عباد الشياطين حقيقة أم وهم
عُباد الشيطان في الشرق
اليزيدية
جاء في الملل والنحل للشهرستاني أن اليزيدية فرقة من الإباضية، من أتباع يزيد بن أنيسة الذي زعم أن الله سيبعث رسولاً من العجم ويُنزّل عليه كتاباً جملة واحدة ينسخ به شريعة محمد، لكن الفرقة التي أود الحديث عنها تختلف عن هذه الفرقة – وإن تشابهت الأسماء –إنما أوردتها في هذا المقام حتى يعرف القارئ الفرق بين النحلتين.
إن اليزيدية التي في سياق موضوعنا هي طائفة من الأكراد نشأت بعد انهيار الدولة الأموية، ويقطن أكثرهم الشمال الشرقي من الموصل ونواحي دمشق وبغداد وحلب، ومنهم طوائف في أوران الروسية وإيران، وهم يدينون بعبادة الشيطان بسبب تأثرهم بالعقيدة الزرادشتية، وقيل لأنهم يعتقدون أن الشيطان تاب والله قبل توبته، فرجع يتعبد مع الملائكة.
ولهم كتابان أحدهما يسمى (الجلوة) وفيه خطاب الله تعالى إلى اليزيديين خاصة والقول بتناسخ الأرواح، وأن الكتب السماوية المعروفة قد بُدلت وحُرفت، أما الكتاب الثاني فيسمى (مصحف رش) أي الكتاب الأسود، وفيه الشرائع التي أنزلت إليهم.
وفي كل سنة يقيمون احتفالاً في ليلة خاصة تسمى الليلة السوداء يطفئون فيها الأنوار ويختلط الرجال بالنساء، فيشربون الخمر ويرقصون ويرتكبون الفواحش. وقد تقلبت الطائفة اليزيدية في أطوار مختلفة على مر القرون، فدخلت في دينهم يهودية ونصرانية وإسلامية محرفة، وتوالى عليه التحريف والنقص والتبديل حتى وصل إلى ما هو عليه اليوم.
عُباد الشيطان في الغرب
اختلف المؤرخون في بداية ظهور هذه الديانة في الغرب، فذهب بعضهم إلى أن بدايتها كانت في القرن الأول للميلاد عند ( الغنوصيون ) - أو الغنطوسيون – وهم قوم اعتقدوا أن الخلاص يأتي عن طريق المعرفة الروحية لا عن طريق الإيمان والأعمال الصالحة، لذا أطلق على هذا المذهب ( مذهب العرفان ). ولزيادة رقعة هذه المعرفة أدخلوا كثيراً من السحر والشعوذة في تعاليمهم، فآمنوا بإمكانية السيطرة على القوى الخفية كالشياطين وغيرهم، كما حاولوا التوفيق بين الدين المسيحي وأقوال الفلاسفة فضلوا الطريق. وقد تأثروا بالديانة الثنوية، فكانوا ينظرون إلى الشيطان على أنه مساوٍ لله في القوة والسلطان.
ثم تفرعت من الغنوصية فرقة تدعى ( البولصيون ) فأنزلوا الشيطان منزلة رفيعة، وعظموه أكثر من أسلافهم، فلم ترض الكنيسة بذلك وقامت بمحاربتهم إلا أنها لم تفلح في القضاء عليهم.
ثم خطت عبادة الشيطان خطوة واسعة، ففي الجنوب الشرقي لأوروبا وبالتحديد في بلغاريا ظهرت مجموعة من البولصيين أطلقوا على أنفسهم اسم ( البوغوميليون ) وكان هؤلاء يؤمنون بأن الشيطان هو خالق هذا العالم وأن الله لم يقدر على أخذه منه، وبما أنهم يعيشون فيه فلابد من عبادة خالقه أي الشيطان، ولكن انغماسهم في الجنس والملذات الأخرى حاد بهم عن الطريق الذي ارتضوه لأنفسهم، لذا قامت مجموعة منهم في محاولة لإحياء هذه الملة من جديد عرفت باسم ( الكثاريين ) إلا أنه في عام 1208م شن عليهم البابا ( أنوسينت ) الثالث حرباً دامت عشرين عاماً، تلا ذلك ظهور محاكم التـفتيش فتم الـقـضاء عليهم على يد أقـوى الباباوات في القرن الثالث عـشر وهو البابا ( غريغوريوس ) التاسع.
لكن أقدم وثيقة وجدت لعباد الشيطان ترجع إلى عام 1022م في أورلنس بفرنسا، حيث حوكم عدد من الأفراد لاشتراكهم في طقوس غريبة، والذي جعل لهذه المحاكمة وضعها الخاص في أورلنس هو اتهام هؤلاء – ولأول مرة – بعبادة الشيطان، والتغني بأسماء الشياطين، وإقامة الحفلات الجنسية الصاخبة، والتضحية بالبشر وخاصة الأطفال وأكل لحومهم. واستمرت مثل هذه المحاكمات حتى بداية عصر النهضة الأوروبية.
في عام 1486م – وبعد موافقة الفاتيكان – ظهر كتاب يُدعى ( مطرقة السحرة ) وهو عبارة عن موسوعة وصفية عن الذين بهم مس من الشيطان، ويذكر هذا الكتاب أنه خلال المائتي سنة الماضية حوكم ما بين مليونين إلى تسعة ملايين فرد بتهمة السحر أكثرهم من النساء وكان نصيبهم إما القتل أو التعذيب بالنار. ومنذ تلك الفترة بدأت عبادة الشيطان تتبلور وتتطور إلى أن اكتملت في نهاية عصر النهضة الأوروبية وبداية عصر التنوير الفلسفي.
بعد ذلك بدأت هذه الديانة في الاختفاء تدريجياً لكن ما أن جاء القرن التاسع عشر حتى بُعثت هذه الديانة مرة أخرى على يد ساحر إنجليزي يدعى ( أليستر كرولي ) والذي يُعد الأب الروحي لعباد الشيطان المعاصرين.
أصولهم
إن جميع فصائل عباد الشيطان استقت عقائدها من العادات والأعراف الوثنية والبدائية القديمة، ولنفترض أننا وضعنا معتقدات عباد الشيطان تحت المجهر، عندها سنشاهد أن هذه المعتقدات في الحقيقة مزيج من معتقدات الأزتك والمايا وبعض الديانات الأخرى، جاء بها العبيد اليوروبيون إلى أمريكا الجنوبية فاختلطت بالديانات الموجودة وأثرت وتأثرت بها، ومن خضم هذه الديانات والمعتقدات المتلاطمة انبثقت عبادة الشيطان.
فلسفتهم
إن فلسفة عباد الشيطان تقوم على قاعدتين أساسيتين: الأولى إطلاق الإنسان العنان لشهواته وملذاته ( self-indulgence ) لأن الهدف الأساسي لديهم هو إشباع الرغبة الجنسية إشباعاً تاماً بغض النظر عن الطريقة. أما القاعدة الثانية فتقوم على أساس تساوي المتضادات، بمعنى أن الشخص لابد أن يتساوى عنده الحب والكره والخير والشر والماديات والروحانيات والحرية والعبودية والألم والمتعة..الخ لذا عليه أن يستميت لكي يوازن بين هذه المتضادات في نفسه وبالتالي تنعكس على تصرفاته، وبهذا يستطيع الحصول على القوة والطاقة الكامنة بداخله.
طقوسهم
يقسم الكاهن لافيه – مؤسس أول معبد رسمي للشيطان في أمريكا - أنواع الطقوس السحرية إلى ثلاثة أقسام هي:
الطقوس الجنسية: وهي لإطفاء الشهوة المتوهجة، وتتم بوضع تعويذه على الشخص المرغوب فيه جنسياً.
الطقوس المهلكة: وتقام لسحر إنسان ما، وذلك بوضع العمل له ليلاً أو قبل أن يستيقظ بساعتين على الأقل.
طقوس الرحمة: وذلك لمساعدة أحد أفراد المجموعة صحياً أو مادياً أو علمياً.
وتقام طقوس خاصة للراغب في الانضمام إلى عباد الشيطان، ففي احتفال مهيب يقف الكاهن أمام المذبح الذي حُفت به الشموع السوداء وقد ارتدى معطفاً أسود، ويأتي العضو الجديد في معطف أبيض اللون، ثم يقوم بخلع جميع ملابسه ويجثو على ركبتيه أمام المذبح عارياً – سواء كان المتقدم ذكراً أو أنثى – ثم يُجرح في يده ويجمع الدم في قدح من الفضة ويدار على الأعضاء ليشربوا منه وبذلك يتم التوحد بينهم حسب زعمهم.
القداس الأسود
وهو يشبه إلى حد ما القداس الكاثوليكي إلا أنهم أساءوا استخدامه، فمثلاً في القراءة اسُتبدلت كلمة الشيطان بكلمة الله، وكلمة الشر بكلمة الخير، كما اسُتبدل بول الآدميين بالنبيذ المقدس الذي يرمز إلى دم المسيح عند النصارى. ويشمل القداس الأسود على أربعة عناصر رئيسية هي:
كاهن ملحد
الضيف أو الضحية
مومسات يلبسن المعاطف الحمراء لمساعدة الكاهن في القداس.
فتاة عذراء.
القرابين البشرية
يشترط عباد الشيطان التعذيب قبل الذبح، فمثلاً يتم أخذ طفل صغير إلى غابة بعيدة أو إلى المذبح، فيُجرد من ثيابه ويُشد وثاقه، ثم يبدءون التعذيب، فتارة يُطعن بمدية صغيرة عدة طعنات في مناطق متفرقة من جسمه الغض، وتارة أخرى يُكوى بأسياخ الحديد، أو توضع جمرات على جسده، أو تفقأ عينه، أو يصب الشمع المغلي على بدنه الطري.
أما صراخ المسكين ونحيبه فلا يؤثر في قلوب قست وأكباد غلظت وضمائر سخمت وأبصار كلّت، وعن الرحمن ابتعدت وعلى خطى الشيطان مشت. وتكون نهاية هذا الطفل أما بذبحه بخنجر مُثلّم حتى يكون العذاب أشد، أو شق صدره – وهو حي – لأكل الكبد أو القلب دافئاً.
عُباد الشيطان والموسيقى
إن الموسيقى – وخاصة الهافي ميتال والهارد روك – تُعد إحدى الروابط القوية التي تربط عباد الشيطان بعضهم ببعض، ويوجد منهم شعراء متخصصون في كتابة الكلمات التي تعظم الشيطان وتثير الغرائز، وقد استعملت القواعد والأساليب العلمية والنفسية لدفع الشباب للقيام بالأعمال الإجرامية.
كما أن منهم ملحنين قد برعوا في دمج هذه الكلمات بموسيقى صاخبة ذات إيقاع سريع تواكب العصر، لعلمهم بتهافت الشباب والشابات على هذا النوع من الموسيقى التي حبكوها بدهاء وحاكوها بخبث.
إن عباد الشيطان لا يقصرون موسيقاهم على أنفسهم بل يقيمون الحفلات العامة، وينشرون في الأسواق أغانيهم التي تدعو إلى تمجيد الشيطان والدعوة إلى الجنس والاغتصاب والقتل والانتحار والانحرافات بكافة أنواعها.
وأذكر أنه في عام 1991م عندما كنت أحضّر الماجستير في واشنطن، كنت في الوقت نفسه أجمع المادة الأساسية لهذا الكتاب، وعلمت أن بعض أسماء الفرق اللامعة في العالم هم في الحقيقة من عباد الشيطان، فذهبت واشتريت شريطاً لإحدى هذه الفرق لأسمع ما يقولون ولكن بعد عشر دقائق أصبت بصداع لازمني طيلة ذلك اليوم!! وبقيت أردد قول الشاعر:
خفـتاً لموسـيقى كـأن لأهـلها
ثأراً على الأعصاب والأوداج
ليت الذي اخـترع الضجيج أعارني
صم الصـخور ترفقاً بمزاجي
منقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــول