في الجدل بشأن مبررات الإبقاء على ربط العملات الخليجية بالدول
مرسل: الاثنين ديسمبر 26, 2011 3:12 am
محمد الصياد
في السياسة يسهل تسييس ما هو مسيّس أصلاً، فليست في السياسة محددات قانونية فاصلة يمكن الركون اليها في بناء الأحكام الصحيحة الصارمة (القانون الذي يمثل ويعكس وجود علاقة منتظمة ومستمرة بين عناصر الظاهرة موضوع الدراسة والبحث والقياس) . إنما في الاقتصاد الأمر مختلف، فهنا لا مجال للأهواء والأقوال المرسلة على غير أساس من القانون أو الواقع القابل للقياس، ولا تملك محاولات تطويع قوانينه وفقاً للأهواء والرغبات والنزعات، سوى القليل جداً من الحظ في التسويق الآني والمحدود .
نقول هذا الكلام لمناسبة تعدد محاولات التطويع غير الاقتصادية لتحليلات حساب الأرباح والتكاليف في المسألة المتعلقة باستمرار ربط العملات الخليجية بالدولار الأمريكي . إذ يلاحظ على معظم التناولات، وهي تناولات رسمية أو شبه رسمية في الغالب، لهذه القضية الاقتصادية الكلية البالغة الأهمية والحساسية للاقتصادات الخليجية، تجارةً، واستثماراً، وأصولاً، وميزات تنافسية، وتضخماً، وقدرة شرائية وغيرها من مؤشرات الأساسيات الاقتصادية المتصلة بصميم حركة الدورة الاقتصادية “ذهاباً وإياباً” - وهي تناولات يتداولها، هذه الأيام خصوصاً، بعض الواجهات الإعلامية التي تبدو غير متخصصة - تطرح آراءً هي أقرب إلى التقارير السياسية الموجهة حتى وإن أُضفيت عليها النكهة الاقتصادية، منها إلى الآراء الاقتصادية الرصينة والموضوعية .
تذهب تلك الآراء التي تُنسب إلى اقتصاديين ومحللي أسواق مجهولين إلى أن استمرار ارتباط العملات الخليجية بالدولار الأمريكي خيارٌ صائب بغض النظر عن تدهور سعر صرف الدولار الأمريكي في الآونة الأخيرة مقابل كافة العملات الرئيسية العالمية، وأن قوة العملات الخليجية، أي ارتفاع أسعار صرفها في حال ابتعادها أو فك ارتباطها بالدولار الضعيف من شأنه أن يُثني ويعوِّق الاستثمارات الجديدة في دول مجلس التعاون، كما أن معظم أسعار السلع العالمية مقومة بالدولار الأمريكي، وضعف الدولار في هذه الحالة في السنوات الأخيرة قد حفز طلب وإقبال المستثمرين على الاستثمار في بلدان العملات المغرية المرتبطة به، فضلاً عن أن السوق الأمريكية تشكّل سوقاً رئيسية لمنتجي النفط الخليجيين . بل إن بعض تلك التقارير الموجهة يذهب إلى أنه حتى الكويت التي عادت بسرعة في عام 2007 إلى نظام صرفها وربطها النقدي الذي كانت تعمل به حتى عام 2003 حين قررت دول مجلس التعاون تطبيق المرحلة الأولى من خطة إنشاء العملة الخليجية الموحدة، وذلك بربط جميع العملات الخليجية بالدولار الأمريكي، فتخلت الكويت حينها، كما نعلم، عن نظام سلة العملات الذي كانت تعمل به للتغلب على تذبذبات سعر صرف الدولار - نقول إن بعض تلك التقارير ذهب إلى أنه حتى الكويت التي تطبق نظام سلة العملات، لم يكن سجلها في مجال مكافحة التضخم (الناجم عن تدهور قيمة الدولار) أفضل حالاً من سجل بقية دول مجلس التعاون في السنوات الأخيرة، وأن الدينار الكويتي مازال مرتبطاً بالدولار الأمريكي، وأن هناك شكوكاً في أن فك الارتباط بالدولار يمكن أن يؤدي إلى كبح جماح التضخم، وأن اليورو والين لا يوفران بديلاً عن الدولار يتسم بالشفافية وسهولة المعاملات السوقية، وأن الدولار مازال يعتبر ملاذاً آمناً بالنسبة إلى المستثمرين . . إلخ من الدفوع التي تلتمس الصحة وتقاربها أحياناً وإن غلب عليها التشويش والتقرير المخل .
فأين هي الحقيقة في مسألة استمرار ربط العملات الخليجية بالدولار الأمريكي؟
أولاً نوافق الرأي القائل بأن الدولار الأمريكي مازال من الناحية الفعلية والعملية يعتبر عملة العملات العالمية، فمعظم صفقات التوريد والتصدير والبيع والشراء في العالم، مقومة بالدولار، أي أن الدولار مازال أداة الدفع الاساسية، كما أنه مازال عملة الاحتياط الرئيسية .
لكن هذا “الملاذ” مهدد بأضرار فادحة جراء الوضع المالي والاقتصادي الهش للولايات المتحدة . وهذا التهديد حالّ وقد تقع أضراره في أية لحظة، حين تخفق الحكومة في سداد خدمة الدين العام المستحق عليها، كما حدث في شهر أغسطس/آب الماضي، فتلجأ إلى التمويل العجزي . وعندها لن تنفع تدابير الترقيع في “رتق الفتق” على النحو الذي دبرته بتحايل “ستاندرد آند بورز” حين خفضت وحسب التصنيف الائتماني للولايات المتحدة درجة واحدة فقط .
إن معظم تجارة دول مجلس التعاون هي مع دول جنوب شرق وغرب آسيا والصين وأوروبا، وأقلها مع الولايات المتحدة الأمريكية، التي لم تشكل الواردات الخليجية منها سوى 5 .2% فقط من إجمالي الصادرات الأمريكية إلى دول العالم في عام 2010 (أكثرها إلى دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية بنحو 11 مليار دولار لكل منهما)، يتصدرها العتاد العسكري والطائرات التجارية (دراسة لغرفة تجارة وصناعة دبي) . وهذا يعني أن نتيجة الارتباط بالدولار أو الارتباط بسلة عملات ليست واحدة، وإنما سيكون التضخم المستورد في صورة سلع وخدمات مستوردة - من الأسواق العالمية باستثناء السوق الأمريكية - في حالة الارتباط بالدولار أكبر منه في حالة الارتباط بسلة عملات .
إن تقارب مستوى التضخم في كل من دولة الكويت التي تأخذ بنظام سلة العملات وبين بقية دول مجلس التعاون التي تأخذ بنظام الربط بالدولار، لا يرجع إلى أن نتيجة الربط تبقى واحدة، فقد تكون أسباب التضخم في دولة الكويت تعود إلى عوامل الإفراط في الإنفاق العام والخاص - وهذا هو الأرجح - نتيجة لتراكم فوائض الموازنة العامة . ثم إن مستوى التضخم في دولة الكويت وبقية دول المجلس ليس واحداً، فقد بلغ 6 .4% مقابل أكثر من 5% في بعض دول المجلس . ولو أن الكويت قللت من ثقل الدولار في السلة لكانت نسبة التضخم فيها أقل من ذلك أيضاً .
إن الاستمرار في اعتماد نظام الصرف بالدولار، أي اعتماد الدولار عملة احتياط إسنادية وقياسية وتداولية واكنازية للعملات الوطنية الخليجية، يقترب في الظروف الاقتصادية الحالية وخصوصاً ظروف الدولار الأمريكي، من الحالة الشبيهة بمن يحاول التمسك بقشة . ولذلك فإن الصين أكبر مستثمر في الأصول الأمريكية هي الآن بصدد تسريع وتيرة استخدام عملتها الوطنية اليوان كأداة دفع دولية وعينها على ترنح اليورو وإمكانية انهياره.
في السياسة يسهل تسييس ما هو مسيّس أصلاً، فليست في السياسة محددات قانونية فاصلة يمكن الركون اليها في بناء الأحكام الصحيحة الصارمة (القانون الذي يمثل ويعكس وجود علاقة منتظمة ومستمرة بين عناصر الظاهرة موضوع الدراسة والبحث والقياس) . إنما في الاقتصاد الأمر مختلف، فهنا لا مجال للأهواء والأقوال المرسلة على غير أساس من القانون أو الواقع القابل للقياس، ولا تملك محاولات تطويع قوانينه وفقاً للأهواء والرغبات والنزعات، سوى القليل جداً من الحظ في التسويق الآني والمحدود .
نقول هذا الكلام لمناسبة تعدد محاولات التطويع غير الاقتصادية لتحليلات حساب الأرباح والتكاليف في المسألة المتعلقة باستمرار ربط العملات الخليجية بالدولار الأمريكي . إذ يلاحظ على معظم التناولات، وهي تناولات رسمية أو شبه رسمية في الغالب، لهذه القضية الاقتصادية الكلية البالغة الأهمية والحساسية للاقتصادات الخليجية، تجارةً، واستثماراً، وأصولاً، وميزات تنافسية، وتضخماً، وقدرة شرائية وغيرها من مؤشرات الأساسيات الاقتصادية المتصلة بصميم حركة الدورة الاقتصادية “ذهاباً وإياباً” - وهي تناولات يتداولها، هذه الأيام خصوصاً، بعض الواجهات الإعلامية التي تبدو غير متخصصة - تطرح آراءً هي أقرب إلى التقارير السياسية الموجهة حتى وإن أُضفيت عليها النكهة الاقتصادية، منها إلى الآراء الاقتصادية الرصينة والموضوعية .
تذهب تلك الآراء التي تُنسب إلى اقتصاديين ومحللي أسواق مجهولين إلى أن استمرار ارتباط العملات الخليجية بالدولار الأمريكي خيارٌ صائب بغض النظر عن تدهور سعر صرف الدولار الأمريكي في الآونة الأخيرة مقابل كافة العملات الرئيسية العالمية، وأن قوة العملات الخليجية، أي ارتفاع أسعار صرفها في حال ابتعادها أو فك ارتباطها بالدولار الضعيف من شأنه أن يُثني ويعوِّق الاستثمارات الجديدة في دول مجلس التعاون، كما أن معظم أسعار السلع العالمية مقومة بالدولار الأمريكي، وضعف الدولار في هذه الحالة في السنوات الأخيرة قد حفز طلب وإقبال المستثمرين على الاستثمار في بلدان العملات المغرية المرتبطة به، فضلاً عن أن السوق الأمريكية تشكّل سوقاً رئيسية لمنتجي النفط الخليجيين . بل إن بعض تلك التقارير الموجهة يذهب إلى أنه حتى الكويت التي عادت بسرعة في عام 2007 إلى نظام صرفها وربطها النقدي الذي كانت تعمل به حتى عام 2003 حين قررت دول مجلس التعاون تطبيق المرحلة الأولى من خطة إنشاء العملة الخليجية الموحدة، وذلك بربط جميع العملات الخليجية بالدولار الأمريكي، فتخلت الكويت حينها، كما نعلم، عن نظام سلة العملات الذي كانت تعمل به للتغلب على تذبذبات سعر صرف الدولار - نقول إن بعض تلك التقارير ذهب إلى أنه حتى الكويت التي تطبق نظام سلة العملات، لم يكن سجلها في مجال مكافحة التضخم (الناجم عن تدهور قيمة الدولار) أفضل حالاً من سجل بقية دول مجلس التعاون في السنوات الأخيرة، وأن الدينار الكويتي مازال مرتبطاً بالدولار الأمريكي، وأن هناك شكوكاً في أن فك الارتباط بالدولار يمكن أن يؤدي إلى كبح جماح التضخم، وأن اليورو والين لا يوفران بديلاً عن الدولار يتسم بالشفافية وسهولة المعاملات السوقية، وأن الدولار مازال يعتبر ملاذاً آمناً بالنسبة إلى المستثمرين . . إلخ من الدفوع التي تلتمس الصحة وتقاربها أحياناً وإن غلب عليها التشويش والتقرير المخل .
فأين هي الحقيقة في مسألة استمرار ربط العملات الخليجية بالدولار الأمريكي؟
أولاً نوافق الرأي القائل بأن الدولار الأمريكي مازال من الناحية الفعلية والعملية يعتبر عملة العملات العالمية، فمعظم صفقات التوريد والتصدير والبيع والشراء في العالم، مقومة بالدولار، أي أن الدولار مازال أداة الدفع الاساسية، كما أنه مازال عملة الاحتياط الرئيسية .
لكن هذا “الملاذ” مهدد بأضرار فادحة جراء الوضع المالي والاقتصادي الهش للولايات المتحدة . وهذا التهديد حالّ وقد تقع أضراره في أية لحظة، حين تخفق الحكومة في سداد خدمة الدين العام المستحق عليها، كما حدث في شهر أغسطس/آب الماضي، فتلجأ إلى التمويل العجزي . وعندها لن تنفع تدابير الترقيع في “رتق الفتق” على النحو الذي دبرته بتحايل “ستاندرد آند بورز” حين خفضت وحسب التصنيف الائتماني للولايات المتحدة درجة واحدة فقط .
إن معظم تجارة دول مجلس التعاون هي مع دول جنوب شرق وغرب آسيا والصين وأوروبا، وأقلها مع الولايات المتحدة الأمريكية، التي لم تشكل الواردات الخليجية منها سوى 5 .2% فقط من إجمالي الصادرات الأمريكية إلى دول العالم في عام 2010 (أكثرها إلى دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية بنحو 11 مليار دولار لكل منهما)، يتصدرها العتاد العسكري والطائرات التجارية (دراسة لغرفة تجارة وصناعة دبي) . وهذا يعني أن نتيجة الارتباط بالدولار أو الارتباط بسلة عملات ليست واحدة، وإنما سيكون التضخم المستورد في صورة سلع وخدمات مستوردة - من الأسواق العالمية باستثناء السوق الأمريكية - في حالة الارتباط بالدولار أكبر منه في حالة الارتباط بسلة عملات .
إن تقارب مستوى التضخم في كل من دولة الكويت التي تأخذ بنظام سلة العملات وبين بقية دول مجلس التعاون التي تأخذ بنظام الربط بالدولار، لا يرجع إلى أن نتيجة الربط تبقى واحدة، فقد تكون أسباب التضخم في دولة الكويت تعود إلى عوامل الإفراط في الإنفاق العام والخاص - وهذا هو الأرجح - نتيجة لتراكم فوائض الموازنة العامة . ثم إن مستوى التضخم في دولة الكويت وبقية دول المجلس ليس واحداً، فقد بلغ 6 .4% مقابل أكثر من 5% في بعض دول المجلس . ولو أن الكويت قللت من ثقل الدولار في السلة لكانت نسبة التضخم فيها أقل من ذلك أيضاً .
إن الاستمرار في اعتماد نظام الصرف بالدولار، أي اعتماد الدولار عملة احتياط إسنادية وقياسية وتداولية واكنازية للعملات الوطنية الخليجية، يقترب في الظروف الاقتصادية الحالية وخصوصاً ظروف الدولار الأمريكي، من الحالة الشبيهة بمن يحاول التمسك بقشة . ولذلك فإن الصين أكبر مستثمر في الأصول الأمريكية هي الآن بصدد تسريع وتيرة استخدام عملتها الوطنية اليوان كأداة دفع دولية وعينها على ترنح اليورو وإمكانية انهياره.