منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

By راكان المليكي1
#46494
د. فهد بن عبدالرحمن المليكي



المفهوم العلمي لأي مجال من المجالات يتطلب في البداية الرجوع إلى تاريخ هذا المجال ومعرفة طبيعته وأصله، ومن هذا المنطلق، نجد هناك خلطا وغموضا في مفهوم إدارة الأزمات (Understanding of Crisis management)، وقد قام الباحثون والمتخصصون وأصحاب الخبرات والتجارب في إدارة الأزمات بعدة دراسات علمية وعملية يحاولون كشف وتوضيح المعاني المفيدة التي تشرح وتبين مفهوم كلمة (الأزمات) مع تحديد الخطوط العريضة المتبعة في تطبيقها، ولكن الهدف من إدارة الأزمات هو تقديم المساعدات الأمنية الطارئة من أجل مكافحة الجريمة والمصائب غير المتوقعة مع تقليل الخسائر والأضرار التي تصيب المجتمع، وتعتبر هذه الإدارة جزءا لا يتجزأ من استراتيجيات وعمليات الاستقرار الأمن الوطني للدولة، حيث إنها تتكون من مجموعة إداريين مدربين تدريباً خاصاً، ويملكون فن المهارات والتكتيكات العالية الأمنية، ولديهم القدرات العلمية والعملية في مجالات مكافحة الأزمات ووضع الخطط والاستعدادات الأمنية لمواجهتها بالطرق الحديثة والتعامل بأسلوب علمي مع جميع حالات الطوارئ والأحداث التي تقع ضد المصالح العامة أو الخاصة.

فالسؤال هنا يطرح نفسه: ما هو المقصود بالأزمات؟

فنجد أن مفهوم (الأزمة) على المستوى الفرد أو المواطن العادي الذي يعيش في المجتمع بأنها في مفهومه الشخصي هي مشكلة شخصية يكون تأثيرها على حالته النفسية أو في وضعه المالي، أو حالته الصحية أو مشاكل تحدث في حياته الزوجية أو صعوبات في بيئة العمل الوظيفي.

فنجد في هذه الحالات أو الأزمات يلجأ هذا الفرد لحل أزماته بواسطة البحث عن قرض مالي أو طلب الإسعافات الطبية من قسم الطوارئ (Emergency Department) بالمستشفيات أو طلب المساعدة من الطبيب النفسي لحل أزمته، أو استخدام شرعية الطلاق المتعارف عليه في الشريعة الإسلامية للتخلص من المشاكل العائلية أو تقديم استقالته الوظيفية للخروج من العمل.نحن نسمع دائماً عبارة يرددها بعض الأشخاص الذين يعانون من الأزمات في حياتهم مثال على ذلك (أنا والله أمر بأزمة..... وأبحث عن العلاج أو الحل السريع لمواجهتها)، ففي هذه الحالة تكون الأزمة فردية من صنع الشخص من خلال تجاربه وخبراته في الحياة الاجتماعية التي يعيش فيها.

ولكن من النواحي العملية البحتة، نجد هناك العديد من النظريات العلمية والدراسات والبحوث التطبيقية والتعريفات المختلفة الأبعاد للأزمات--، فمنهم من قال عن الأزمات - إنها الصراعات والتوتر الاجتماعي والإداري والسياسي المفاجئ الذي يصيب الهيئات والمؤسسات العامة الحكومية، أو المؤسسات الخاصة التجارية والصناعية في المجتمع.

أما القواميس الإنجليزية نجد أن قاموس ويستر (Waster Dictionary) عرف الأزمة على أنها زمن حاسم أو زمن خطر عظيم ستقرر نتائجه ما إذا كان ستتبعه عواقب سيئة كالأزمة المالية أو الاقتصادية (1977م - صفحة 275). ولكن قاموس أمريكا هيرتيج The American Heritage Dictionary) )وضع الأزمة بأنها وقت أو قرار حاسم أو حالة غير مستقرة تشمل تغيراً حاسماً متوقعاً، كما في الشؤون السياسية، أو المشاكل الدولية، أو الشؤون الاقتصادية. (1982م - صفحة 340)، ولكن قاموس (Longman New Universal Dictionary) عرّف الأزمة بأنها هجوم مؤلم مفاجئ وغير متوقع، تتميز بالخطر خاصة في الشؤون السياسية أو الاقتصادية. (1982م - صفحة 232).

ولكن كلمة (أزمة) هي كلمة عامة ومعروفة في الوسط الاجتماعي بأنها مشكلة يثير استخدامها في كثير من المجالات والنقاشات الحادة حول تحديد مفهوم معين أو اتجاه معين في القضايا العامة أو الخاصة، قد تكون سياسية أو اقتصادية أو عسكرية أو اجتماعية. والمقصود بفكرة (أزمة) هنا - هي المشاكل أو الأحداث التي تحدث في المجتمع وتزعزع استقرار الأمن الوطني للدولة وغير المتوقع حدوثها، ومن الصعب السيطرة عليها قبل حدوثها.وقد صنف العلماء والمتخصصون الأزمات إلى عدة أنواع منها أزمات كوارث (Disasters Natural) طبيعية غير مستهدفة أو غير متعمدة مثل: الفيضانات التي تسببها الأمطار الغزيرة- الزلازل- الرياح والعواصف- الثلوج- الحريق- البراكين- الجفاف من قلة المياه- أو انتشار مرض معد في المجتمع)، ولكن هناك أزمات مستهدفة ومتعمدة، وتعتبر من صنع البشر - بمعنى آخر فعل فاعل مثل المظاهرات السياسية، أو الإرهاب (Terrorism) بهدف زعزعة أمن الدولة وقتل الأبرياء من الأطفال والنساء وحجز الرهائن وتدمير المنشآت العسكرية والمدنية مثل المطارات المدنية ومراكز التسوق والمجمعات التجارية والسكنية ومقر البعثات الدبلوماسية والتخريب والتفجير والهجوم على المصالح الأجنية والمحلية، أو الهجوم العسكري أو الانهيار الاقتصادي، أو الشغب والفساد الإداري الاجتماعي في المؤسسات العامة للدولة أو الخاصة، أو دخول مواد غذائية أو أدوية سامة غير صالحة للاستعمال أو تجارة المخدرات التي أصبحت السم القاتل الخفي في المجتمعات. جميع هذه الأعمال والنشاطات الإجرامية تؤدي إلى الفساد الاجتماعي الذي لا يرضاه الله ورسوله، بل ضد المبادئ الإسلامية والأنظمة الشرعية أو القانونية. - الآية {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }(33)سورة المائدة، - الآية - {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ، أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ} سورة البقرة 10-11 .

وعندما تقع الأزمة تتكون الصراعات التي تتحول من أزمة إلى أزمات وتسبب الإثارة والعنف وعدم الاستقرار في المجتمع ومصالحه وأهدافه، وكذلك هي التحول الفجائي والتفاعلات التي تهدد الأمن والاستقرار والقيم والعادات والتقاليد أو المصالح الرئيسة في الدولة، وفي هذه الحالة وجب سرعة التدخل وصنع القرار وتنفيذه في وقت ضيق وسريع، وفي ظروف قد تكون صعبة وعدم التأكد منها، وذلك حتى لا تتفجر أمور من الصعب السيطرة عليها واحتواءها وحصرها ومنعها من الانتشار.

وسوف أحاول توضيح أربع نقاط مهمة وأساسية عند وقوع أي أزمة في المجتمع.

1- الموقع الجغرافي.

2- الزمن.

3- تجميع المعلومات.

4- صنع القرار السريع لمعالجتها.

أولاً: الموقع الجغرافي للأزمة:

من الضروري دراسة طبيعة المكان دراسة سريعة وتعيين المنطقة جغرافياً، وتحديد الموقع ومعرفة المداخل الرئيسة والطرق السريعة التي تؤدي إلى الحدث، حتى يتم التدخل والحركة بدون قيود أو صعوبات تمنع من الوصول إلى المشكلة.. فمن الواجب اختيار الخبراء والمتخصصين في التخطيط الجغرافي لتنفيذ العمليات العسكرية بدون أي مغامرات قد تؤدي إلى الفشل لحل المشكلة.

طبعاً من المستحيل تجاهل الحدث خاصة إذا كان يمس بالمواطنين أو المنشآت الحكومية أو تدمير الممتلكات الخاصة أو إصابات بشرية، فنجد وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة سوف تنقل جميع ما يتعلق بالحدث إذا وقعت الأزمة.

ثانياً: زمن الأزمة:

المشكلة التي تواجه إدارة الأزمات عند وقوع الحدث هي عامل الوقت وضغط الأزمة لصنع القرار واتخاذ اللازم في السيطرة على المشكلة والاستعداد الكامل لمواجهتها، فمن الواجب الحذر دائماً من ظهور عوامل غير متوقعة في عملية التصدي ضدها، والقيام بجميع الاستعدادات الأمنية الفنية مع المراقبة المستمرة والشديدة في كل الأوقات الزمنية لمعرفة المؤشرات والتنبؤات المتوقعة بقرب وقوع الأزمة ومرحلة انفجارها.

ثالثاً: تجميع المعلومات عن الأزمة:

من الواجب كإدارة متخصصة في الأزمات تجميع المعلومات والحقائق عن أسباب الأزمة وتفسيرها وتحليلها بكل دقة، والتعرف عليها حتى يمكن السيطرة عليها واتخاذ التدابير الصحيحة الفورية لمعالجتها وحلها، مع قياس حدة وحجم الدمار المادي والبشري والخسائر الاقتصادية التي سببته، ومعرفة اتجاهات الرأي العام تجاه المشكلة.

بمعنى آخر توفير المعلومات الكافية عن الوقائع والأحداث بدون قيود إدارية تمنع المعلومة من الوصول إلى صانعي القرار في الإدارة، فالمعلومات العشوائية غير الصحيحة أو غير الواقعية والمشكوك فيها تسبب إرباكا وتدهورا ومخاطر في اتخاذ اللازم لمكافحة الأزمة وتحجيمها من الانتشار.

رابعاً: صنع القرار السريع لمعالجتها.

انفجار أي أزمة مأساة للبشرية خاصة فيما يخص التنمية الاجتماعية والاقتصادية والاستقرار الأمني الوطني، وإذا حدثت في المجتمع سببت قلقا غير عادي بين المواطنين، وتوقفت عجلة الإصلاح والتطور على المستوى المحلي، لذلك يجب اتخاذ كل الاحتياجات والإجراءات الأمنية لعلاجها، فالمطلوب منا السرعة في الاتصال والاهتمام بها حتى لا ينتج عنها أمور من الصعب السيطرة عليها، أو تصيب أفرادا ضحايا أبرياء، أو تدمير المنشآت العامة للدولة وإرباك الموارد المحلية، ففي هذه الحالات وجب التصرف بالطرق السليمة المبنية على مبادئ إدارية سليمة، وتدخل الحكومة وغيرها من الهيئات الرسمية في الدولة لمواجهتها وحلها.ومن نتائج وقوع الأزمات - بعد مرحلة انفجارها يقع على عاتق إدارة الأزمات مهمة تخفيف الأضرار التي لحقت بسمعة الدولة أو المؤسسة أو الهيئة والسعي لإعادة الوضع إلى طبيعيته واستخدام وسائل الإعلام للدفاع (كإعلام معاكس) وشرح الأوضاع عن المواقف التي مرت وسببت هذه الأزمة نظريا وعمليا وتزويد رجال الإعلام بالمعلومات الموضوعية والدقيقة والصحيحة عن الأزمة بهدف تصحيح المفاهيم التي تلقاها الرأي العام المحلي أو الدولي عبر وسائل الإعلام الدولية.ويمكنني القول: هنا وبكل فخر واعتزاز وصراحة من أوائل النماذج الفريدة والمميزة من نوعها خاصة فيما يخص كيفية التعامل مع الأزمات بجميع أنواعها بالأسس العلمية والعملية في هذا المجال - التجرية السعودية التي خاضتها إدارة الأزمات بوزارة الداخلية السعودية التي تعمل بتوجيهات وإدارة سمو وزيرها المحبوب صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز - رعاه الله بالصحة والعافية - رجل الأمن الأول لهذه الدولة - المملكة العربية السعودية، فالجهود الأمنية التي نراها في بلادنا ملموسة ولها تأثيرها في حياة كل مواطن سعودي، ولا أحد يستطيع أن ينكر منجزات وقدرات وزارة الداخلية والمهمات الصعبة ذات العلاقة بالأمن الوطني التي قامت بها، فقد استخدمت التقنية والمهارات الفنية الأمنية الحديثة من أجل تثبيت الأمن ومكافحة جميع الأعمال الإجرامية التي حدثت في مجتمعنا السعودي.وأخطر هذه الجرائم كشف النقاب عن العمليات الإرهابية الإجرامية التي تمت التصريحات عنها من قبل سمو وزير الداخلية، وهذا ليس بغريب من القيادة السعودية بإعطاء المعلومات الواقعية المملوءة بالمصداقية بدون تعتيم إعلامي عن القضايا والأزمات.
http://ejabat.google.com/ejabat/thread? ... 38b58622f8