السعودية والحوثيون.. مواجهة في الوقت والمكان الحرج
مرسل: الأحد ديسمبر 25, 2011 8:43 pm
مصطفى عياط
من المؤكَّد أن اختيار جماعة الحوثيين لهذا التوقيت كي تنقل عملياتها إلى الجانب السعودي من الحدود مع اليمن لم يأتِ اعتباطًا؛ فالجماعة تدرك أن المملكة في هذا الوقت تستنفر كل طاقاتها للعبور بموسم الحجّ إلى برّ الأمان، خاصةً أن تلك المهمة باتت أكثر صعوبة في السنوات الأخيرة بعدما تجاوز عدد الحجيج 2.5 مليون حاجّ، فضلًا عما فرضته المواجهة مع تنظيم القاعدة من إجراءات أمنية بالغة التعقيد، ثم جاء وباء إنفلونزا الخنازير ليضيف هذا العام عبئًا جديدًا على المملكة، والتي تدرك أن جزءًا مُهمًّا من مكانتها الدولية ينبع من احتضانها للمشاعر المقدسة، وقيامها على خدمة زوارها من الحجاج والمعتمرين في يُسرٍ وأمان.
لكن ما لا يمكن القطعُ به هو دافع الحوثيين من وراء هذا التصعيد، أي الزجّ بالرياض علانيةً في نزاعهم مع الحكومة اليمنية، فالبعض يربط الأمر بالتوتر المتصاعد في العلاقات السعودية الإيرانية، معتبرًا ما يجرى هو محاولة لإنهاك الرياض في حرب عصابات طويلة الأمد، في ظلّ تضاريس المنطقة بالغة الوعورة، كما أن التدخل السعودي يعني تلقائيًّا تدويل الملف، وهو ما يتيح لإيران التدخل، ولو عبر بوابة الوساطة، بحجة حماية حقوق الشيعة في اليمن، بينما يرجّح فريق آخر أن يكون ما فعله الحوثيون بمثابة "هروب للإمام" بعدما أُنهكت قواهم، البشرية والمادية والعسكرية في القتال المتواصل مع الجيش اليمني منذ أغسطس الماضي، في إطار العملية التي تطلق عليها صنعاء اسم "الأرض المحروقة"، والتي تعدّ مجرد حلقة في مسلسل تتكرر حلقاته من آنٍ لآخر منذ عام 2004م، ويعتقد الحوثيون أن تورُّط الرياض في القتال يسرع من الضغوط الدولية من أجل التوصل لمخرجٍ سياسي، يمنح الحوثيين بعض المكاسب، بعيدًا عن سياسة الاستئصال العسكري، التي يصرّ عليها النظام اليمني هذه المرَّة.
وسواء تعلَّق الأمر بحسابات الإيرانيين أو بظروف الحوثيين، فإن المملكة لم تكن تملك خيارًا سوى الردّ العسكري وبقوة على هذا الخرق غير المسبوق لحدودها، خاصةً أن الحوثيين هم مَن سارع للإعلان لوسائل الإعلام عن اختراقهم للحدود وقتل وإصابة جنود سعوديين، وبالتالي لم يكن في مقدور الرياض ابتلاع الأمر وتسويته بهدوء، كما هو حال الدبلوماسية السعودية في مختلف الملفات الشائكة.
لكن هذا الردّ العنيف، الذي تمارسه القوات السعودية على الأرض، برًّا وجوًّا، لا يعني أن المملكة في وارد التورط المباشر في القتال بين الحوثيين والجيش اليمني، فهذا بنظر معظم المحللين يشكل "فخًّا" سوف تسعى المملكة جاهدةً لتجنب السقوط فيه، من خلال قصر عملياتها على تنظيف وتمشيط المناطق التي تسلَّل إليها الحوثيون، ثم السعي لتشديد نقاط المراقبة على الجانب السعودي من الحدود، مع إمكانية اللجوء من وقت لآخر لعمليات قصف جويّ نوعية لنقاط تمركز وانطلاق الحوثيين على الجانب الآخر من الحدود، لكن دون الدفع بقواتٍ برية ثابتة أو ضخمة خلف الحدود، لأنها في هذه الحالة سوف تكون هدفًا سهلًا لعناصر التمرد الحوثيين بحكم درايتهم بتضاريس الأرض، فضلًا عن تمتعهم بحاضنة شعبية مكَّنتهم -حتى الآن- من الصمود بوجه الحملات المتكررة للجيش اليمني.
خطورة وحساسية
ولا يقتصر هذا "الفخّ" على تبعاته العسكرية، لكنه يشمل أيضًا خطر تدويل الملف، مما يسمح لأطرافٍ أخرى -مثل إيران أو حتى الأمم المتحدة- بالدخول المباشر على خط الأزمة، وهو ما يحمل في طياته إمكانية ترتيب أوضاع جديدة برعاية دولية في تلك المنطقة الاستراتيجية شديدة الخطورة والحساسية للمملكة، فالبعض يتحدث مثلًا عن إقامة منطقة حكم ذاتي للحوثيين، المنتمين للمذهب الزيدي الشيعي، في مناطق تمركزهم المتاخمة للحدود السعودية، وحساسية وخطورة الأمر تكمن في وجود أقلية تنتمي للمذهب الإسماعيلي الشيعي على الجانب السعودي من الحدود، قد تجدُ في مثل هذا الوضع نموذجًا قابلًا للتكرار، وهو ما يشكل تهديدًا مباشرًا لوحدة واستقرار الأراضي السعودية.
كذلك فإن العنصر الأمنيّ يعدّ حاضرًا بقوة على الأجندة السعودية، فمناطق الحدود مع اليمن تعدّ نقطة المرور الرئيسية لعناصر تنظيم القاعدة إلى داخل المملكة، كما أن معظم أسلحة التنظيم تأتي عبر تلك المنطقة، وقد شهدت الأشهر الأخيرة إعلان جناحي القاعدة في السعودية واليمن عن اندماجهم في جماعة واحدة، وهو ما يجعل ضبط تلك الحدود أمرًا بالغ الأهمية للسلطات السعودية، والتي أعلنت بالفعل قبل فترة عن شروعها في بناء سياج أمني بطول الحدود مع اليمن، لكن هذا السياج مهما بلغت تقنياته من تطور لا يعدّ حلًّا نهائيًّا لمنع عمليات التسلل، هذا إذا ما افترضنا هدوء الأوضاع على جانبي الحدود، أما في ظلّ وضع كالحالي فإن فعالية مثل هذا الجدار سوف تكون في حدِّها الأدنى، ولذا فإن الحل العسكري الأمني يجب أن تتعاضد معه مبادرات تنموية لا تقتصر على الشقّ السعودي من الحدود، وإنما تشمل كذلك الجانب اليمني، لأن مافيا التهريب ستظلّ قادرةً على إيجاد موطئِ قدمٍ لها، طالما سمحت الأوضاع الأمنية والاقتصادية لها بالتواجد والعمل.
علاج ناجع
وفي هذا السياق لا يمكن إغفال أهمية الاستراتيجية السعودية التقليدية في ضبط الحدود من خلال نسج علاقات وثيقة مع القبائل المنتشرة على جانبيها، وهي علاقات قديمة وتلعب دورًا حاسمًا في إبقاء عمليات التهريب في شقها الاقتصادي، أي تهريب السلع والمواد الغذائية، والحدّ قدر الإمكان من عمليات تهريب الأسلحة والمسلحين، وهذه الاستراتيجية إذا ما تمت إدارتها بكفاءة وحنكة يمكن أن تكون أكثر نجاعة من القوة العسكرية في منع أي عمليات تسلُّل مستقبلية عبر الحدود، سواءٌ من قِبل الحوثيين أو غيرهم، شرط أن تُدارَ عملية تسليح القبائل بميزان حساس يبقيها تحت السيطرة.
وإذا كان الشقّ العسكري شبه محسوم في ظلّ الاختلال الكبير في ميزان القوى لصالح القوات السعودية، هذا مع الإقرار بصعوبة منع عمليات تسلُّل لمجموعات صغيرة قد تحدث من وقت لآخر، فإن الشقّ السياسي يبقى هو الأكثر تعقيدًا، فاليمن التي تعدّ بوابة السعودية الجنوبية أصبحت أقرب ما تكون لنموذج "الدولة الفاشلة"، ففضلًا عن تمرد الحوثيين في الشمال، فإن تنظيم القاعدة بات يتخذ من البلاد ملاذًا آمنا ونقطة انطلاق للدول المجاورة، مستفيدًا من حالة الفوضى التي يعيشها الصومال، كما أن ما يسمى بالحراك الجنوبي بات يكتسب مساحات تأييد جديدة يومًا بعد آخر، مما يجعل احتمال انفصال الجنوب مجددًا أمرًا قائمًا، وبالطبع فإن هذه الأوضاع ترتد تبعاتها ليس فقط على السعودية، وإنما تشمل بدرجة أو أخرى باقي دول الخليج، وهو ما يفرض على مجلس التعاون الخليجي اتباع سياسة أكثر فعالية تجاه تأهيل اليمن لنيل عضوية المجلس، وذلك عبر حزمة من الدعم الاقتصادي، على غِرار ما فعله الاتحاد الأوروبي تجاه دول أوروبا الشرقية عقب انهيار المعسكر الشيوعي، حيث تَمَّ ضخّ مليارات الدولارات في خطط إنعاش للاقتصاديات شبه المنهارة لهذه الدول، مما مكَّنَها سريعًا من الوفاء بمتطلبات الالتحاق بالاتحاد الأوروبي، وهذا أمر لا يصعب تكراره مع اليمن، ولو عبر منح مواطنيه الأولوية في فرص العمل داخل دول الخليج.
طابور خامس
أما الأمر الثاني فيتعلق بخطورة التعامل مع الأقليات الشيعية في الدول العربية باعتباره ذراعًا خارجيًّا لإيران، أو طابورًا خامسًا يعمل لمصلحتها ورهن إشارتها، فذلك يمنح إيران وزنًا وثقلًا غير حقيقي، ويجعلها ناطقًا باسم الشيعة في العالم، كما هو الحال لإسرائيل بالنسبة لليهود، مع أن الأمر غير صحيح في كلا الحالتين؛ فالشيعة العرب هم جزء أصيل من مجتمعاتهم، ومشكلاتهم جزء من المشكلات العامة لبلدانهم، وغالبًا ما يأتي التدخل الإيراني في تلك المشكلات نتيجةً لفشل الحكومات في حلها من خلال الحوار الداخلي وعبر المؤسسات المنوط بها ذلك، والأمر هنا لا يعدّ خاصًّا بالشيعة وإيران، فذلك أمر شائع في السياسة الدولية، فدول مثل تركيا وروسيا والصين غالبًا ما تتدخل بقوة لمناصرة الأقليات التي تنتمي إليها عرقيًّا أو لغويًّا إذا ما رأت أنها تتعرض لمشكلات فشلت حكوماتها في احتوائها داخل مؤسسات الدولة، وغالبًا ما يلاقي هذا التدخل قدرًا من التفهم الدولي، لكن مداه يتوقف على مدى قوة الدولة التي تعيش داخلها هذه الأقلية.
ولذا فإن التعامل مع الحوثيين باعتبارهم ذراعًا لإيران هو اختصار مخلّ لأزمة تتضمن تعقيدات سياسية وطائفية واجتماعية، وقبل كل ذلك هي أزمة اقتصادية وتنموية، وهذا التوصيف لا يعني مطلقًا الإقرار برفع السلاح في وجه الدولة أو الاستقواء بجهات خارجية في مشكلة محليَّة، فذلك أمر لا تقبل به أي دولة تحترم سيادتها، لكن احترام السيادة يجب أن يقوم على منح فرص تنمية ومشاركة متساوية للجميع، وبناء مؤسسات قادرة على إدارة الحوار بين مختلف قطاعات المجتمع، مما يقطع الطريق على أي أطراف خارجية تسعى للصيد في الماء العَكِر.
http://www.blqrn.com/show_article-39.html
من المؤكَّد أن اختيار جماعة الحوثيين لهذا التوقيت كي تنقل عملياتها إلى الجانب السعودي من الحدود مع اليمن لم يأتِ اعتباطًا؛ فالجماعة تدرك أن المملكة في هذا الوقت تستنفر كل طاقاتها للعبور بموسم الحجّ إلى برّ الأمان، خاصةً أن تلك المهمة باتت أكثر صعوبة في السنوات الأخيرة بعدما تجاوز عدد الحجيج 2.5 مليون حاجّ، فضلًا عما فرضته المواجهة مع تنظيم القاعدة من إجراءات أمنية بالغة التعقيد، ثم جاء وباء إنفلونزا الخنازير ليضيف هذا العام عبئًا جديدًا على المملكة، والتي تدرك أن جزءًا مُهمًّا من مكانتها الدولية ينبع من احتضانها للمشاعر المقدسة، وقيامها على خدمة زوارها من الحجاج والمعتمرين في يُسرٍ وأمان.
لكن ما لا يمكن القطعُ به هو دافع الحوثيين من وراء هذا التصعيد، أي الزجّ بالرياض علانيةً في نزاعهم مع الحكومة اليمنية، فالبعض يربط الأمر بالتوتر المتصاعد في العلاقات السعودية الإيرانية، معتبرًا ما يجرى هو محاولة لإنهاك الرياض في حرب عصابات طويلة الأمد، في ظلّ تضاريس المنطقة بالغة الوعورة، كما أن التدخل السعودي يعني تلقائيًّا تدويل الملف، وهو ما يتيح لإيران التدخل، ولو عبر بوابة الوساطة، بحجة حماية حقوق الشيعة في اليمن، بينما يرجّح فريق آخر أن يكون ما فعله الحوثيون بمثابة "هروب للإمام" بعدما أُنهكت قواهم، البشرية والمادية والعسكرية في القتال المتواصل مع الجيش اليمني منذ أغسطس الماضي، في إطار العملية التي تطلق عليها صنعاء اسم "الأرض المحروقة"، والتي تعدّ مجرد حلقة في مسلسل تتكرر حلقاته من آنٍ لآخر منذ عام 2004م، ويعتقد الحوثيون أن تورُّط الرياض في القتال يسرع من الضغوط الدولية من أجل التوصل لمخرجٍ سياسي، يمنح الحوثيين بعض المكاسب، بعيدًا عن سياسة الاستئصال العسكري، التي يصرّ عليها النظام اليمني هذه المرَّة.
وسواء تعلَّق الأمر بحسابات الإيرانيين أو بظروف الحوثيين، فإن المملكة لم تكن تملك خيارًا سوى الردّ العسكري وبقوة على هذا الخرق غير المسبوق لحدودها، خاصةً أن الحوثيين هم مَن سارع للإعلان لوسائل الإعلام عن اختراقهم للحدود وقتل وإصابة جنود سعوديين، وبالتالي لم يكن في مقدور الرياض ابتلاع الأمر وتسويته بهدوء، كما هو حال الدبلوماسية السعودية في مختلف الملفات الشائكة.
لكن هذا الردّ العنيف، الذي تمارسه القوات السعودية على الأرض، برًّا وجوًّا، لا يعني أن المملكة في وارد التورط المباشر في القتال بين الحوثيين والجيش اليمني، فهذا بنظر معظم المحللين يشكل "فخًّا" سوف تسعى المملكة جاهدةً لتجنب السقوط فيه، من خلال قصر عملياتها على تنظيف وتمشيط المناطق التي تسلَّل إليها الحوثيون، ثم السعي لتشديد نقاط المراقبة على الجانب السعودي من الحدود، مع إمكانية اللجوء من وقت لآخر لعمليات قصف جويّ نوعية لنقاط تمركز وانطلاق الحوثيين على الجانب الآخر من الحدود، لكن دون الدفع بقواتٍ برية ثابتة أو ضخمة خلف الحدود، لأنها في هذه الحالة سوف تكون هدفًا سهلًا لعناصر التمرد الحوثيين بحكم درايتهم بتضاريس الأرض، فضلًا عن تمتعهم بحاضنة شعبية مكَّنتهم -حتى الآن- من الصمود بوجه الحملات المتكررة للجيش اليمني.
خطورة وحساسية
ولا يقتصر هذا "الفخّ" على تبعاته العسكرية، لكنه يشمل أيضًا خطر تدويل الملف، مما يسمح لأطرافٍ أخرى -مثل إيران أو حتى الأمم المتحدة- بالدخول المباشر على خط الأزمة، وهو ما يحمل في طياته إمكانية ترتيب أوضاع جديدة برعاية دولية في تلك المنطقة الاستراتيجية شديدة الخطورة والحساسية للمملكة، فالبعض يتحدث مثلًا عن إقامة منطقة حكم ذاتي للحوثيين، المنتمين للمذهب الزيدي الشيعي، في مناطق تمركزهم المتاخمة للحدود السعودية، وحساسية وخطورة الأمر تكمن في وجود أقلية تنتمي للمذهب الإسماعيلي الشيعي على الجانب السعودي من الحدود، قد تجدُ في مثل هذا الوضع نموذجًا قابلًا للتكرار، وهو ما يشكل تهديدًا مباشرًا لوحدة واستقرار الأراضي السعودية.
كذلك فإن العنصر الأمنيّ يعدّ حاضرًا بقوة على الأجندة السعودية، فمناطق الحدود مع اليمن تعدّ نقطة المرور الرئيسية لعناصر تنظيم القاعدة إلى داخل المملكة، كما أن معظم أسلحة التنظيم تأتي عبر تلك المنطقة، وقد شهدت الأشهر الأخيرة إعلان جناحي القاعدة في السعودية واليمن عن اندماجهم في جماعة واحدة، وهو ما يجعل ضبط تلك الحدود أمرًا بالغ الأهمية للسلطات السعودية، والتي أعلنت بالفعل قبل فترة عن شروعها في بناء سياج أمني بطول الحدود مع اليمن، لكن هذا السياج مهما بلغت تقنياته من تطور لا يعدّ حلًّا نهائيًّا لمنع عمليات التسلل، هذا إذا ما افترضنا هدوء الأوضاع على جانبي الحدود، أما في ظلّ وضع كالحالي فإن فعالية مثل هذا الجدار سوف تكون في حدِّها الأدنى، ولذا فإن الحل العسكري الأمني يجب أن تتعاضد معه مبادرات تنموية لا تقتصر على الشقّ السعودي من الحدود، وإنما تشمل كذلك الجانب اليمني، لأن مافيا التهريب ستظلّ قادرةً على إيجاد موطئِ قدمٍ لها، طالما سمحت الأوضاع الأمنية والاقتصادية لها بالتواجد والعمل.
علاج ناجع
وفي هذا السياق لا يمكن إغفال أهمية الاستراتيجية السعودية التقليدية في ضبط الحدود من خلال نسج علاقات وثيقة مع القبائل المنتشرة على جانبيها، وهي علاقات قديمة وتلعب دورًا حاسمًا في إبقاء عمليات التهريب في شقها الاقتصادي، أي تهريب السلع والمواد الغذائية، والحدّ قدر الإمكان من عمليات تهريب الأسلحة والمسلحين، وهذه الاستراتيجية إذا ما تمت إدارتها بكفاءة وحنكة يمكن أن تكون أكثر نجاعة من القوة العسكرية في منع أي عمليات تسلُّل مستقبلية عبر الحدود، سواءٌ من قِبل الحوثيين أو غيرهم، شرط أن تُدارَ عملية تسليح القبائل بميزان حساس يبقيها تحت السيطرة.
وإذا كان الشقّ العسكري شبه محسوم في ظلّ الاختلال الكبير في ميزان القوى لصالح القوات السعودية، هذا مع الإقرار بصعوبة منع عمليات تسلُّل لمجموعات صغيرة قد تحدث من وقت لآخر، فإن الشقّ السياسي يبقى هو الأكثر تعقيدًا، فاليمن التي تعدّ بوابة السعودية الجنوبية أصبحت أقرب ما تكون لنموذج "الدولة الفاشلة"، ففضلًا عن تمرد الحوثيين في الشمال، فإن تنظيم القاعدة بات يتخذ من البلاد ملاذًا آمنا ونقطة انطلاق للدول المجاورة، مستفيدًا من حالة الفوضى التي يعيشها الصومال، كما أن ما يسمى بالحراك الجنوبي بات يكتسب مساحات تأييد جديدة يومًا بعد آخر، مما يجعل احتمال انفصال الجنوب مجددًا أمرًا قائمًا، وبالطبع فإن هذه الأوضاع ترتد تبعاتها ليس فقط على السعودية، وإنما تشمل بدرجة أو أخرى باقي دول الخليج، وهو ما يفرض على مجلس التعاون الخليجي اتباع سياسة أكثر فعالية تجاه تأهيل اليمن لنيل عضوية المجلس، وذلك عبر حزمة من الدعم الاقتصادي، على غِرار ما فعله الاتحاد الأوروبي تجاه دول أوروبا الشرقية عقب انهيار المعسكر الشيوعي، حيث تَمَّ ضخّ مليارات الدولارات في خطط إنعاش للاقتصاديات شبه المنهارة لهذه الدول، مما مكَّنَها سريعًا من الوفاء بمتطلبات الالتحاق بالاتحاد الأوروبي، وهذا أمر لا يصعب تكراره مع اليمن، ولو عبر منح مواطنيه الأولوية في فرص العمل داخل دول الخليج.
طابور خامس
أما الأمر الثاني فيتعلق بخطورة التعامل مع الأقليات الشيعية في الدول العربية باعتباره ذراعًا خارجيًّا لإيران، أو طابورًا خامسًا يعمل لمصلحتها ورهن إشارتها، فذلك يمنح إيران وزنًا وثقلًا غير حقيقي، ويجعلها ناطقًا باسم الشيعة في العالم، كما هو الحال لإسرائيل بالنسبة لليهود، مع أن الأمر غير صحيح في كلا الحالتين؛ فالشيعة العرب هم جزء أصيل من مجتمعاتهم، ومشكلاتهم جزء من المشكلات العامة لبلدانهم، وغالبًا ما يأتي التدخل الإيراني في تلك المشكلات نتيجةً لفشل الحكومات في حلها من خلال الحوار الداخلي وعبر المؤسسات المنوط بها ذلك، والأمر هنا لا يعدّ خاصًّا بالشيعة وإيران، فذلك أمر شائع في السياسة الدولية، فدول مثل تركيا وروسيا والصين غالبًا ما تتدخل بقوة لمناصرة الأقليات التي تنتمي إليها عرقيًّا أو لغويًّا إذا ما رأت أنها تتعرض لمشكلات فشلت حكوماتها في احتوائها داخل مؤسسات الدولة، وغالبًا ما يلاقي هذا التدخل قدرًا من التفهم الدولي، لكن مداه يتوقف على مدى قوة الدولة التي تعيش داخلها هذه الأقلية.
ولذا فإن التعامل مع الحوثيين باعتبارهم ذراعًا لإيران هو اختصار مخلّ لأزمة تتضمن تعقيدات سياسية وطائفية واجتماعية، وقبل كل ذلك هي أزمة اقتصادية وتنموية، وهذا التوصيف لا يعني مطلقًا الإقرار برفع السلاح في وجه الدولة أو الاستقواء بجهات خارجية في مشكلة محليَّة، فذلك أمر لا تقبل به أي دولة تحترم سيادتها، لكن احترام السيادة يجب أن يقوم على منح فرص تنمية ومشاركة متساوية للجميع، وبناء مؤسسات قادرة على إدارة الحوار بين مختلف قطاعات المجتمع، مما يقطع الطريق على أي أطراف خارجية تسعى للصيد في الماء العَكِر.
http://www.blqrn.com/show_article-39.html