مشكله المياة العربيه
مرسل: الأربعاء ديسمبر 28, 2011 6:20 am
إذا كانت مشكلة المياه دولية بامتياز وقد أولتها الأمم المتحدة جانباً غير قليل من الاهتمام، ولاسيما خلال العقود الأربعة ونيّف الماضية، فإن المشكلة عربياً تزداد خطورة، فإضافة إلى تفاقمها عالمياً، فهناك التوزيع غير العادل للمياه، لاسيما نسبة هطول الأمطار، ففي بعض البلدان العربية، إضافة إلى الأنهار وربما الثلوج، فإن نسبة الأمطار أكثر من غيرها في مناطق أخرى تعاني من جفاف، لاسيما بسبب قلّة الأمطار . يضاف إلى ذلك الزيادة السكانية، حيث إن معدلاتها في بعض البلدان غيرها في بلدان أخرى، ومثل هذا الأمر يتعلق أيضاً بالمصادر المائية ونسبة استهلاكها، وكذلك سوء استخداماتها، ففي البلدان النامية ومنها الدول العربية تختلف نسبة الاستخدام للأغراض الزراعية عن الأغراض الصناعية والمنتجة، إضافة إلى الاستخدامات للحياة المنزلية، والأمر يتعلق أيضاً بمعدلات درجة الحرارة وارتفاع منسوب مياه البحار وازدياد نسبة الاحتباس الحراري وغيرها .
وتزداد المشكلة عربياً لأن هناك دولاً تفتقر أساساً إلى وجود كميات كافية من المياه، لاسيما بما يتناسب مع حجم الاستهلاك، كما أن منابع معظم الأنهار العربية هي في بلدان غير عربية، مثل النيل ودجلة والفرات، وتسير في دول الجوار، وهذه العوامل تشكل لغماً قابلاً للانفجار في أية لحظة، خصوصاً بارتفاع أهمية المياه وتعاظم الحاجة إليها وزيادة استهلاكها وشحّ مصادرها وتأثرها بالتغيرات المناخية والبيئية، فضلاً عن محاولات استغلالها سياسياً وتوظيفها لخدمة مصالح خاصة .
وإذا كانت مصر والسودان ويضاف إليهما اليوم جنوب السودان مستفيدة من النيل، فإن الدول المحيطة يمكنها تحجيم وتقييد حجم هذه الاستفادة، خصوصاً الدول التي فيها منبع ومجرى النيل، وهي تقارب نحو عشر دول . أما دجلة والفرات، حيث تستفيد منهما العراق وسوريا، فإنهما في مواجهة خاصة مع تركيا، لاسيما بعد بناء مشروع الغاب الكبير منذ أواسط الثمانينات الذي يضم نحو 21 سداً . أما فلسطين والأردن ولبنان وسوريا المستفيدة من نهر الأردن ونبع الوزاني ومياه الجولان والمياه الجوفية في الأرض المحتلة، فهي في مواجهة دائمة مع “إسرائيل” منذ تأسيسها، وقد تفاقمت هذه المشكلة في الستينات، وذلك عندما عملت سوريا على تحويل نهر بانياس، فحاولت “إسرائيل” التصدي لها، الأمر الذي دفع البلدان العربية إلى عقد قمة عربية عام ،1964 وهي القمة الأولى بعد قمة إنشاص عام 1946 لمواجهة الموقف واتخاذ خطوات موحّدة .
ويعاني الخليج من عدم وجود أنهار بل يعتمد بالدرجة الأساسية على تحلية مياه البحار بنسبة 62% على الرغم من أسعارها الباهظة، الأمر الذي سيؤدي إلى مشاكل جديدة، لاسيما بارتفاع مستوى المعيشة وارتفاع أسعار التكلفة .
يمكن القول إن المشكلة كبيرة ومعقدة، ولا تتعلق بالجانب العربي فحسب، لكنها تتعلق أيضاً بالدول التي تمرّ فيها الأنهار التي يستفيد منها الوطن العربي، وذلك لأن 62% من المياه العربية هي من خارج الوطن العربي، وإنْ كانت هذه النسبة كبيرة إلاّ أنها لا تغطّي الأراضي العربية الشاسعة، حيث تعاني من صحراء ممتدة وهائلة تزيد على 80% .
ويوجد في الوطن العربي نحو 34 نهراً مستمراً ومستديماً، وقد جفّ نهر بردى الذي ظلّ منذ خمسة آلاف سنة متدفقاً ومن دون توقف، وعلى الرغم من تدفق الأنهار لكن قدرتها التخزينية ليست كبيرة بسبب عدم ارتفاع نسبة المياه، ناهيكم عن التغييرات الحاصلة في الطبيعة . وقد تنتظر أنهار ذات تاريخ عريق تغزّل بها الشعراء على مرّ العصور من جفاف، وحسب بعض التقديرات فإن هذا ما ينتظر نهر دجلة في العراق في عام ،2040 إن لم يتم تدارك الأمر بسياسة بعيدة المدى تأخذ مصالح جميع الأطراف في الاعتبار مع مراعاة الجوانب الإنسانية وقواعد القانون الدولي .
ولعل هذه المشكلة ستزداد ارتفاعاً، وخصوصاً بازدياد الطلب وارتفاع الاستهلاك وتقدّم مستوى المعيشة والحاجة الأساسية للمياه للاستخدامات الصحية والبيئية والتنموية، الأمر الذي سيؤثر على نحو كبير في الأمن المائي والأمن الغذائي بحكم الاشتباك على المستوى الإقليمي بدول الجوار المحيطة، وقد تؤثر المسألة في قضية السلام في المنطقة، بل على المستوى العالمي، لعلاقتها بدول المحيط وخصوصاً “إسرائيل” وتركيا وإيران وإثيوبيا، وما يمكن أن تتركه من تأثيرات سلبية على النظام الإقليمي، ناهيكم عن انعكاساتها الاقتصادية والاجتماعية والتنموية والقانونية، إضافة إلى المسلحة والعسكرية .
ولعل هذه الإشكالات الفنية ستنعكس سياسياً وقانونياً واجتماعياً واقتصادياً، لتشكل تحديات كبرى، خصوصاً إذا ما عرفنا أن الماء سلعة استهلاكية، فضلاً عن التغيرات المناخية والبيئية والاحتباس الحراري وانعكاسات ذلك على الثروة المائية في المنطقة، لاسيما على الجانب العربي، الأمر الذي يحتاج إلى جهد منفرد على مستوى كل بلد عربي وجهد جماعي عربي مشترك يمكن أن تلعب فيها جامعة الدول العربية دوراً إيجابياً إذا ما استندت إلى خريطة طريق طويلة الأمد وعبر جهد معرفي وسياسي استراتيجي .
لقد سعت “إسرائيل” إلى تطويق الوطن العربي منذ وقت مبكر، ولهذا عملت على توثيق علاقاتها مع دول المحيط، ففي الستينات نشطت لبناء اتفاقية بين دول المحيط الثلاث: إيران الشاه، تركيا، وإثيوبيا، حيث تم التوقيع في عام 1958 على اتفاقية ضمّت تركيا وإثيوبيا و”إسرائيل” والتي عُرفت باسم اتفاقية “ترايدنت” أو الرمح الثلاثي ضد مصر وسوريا والعراق، مشجعة على مخاوف إثيوبيا هيلاسيلاسي من سياسة عبد الناصر الإفريقية التحررية، إضافة إلى محاولة دق أسافين بين العرب والأتراك، بعد الانفكاك من الدولة العثمانية التي حكمت البلاد العربية أكثر من أربعة قرون من الزمان، فضلاً عن ذلك استحضار أطماع بلاد فارس “العربية” ومحاولاتها للهيمنة على الخليج والعراق .
لقد بنت “إسرائيل” ثلاثة سدود كبرى في إثيوبيا في السبعينات للتحكّم في مياه نهر النيل والضغط على مصر والسودان، عبر شركة “تاحال الإسرائيلية” واستأجرت جزيرة دهلك في وسط البحر لاستخدامها قاعدة عسكرية، كما أن تركيا ظلّت تتحكم في مياه حوضي دجلة والفرات مؤثرة في سوريا والعراق، في حين أن إيران التي استفادت من اتفاقية 6 مارس/آذار عام 1975 المعروفة باسم “اتفاقية الجزائر” بين شاه إيران وصدام حسين بموجب خط الثالويك، ولا تزال متمسكة بها، وقامت بتحويل نهر قارون والكرخة إلى الداخل الإيراني وعدد غير قليل من الفروع التابعة لشط العرب! وخط الثالويك هو خط وهمي من أعمق نقطة في وسط مجرى النهر عند انخفاض منسوب المياه وحتى البحر، الأمر الذي سيعني بحكم الطبوغرافيا وتراكم الطمي والغرين أن شط العرب بعد نحو 100 عام سيصبح في الأراضي الإيرانية .
ومن دون إعادة النظر منهجياً بجميع هذه القضايا فإن مشكلة المياه ستتفاقم في الوطن العربي منذرة بحروب لا تحمد عقباها، خصوصاً في ظل ما تقوم به دول المحيط من برامج ومشاريع تلحق ضرراً بالعرب ومستقبلهم . ولعل هذه المسألة كانت موضوع مناقشة جادة في مؤتمر عقد مؤخراً في باريس نظّمه “مركز الدراسات العربي الأوروبي” بالتعاون مع “المعهد الأورو متوسطي”
وتزداد المشكلة عربياً لأن هناك دولاً تفتقر أساساً إلى وجود كميات كافية من المياه، لاسيما بما يتناسب مع حجم الاستهلاك، كما أن منابع معظم الأنهار العربية هي في بلدان غير عربية، مثل النيل ودجلة والفرات، وتسير في دول الجوار، وهذه العوامل تشكل لغماً قابلاً للانفجار في أية لحظة، خصوصاً بارتفاع أهمية المياه وتعاظم الحاجة إليها وزيادة استهلاكها وشحّ مصادرها وتأثرها بالتغيرات المناخية والبيئية، فضلاً عن محاولات استغلالها سياسياً وتوظيفها لخدمة مصالح خاصة .
وإذا كانت مصر والسودان ويضاف إليهما اليوم جنوب السودان مستفيدة من النيل، فإن الدول المحيطة يمكنها تحجيم وتقييد حجم هذه الاستفادة، خصوصاً الدول التي فيها منبع ومجرى النيل، وهي تقارب نحو عشر دول . أما دجلة والفرات، حيث تستفيد منهما العراق وسوريا، فإنهما في مواجهة خاصة مع تركيا، لاسيما بعد بناء مشروع الغاب الكبير منذ أواسط الثمانينات الذي يضم نحو 21 سداً . أما فلسطين والأردن ولبنان وسوريا المستفيدة من نهر الأردن ونبع الوزاني ومياه الجولان والمياه الجوفية في الأرض المحتلة، فهي في مواجهة دائمة مع “إسرائيل” منذ تأسيسها، وقد تفاقمت هذه المشكلة في الستينات، وذلك عندما عملت سوريا على تحويل نهر بانياس، فحاولت “إسرائيل” التصدي لها، الأمر الذي دفع البلدان العربية إلى عقد قمة عربية عام ،1964 وهي القمة الأولى بعد قمة إنشاص عام 1946 لمواجهة الموقف واتخاذ خطوات موحّدة .
ويعاني الخليج من عدم وجود أنهار بل يعتمد بالدرجة الأساسية على تحلية مياه البحار بنسبة 62% على الرغم من أسعارها الباهظة، الأمر الذي سيؤدي إلى مشاكل جديدة، لاسيما بارتفاع مستوى المعيشة وارتفاع أسعار التكلفة .
يمكن القول إن المشكلة كبيرة ومعقدة، ولا تتعلق بالجانب العربي فحسب، لكنها تتعلق أيضاً بالدول التي تمرّ فيها الأنهار التي يستفيد منها الوطن العربي، وذلك لأن 62% من المياه العربية هي من خارج الوطن العربي، وإنْ كانت هذه النسبة كبيرة إلاّ أنها لا تغطّي الأراضي العربية الشاسعة، حيث تعاني من صحراء ممتدة وهائلة تزيد على 80% .
ويوجد في الوطن العربي نحو 34 نهراً مستمراً ومستديماً، وقد جفّ نهر بردى الذي ظلّ منذ خمسة آلاف سنة متدفقاً ومن دون توقف، وعلى الرغم من تدفق الأنهار لكن قدرتها التخزينية ليست كبيرة بسبب عدم ارتفاع نسبة المياه، ناهيكم عن التغييرات الحاصلة في الطبيعة . وقد تنتظر أنهار ذات تاريخ عريق تغزّل بها الشعراء على مرّ العصور من جفاف، وحسب بعض التقديرات فإن هذا ما ينتظر نهر دجلة في العراق في عام ،2040 إن لم يتم تدارك الأمر بسياسة بعيدة المدى تأخذ مصالح جميع الأطراف في الاعتبار مع مراعاة الجوانب الإنسانية وقواعد القانون الدولي .
ولعل هذه المشكلة ستزداد ارتفاعاً، وخصوصاً بازدياد الطلب وارتفاع الاستهلاك وتقدّم مستوى المعيشة والحاجة الأساسية للمياه للاستخدامات الصحية والبيئية والتنموية، الأمر الذي سيؤثر على نحو كبير في الأمن المائي والأمن الغذائي بحكم الاشتباك على المستوى الإقليمي بدول الجوار المحيطة، وقد تؤثر المسألة في قضية السلام في المنطقة، بل على المستوى العالمي، لعلاقتها بدول المحيط وخصوصاً “إسرائيل” وتركيا وإيران وإثيوبيا، وما يمكن أن تتركه من تأثيرات سلبية على النظام الإقليمي، ناهيكم عن انعكاساتها الاقتصادية والاجتماعية والتنموية والقانونية، إضافة إلى المسلحة والعسكرية .
ولعل هذه الإشكالات الفنية ستنعكس سياسياً وقانونياً واجتماعياً واقتصادياً، لتشكل تحديات كبرى، خصوصاً إذا ما عرفنا أن الماء سلعة استهلاكية، فضلاً عن التغيرات المناخية والبيئية والاحتباس الحراري وانعكاسات ذلك على الثروة المائية في المنطقة، لاسيما على الجانب العربي، الأمر الذي يحتاج إلى جهد منفرد على مستوى كل بلد عربي وجهد جماعي عربي مشترك يمكن أن تلعب فيها جامعة الدول العربية دوراً إيجابياً إذا ما استندت إلى خريطة طريق طويلة الأمد وعبر جهد معرفي وسياسي استراتيجي .
لقد سعت “إسرائيل” إلى تطويق الوطن العربي منذ وقت مبكر، ولهذا عملت على توثيق علاقاتها مع دول المحيط، ففي الستينات نشطت لبناء اتفاقية بين دول المحيط الثلاث: إيران الشاه، تركيا، وإثيوبيا، حيث تم التوقيع في عام 1958 على اتفاقية ضمّت تركيا وإثيوبيا و”إسرائيل” والتي عُرفت باسم اتفاقية “ترايدنت” أو الرمح الثلاثي ضد مصر وسوريا والعراق، مشجعة على مخاوف إثيوبيا هيلاسيلاسي من سياسة عبد الناصر الإفريقية التحررية، إضافة إلى محاولة دق أسافين بين العرب والأتراك، بعد الانفكاك من الدولة العثمانية التي حكمت البلاد العربية أكثر من أربعة قرون من الزمان، فضلاً عن ذلك استحضار أطماع بلاد فارس “العربية” ومحاولاتها للهيمنة على الخليج والعراق .
لقد بنت “إسرائيل” ثلاثة سدود كبرى في إثيوبيا في السبعينات للتحكّم في مياه نهر النيل والضغط على مصر والسودان، عبر شركة “تاحال الإسرائيلية” واستأجرت جزيرة دهلك في وسط البحر لاستخدامها قاعدة عسكرية، كما أن تركيا ظلّت تتحكم في مياه حوضي دجلة والفرات مؤثرة في سوريا والعراق، في حين أن إيران التي استفادت من اتفاقية 6 مارس/آذار عام 1975 المعروفة باسم “اتفاقية الجزائر” بين شاه إيران وصدام حسين بموجب خط الثالويك، ولا تزال متمسكة بها، وقامت بتحويل نهر قارون والكرخة إلى الداخل الإيراني وعدد غير قليل من الفروع التابعة لشط العرب! وخط الثالويك هو خط وهمي من أعمق نقطة في وسط مجرى النهر عند انخفاض منسوب المياه وحتى البحر، الأمر الذي سيعني بحكم الطبوغرافيا وتراكم الطمي والغرين أن شط العرب بعد نحو 100 عام سيصبح في الأراضي الإيرانية .
ومن دون إعادة النظر منهجياً بجميع هذه القضايا فإن مشكلة المياه ستتفاقم في الوطن العربي منذرة بحروب لا تحمد عقباها، خصوصاً في ظل ما تقوم به دول المحيط من برامج ومشاريع تلحق ضرراً بالعرب ومستقبلهم . ولعل هذه المسألة كانت موضوع مناقشة جادة في مؤتمر عقد مؤخراً في باريس نظّمه “مركز الدراسات العربي الأوروبي” بالتعاون مع “المعهد الأورو متوسطي”