صفحة 1 من 1

أزمة الدول العربية المعاصرة: الديموقراطية، التنمية، الفساد

مرسل: الأحد ديسمبر 25, 2011 6:48 pm
بواسطة فهد منيف الشيباني 1
في اطار تحولات الدول العربية وتغيرات النظم تمر الدولة العربية المعاصرة في ازمة عميقة لا شك فيها. ولو شئنا ان نلخص اسباب الازمة في معادلة واحدة لقلنا انها بسبب اشتداد مطالب الداخل وعنف ضغوط الخارج! ومن المنطقي أن يثار منذ البداية تساؤل: هل يمكن الحديث عن الدول العربية المعاصرة على سبيل التجريد، وبدون الالتفات الى الفروق الجسيمة احيانا بين دولة عربية واخرى من زاوية الموارد الاقتصادية، وعدد السكان، ونوعية الطبقات الاجتماعية، ودرجة النضج الثقافي، وقبل ذلك كله طبيعة النظام السياسي؟

نزعم ان ذلك يمكن على اساس ان موجات التغير الكونية العارمة التي اكتسحت العالم وخصوصا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وانهيار النظام الدولي الثنائي القطب وبروز النظام الدولي الاحادي القطب الذي تتزعمه منفردة الولايات المتحدة، وهبوب عاصفة العولمة التي اقتلعت ممارسات قديمة متعددة، كل هذه العوامل محت الى حد كبير الفروق بين الدول.

بعبارة اخرى ادت ثورة الاتصالات الكبرى وخصوصا البث التلفزيوني الفضائي وشبكة الانترنت على ثورة في مجال الاتصال بين البشر واصبحت قوى المعارضة في اكثر الدول العربية تقليدية قادرة على اجتياز حواجز القهر السياسي والرقابة العنيفة التي تتواصل مع جماهيرها في الداخل والخارج من خلال مواقع الكترونية لها مكانها الثابت على شبكة الانترنت، ومن ثم تمارس بث خطابها النقدي للنظم السياسية السائدة مما من شأنه ان يغير الوعي الاجتماعي السائد، ويزعزع قواعد الاستبداد الراسخة.

ومن ناحية اخرى فموجات العولمة المتدفقة لم تعد تعنيها الفروق بين الدول، وما اذا كانت متخلفة ام متقدمة، فقيرة ام غنية، فقد أمست مؤسساتها وخاصة الاقتصادية، وعلى رأسها منظمة التجارة العالمية، تريد ان تفرض قوانينها الملزمة على كل الدول، ومن لا يخضع لها فالعقوبات الاقتصادية جاهزة التطبيق.

التحدي والاستجابة

ومما لا شك فيه ان اشتداد عنف مطالب الداخل كان يمثل مثيرات على الدولة العربية المعاصرة ان تستجيب لها، باعادة صياغة رؤيتها للسياسة والحكم، ورسم الخطط الاقتصادية الكفيلة بتحقيق مطالب الحد الادنى للشعوب التي تغرق جماهيرها العريضة في محيط الفقر، في الوقت الذي يسبح فيه اعضاء النخب السياسية الحاكمة في الترف نتيجة لاستئثارها بالنصيب الأكبر من الدخل القومي، بالاضافة الى العائد من الصفقات المتنوعة، واموال العمولات والسمسرة، وكل ضروب الفساد.

وفي تقديرنا ان عجز الدولة العربية المعاصرة عن اعادة صياغة رؤيتها للسياسة والحكم يمثل الفشل الاكبر، ذلك ان النخب السياسية الحاكمة مهما تباينت انماطها في نظم ملكية او جمهورية لم تدرك انه آن أوان توسيع اطار دائرة الحكم، واشراك عناصر جديدة من النخب العربية المثقفة في الدائرة وعدم استئثار افراد الاسر المالكة او اعضاء الحزب الحاكم بكل مناصب الدولة، اعتمادا على قاعدة الثقة والولاء وليس الكفاية والتخصص.

وفي هذا المجال حاولت بعض الدول ادخال تعديلات شكلية حقا على نظام الحكم، سواء باستحداث مجالس شورى معينة مع توسيع قاعدتها لتضم عدداً من الاكاديميين والمتخصصين الذين لا ينتمون بالضرورة لدوائر الحكم التقليدية، او بضم بعض المتخصصين غير الحزبيين في الحكومات الحزبية التي يشكلها الحزب الحاكم والذي عادة ما يكون الحزب الاوحد بحكم غياب التعددية الحزبية الحقيقية. وفي بعض الحالات النادرة كما هي الحال في المغرب على سبيل المثال وصل ابداع النظم الى اختراع نظرية التوالي السياسي بدعوة المعارضة ذاتها لتشكيل الحكومة، فاذا فشلت في حل المشكلات الجسيمة التي خلقها النظام طوال عقود من السنين تمت اقالة حكومة المعارضة، كما حدث في وزارة الاتحاد الاشتراكي في المغرب، وأعيد تشكيل الوزارة وفقا للقواعد التقليدية!

ومعنى ذلك ان الدولة العربية المعاصرة ما زالت واقفة عند عتبة الديموقراطية ولا تريد ان تخطو الخطوات اللازمة لتغيير البنية السلطوية للنظام والشروع في تحرير المجتمع من رقابتها الخانقة. واسباب هذا التردد معروفة، وهي لا تتعلق بمجرد عناد اهل الحكم وعدم رغبتهم في التغيير، ولكن السبب الحقيقي انهم رتبوا امورهم منذ عشرات السنين على الاستئثار بعملية صنع القرار بغير مشاركة من احد، بالاضافة الى ان مواقعهم في السلطة سمحت لهم بالحصول على عوائد مالية مهولة، ادت الى تراكم ثرواتهم في الداخل والخارج. فكيف يتنازلون عن قدر من السلطة وكثير من موارد الثروة؟

غير ان المشكلة تحت ضغوط تحولات الدول وتغيرات النظم لم تعد ارادية، بل ان الضغوط الخارجية وخصوصا الضغوط الاميركية المعلنة، قد اسفرت عن وجهها الحقيقي في الآونة الاخيرة، والتي انضمت لها ضغوط الاتحاد الاوروبي وغيرهم من الدول الكبرى، مصممة على تغيير طبيعة الحكم في عديد من الدول العربية ملكية كانت ام جمهورية.

وفي ضوء ذلك قد يكون اجدى لأهل الحكم في العالم العربي، ان يقوموا بعملية حوار ديموقراطي واسعة المدى تشمل اطراف المعارضة والمثقفين وممثلي مؤسسات المجتمع المدني، لاعادة صياغة الحكم بصورة ديموقراطية تكفل توسيع اطر المشاركة السياسية، ورفع القيود أمام حركة المواطن، في ضوء احترام دقيق لمواثيق حقوق الانسان.

غير أن إعادة صياغة الحكم والسير في طريق الديموقراطية الطويل ليس سوى الخطوة الاولى الضرورية وإن كانت ليست كافية. فلا بد من اعادة صياغة السياسات الاقتصادية بما يكفل تحقيق مطالب التنمية البشرية المستدامة، في ظل صيغة واقعية لتحقيق العدالة الاجتماعية.

لذلك اذا كانت ضغوط الخارج على الدولة العربية المعاصرة تركز على الديموقراطية تحقيقاً لمصالح الدول الكبرى، والتي تظن أن توسيع اطار المشاركة السياسية سيجذب الشباب العربي الى عالم السياسة ويبعده عن الفكر المتطرف ومن ثم عن الارهاب فهم في الواقع واهمون! لأن اشتداد وطأة الفقر على الجماهير العربية العريضة، وارتفاع معدلات البطالة الى أرقام غير مسبوقة هي قنابل موقوتة لا يمكن لأي اجراءات ديموقراطية مهما كانت واسعة المدى أن تفككها. لا بد من سياسات اقتصادية جريئة تنبثق من رؤية استراتيجية متماسكة، وتقوم على أساس ترشيد عملية صنع القرار التنموي، ووقف عملية إهدار المال العام، ومحاربة الفساد ومحاكمة رموزه مهما علت مكانتهم في السلم الاجتماعي، وإقناع جماهير الشعب ان المال العام له حرمة لا بد أن تحترم، وأنه مخصص اساساً ليس لإثراء القلة من أهل الحكم على حساب الملايين وانما لكي يكون اداة ضرورية لتحقيق التنمية الاقتصادية.

ومما لا شك فيه أن ضغوط العولمة الاقتصادية والسياسية والثقافية تستدعي من الدولة الغربية المعاصرة الارتفاع الى مستوى التحدي، وتعبئة كل موارد المجتمع العلمية والفنية والاقتصادية لدخول حلبة المنافسة العالمية.

غياب المشروع البديل

واذا كنا أشرنا الى أبعاد أزمة الدولة العربية المعاصرة، فمما لا شك فيه أن المعارضة العربية غارقة ايضاً في مشكلة عجزها عن تقديم البدائل الواقعية من السياسات الحكومية المطبقة.

ويرجع هذا العجز الى اسباب شتى لعل أهمها جمود قيادات المعارضة العربية من وجهة النظر الايديولوجية، وتشبثهم بشعارات فات أوانها. لقد تغير العالم تغيرات جوهرية في العقود الماضية، ولو القينا نظرة مقارنة الى اهل الحكم والمعارضة معاً في عديد من الدول المتقدمة والنامية على السواء، لأدركنا أنهم دخلوا في سباق للابداع السياسي لابتكار حلول للمشكلات القائمة، وأهم من ذلك استباق الاحداث والتنبؤ بالتطورات المقبلة والاستعداد لها بصياغة السياسات الملائمة.

عدم قدرة أهل المعارضة في الدولة العربية المعاصرة على القراءة النقدية المستوعبة لنص العالم المعقد هو أحد اسباب عجزهم عن تقديم المشروع البديل.

وليس يكفي على سبيل المثال ترديد شعارات مقاومة العولمة، ولكن ينبغي تقديم البدائل الواقعية لسياسات العولمة الاقتصادية المجتمعية، والنضال في سبيل إقناع المؤسسات الدولية بمنطقها، بل استخدام كل وسائل الضغط المدنية في سبيل تحقيق ذلك.

ومن ناحية اخرى على أهل الحكم والمعارضة معاً في الدولة العربية المعاصرة أن يدركوا أهمية صعود العوامل الثقافية في تشكيل الوعي العالمي المعاصر، مما من شأنه أن يؤثر على صياغة السياسات الاقتصادية ذاتها، وقبل ذلك سياسات الدول.

ولنراقب بدقة ما حدث بعد أحداث الحادي عشر من ايلول 2001 في الولايات المتحدة، وكيف أن ضربا من ضروب صراع الحضارات قد نشأ وتبلور، وخصوصاً ضد العرب والمسلمين بل ضد الاسلام باعتباره ديناً يحض على العنف كما يزعمون.

وقد استدعت هذه النظرة العدائية السافرة سياسات عدوانية تمارسها بكل وضوح الولايات المتحدة ضد الدولة العربية المعاصرة.

ومن ناحية اخرى ينبغي في دراسة المجتمع المصري المعاصر، الاّ نغفل أهمية التحليل الثقافي في دراسة التيارات الايديولوجية الفاعلة والمؤثرة في تشكيل الوعي الاجتماعي العام. ولعل انتشار الفكر الاسلامي المتطرف واقتناع جماعات متعددة من الشباب العربي به، وانطلاقهم من منطلقاته في مجالات الارهاب، يمثل خطورة كبرى على التقدم في مجتمعاتنا العربية.

لم تعد السياسة فقط هي المدخل والمخرج، ولم يعد الاقتصاد بمفرده هو المشكلة والحل، ولكن الثقافة اصبحت بإجماع العلماء الاجتماعيين في كل انحاء العالم اليوم، هي المدخل الرئيس لفهم المجتمعات المعاصرة، ورسم الخطط الاستراتيجية اللازمة لوضعها على طريق التقدم.