المراكز البحثية (خبر) والباحثون الحقيقيون )
مرسل: الأحد ديسمبر 25, 2011 7:55 pm
التغطية على الحقائق في اللحظات الحرجة أمر مرذول لا يغتفر... فكيف بتشويهها أو إزهاقها...!، لصالونه الثقافي الجديد الذي يعد الأبرز في بريدة وربما في القصيم، دعاني الدكتور عبد الرحمن بن عبد الله المشيقح -عضو مجلس الشورى- لحضور اللقاء الثالث، في محاضرة عن البحث العلمي... وهذا الصالون -أربعائية المشيقح- بادرة ثقافية تضاف لرصيد الدكتور المشيقح وإسهاماته المقدرة... دار نقاش حول بعض إشكاليات البحث العلمي وهمومه، في محفل ضم العديد من الأكاديميين والمثقفين؛ اتفقنا بهدوء واختلفنا بهدوء، ودخلنا بابتسامة وخرجنا بأخرى... في لوحة فكرية راقية... ورأيت أن طرح بعض الأفكار -التي داخلت بها- في نطاق أوسع يعين على تلمس بعض الحقائق...
بخصوص قضايا البحث العلمي، أحسب أننا في المجتمع العربي -ومنه المجتمع السعودي على وجه التحديد- نحتاج إلى جملة من المقومات الأساسية التي يمكن أن تحقق لنا نقلة نوعية أو لنقل حقيقية؛ نقلة تتعدى إطار الأرقام و(الانتصارات الكمية) والمقارنات الإحصائية مع هذه الحزمة من الدول أو تلك باعتبارها رائدة أو فائقة في أبحاثها، فالبحث العلمي (بدايةً ونهايةً)، (مبتدأ وخبر) هو: (انغماس حقيقي) ل(باحث جاد) في (عملية ذهنية قلقة)، تبحث عن (سكون النفس) وطمأنينة الخاطر من خلال الظفر ب(أجوبة تطفئ لهيب الأسئلة)، تلك الأسئلة التي تبعث عقله على الجمع والملاحظة والرصد والربط والتحليل والتصنيف والتجميع والتفريق والتفكيك والتركيب والبلورة وإعادة البلورة، ذلك اللون من الأسئلة الذي يدمن عمليات الكر والفر، فلا يثخنه ملل أو رتابة، بل يكثر من الاقتحامات، ويتلبس بالقدر الكافي من (التسامح مع الغموض)، ولا يخجل من مراجعة أو هز لفرضياته ونتائجه، ولا يتردد عن تمزيق مئات المسودات أو الخرائط الذهنية، ولا يستكثر الإطاحة بعشرات المحاولات والتجارب؛ ليصل بعد هذه المعاناة إلى الحقيقة أو ما يقاربها أو ما يشابهها، إن كان ثمة حقيقة وباطل، أو ليصل إلى الأكثر إبداعاً إن كان هنالك تجديد وابتكار...
هذه العقلية البحثية الجادة المبتكرة لم نفلح في صنعها كما ينبغي، فقصارى جهدنا إنتاج بضعة آلاف ممن يحملون شهادات تسمى (دكتوراه) أو (ماجستير)، والحقيقة المرة التي يجب أن نفصح عنها دون مواربة أن الكثير منهم قد يصلحون لكثير من الأشياء ولكن قطعاً ليس منها البحث العلمي! لقد أنتجنا نسخاً أكاديمية مشوهة وإسطوانات بحثية مشروخة، لا يمكن أن يعتمد عليها في ترسية قاعدة صلبة من البحث والإبداع العلمي والابتكار المنهجي، وهذا الكلام ينطبق إلى حد كبير وبدرجة أوثق على العلوم الاجتماعية والإنسانية، وهي الأخطر بلا شك... فحاجتنا إليها ماسة في زمن صناعة الأفكار وتعليبها وتصديرها واستيرادها عبر عقول ترحب بعضلها في تلك الأفكار ولا تصنعها! وهذا ما يدعوني إلى المطالبة بإعادة النظر في معايير اختيار المعيدين والباحثين في الجامعات والمراكز البحثية السعودية... لنفرز تلك المعايير ولنتأكد من عدم (اجتراح) جريمة (الواسطة) في مسألة حساسة كهذه، سندفع الكثير ما لم نبادر بحلها...
المسألة الأخرى، وهي مبنية على سابقتها بالتلازم المنطقي ومترتبة عليها بالأثر المتحقق، تلك المسألة تتعلق بما يمكننا تسميته ب(سعودة الفكر) أو (سعودة العلم)، حيث جعلنا نفرغ جامعاتنا ومراكزنا البحثية من الكفاءات العلمية والخبرات البحثية الأجنبية بحجة سعودة الوظائف!، كيف يتم ذلك ونحن نعرف حقيقة الوضع المأساوي لكثير من باحثينا، سواء من حيث نوعية الأبحاث التي ينفذونها أو كميتها، وهنالك العديد من الأبحاث التي تدعم هذه النتيجة!.
بل وصل بنا الحال إلى مشكلة يبدو أنها تحولت إلى ظاهرة أو في طريقها إلى أن تكون كذلك، وهي شيوع أساليب الترقيات العلمية في جامعاتنا من خلال (شراء) بعض الأكاديميين السعوديين للأبحاث من(المزاد البحثي الرخيص) عبر وسائل شتى وبثمن بخس أو باهض! ولقد تحدثت -في الاتجاه الموازي- غير مرة عن خطورة سعودة الفكر أو العلم أو البحث، وطالبت وزارة التعليم العالي بأن تصحح تلك الأوضاع، عبر ترسيخ ثقافة التعددية البحثية وجلب الباحثين من كل أصقاع الدنيا، ولقد أضحت تلك التعددية سمة للجامعات المرموقة، وقد أحسن المنظرون والصناع لفلسفة جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، حين أكدوا على أن البقاء بل الاختيار للباحثين والأكاديميين في تلك الجامعة سيكون بناء على الكفاءة العلمية والفعالية البحثية وليس الجنسية، من خلال عقد محكم يوضح حقوق وواجبات الطرفين (الجامعة والباحث)، وهذه قفزة رائعة التفكير وفي تطوير البنية التحتية للبحث العلمي، مع رجائي بألا تعرقل من أدعياء الوطنية أو السعودة!
ثم ما الذي يمنعنا من تطبيق فكرة (العقود) مع الأكاديميين السعوديين في جامعاتنا... (أحسب)أنه لا شيء يحبسنا غير أن نبادر؛ فالبقاء يجب أن يكون دائماً للأصلح، وهذه المسألة يمكن أن نحسمها -قبولاً أو رفضاً- بالبحث العلمي الذي نحن بصدد ترسيخ مكانته والإعلاء من شأنه والاحتفاء بنتائجه! أنا أستاذ جامعي وربما نالني شيء من الرداءة التي تحدثت عنها... وليكن، فأنا أؤمن بأنه قد حان الوقت لتحويل الأكاديمي والمثقف العربي(النخبة) من ذات ناقدة وُمشرِّحة وربما ذات(ناقمة) و(متعالية) على مجتمعها إلى ذات ُمنتقدَة وُمشرَّحة، بل وموبَّخة في مجتمعها!... لابد من سلب مفاتيح النقد من الأكاديمي والمثقف العربي؛ لنتمكن من نسخ تلك المفاتيح وتوزيعها على كافة المنظومات الاجتماعية ليمارسوا دورهم في نقد تلك (النخب) في ضوء أهداف ووظائف ومسؤوليات كلٍ من المثقف والأكاديمي... لم يعد سائغاً ولا مقبولاً أن تظل بعض المحاولات النقدية للمثقف والأكاديمي العربي -على قلتها وضعفها- حبيسة الأدبيات النخبوية التي لا تصل إلى تلك المنظومات الاجتماعية، مما لا يعين الإنسان العربي على اكتشاف السلبيات التي تختص بها النخبة العربية... ويجذر هذا الطرح حتمية الاتجاه النقدي للنخبة الذي لا يسعنا التخلي عنه أو تهميشه!
ما لم نكن قادرين على الإمساك ب(العوامل الحرجة) للنجاح العلمي والتفوق البحثي والتي من ضمنها تصنيع العقلية المتسائلة والذهنية المفكرة بدءاً من مدارسنا الابتدائية، لا بل من التمهيدي قبل الروضة، ما لم نكن قادرين على ذلك فلا داعي للحديث عن أي مراكز بحثية، ولا استراتيجيات، ولا دعم، ولا ميزانيات، لا ضخمة ولا غير ضخمة، فالمراكز البحثية خبر والباحثون الحقيقيون مبتدأه! هذه هي الحقيقة التي يجب ألا نتعامى عنها في هذه اللحظات الحرجة في مشروعنا الحضاري!
http://article.sodfah.com/details-326.html
بخصوص قضايا البحث العلمي، أحسب أننا في المجتمع العربي -ومنه المجتمع السعودي على وجه التحديد- نحتاج إلى جملة من المقومات الأساسية التي يمكن أن تحقق لنا نقلة نوعية أو لنقل حقيقية؛ نقلة تتعدى إطار الأرقام و(الانتصارات الكمية) والمقارنات الإحصائية مع هذه الحزمة من الدول أو تلك باعتبارها رائدة أو فائقة في أبحاثها، فالبحث العلمي (بدايةً ونهايةً)، (مبتدأ وخبر) هو: (انغماس حقيقي) ل(باحث جاد) في (عملية ذهنية قلقة)، تبحث عن (سكون النفس) وطمأنينة الخاطر من خلال الظفر ب(أجوبة تطفئ لهيب الأسئلة)، تلك الأسئلة التي تبعث عقله على الجمع والملاحظة والرصد والربط والتحليل والتصنيف والتجميع والتفريق والتفكيك والتركيب والبلورة وإعادة البلورة، ذلك اللون من الأسئلة الذي يدمن عمليات الكر والفر، فلا يثخنه ملل أو رتابة، بل يكثر من الاقتحامات، ويتلبس بالقدر الكافي من (التسامح مع الغموض)، ولا يخجل من مراجعة أو هز لفرضياته ونتائجه، ولا يتردد عن تمزيق مئات المسودات أو الخرائط الذهنية، ولا يستكثر الإطاحة بعشرات المحاولات والتجارب؛ ليصل بعد هذه المعاناة إلى الحقيقة أو ما يقاربها أو ما يشابهها، إن كان ثمة حقيقة وباطل، أو ليصل إلى الأكثر إبداعاً إن كان هنالك تجديد وابتكار...
هذه العقلية البحثية الجادة المبتكرة لم نفلح في صنعها كما ينبغي، فقصارى جهدنا إنتاج بضعة آلاف ممن يحملون شهادات تسمى (دكتوراه) أو (ماجستير)، والحقيقة المرة التي يجب أن نفصح عنها دون مواربة أن الكثير منهم قد يصلحون لكثير من الأشياء ولكن قطعاً ليس منها البحث العلمي! لقد أنتجنا نسخاً أكاديمية مشوهة وإسطوانات بحثية مشروخة، لا يمكن أن يعتمد عليها في ترسية قاعدة صلبة من البحث والإبداع العلمي والابتكار المنهجي، وهذا الكلام ينطبق إلى حد كبير وبدرجة أوثق على العلوم الاجتماعية والإنسانية، وهي الأخطر بلا شك... فحاجتنا إليها ماسة في زمن صناعة الأفكار وتعليبها وتصديرها واستيرادها عبر عقول ترحب بعضلها في تلك الأفكار ولا تصنعها! وهذا ما يدعوني إلى المطالبة بإعادة النظر في معايير اختيار المعيدين والباحثين في الجامعات والمراكز البحثية السعودية... لنفرز تلك المعايير ولنتأكد من عدم (اجتراح) جريمة (الواسطة) في مسألة حساسة كهذه، سندفع الكثير ما لم نبادر بحلها...
المسألة الأخرى، وهي مبنية على سابقتها بالتلازم المنطقي ومترتبة عليها بالأثر المتحقق، تلك المسألة تتعلق بما يمكننا تسميته ب(سعودة الفكر) أو (سعودة العلم)، حيث جعلنا نفرغ جامعاتنا ومراكزنا البحثية من الكفاءات العلمية والخبرات البحثية الأجنبية بحجة سعودة الوظائف!، كيف يتم ذلك ونحن نعرف حقيقة الوضع المأساوي لكثير من باحثينا، سواء من حيث نوعية الأبحاث التي ينفذونها أو كميتها، وهنالك العديد من الأبحاث التي تدعم هذه النتيجة!.
بل وصل بنا الحال إلى مشكلة يبدو أنها تحولت إلى ظاهرة أو في طريقها إلى أن تكون كذلك، وهي شيوع أساليب الترقيات العلمية في جامعاتنا من خلال (شراء) بعض الأكاديميين السعوديين للأبحاث من(المزاد البحثي الرخيص) عبر وسائل شتى وبثمن بخس أو باهض! ولقد تحدثت -في الاتجاه الموازي- غير مرة عن خطورة سعودة الفكر أو العلم أو البحث، وطالبت وزارة التعليم العالي بأن تصحح تلك الأوضاع، عبر ترسيخ ثقافة التعددية البحثية وجلب الباحثين من كل أصقاع الدنيا، ولقد أضحت تلك التعددية سمة للجامعات المرموقة، وقد أحسن المنظرون والصناع لفلسفة جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، حين أكدوا على أن البقاء بل الاختيار للباحثين والأكاديميين في تلك الجامعة سيكون بناء على الكفاءة العلمية والفعالية البحثية وليس الجنسية، من خلال عقد محكم يوضح حقوق وواجبات الطرفين (الجامعة والباحث)، وهذه قفزة رائعة التفكير وفي تطوير البنية التحتية للبحث العلمي، مع رجائي بألا تعرقل من أدعياء الوطنية أو السعودة!
ثم ما الذي يمنعنا من تطبيق فكرة (العقود) مع الأكاديميين السعوديين في جامعاتنا... (أحسب)أنه لا شيء يحبسنا غير أن نبادر؛ فالبقاء يجب أن يكون دائماً للأصلح، وهذه المسألة يمكن أن نحسمها -قبولاً أو رفضاً- بالبحث العلمي الذي نحن بصدد ترسيخ مكانته والإعلاء من شأنه والاحتفاء بنتائجه! أنا أستاذ جامعي وربما نالني شيء من الرداءة التي تحدثت عنها... وليكن، فأنا أؤمن بأنه قد حان الوقت لتحويل الأكاديمي والمثقف العربي(النخبة) من ذات ناقدة وُمشرِّحة وربما ذات(ناقمة) و(متعالية) على مجتمعها إلى ذات ُمنتقدَة وُمشرَّحة، بل وموبَّخة في مجتمعها!... لابد من سلب مفاتيح النقد من الأكاديمي والمثقف العربي؛ لنتمكن من نسخ تلك المفاتيح وتوزيعها على كافة المنظومات الاجتماعية ليمارسوا دورهم في نقد تلك (النخب) في ضوء أهداف ووظائف ومسؤوليات كلٍ من المثقف والأكاديمي... لم يعد سائغاً ولا مقبولاً أن تظل بعض المحاولات النقدية للمثقف والأكاديمي العربي -على قلتها وضعفها- حبيسة الأدبيات النخبوية التي لا تصل إلى تلك المنظومات الاجتماعية، مما لا يعين الإنسان العربي على اكتشاف السلبيات التي تختص بها النخبة العربية... ويجذر هذا الطرح حتمية الاتجاه النقدي للنخبة الذي لا يسعنا التخلي عنه أو تهميشه!
ما لم نكن قادرين على الإمساك ب(العوامل الحرجة) للنجاح العلمي والتفوق البحثي والتي من ضمنها تصنيع العقلية المتسائلة والذهنية المفكرة بدءاً من مدارسنا الابتدائية، لا بل من التمهيدي قبل الروضة، ما لم نكن قادرين على ذلك فلا داعي للحديث عن أي مراكز بحثية، ولا استراتيجيات، ولا دعم، ولا ميزانيات، لا ضخمة ولا غير ضخمة، فالمراكز البحثية خبر والباحثون الحقيقيون مبتدأه! هذه هي الحقيقة التي يجب ألا نتعامى عنها في هذه اللحظات الحرجة في مشروعنا الحضاري!
http://article.sodfah.com/details-326.html