الحرب اللبنانية ، وبسبب أهميتها الحدودية ، تحولت إلى مرتع " لحزب الله اللبنانى " و"حركة حماس " ، كما ترى الولايات المتحدة . ولهذا ، ذهب وزير الدفاع الأمريكى ، روبرت غيتس ، مجدداً ، إلى التحذير من النفوذ الإيرانى ، انطلاقا من تلك المدينة نحو وسط وجنوب أمريكا اللاتينية . كما تحدث الأدميرال البحرى ، وقائد الجيش الأمريكى فى الجنوب ، جيمس ستافيرتس ، عن تدخل إيرانى فى المنطقة الحدودية الموازية لكولومبيا ، من خلال دعم عمليات عسكرية هناك . ومن المعروف أن العمليات الإيرانية ليست جديدة فى القارة ، ففى عامى 1992، و1994 ، وحسب روايات أمريكية وصهيونية ، قام حزب الله بتفجير السفارة الإسرائيلية فى العاصمة الأرجنتينية . وفى عام 2006 ، اتهم المحققون فى الأرجنتين إيران بذلك كرد على انسحاب الأرجنتين الأحادى الجانب من معاهدة تصدير المعدات التكنولوجية النووية . ومن المعلوم ، أن إيران افتتحت 6 سفارات فى أمريكا الجنوبية منذ عام 2004 ، وهو الأمر الذى اعتبرته واشنطن" تعزيزاً لشبكة إيران الأمنية فى تلك القارة " .
ووفق مصادر إعلامية وصحافية أمريكية ، ذهبت إلى حد الادعاء ، فى نهاية العام 2008 ، بأن وزير خارجية دولة باراغواى ، اليخاندرو حامد فرانكو ، من المؤيدين والممولين لنشاطات حزب الله اللبنانى فى أمريكا اللاتينية . وقد جاء فى مقال تحليلى فى جريدة " لوس انجلس تايمز " أن هناك تغلغلاً إيرانياً صينياً روسياً يتسع يوماً بعد يوم تحت الأنف الأمريكى . وثمة مزاعم عن تواجد لحزب الله فى فنزويلا ، ولجمع أموال لصالحه . فى نوفمبر 2008 ، اجتمعت وزيرة الخارجية الإسرائيلية ، تسيبى ليفنى ، مع نظيرها السلفادورى ، حيث عبرت فى اللقاء ، عن قلقها الشديد من التمدد الإيرانى فى أمريكا اللاتينية ، إذ تحولت المنطقة إلى بيئة خصبة لنشر الفكر والايديولوجية الإيرانية . كما أن صحيفة " جيروزاليم بوست " أثارت العديد من علامات الاستفهام حول التواجد الإيرانى المتزايد فى أمريكا اللاتينية ، حيث تحولت المنطقة إلى قاعدة خصبة أمام الفوذ السياسى والاقتصادى الإيرانى . أما وزير الخارجية الصهيونى ، أفيغدور ليبرمان ، فقد دق ناقوس الخطر فى وزارة الخارجية الإسرائيلية ، حينما طلب من موظفى الوزارة ، التركيز أكثر على تعميق ، وتوطيد الصلات ، والعلاقات المثمرة مع أفريقيا وأمريكا اللاتينية ، بسبب تحولهما إلى مناطق نفوذ صديقة لإيران . ويعتقد ليبرمان أن الدولة العبرية يجب أن لا تستثمر فقط فى العلاقات الحميمة مع الولايات المتحدة وأوروبا ، وإنما عليها أيضاً توسيع دائرة الاهتمامات الإسرائيلية إلى دوائر جديدة فى العالم ، ومنها أفريقيا وأمريكا اللاتينية ، حيث الفقر وقلة التنمية ، والأسواق الناشئة .
وتواصل الدولة العبرية معركتها ، وحملتها العالمية على جميع الجبهات ، فى محاولة للحد من انتشار النفوذ الإيرانى فى مناطق مختلفة من العالم . وفى هذا السياق ن قالت صحيفة " هآرتس " العبرية ، أن الكيان الصهيونى وكولومبيا تسعيان إلى بلورة حلف استراتيجى بينهما لمواجهة النشاط الإيرانى الواسع فى القارة اللاتينية ، حيث أن المدير العام لوزارة الأمن الإسرائيلية ، أودى شانى ، زار العاصمة الكولومبية ، بوغوتا ، مبعوثاً من أيهود باراك ، حيث التقى القيادتين الأمنية والسياسية فى البلاد ، وبهدف تعزيز العلاقات الأمنية بين البلدين ، فى ظل النشاط الواسع لجهات لبنانية وأخرى موالية لإيران فى أمريكا الجنوبية ، والعلاقة الوثيقة بين إيران وفنزويلا ، الجارة الخصم لكولومبيا . ومما له صلة ، أكدت دراسة إسرائيلية ، أعدت من قبل ما يسمى بمركز مكافحة الإرهاب ، أن إيران رسخت وجودها السياسى والاقتصادى فى القارة ، وتستغله للقيام بحملات تشيع ، وتصدير الثورة الإسلامية ، مما يشكل تحدياً للولايات المتحدة ، كما تقيم إيران بنى تحتية استخباراتية ، وإرهابية وإجرامية ، بواسطة حزب الله ، ووجود سكان مسلمين ، بعضهم شيعة لبنانيون يقطنون فى بلدان رئيسية فى أمريكا اللاتينية ، ويشكلون رافعة لتطوير المصالح الإيرانية . وفى المنظور الصهيونى ، تخسر إسرائيل كثيراً من تنامى العلاقة بين إيران والدول اللاتينية . ويجمع كثير من المحللين والخبراء الاستراتيجيين الإسرائيليين على مدى هشاشة التواجد الأمريكى فى أمريكا اللاتينية ، وتراجع الدور الأمريكى هناك ، مفسحاً المجال أمام التمدد الإيرانى . ولذلك يسعى الكيان الصهيونى لاستعادة دعم وتأييد دول القارة ، بطرق مختلفة ، تبدأ من إبرام صفقات سياسية ، إلى عرض مساعدات إسرائيلية فى مجالات مختلفة ، بحسب ظروف كل دولة ، والهدف الوحيد من ذلك هو الحصول على موقف داعم للسياسة الإسرائيلية ضد البرنامج النووى الإيرانى ، الذى تراه إسرائيل موجها ضدها فى المقام الأول .وبالتالى ، فإن الهواجس التى تؤرق العقل الاستراتيجى الإسرائيلى تتجسد فيما كشفته وثيقة رسمية إسرائيلية ، نشرت فى 27 مايو 2009 ، إذ يشتبه بأن فنزويلا وبوليفيا زودتا إيران باليورانيوم . كما استغلت إيران المواقف الجديدة للإدارة الأمريكية ، لترسل مسئولين من وزارة الخارجية ، منهم مساعد وزير الخارجية ، إلى كولومبيا فى فبراير 2009 ، ثم وزير الخارجية ، منوشهر متكى، إلى المكسيك ، فى ابريل التالى ، من أجل العلاقات الاقتصادية .
ثالثاً : رؤية ختامية
فى ضوء مجمل العرض ، والتحليل السابق ، يتبين بجلاء هيمنة العامل والبعد السياسى والايديولوجى، لكون إيران فى حالة حرب باردة مع العالم الغربى ، والولايات المتحدة ، وسياساتها فى الغطرسة والهيمنة .
لذلك نجد إيران ، التى تعتبر أن إقرار المزيد من التعاون ودول أمريكا اللاتينية فى شتى المجالات هو إحدى أولويات سياستها، تسعى للاستفادة القصوى من قدراتها ، وطاقاتها الاقتصادية ، لكسب أصدقاء وحلفاء فى أمريكا اللاتينية وكذلك فى أفريقيا ، وتوظيف تنامى هذه العلاقات لكسر العزلة السياسية والدبلوماسية ، والدعم السياسى فى المنظمات الدولية . ويبقى التساؤل المركزى: أين النظام الرسمى العربى من كل ذلك ؟ لماذا لم يتم الاستفادة من قمتى العرب ودول أمريكا اللاتينية على النحو الأمثل ؟ ولماذا لم يتم البحث عن القواسم المشتركة مع إيران فى هذا الشأن ؟ وهل علاقات التبعية لكثير من مكونات هذا النظام مع الولايات المتحدة ، تحت مسمى التحالف الاستراتيجى ؟ ولماذا دأب الإعلام العربى على وصف قيادات اليسار الجديد فى أمريكا اللاتينية ، وبخاصة تشافيز ، بالشعبوية ؟ تساؤلات عديدة بحاجة ملحة لإجابات ضافية !! .
الجزء الأول.
الكاتب د. السيد عوض عثمان
-------------------------
فى السياق الاشمل ، ومن الناحية التاريخية والاستراتيجية ، يمكن القول بأنه منذ الثورة الإيرانية عام 1979، وعلى أساس أيديولوجى ، ورغم التمايز بين المكون الإسلامى، والماركسى ، ارتبطت الجمهورية الإسلامية فى إيران بعلاقات أيديولوجية ومصلحية ، فى آن واحد ، مع كوبا كاسترو، بحيث توطدت ، وتعمقت هذه العلاقة بشكل كبير فى فترة ما بعد انتهاء الحرب العراقية – الإيرانية ، فى نهاية الثمانينات من القرن الفائت ، إذ كانت حركة عدم الانحياز هى المظلة التى استظلت تحتها كلتا الدولتين فى معركتهما السياسية والأيديولوجية ، ضد التوزيع الظالم للقوة فى العالم ، والامتعاض والاستنكار الإيرانى لسياسة الحصار الشامل الذى فرضته الإدارات الأمريكية المتعاقبة على الثورة الكوبية ، التى جسدت مطلباً وحاجة جماهيرية ، منذ عام 1962 ، ومحاولة خنق هذه الثورة . وتوفرت إرادة سياسية للاستفادة من الإمكانيات المتاحة بين إيران وكوبا ، خاصة فى المجال الطبى والصحى للتعاون المشترك ، أو فى بلد ثالث .
ثانياً : تطورات ومحددات تنامي علاقات إيران بدول أمريكا اللاتينية
وفى تطور لاحق ، حصلت كوبا ، القلعة الشيوعية الحصينة فى مواجهة الولايات المتحدة فى بحر الكاريبى ، على استثمارات إيرانية فى مشروعات للبنية الأساسية والإنشاءات ، وتفاوضت على عقود لتوريد تكنولوجيا طبية لإيران ، وما أبدته إيران من استعداد للإسهام فى كوبا بخبراتها فى مجال الكشف عن البترول فى المياه العميقة ، كما أبرزت إمكان زيادة الاستثمارات فى العديد من القطاعات بعد إبرام اتفاق عام 2007 ، للامتيازات الجمركية بين البلدين . وقد فرضت سياسة إيران فى فترة ما بعد العام 1979، القائمة على أساس سياسة عدم الانحياز فى السياسة الدولية ، بحيث دفعها هذا التوجه السياسى الجديد ، خلافاً لحقبة الشاه ، لنهج استراتيجية توسيع دائرة الأصدقاء ، وتضييق دائرة الأعداء فى دول العالم الثالث ، ومنها الدول اللاتينية ، والآسيوية ، والأفريقية .
وساهمت سياسة الولايات المتحدة الأمريكية – الحليف الاستراتيجى للكيان الصهيونى ، ومواقف الثورة الإيرانية من هذا الكيان- المعلنة لاحتواء إيران ، والتضييق عليها ، وعزلها تماماً عن شرايين النظام الدولى ، سياسياً واقتصادياً وتكنولوجياً وثقافياً ، فى دفع إيران إلى بذل مجهود ، وحركة دبلوماسية نشطة وفاعلة ، تستهدف فتح قنوات اتصال وتواصل مع هذه البلدان ، التى برهن بعضها على عدائيته لأمريكا أكثر من العداء الإيرانى التاريخى للسياسات الأمريكية فى الخليج العربى ، والشرق الأوسط . فاستراتيجياً سعت إيران إلى كسر العزلة المفروضة عليها أمريكياً وأوروبياً ، من خلال توطيد منظومة العلاقات مع دول أمريكا اللاتينية فى مختلف الأصعدة . وعلى خلفية النظر إلى حقيقة أن إيران لم تعد دولة عادية ، كباقى دول العالم ، حيث أمست قوة إقليمية لا يستهان بها ، ودولة مثيرة للجدل ، بسياستها الخارجية ، وكثافة تفاعلات هذه السياسة ، بحيث لم تعد إيران تكتفى بمحيطها الإقليمى ، بل صارت تسعى لتوطيد علاقاتها مع كل العالم ، لمحددات متعددة ،منها ما ينبع من البيئة الإقليمية ، وأخرى من البيئة الدولية ، أو من البعد الايديولوجى ، وطبيعة القيادة ، والمصلحة القومية ، التى تؤثر فى عملية صنع السياسة الخارجية ، توسعت دائرة العلاقات الإيرانية الإيجابية مع العالم الخارجى ، بوصول رئيس إصلاحى على شاكلة الرئيس محمد خاتمى ، فى العام 1997، وأحسنت الدبلوماسية الإيرانية الاستفادة من سمات ، ومميزات شخصية خاتمى الإصلاحية المعتدلة ، واعتماده لغة عالمية ، ومصطلحات تقوم على أساس التقارب بين البشر، من خلال حوار حضارات البشرية ، وتلاقى الثقافات الإنسانية ، وتوظيف ذلك لخدمة أهداف السياسة الخارجية الإيرانية ، خاصة فى بلدان العالم الثالث ، لجهة الحصول على الدعم السياسى لإيران فى المحافل الدولية ، مثل الأمم المتحدة ، والوكالة الدولية للطاقة الذرية ، خاصة فيما يتعلق بطموح إيران النووى.
ومنذ وصول نجاد لسدة الحكم ، ومن منظوره الاستراتيجى ، وفى سياق التحول فى أهداف السياسة الخارجية الإيرانية ، من مجرد محاولة مواجهة الظروف المحلية الطارئة ، وتلبية الحاجات فى ظل معطيات الوضع القائم ، إلى محاولة التعرف على المناخ الدولى المحيط ، وتهيئته بما يحقق أكبر قدر ممكن من المصالح الإيرانية ، أى الانتقال من التسليم بالواقع ، إلى تغييره بما يخدم المصالح الإيرانية، سعى منذ البداية إلى تحقيق أهداف إضافية أخرى من وراء استراتيجية التقارب مع أمريكا اللاتينية ، وتوثيق الصلات مع حكوماتها ، وشعوبها على حد سواء ، فى المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية ، وفى ميادين أخرى شتى . ومن هذه الأهداف : الرغبة الشديدة فى الحصول على دعم دول أمريكا اللاتينية ، ومساندتها لمواجهة الضغوط الأمريكية والأوروبية الممارسة على إيران لوقف مشروعها فى اكتساب التقنية النووية ، وتطوير القدرات النووية للأغراض السلمية . وفى هذا السياق يتوجب التذكير بأن فنزويلا ن وكوبا ، وسورية هى من الدول التى صوتت لصالح إيران ، وبرنامجها النووى داخل أروقة الوكالة الدولية للطاقة الذرية ، فى فبراير 2006، عندما أصدرت الوكالة قراراً يقضى بإرسال ملف إيران إلى مجلس الأمن الدولى ، لحمل إيران على إيقاف أنشطتها النووية المتعلقة بتخصيب اليورانيوم ، ودعم فنزويلا حق طهران فى استخدام التقنية النووية فى المجالات المدنية . كما سعى نجاد إلى توظيف المناخ المعادى للسياسات الأمريكية فى دول أمريكا اللاتينية ، وهى المجال الحيوى ، ومنطقة النفوذ التقليدية للولايات المتحدة ، حيث استغلت إيران تململ الشعوب من سياسات واشنطن " الامبريالية والاستعمارية والاستغلالية " ، لفرز حكومات ، ونخب يسارية معادية لأمريكا والكيان الصهيونى .
ومما لاشك فيه ، أن من بين حصاد هذا التطور قيام فنزويلا بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع الكيان الصهيونى، احتجاجاً على حربها على غزة. وتعكس التفاعلات السياسية على مستوى القمة مدى درجة تنامى العلاقات بين إيران وأمريكا اللاتينية , ويكفى فى هذا الصدد ، رصد أن نجاد منذ ولايته الأولى عام 2005، قام بزيارة هذه القارة ثلاث مرات : الأولى كانت لفنزويلا ، فى يوليو 2007 ، والثانية لكل من فنزويلا ونيكاراجوا والأكوادور ، فى سبتمبر من نفس العام ، والثالثة كانت لفنزويلا وبوليفيا ، فى اكتوبر 2007 . بالمقابل ، استقبل نجاد فى طهران قيادات اليسار البارزة ، تشافيز ، موراليس ، دانييل أورتيجا ، كورييا ، لولا دى سيلفا . وربما حاولت إيران ، من خلال تعزيز نفوذها السياسى ، وتطوير مصالحها الاقتصادية فى الحديقة الخلفية للولايات المتحدة ، تحقيق توازن مع عدوها " الشيطان الأكبر " ، فى وقت تنتشر فيه قوات الاحتلال الأمريكى على مقربة من الشواطئ الإيرانية فى الخليج . ونتيجة تنامى الوجود الإيرانى فى الخاصرة الضعيفة للولايات المتحدة ، وحديقتها الخلفية ، تتوافر لإيران بفعل ذلك المتغير، ومن الناحية الاستراتيجية ، وفى ضوء المستجدات ، القدرة على فتح قنوات تفاوض وحوار مع الأمريكيين ، خاصة فى ظل إدارة أوباما ، من موقع كونها أصبحت صاحبة نفوذ عند جيران أمريكا اللاتينيين ، لاسيما وأن هناك توزيعاً ضمنياً للمصالح ، ومناطق النفوذ ، بين الدولتين ، فى كل من الشرق الأوسط ، وأمريكا اللاتينية .
كما تسبب تنامى الوجود الإيرانى فى أمريكا اللاتينية فى إثارة القلق والمخاوف الصهيونية ، وليس الأمريكية وحدها . وبصرف النظر عن مصداقية ما ورد فى مقالة حديثة للخبير الاستراتيجى الإسرائيلى ، ايلى كرمون ، الباحث فى " المعهد الدولى لمواجهة الإرهاب " ، فى هرتسليا ، من عدمها ، فقد ربطت المقالة بين قضية الاختراقات الإيرانية الناجحة لبعض الدول فى أمريكا اللاتينية ، والتمدد الإيرانى فى الحديقة الخلفية للولايات المتحدة ، وبين استغلال " حزب الله اللبنانى " للسجادة الإيرانية فى تلك المنطقة ، لتعميق نفوذه السياسى والاقتصادى والايديولوجى بين العرب ، والمسلمين الموجودين فى العديد من الدول اللاتينية .
كما استغلت إيران بشكل كبير مشاعر الغضب والإحباط السائدين فى أوساط الشعوب اللاتينية من السياسات الأمريكية تجاه هذه البلدان ، والاستغلال الذى وقع عليها تاريخياً ، بفعل الإدارات الأمريكية المتعاقبة ، إما من خلال المشاركة فى دعم انقلاب عسكرى، أو اختراق مخابراتى، أو استغلال لثرواتها الطبيعية والمعدنية من قبل شركاتها العملاقة.
ويبدو أن الإدارة الأمريكية الحالية تدرك مخاطر ، ومحاذير ترك أمريكا اللاتينية لقمة سائغة لإيران ، وبحيرة بشرية لتمدد نفوذها ، لاسيما وأن القيادة الإيرانية الحالية مسلحة بالمساعدات الاقتصادية ، والرؤية الاستراتيجية لاختراق مناطق النفوذ الأمريكية فى فنائها الخلفى ، خاصة وأن إدارة بوش الابن السابقة ، استخدمت لغة استعلائية ، واتبعت استراتيجية العزل والمضايقة ، والتدخل فى الشأن الداخلى لبعض هذه الدول ، والتلويح بالحروب الإستباقية ، لاسيما بعد وصول أحزاب ونخب يسارية إلى الحكم ، أظهرت توجهات معادية لأمريكا ، فى تصريحات مسئوليها ، وقادتها السياسيين . وهذا ما أشارت إليه وزيرة الخارجية الأمريكية ، هيلارى كلينتون ، وأكدت عليه ، فى لقاء فى وزارة الخارجية، مع العاملين فى السلك الدبلوماسى والعلاقات الخارجية ، حيث تم التأكيد على أن غياب الدور الأمريكى الفاعل، ذى الصبغة التعاونية مع دول وشعوب أمريكا اللاتينية ، قد استغل من قبل إيران ، والصين ، وروسيا ، بحيث تحركت الدول الثلاث ضمن استراتيجية مدروسة ، لتوثيق الصلات مع الدول اللاتينية، من خلال القيام بالنشاطات الاقتصادية والسياسية والثقافية، وحتى العسكرية المشتركة .
وخلاصة القول ، يمكن اعتبار الصراع الأمريكى – الإيرانى على مناطق النفوذ فى أمريكا اللاتينية ، " معادلة صفرية " ، بمعنى أن أى إنجاز إيرانى ، أو روسى ، أو صينى ، فى هذه المنطقة القريبة من البوابات الجنوبية للولايات المتحدة ، يعد خسارة أمريكية كبيرة بامتياز .
وعلى سبيل المثال ، وفى مدينة " سيودا دل لستى " ، الواقعة على مثلث حدودى يجمع الأرجنتين ، مع البرازيل والباراغواى، يتواجد 25 ألف مهاجر عربى قدموا من لبنان فى عام 1948 ، بعد النكبة ، وعام 1985 خلال الحرب اللبنانية ، وبسبب أهميتها الحدودية ، تحولت إلى مرتع " لحزب الله اللبنانى " و"حركة حماس " ، كما ترى الولايات المتحدة . ولهذا ، ذهب وزير الدفاع الأمريكى ، روبرت غيتس ، مجدداً ، إلى التحذير من النفوذ الإيرانى ، انطلاقا من تلك المدينة نحو وسط وجنوب أمريكا اللاتينية . كما تحدث الأدميرال البحرى ، وقائد الجيش الأمريكى فى الجنوب ، جيمس ستافيرتس ، عن تدخل إيرانى فى المنطقة الحدودية الموازية لكولومبيا ، من خلال دعم عمليات عسكرية هناك . ومن المعروف أن العمليات الإيرانية ليست جديدة فى القارة ، ففى عامى 1992، و1994 ، وحسب روايات أمريكية وصهيونية ، قام حزب الله بتفجير السفارة الإسرائيلية فى العاصمة الأرجنتينية . وفى عام 2006 ، اتهم المحققون فى الأرجنتين إيران بذلك كرد على انسحاب الأرجنتين الأحادى الجانب من معاهدة تصدير المعدات التكنولوجية النووية . ومن المعلوم ، أن إيران افتتحت 6 سفارات فى أمريكا الجنوبية منذ عام 2004 ، وهو الأمر الذى اعتبرته واشنطن" تعزيزاً لشبكة إيران الأمنية فى تلك القارة " .
ووفق مصادر إعلامية وصحافية أمريكية ، ذهبت إلى حد الادعاء ، فى نهاية العام 2008 ، بأن وزير خارجية دولة باراغواى ، اليخاندرو حامد فرانكو ، من المؤيدين والممولين لنشاطات حزب الله اللبنانى فى أمريكا اللاتينية . وقد جاء فى مقال تحليلى فى جريدة " لوس انجلس تايمز " أن هناك تغلغلاً إيرانياً صينياً روسياً يتسع يوماً بعد يوم تحت الأنف الأمريكى . وثمة مزاعم عن تواجد لحزب الله فى فنزويلا ، ولجمع أموال لصالحه . فى نوفمبر 2008 ، اجتمعت وزيرة الخارجية الإسرائيلية ، تسيبى ليفنى ، مع نظيرها السلفادورى ، حيث عبرت فى اللقاء ، عن قلقها الشديد من التمدد الإيرانى فى أمريكا اللاتينية ، إذ تحولت المنطقة إلى بيئة خصبة لنشر الفكر والايديولوجية الإيرانية . كما أن صحيفة " جيروزاليم بوست " أثارت العديد من علامات الاستفهام حول التواجد الإيرانى المتزايد فى أمريكا اللاتينية ، حيث تحولت المنطقة إلى قاعدة خصبة أمام الفوذ السياسى والاقتصادى الإيرانى . أما وزير الخارجية الصهيونى ، أفيغدور ليبرمان ، فقد دق ناقوس الخطر فى وزارة الخارجية الإسرائيلية ، حينما طلب من موظفى الوزارة ، التركيز أكثر على تعميق ، وتوطيد الصلات ، والعلاقات المثمرة مع أفريقيا وأمريكا اللاتينية ، بسبب تحولهما إلى مناطق نفوذ صديقة لإيران . ويعتقد ليبرمان أن الدولة العبرية يجب أن لا تستثمر فقط فى العلاقات الحميمة مع الولايات المتحدة وأوروبا ، وإنما عليها أيضاً توسيع دائرة الاهتمامات الإسرائيلية إلى دوائر جديدة فى العالم ، ومنها أفريقيا وأمريكا اللاتينية ، حيث الفقر وقلة التنمية ، والأسواق الناشئة .
وتواصل الدولة العبرية معركتها ، وحملتها العالمية على جميع الجبهات ، فى محاولة للحد من انتشار النفوذ الإيرانى فى مناطق مختلفة من العالم . وفى هذا السياق ن قالت صحيفة " هآرتس " العبرية ، أن الكيان الصهيونى وكولومبيا تسعيان إلى بلورة حلف استراتيجى بينهما لمواجهة النشاط الإيرانى الواسع فى القارة اللاتينية ، حيث أن المدير العام لوزارة الأمن الإسرائيلية ، أودى شانى ، زار العاصمة الكولومبية ، بوغوتا ، مبعوثاً من أيهود باراك ، حيث التقى القيادتين الأمنية والسياسية فى البلاد ، وبهدف تعزيز العلاقات الأمنية بين البلدين ، فى ظل النشاط الواسع لجهات لبنانية وأخرى موالية لإيران فى أمريكا الجنوبية ، والعلاقة الوثيقة بين إيران وفنزويلا ، الجارة الخصم لكولومبيا . ومما له صلة ، أكدت دراسة إسرائيلية ، أعدت من قبل ما يسمى بمركز مكافحة الإرهاب ، أن إيران رسخت وجودها السياسى والاقتصادى فى القارة ، وتستغله للقيام بحملات تشيع ، وتصدير الثورة الإسلامية ، مما يشكل تحدياً للولايات المتحدة ، كما تقيم إيران بنى تحتية استخباراتية ، وإرهابية وإجرامية ، بواسطة حزب الله ، ووجود سكان مسلمين ، بعضهم شيعة لبنانيون يقطنون فى بلدان رئيسية فى أمريكا اللاتينية ، ويشكلون رافعة لتطوير المصالح الإيرانية . وفى المنظور الصهيونى ، تخسر إسرائيل كثيراً من تنامى العلاقة بين إيران والدول اللاتينية . ويجمع كثير من المحللين والخبراء الاستراتيجيين الإسرائيليين على مدى هشاشة التواجد الأمريكى فى أمريكا اللاتينية ، وتراجع الدور الأمريكى هناك ، مفسحاً المجال أمام التمدد الإيرانى . ولذلك يسعى الكيان الصهيونى لاستعادة دعم وتأييد دول القارة ، بطرق مختلفة ، تبدأ من إبرام صفقات سياسية ، إلى عرض مساعدات إسرائيلية فى مجالات مختلفة ، بحسب ظروف كل دولة ، والهدف الوحيد من ذلك هو الحصول على موقف داعم للسياسة الإسرائيلية ضد البرنامج النووى الإيرانى ، الذى تراه إسرائيل موجها ضدها فى المقام الأول .وبالتالى ، فإن الهواجس التى تؤرق العقل الاستراتيجى الإسرائيلى تتجسد فيما كشفته وثيقة رسمية إسرائيلية ، نشرت فى 27 مايو 2009 ، إذ يشتبه بأن فنزويلا وبوليفيا زودتا إيران باليورانيوم . كما استغلت إيران المواقف الجديدة للإدارة الأمريكية ، لترسل مسئولين من وزارة الخارجية ، منهم مساعد وزير الخارجية ، إلى كولومبيا فى فبراير 2009 ، ثم وزير الخارجية ، منوشهر متكى، إلى المكسيك ، فى ابريل التالى ، من أجل العلاقات الاقتصادية .
ثالثاً : رؤية ختامية
فى ضوء مجمل العرض ، والتحليل السابق ، يتبين بجلاء هيمنة العامل والبعد السياسى والايديولوجى، لكون إيران فى حالة حرب باردة مع العالم الغربى ، والولايات المتحدة ، وسياساتها فى الغطرسة والهيمنة .
لذلك نجد إيران ، التى تعتبر أن إقرار المزيد من التعاون ودول أمريكا اللاتينية فى شتى المجالات هو إحدى أولويات سياستها، تسعى للاستفادة القصوى من قدراتها ، وطاقاتها الاقتصادية ، لكسب أصدقاء وحلفاء فى أمريكا اللاتينية وكذلك فى أفريقيا ، وتوظيف تنامى هذه العلاقات لكسر العزلة السياسية والدبلوماسية ، والدعم السياسى فى المنظمات الدولية . ويبقى التساؤل المركزى: أين النظام الرسمى العربى من كل ذلك ؟ لماذا لم يتم الاستفادة من قمتى العرب ودول أمريكا اللاتينية على النحو الأمثل ؟ ولماذا لم يتم البحث عن القواسم المشتركة مع إيران فى هذا الشأن ؟ وهل علاقات التبعية لكثير من مكونات هذا النظام مع الولايات المتحدة ، تحت مسمى التحالف الاستراتيجى ؟ ولماذا دأب الإعلام العربى على وصف قيادات اليسار الجديد فى أمريكا اللاتينية ، وبخاصة تشافيز ، بالشعبوية ؟ تساؤلات عديدة بحاجة ملحة لإجابات ضافية !! .
الجزء الأول.
الكاتب د. السيد عوض عثمان