- الخميس فبراير 16, 2012 2:02 pm
#47236
مثلما نتحدث في الاقتصاد عن الطلب الفعال ونعني به الرغبة في الشراء مقرونة بالقدرة الشرائية، فإننا في السياسة الخارجية نتحدث عن السياسة الخارجية الفعالة ونعني بها الرغبة في تحقيق هدف خارجي مقرونة بالقدرة على تحقيق هذا الهدف.
والدولة عادة ما تترجم مقدرتها على تحقيق الهدف من خلال استخدامها لوسائل مختلفة أهمها: الدبلوماسية، القوات المسلحة، الدعاية، الأدوات الاقتصادية.
الدبلوماسية: Diplomacy
يقصد بالدبلوماسية عملية التمثيل والتفاوض التي تجري بين الدول في غمار إدارتها لعلاقاتها الدولية. ويعرفها . . . "جورج كينان" بأنها "عملية الاتصال بين الحكومات".
والدبلوماسية الفعالة هي الدبلوماسية التي تدعمها وسائل السياسة الخارجية الأخرى وبالذات القوات المسلحة والأدوات الاقتصادية. فبدون دعم تلك الوسائل ستكون فعالية الدبلوماسية محدودة إن لم تكن معدومة.
أنواع الدبلوماسية الحديثة:
إن مما زاد من أهمية الدبلوماسية كأداة للسياسة الخارجية تنوع أنماطها وتعدد أشكالها فهي لم تعد ذلك النمط التقليدي المتمثل بشخصية السفير أو بنشاط البعثة الدبلوماسية وإنما توسعت وأخذت أشكالاً وأنماطاً مختلفة.
فقد تأخذ الدبلوماسية شكل "دبلوماسية القمة" Summit Diplomacy ويقصد بها المؤتمرات التي يعقدها رؤساء الدول فيما بينهم لمناقشة بعض القضايا الدولية أو العلاقات بين الدول المشتركة في لقاء القمة. لقد شاع في السنوات الأخيرة هذا النمط من الدبلوماسية.
وهذا النوع من النشاط الدبلوماسي يعكس مدى التطور في أهمية العلاقات فيما بين الدول واهتمام حكومات دول العالم في البعد الدولي.
لقد جاءت فكرة لقاءات القمة كوسيلة لوضع حلول جذرية أو اتفاقيات هامة بين الدول حيث أن لقاء زعماء الدول بما لديهم من صلاحيات واسعة سيساعد على توفير الوقت والجهد وسرعة الوصول إلى قرارات هامة.
إن معظم الاتفاقيات الدولية الهامة التي تم الوصول إليها بعد الحرب العالمية الثانية وكان لها أثر على مجرى العلاقات الدولية كانت وليدة لقاءات قمة بين الدول.
النمط أو الشكل الآخر للدبلوماسية هو "دبلوماسية الأزمات"Crisis Diplomacy ويقصد بهذا النوع من الدبلوماسية النشاط الدبلوماسي الذي يوجه لحل أزمة دولية طارئة.
وإدارة الأزمات الدولية أصبحت إدارة هامة في العلاقات الدبلوماسية المعاصرة. ذلك أن المجتمع الدولي المعاصر معرض باستمرار لأزمات سياسية مختلفة نتيجة للاختلافات العقائدية، والسياسية، والاقتصادية بين الدول ولعدم مقدرة أو رغبة الدول في استخدام القوة العسكرية لوضع حد للأزمات.
لذا جاءت دبلوماسية الأزمات كبديل للحرب وكمخرج للتوتر بين الدول. وجرت العادة أن يمنح المبعوث الدبلوماسي الذي سيتولى حل الأزمات الدولية صلاحيات واسعة تمكنه من التحرك الدبلوماسي السريع، وأن يراعى في اختياره خبرته في حل المشاكل الدولية وقدرته على فهم أبعاد المشكلة أو الأزمة المعنية.
وأما النمط الثالث والأخير للدبلوماسية المعاصرة فهو "دبلوماسية المحالفات" Alliance Diplomacy وهي تعني النشاط الدبلوماسي الذي يكرس لإنشاء تحالفات عسكرية أو تكتلات سياسية.
ولقد ظهر هذا النمط من الدبلوماسية نتيجة لزيادة اتجاه الدول نحو التحالفات والتكتلات. لقد فرضت الطبيعة الفوضوية وصراع القوة في المجتمع الدولي المعاصر أهمية التحالفات العسكرية.
كما أن التكتلات السياسية أصبحت أداة لزيادة النفوذ السياسي للمجموعات الدولية والدول القوية في المجتمع الدولي. ولما للتحالفات العسكرية والتكتلات السياسية من أهمية لأمن الدولة ونفوذها فلقد حظيت باهتمام خاص في المجال الدبلوماسي يفوق الاهتمامات الأخرى.
البعثة الدبلوماسية:
تتطلب عملية التمثيل والتفاوض التي تجرى بين الدول وما يترتب عليها من أعمال فرعية اضطلاع عدد من الأشخاص بمهام محددة.
لذا جرت العادة بين الدول أن توفد كل منها مجموعة من الأشخاص للقيام بتلك المهام. وعادة يرأس المجموعة الموفدة شخص مسؤول يعتبر الممثل الأصيل لدولته لدى الدولة الموفد لديها ويقوم بإدارة المجموعة وتوزيع العمل بين أعضائها.
وتشكل المجموعة بما فيها الرئيس ما يسمى أو يعرف "بالبعثة الدبلوماسية" Diplomatic Mission وليس هناك حجم محدد من الأفراد للبعثة الدبلوماسية وإنما يعتمد عدد أفراد البعثة على المصالح التي تربط الدولة الموفدة للبعثة بالدولة الموفدة إليها.
وتتحدد، مرتبة البعثة الدبلوماسية حسب الأهمية التي تعلقها الدولة على العلاقات الدبلوماسية التي تتبادلها مع الدولة الأخرى أو حسب مبدأ المعاملة بالمثل.
إلا أنه من الملاحظ أن معظم البعثات الدبلوماسية تكون على مستوى "السفارة" والتي يرأسها ممثل دبلوماسي برتبة سفير. ويأتي بعد السفارة من حيث الأهمية التمثيلية "المفوضية" ويرأسها ممثل دبلوماسي برتبة "مبعوث فوق العادة" أو "وزير مفوض" كما قد يرأس البعثة الدبلوماسية "قائم بالأعمال".
وتقوم البعثة الدبلوماسية بعدد من المهام التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بصناعة القرار السياسي الخارجي وبتنفيذ السياسة الخارجية للدولة.
أولى هذه المهام تمثيل الدولة الموفدة للبعثة لدى الدولة المعتمدة لديها. ويتولى رئيس البعثة ذاته مهمة التمثيل حيث يقوم بحضور الحفلات والاستقبالات الرسمية التي تقيمها الدولة المعتمد لديها وتدعى لها السلك الدبلوماسي الأجنبي.
كما يقوم رئيس البعثة الدبلوماسية بزيارات المجاملة التي جرى العرف على القيام بها في المناسبات المختلفة. وقيام رئيس البعثة بهذه المهمة له معنى خاص في العلاقات الدبلوماسية إذ أن حضوره ومشاركته يترجم الود والاحترام في حين أن غيابه قد يفسر على أنه موقف سلبي من قبل حكومته وهذا قد يؤثر على العلاقات بين الدولتين.
وبالإضافة إلى تلك المهمة تقوم البعثة بمهمة رئيسية أخرى هي التفاوض مع حكومة الدولة الموفدة إليها. وتتطرق المفاوضات إلى كل ما يهم الدولة الموفدة. ويتم التفاوض عادة بين رئيس البعثة ووزير خارجية الدولة الموفدة إليها. لذا تعمل البعثة الدبلوماسية كقناة للاتصال الدائم بين الدولة الموفدة للبعثة والدولة والموفدة إليها.
كما تقوم البعثة الدبلوماسية بمتابعة كافة ما يحدث في الدولة الموفدة إليها وإبلاغ حكومتها أولاً بأول بكل ما يهمها من الأحداث والتطورات. وعادة يستعين رئيس البعثة لمعرفة الأحداث في الدولة المعتمد لديها وتفسيرها بفريق من الملحقين السياسيين والتجاريين والعسكريين وعدد من الخبراء المختصين.
وتقوم البعثة الدبلوماسية كذلك بمتابعة تنفيذ الدولة الموفدة إليها لالتزاماتها تجاه الدولة الموفدة لها والتدخل لدى وزير خارجية الدولة الموفدة إليها البعثة كلما حصل إخلال بتلك الالتزامات. وما يلزم الإشارة إليه في هذا المجال هو أنه ليس لرئيس البعثة الدبلوماسية أو لأي من أعضاء البعثة حق التدخل مباشرة لدى السلطات المحلية وإنما يتم التدخل عن طريق وزارة الخارجية.
وتعلم البعثة الدبلوماسية كذلك على تحسين العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية بين الدولة الموفدة لها والدولة الموفدة إليها.
أخيراً تقوم البعثة الدبلوماسية بأعمال إدارية ذات صلة برعايا الدولة الموفدة للبعثة مثل حمايتهم وتسجيل المواليد والوفيات وعمل عقود الزواج والتأشير على جوازات السفر. وعادة تقوم القنصليات التابعة للسفارة بهذه المهام حيث أن معظم هذه الأعمال ليست ذات طابع سياسي كما أن ممارستها لا تؤثر على طبيعة العلاقات بين الدول.
القوات المسلحة: Military Power
تعتبر القوات المسلحة إحدى الوسائل الأساسية لتنفيذ السياسة الخارجية وإحدى المقومات الأساسية لنجاح الدبلوماسية.
ورغم أن القوات المسلحة تعتبر باهظة التكاليف إذا ما قورنت بالدبلوماسية وغير مرغوب في استخدامها في المجتمع الدولي كوسيلة لتحقيق الأهداف الخارجية، إلا أنها مع ذلك تحظى باهتمام بالغ لدى حكومات المجتمع الدولي ذلك أن الأداة العسكرية "تهيئ خلفية من الثقة والاستقرار لعمل الدبلوماسية وأن التفاوض من مركز القوة حكمة سليمة، إذ لا يمكن لدولة لا تسندها قوة عسكرية أن تمتنع عن إعطاء تنازلات تضر بمصالحها الحيوية إذا تعرضت لضغوط وتهديدات ليس بوسعها أن تقاومها".
و القوات المسلحة تستخدم في أكثر من مظهر واحد. فبالإضافة إلى استخدامها التقليدي ونعنى به الاستخدام الفعلي وقت الحرب للدفاع أو الهجوم، تستخدم القوات المسلحة أيضاً وقت السلم للضغط والردع وما يترتب عليهما من رضوخ الأطراف الأخرى وتحقيق المصالح القومية.
إن استخدام القوات المسلحة كوسيلة للضغط والردع وقت السلم هو الذي يبرر النفقات الباهظة عليها ويزيد من قناعة المواطن العادي بأهمية النفقات وتحمل آثارها.
فعدم دخول القوات المسلحة في حرب دفاعية أو هجومية لا يعني توقف فاعليتها، بل إن استخدام القوات المسلحة في السلم للضغط والردع يفوق استخدامها في الحرب ذلك أن القتال استثناء والسلام هو القاعدة.
كما أن الضغط والردع، إذا تم من خلالهما تحقيق الهدف القومي، أكثر جدوى من الحرب حيث أنهما لن يكلفا الموطن والمواطن أي عبء إضافي في حين أن الحرب سيترتب عليها خسائر إضافية للوطن والمواطن وحجم هذه الخسائر يتوقف على طول أمد الحرب ونوعية الأسلحة المستخدمة فيها.
الاستخدامات المختلفة للقوات المسلحة:
تستخدم القوات المسلحة في أشكال مختلفة. ويمكن أن نحدد ثلاثة استخدامات رئيسية للقوات المسلحة.
فقد تستخدم القوات المسلحة كأداة للهجوم Offensive Capability. واستخدام القوات المسلحة للتوسع والسيطرة سمة من سمات العلاقات الدولية المعاصرة. إن احتلال إسرائيل للأراضي العربية، واحتلال الاتحاد السوفيتي لأفغانستان، وأمريكا للعراق مجرد أمثلة لحالات لاحصر لها.
ومما زاد من فاعلية وأهمية استخدام القوات المسلحة كأداة للهجوم هو نجاح هذه السياسة في تحقيق عدد من الأهداف القومية للدول التي أخذت بها.
كما أن الأخذ باستراتيجية الهجوم في الحرب يأتي من قناعة الدولة المهاجمة بأن الهجوم رغم ما يترتب عليه من مسؤوليات قومية وانتهاك للقوانين الدولية هو أفضل وسيلة للدفاع وتحقيق الأهداف القومية حيث أن الدولة التي تبدأ الهجوم عادة ما تختار الوقت المناسب والظروف الملائمة للقتال، وهذا عنصر هام في تحويل مجرى الحرب وتحديد نتائجها.
وقد تستخدم القوات المسلحة كأداة للدفاع Defensive War Capability واستخدام القوات المسلحة للدفاع استخدام مشروع حيث أن الدولة مضطرة للدفاع عن أمنها ومصالحها القومية.
كما أن الدولة التي تلجأ للدفاع تحظى بدعم وعطف الرأي العام العالمي حيث ينظر إليها على أنها دولة معتدى عليها.
لكن مقابل الشرعية والعطف العالمي تفقد الدولة التي تلجأ لاستراتيجية الدفاع مزايا عسكرية هامة منها فقدان زمام المبادرة والاستعداد وفرض الحرب عليها في وقت قد يكون غير مناسب ووفق ظروف غير ملائمة.
إن المحصلة النهائية لاستراتيجية الحرب الدفاعية تعتمد على قدرة وإمكانيات حكومة الدولة المدافعة والروح المعنوية لشعبها.
فقد تدخل الدولة في حرب دفاعية لكن نظراً لتوفر الإمكانيات لديها وقدرة حكومتها على التعبئة العسكرية وتضحية شعبها تحول الحرب الدفاعية إلى حرب هجومية بعد احتواء الهجوم المعادي وصده ومن ثم تحويل المعركة إلى أراضي الدولة المعتدية.
وفي هذه الحالة تتحول الاستراتيجية للدولة من استراتيجية دفاع إلى استراتيجية هجوم وهنا تكسب الدولة شرعية الحرب وتحقق مصالح قومية جديدة غالباً ما تكون مصالح استراتيجية.
وأخيراً تستخدم القوات المسلحة كأداة للردع Deterrent Capability والردع سياسة معقدة تعني في مفهومها المبسط أن الأسلحة تخزن والجيش يجهز لا بقصد الاستعمال في الهجوم وإنما بقصد إقناع الخصم بأنها ستستخدم فوراً لصد أي هجوم جدي يقوم به.
ونجاح سياسة الردع يتطلب توفر عدد من المتطلبات الأساسية. أول هذه المتطلبات حيازة الدولة الرادعة إمكانيات كافية من القوة لرد الدولة المهاجمة وإقناعها بان مسار المعركة في حال وقوعها قد يتحول ضد مصلحتها.
ثم لابد أن يكون هناك تصميم ملموس من قبل الدولة الرادعة على الاستخدام الفعلي للإمكانيات المتاحة لها لصد أي عدوان خارجي.
كما أن الدولة المهاجمة يلزم أن تعرف معرفة دقيقة الإمكانيات المتاحة لدى الدولة الرادعة. فمعرفة هذه الإمكانيات سيساعد على نجاح سياسة الردع وعدم معرفتها سيشجع الدولة المعتدية على الهجوم.
بالإضافة إلى ذلك يتطلب نجاح سياسة الردع معرفة الدولة الرادعة للقيم التي تحكم سلوك الدولة التي تهدد بالهجوم. فالطبيعية العدوانية للدولة المهاجمة سوف تحد من نجاح سياسة الردع إذ أن الدولة العدوانية عادة ما تقدم على المغامرات العسكرية بغض النظر عن احتمالات النجاح.
أخيراً لنجاح سياسة الردع يفترض أن المعتدي يتصرف بطريقة عقلانية ويقدر العائد والتكلفة للعمل العسكري ومدى خدمة هذا العمل للمصلحة القومية. فغياب العقلانية يعني انعدام التقييم الموضوعي للعمل العسكري والاستسلام للعواطف والرغبات. وهذا الاستسلام قد يدفع قادة الدولة المهاجمة إلى الدخول في مغامرة عسكرية بغض النظر عن محصلتها النهائية.
أنواع الحروب:
تأخذ الحرب في حالة وقوعها أشكالاً مختلفة ومتباينة. ويأتي هذا الاختلاف من اختلاف الأهداف والإمكانيات العسكرية.
فقد تكون الحرب حرباً خاطفة. وهذه الحرب عادة ما تكون ذات طابع هجومي حيث توجه الدولة ضربة خاطفة لمراكز تجمع الجيوش المعادية عن طريق استخدام أسلحتها السريعة والمتحركة. وتتميز الحرب الخاطفة بقصر مدتها الزمنية وبتحديد الهدف المنشود والموجهة نحوه العمليات العسكرية تحديداً دقيقاً.
وقد تأخذ الحرب شكل حرب استنزاف؛ وهي على خلاف الحرب الخاطفة تتميز بطول المدة واختلاف نوعية الأسلحة المستخدمة وتكتيكات القتال. ونجاح حرب الاستنزاف يتطلب توفر عدد من المتطلبات أهمها: ظروف طبيعية ملائمة، وقدرة البلاد على الصمود السياسي والاقتصادي والعسكري لفترة طويلة من الزمن، ورغبة الشعب في تحمل آثار الحرب ومتاعبها.
والدول التي تأخذ باستراتيجية حرب الاستنزاف عادة ما تكون دول لديها كثافة سكانية تؤهلها لتوفير العدد اللازم من المقاتلين، ولديها شبه اكتفاء ذاتي في المواد الغذائية، والروح المعنوية لشعبها مرتفعة لدرجة تضمن للحكومة والقيادة العسكرية قاعدة شعبية صلبة.
وقد تكون الحرب حرباً وقائية Preventive War وهي تعني تدمير قوة الخصم والقضاء عليها قبل أن تنمو في كامل أبعادها. فأتباع هذه الاستراتيجية يضمن للدولة التي تشن حرباً وقائية السيطرة العسكرية حيث أنها ستقضي على أمل امتلاك الدولة المعادية للأسلحة المتطورة.
وأخيراً قد تأخذ الحرب شكل حرب إحباط Pre-emptive وحرب الإحباط تعني الحرب التي تشنها دولة ما حينما يثبت لها أن خصمها يوشك أن يشن هجوماً ضدها.
لذا تعتمد حرب الإحباط وبدرجة كبيرة على المقدرة في تفسير نوايا الخصم وما إذا كان بالفعل يوشك أن يشن هجوماً أم أنه يمارس نوعاً من سياسة الردع واستعراض العضلات. والدولة التي تشن حرب الإحباط عادة ما تحاول أن تبرر هجومها على أساس أن أمنها في خطر وأن إقدامها على الحرب أمر لابد منه للحفاظ على الأمن القومي.
الدعاية: Propaganda
تعني الدعاية أي محاولة منظمة للتأثير على عقول وعواطف وسلوك جماعة معينة تحقيقاً لهدف عام معين. والدعاية تشترك مع الدبلوماسية في أنها نشاط كلامي بالدرجة الأولى، غير أنها تختلف عن الدبلوماسية في أنها توجه إلى شعوب الدول الأخرى لا إلى حكوماتها.
ولكي تكون الدعاية ناجحة وفعالة يجب أن يتوفر بها عدد من الشروط الأساسية. يجب أن تتسم أولاً بالبساطة في العرض حتى يمكن فهمها بدون جهد من قبل القارئ والمستمع العادي. فكلما كانت الدعاية بسيطة كلما زاد تأثيرها في عامة الجماهير وحققت بذلك الأهداف المرجوة منها.
كما يجب أن تتسم الدعاية بالقدرة على جذب انتباه القارئ أو المستمع وإثارة اهتمامه. وكلما كانت الدعاية مرتبطة بالواقع الذي تعيشه الجماهير كلما قوي جذبها للانتباه. ذلك أن الجماهير دائماً معنية بواقعها. وبالإضافة إلى الاهتمام بواقع الجماهير يجب الاهتمام بتحريك عواطفهم. لأن تحريك العواطف يساعد على إثارة الاهتمام بالمادة الدعائية.
والدعاية لكي تكون مقبولة يجب أن تكون إلى حد ما معقولة. أي أن المادة الدعائية يجب أن لا تخلو من الصحة. ذلك أن الكذبة المطلقة ليس من السهل بيعها للجماهير، لأن الجماهير حينما تتلقى أي مادة دعائية تحاول مقارنتها إلى حد ما بالواقع للتأكد من مدى صحتها النسبية. ولا يشترك أن تكون كل المادة الدعائية صحيحة.
وحتى تحقق الدعاية التأثير المنشود في عقول وعواطف وسلوك الجماهير يجب أن تكون المادة الدعائية متفقة في المضمون، ذلك أن التناقض في المضمون يؤدي إلى التشكيك في المادة الدعائية.
فإذا كان هدف الإعلام السعودي مثلاً تقديم مادة دعائية ضد دولة معادية فيجب أن يكون مضمون المادة متناسقاً في الراديو والصحافة والتلفزيون فإذا وجد الجمهور المخاطب، مثلاً أن خبر الإذاعة الدعائي تؤكده الصحافة ويدعمه التلفزيون. فإن هذا سيزيد من قناعة الجمهور المخاطب بصحة الخبر. أما إذا قدمت الإذاعة خبراً إذاعياً، وقدمت الصحف نفس الخبر لكن في مضمون يختلف، وتجاهل التلفزيون الخبر كلية فإن هذا سيدفع المواطن إلى التشكيك في الخبر.
ولترسيخ المادة الدعائية في أذهان الجماهير المخاطبة لابد من تكرارها بحيث تظهر للجمهور المخاطب وكأنها حقيقة مسلم بها. فتقديم المادة الدعائية مرة أو مرتين لا يكفي، بل لابد من تكرارها عدة مرات وفي كافة الوسائل الإعلامية: الإذاعة، والصحافة، والتلفزيون.
الاستراتيجيات الدعائية:
وفي مجال الاستراتيجيات الدعائية يمكن أن نميز بين نوعين من الاستراتيجيات. الاستراتيجية الموضوعية أو استراتيجية الحقيقة Strategy of Truth واستراتيجية الكذبة الكبرى Strategy of Big Lie.
الاستراتيجية الموضوعية تعني تقديم المادة الإعلامية للمستمع أو القارئ بشكل إخباري يراعى فيه أكبر قدر من الدقة والموضوعية ومن ثم يترك له مهمة استنتاج مغزى أو دلالة الخبر الإعلامي.
واستراتيجية الموضوعية مبنية على أساس أن تقديم المعلومات الصحيحة ذو أهمية سياسية خاصة لمواطن الدول ذات الإعلام الموجه والتي تحجب عن مواطنيها كثيراً من الحقائق الإعلامية. كما أن لهذه الاستراتيجية ميزة كبرى تتمثل في اجتذاب القراء والمستمعين الذين يحرصون على الحصول على معلومات صحيحة تساعدهم على تصحيح الأخبار المغلوطة والمشكوك فيها والتي تقدم لهم في الداخل.
أما استراتيجية الكذبة الكبرى فهي تعني تحريف أو تشويه المادة الإعلامية من أجل التلاعب بالرأي العام الموجه نحوه الدعاية.
ولقد استعمل الإعلام النازي هذه الاستراتيجية بفعالية معتمداً على الفكرة التي عرضها "هتلر" في كتابه كفاحي وهي أن الكذبة إذا كانت كذبة كبرى ورددت ترديداً كافياً فسوف تصدقها الجماهير تصديقاً جزئياً على الأقل إذ أن أكثر الناس يفتقرون إلى سعة الأفق اللازمة لإدراك أن ترديد تصريحات ما لا يعني صحتها.
الأدوات الاقتصادية: Eeconomic Instruments
احتلت الأدوات الاقتصادية كوسيلة للسياسة الخارجية مكانة هامة في العلاقات الدولية المعاصرة. وهذه الأهمية للأدوات الاقتصادية جاءت من عاملين:
الأول، احتلال الرفاهية الاقتصادية لشعوب المجتمع الدولي مكانة بارزة في سلم أولويات الأهداف القومية للحكومات المعاصرة. لقد أصبحت المشاكل الاقتصادية مثل البطالة، والتضخم، ونقص المواد الغذائية قضايا هامة تشغل بال الحكومات المعاصرة، إذ أن بقاءها في السلطة يعتمد على قدرتها في حل هذه المشاكل.
أما العامل الثاني، فهو زيادة الاعتماد الاقتصادي المتبادل بين الدول وما يترتب على هذا الاعتماد من زيادة في أهمية وأولوية الأدوات الاقتصادية كوسيلة للسياسة الخارجية.
تعتبر التعريفات الجمركية Tariffs من أهم وأقدم الأدوات الاقتصادية. وتفرض التعريفات الجمركية لأهداف مختلفة.
فقد تفرض كوسيلة للحصول على إيرادات مالية، حيث أن الدولة التي تعاني من مشاكل مالية تجد التعريفة وسيلة للحصول على إيرادات تساهم في دعم الميزانية العامة للدولة.
وقد تفرض التعريفة الجمركية كوسيلة لحماية المنتجات الوطنية، إذ أن فرض التعريفة الجمركية على السلع المستوردة سيزيد في سعرها ويحد من منافستها للمنتجات المحلية.
كما قد تفرض التعريفة الجمركية كوسيلة للانتقام ضد دولة، حيث أن فرض التعريفة الجمركية على المواد المستوردة من دولة معينة سيؤدي بطريقة غير مباشرة إلى الحد من الاستيراد منها ووضع العوائق أمام منتجاتها.
ثم هناك القيود النقدية Currency Regulations وتعني تولي الحكومة بنفسها الإشراف على ما يصرف من نقد في الخارج سواء لشراء سلع أو خدمات أو للسياحة والاستثمار.
وحينما تمارس الحكومة إجراء القيد النقدي فهي تتولى بنفسها الإشراف على منح التراخيص الخاصة بتحويل العملات للخارج وشراء العملات الصعبة مثل الدولار والجنيه الإسترليني.
والحكومات تلجأ عادة لفرض القيود النقدية لحماية ميزان مدفوعاتها، وهو البيان الإجمالي السنوي الذي يصور إيرادات الدولة من الخارج ومدفوعات الدولة إلى الخارج.
وقد تستخدم الدولة الحظر الاقتصادي Embargo كأداة للسياسة الخارجية. والحظر يعني عدم تصدير سلعة معينة إلى دولة أو دول محددة لأسباب سياسية أو اقتصادية.
وقد يكون الحضر كلياً أي منعاً شاملاً لتصدير السلعة أو جزئياً أي منع تصدير السلعة بنسبة معينة مثال ذلك الحظر الجزئي الذي فرضته الدول العربية المنتجة للنفط على تصدير النفط لأمريكا وبعض الدول الغربية خلال الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973.
وعلى خلاف الحظر قد يكون الأجراء الاقتصادي المتبع هو المقاطعة Boycott. والمقاطعة تعني رفض استيراد السلع التي تنتجها دولة أو شركة معينة.
وهي تفرض أما لاعتبارات اقتصادية أو سياسية لكنها كثيراً ما تفرض لاعتبارات سياسية مثل مقاطعة الدول العربية لإسرائيل والشركات الأجنبية التي تصنع فيها.
كذلك يعتبر الاندماج الاقتصادي Economic Integration أداة من أدوات السياسة الخارجية إذ أنه عن طريق هذا الاندماج تحقق الدول بعض المكاسب الاقتصادية وتواجه به التحديات الاقتصادية التي ترفعها لها دول وتكتلات أجنبية.
كما أن الاندماج الاقتصادي قد يكون خطوة نحو اندماج سياسي كما كانت الفكرة عند قيام السوق الأوربية المشتركة حيث كان المؤسسون لها يتوقعون أن تؤدي الوحدة الاقتصادية إلى وحدة سياسية. لكن مبدأ السيادة القومية وتوسع دول السوق حال دون تحقيق هذه التوقعات وبقيت السوق مجرد وحدة اقتصادي.
وقد تستخدم الدولة تجميد الأرصدة أو تأميمها كاجراء اقتصادي لتحقيق هدف سياسي. وهذا الأجراء يعني تجميد أو تأميم الأرصدة والموجودات لدولة أجنبية داخل إقليم الدولة التي تلجا إلى مثل هذا الشكل من الإجراءات الاقتصادية.
والتجميد يعني عدم السماح لدولة أجنبية باستخدام أرصدتها وموجوداتها داخل إقليم الدولة التي اتخذت إجراء التجميد حتى تستجيب الدولة الأجنبية للمطالب السياسية أو الاقتصادية المطلوب منها. مثال لذلك تجميد أمريكا للأرصدة والموجودات الإيرانية خلال أزمة الرهائن في السفارة الأمريكية في طهران عام 1979م.
وقد يكون الإجراء الاقتصادي المتبع هو تخفيض قيمة العملة المحلية. والتخفيض إجراء اقتصادي تلجأ إليه الدولة لتشجيع صادراتها إلى الدول الأخرى، حيث أن التخفيض في قيمة العملة يؤدي إلى تقليل ثمن المنتجات المحلية في الخارج وهذا بدوره يؤدي إلى زيادة الطلب عليها.
وهناك أداة اقتصادية أكثر فعالية في الساحة الخارجية ونعني بها المساعدات الخارجية Foreign Aid.
والمساعدات الخارجية أول من استخدمها الدول الغنية والقوية في المجتمع الدولي وبالذات الدول الغربية حيث وجدت هذه الدول أن المساعدات الخارجية وسيلة فعالة لاحتواء المد الشيوعي وبسط النفوذ الغربي في الدول النامية.
لكن منذ منتصف الستينات بدأت الدول النامية الغنية تستخدم المساعدات الخارجية كوسيلة لتحقيق أهداف خارجية مختلفة.
أخيراً تلجأ، الدول ذات الموارد المالية المحدودة إلى المساعدات الفنية Technical Assistance كأداة للسياسة الخارجية، حيث تقوم الدولة المقدمة للمساعدات الفنية بتقديم الخبرات الفنية في مجالات فنية مختلفة مثل الزراعة، الصحة، الصناعة، والتعليم.
ونظراً لتوفر الخبرات والإمكانيات الفنية لدى إسرائيل ونتيجة لقلة مواردها المالية فهي كثيراً ما تلجأ إلى استخدام المساعدات الفنية كأداة لسياستها الخارجية خصوصاً في الدول الأفريقية ودول أمريكا اللاتينية.
والدولة عادة ما تترجم مقدرتها على تحقيق الهدف من خلال استخدامها لوسائل مختلفة أهمها: الدبلوماسية، القوات المسلحة، الدعاية، الأدوات الاقتصادية.
الدبلوماسية: Diplomacy
يقصد بالدبلوماسية عملية التمثيل والتفاوض التي تجري بين الدول في غمار إدارتها لعلاقاتها الدولية. ويعرفها . . . "جورج كينان" بأنها "عملية الاتصال بين الحكومات".
والدبلوماسية الفعالة هي الدبلوماسية التي تدعمها وسائل السياسة الخارجية الأخرى وبالذات القوات المسلحة والأدوات الاقتصادية. فبدون دعم تلك الوسائل ستكون فعالية الدبلوماسية محدودة إن لم تكن معدومة.
أنواع الدبلوماسية الحديثة:
إن مما زاد من أهمية الدبلوماسية كأداة للسياسة الخارجية تنوع أنماطها وتعدد أشكالها فهي لم تعد ذلك النمط التقليدي المتمثل بشخصية السفير أو بنشاط البعثة الدبلوماسية وإنما توسعت وأخذت أشكالاً وأنماطاً مختلفة.
فقد تأخذ الدبلوماسية شكل "دبلوماسية القمة" Summit Diplomacy ويقصد بها المؤتمرات التي يعقدها رؤساء الدول فيما بينهم لمناقشة بعض القضايا الدولية أو العلاقات بين الدول المشتركة في لقاء القمة. لقد شاع في السنوات الأخيرة هذا النمط من الدبلوماسية.
وهذا النوع من النشاط الدبلوماسي يعكس مدى التطور في أهمية العلاقات فيما بين الدول واهتمام حكومات دول العالم في البعد الدولي.
لقد جاءت فكرة لقاءات القمة كوسيلة لوضع حلول جذرية أو اتفاقيات هامة بين الدول حيث أن لقاء زعماء الدول بما لديهم من صلاحيات واسعة سيساعد على توفير الوقت والجهد وسرعة الوصول إلى قرارات هامة.
إن معظم الاتفاقيات الدولية الهامة التي تم الوصول إليها بعد الحرب العالمية الثانية وكان لها أثر على مجرى العلاقات الدولية كانت وليدة لقاءات قمة بين الدول.
النمط أو الشكل الآخر للدبلوماسية هو "دبلوماسية الأزمات"Crisis Diplomacy ويقصد بهذا النوع من الدبلوماسية النشاط الدبلوماسي الذي يوجه لحل أزمة دولية طارئة.
وإدارة الأزمات الدولية أصبحت إدارة هامة في العلاقات الدبلوماسية المعاصرة. ذلك أن المجتمع الدولي المعاصر معرض باستمرار لأزمات سياسية مختلفة نتيجة للاختلافات العقائدية، والسياسية، والاقتصادية بين الدول ولعدم مقدرة أو رغبة الدول في استخدام القوة العسكرية لوضع حد للأزمات.
لذا جاءت دبلوماسية الأزمات كبديل للحرب وكمخرج للتوتر بين الدول. وجرت العادة أن يمنح المبعوث الدبلوماسي الذي سيتولى حل الأزمات الدولية صلاحيات واسعة تمكنه من التحرك الدبلوماسي السريع، وأن يراعى في اختياره خبرته في حل المشاكل الدولية وقدرته على فهم أبعاد المشكلة أو الأزمة المعنية.
وأما النمط الثالث والأخير للدبلوماسية المعاصرة فهو "دبلوماسية المحالفات" Alliance Diplomacy وهي تعني النشاط الدبلوماسي الذي يكرس لإنشاء تحالفات عسكرية أو تكتلات سياسية.
ولقد ظهر هذا النمط من الدبلوماسية نتيجة لزيادة اتجاه الدول نحو التحالفات والتكتلات. لقد فرضت الطبيعة الفوضوية وصراع القوة في المجتمع الدولي المعاصر أهمية التحالفات العسكرية.
كما أن التكتلات السياسية أصبحت أداة لزيادة النفوذ السياسي للمجموعات الدولية والدول القوية في المجتمع الدولي. ولما للتحالفات العسكرية والتكتلات السياسية من أهمية لأمن الدولة ونفوذها فلقد حظيت باهتمام خاص في المجال الدبلوماسي يفوق الاهتمامات الأخرى.
البعثة الدبلوماسية:
تتطلب عملية التمثيل والتفاوض التي تجرى بين الدول وما يترتب عليها من أعمال فرعية اضطلاع عدد من الأشخاص بمهام محددة.
لذا جرت العادة بين الدول أن توفد كل منها مجموعة من الأشخاص للقيام بتلك المهام. وعادة يرأس المجموعة الموفدة شخص مسؤول يعتبر الممثل الأصيل لدولته لدى الدولة الموفد لديها ويقوم بإدارة المجموعة وتوزيع العمل بين أعضائها.
وتشكل المجموعة بما فيها الرئيس ما يسمى أو يعرف "بالبعثة الدبلوماسية" Diplomatic Mission وليس هناك حجم محدد من الأفراد للبعثة الدبلوماسية وإنما يعتمد عدد أفراد البعثة على المصالح التي تربط الدولة الموفدة للبعثة بالدولة الموفدة إليها.
وتتحدد، مرتبة البعثة الدبلوماسية حسب الأهمية التي تعلقها الدولة على العلاقات الدبلوماسية التي تتبادلها مع الدولة الأخرى أو حسب مبدأ المعاملة بالمثل.
إلا أنه من الملاحظ أن معظم البعثات الدبلوماسية تكون على مستوى "السفارة" والتي يرأسها ممثل دبلوماسي برتبة سفير. ويأتي بعد السفارة من حيث الأهمية التمثيلية "المفوضية" ويرأسها ممثل دبلوماسي برتبة "مبعوث فوق العادة" أو "وزير مفوض" كما قد يرأس البعثة الدبلوماسية "قائم بالأعمال".
وتقوم البعثة الدبلوماسية بعدد من المهام التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بصناعة القرار السياسي الخارجي وبتنفيذ السياسة الخارجية للدولة.
أولى هذه المهام تمثيل الدولة الموفدة للبعثة لدى الدولة المعتمدة لديها. ويتولى رئيس البعثة ذاته مهمة التمثيل حيث يقوم بحضور الحفلات والاستقبالات الرسمية التي تقيمها الدولة المعتمد لديها وتدعى لها السلك الدبلوماسي الأجنبي.
كما يقوم رئيس البعثة الدبلوماسية بزيارات المجاملة التي جرى العرف على القيام بها في المناسبات المختلفة. وقيام رئيس البعثة بهذه المهمة له معنى خاص في العلاقات الدبلوماسية إذ أن حضوره ومشاركته يترجم الود والاحترام في حين أن غيابه قد يفسر على أنه موقف سلبي من قبل حكومته وهذا قد يؤثر على العلاقات بين الدولتين.
وبالإضافة إلى تلك المهمة تقوم البعثة بمهمة رئيسية أخرى هي التفاوض مع حكومة الدولة الموفدة إليها. وتتطرق المفاوضات إلى كل ما يهم الدولة الموفدة. ويتم التفاوض عادة بين رئيس البعثة ووزير خارجية الدولة الموفدة إليها. لذا تعمل البعثة الدبلوماسية كقناة للاتصال الدائم بين الدولة الموفدة للبعثة والدولة والموفدة إليها.
كما تقوم البعثة الدبلوماسية بمتابعة كافة ما يحدث في الدولة الموفدة إليها وإبلاغ حكومتها أولاً بأول بكل ما يهمها من الأحداث والتطورات. وعادة يستعين رئيس البعثة لمعرفة الأحداث في الدولة المعتمد لديها وتفسيرها بفريق من الملحقين السياسيين والتجاريين والعسكريين وعدد من الخبراء المختصين.
وتقوم البعثة الدبلوماسية كذلك بمتابعة تنفيذ الدولة الموفدة إليها لالتزاماتها تجاه الدولة الموفدة لها والتدخل لدى وزير خارجية الدولة الموفدة إليها البعثة كلما حصل إخلال بتلك الالتزامات. وما يلزم الإشارة إليه في هذا المجال هو أنه ليس لرئيس البعثة الدبلوماسية أو لأي من أعضاء البعثة حق التدخل مباشرة لدى السلطات المحلية وإنما يتم التدخل عن طريق وزارة الخارجية.
وتعلم البعثة الدبلوماسية كذلك على تحسين العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية بين الدولة الموفدة لها والدولة الموفدة إليها.
أخيراً تقوم البعثة الدبلوماسية بأعمال إدارية ذات صلة برعايا الدولة الموفدة للبعثة مثل حمايتهم وتسجيل المواليد والوفيات وعمل عقود الزواج والتأشير على جوازات السفر. وعادة تقوم القنصليات التابعة للسفارة بهذه المهام حيث أن معظم هذه الأعمال ليست ذات طابع سياسي كما أن ممارستها لا تؤثر على طبيعة العلاقات بين الدول.
القوات المسلحة: Military Power
تعتبر القوات المسلحة إحدى الوسائل الأساسية لتنفيذ السياسة الخارجية وإحدى المقومات الأساسية لنجاح الدبلوماسية.
ورغم أن القوات المسلحة تعتبر باهظة التكاليف إذا ما قورنت بالدبلوماسية وغير مرغوب في استخدامها في المجتمع الدولي كوسيلة لتحقيق الأهداف الخارجية، إلا أنها مع ذلك تحظى باهتمام بالغ لدى حكومات المجتمع الدولي ذلك أن الأداة العسكرية "تهيئ خلفية من الثقة والاستقرار لعمل الدبلوماسية وأن التفاوض من مركز القوة حكمة سليمة، إذ لا يمكن لدولة لا تسندها قوة عسكرية أن تمتنع عن إعطاء تنازلات تضر بمصالحها الحيوية إذا تعرضت لضغوط وتهديدات ليس بوسعها أن تقاومها".
و القوات المسلحة تستخدم في أكثر من مظهر واحد. فبالإضافة إلى استخدامها التقليدي ونعنى به الاستخدام الفعلي وقت الحرب للدفاع أو الهجوم، تستخدم القوات المسلحة أيضاً وقت السلم للضغط والردع وما يترتب عليهما من رضوخ الأطراف الأخرى وتحقيق المصالح القومية.
إن استخدام القوات المسلحة كوسيلة للضغط والردع وقت السلم هو الذي يبرر النفقات الباهظة عليها ويزيد من قناعة المواطن العادي بأهمية النفقات وتحمل آثارها.
فعدم دخول القوات المسلحة في حرب دفاعية أو هجومية لا يعني توقف فاعليتها، بل إن استخدام القوات المسلحة في السلم للضغط والردع يفوق استخدامها في الحرب ذلك أن القتال استثناء والسلام هو القاعدة.
كما أن الضغط والردع، إذا تم من خلالهما تحقيق الهدف القومي، أكثر جدوى من الحرب حيث أنهما لن يكلفا الموطن والمواطن أي عبء إضافي في حين أن الحرب سيترتب عليها خسائر إضافية للوطن والمواطن وحجم هذه الخسائر يتوقف على طول أمد الحرب ونوعية الأسلحة المستخدمة فيها.
الاستخدامات المختلفة للقوات المسلحة:
تستخدم القوات المسلحة في أشكال مختلفة. ويمكن أن نحدد ثلاثة استخدامات رئيسية للقوات المسلحة.
فقد تستخدم القوات المسلحة كأداة للهجوم Offensive Capability. واستخدام القوات المسلحة للتوسع والسيطرة سمة من سمات العلاقات الدولية المعاصرة. إن احتلال إسرائيل للأراضي العربية، واحتلال الاتحاد السوفيتي لأفغانستان، وأمريكا للعراق مجرد أمثلة لحالات لاحصر لها.
ومما زاد من فاعلية وأهمية استخدام القوات المسلحة كأداة للهجوم هو نجاح هذه السياسة في تحقيق عدد من الأهداف القومية للدول التي أخذت بها.
كما أن الأخذ باستراتيجية الهجوم في الحرب يأتي من قناعة الدولة المهاجمة بأن الهجوم رغم ما يترتب عليه من مسؤوليات قومية وانتهاك للقوانين الدولية هو أفضل وسيلة للدفاع وتحقيق الأهداف القومية حيث أن الدولة التي تبدأ الهجوم عادة ما تختار الوقت المناسب والظروف الملائمة للقتال، وهذا عنصر هام في تحويل مجرى الحرب وتحديد نتائجها.
وقد تستخدم القوات المسلحة كأداة للدفاع Defensive War Capability واستخدام القوات المسلحة للدفاع استخدام مشروع حيث أن الدولة مضطرة للدفاع عن أمنها ومصالحها القومية.
كما أن الدولة التي تلجأ للدفاع تحظى بدعم وعطف الرأي العام العالمي حيث ينظر إليها على أنها دولة معتدى عليها.
لكن مقابل الشرعية والعطف العالمي تفقد الدولة التي تلجأ لاستراتيجية الدفاع مزايا عسكرية هامة منها فقدان زمام المبادرة والاستعداد وفرض الحرب عليها في وقت قد يكون غير مناسب ووفق ظروف غير ملائمة.
إن المحصلة النهائية لاستراتيجية الحرب الدفاعية تعتمد على قدرة وإمكانيات حكومة الدولة المدافعة والروح المعنوية لشعبها.
فقد تدخل الدولة في حرب دفاعية لكن نظراً لتوفر الإمكانيات لديها وقدرة حكومتها على التعبئة العسكرية وتضحية شعبها تحول الحرب الدفاعية إلى حرب هجومية بعد احتواء الهجوم المعادي وصده ومن ثم تحويل المعركة إلى أراضي الدولة المعتدية.
وفي هذه الحالة تتحول الاستراتيجية للدولة من استراتيجية دفاع إلى استراتيجية هجوم وهنا تكسب الدولة شرعية الحرب وتحقق مصالح قومية جديدة غالباً ما تكون مصالح استراتيجية.
وأخيراً تستخدم القوات المسلحة كأداة للردع Deterrent Capability والردع سياسة معقدة تعني في مفهومها المبسط أن الأسلحة تخزن والجيش يجهز لا بقصد الاستعمال في الهجوم وإنما بقصد إقناع الخصم بأنها ستستخدم فوراً لصد أي هجوم جدي يقوم به.
ونجاح سياسة الردع يتطلب توفر عدد من المتطلبات الأساسية. أول هذه المتطلبات حيازة الدولة الرادعة إمكانيات كافية من القوة لرد الدولة المهاجمة وإقناعها بان مسار المعركة في حال وقوعها قد يتحول ضد مصلحتها.
ثم لابد أن يكون هناك تصميم ملموس من قبل الدولة الرادعة على الاستخدام الفعلي للإمكانيات المتاحة لها لصد أي عدوان خارجي.
كما أن الدولة المهاجمة يلزم أن تعرف معرفة دقيقة الإمكانيات المتاحة لدى الدولة الرادعة. فمعرفة هذه الإمكانيات سيساعد على نجاح سياسة الردع وعدم معرفتها سيشجع الدولة المعتدية على الهجوم.
بالإضافة إلى ذلك يتطلب نجاح سياسة الردع معرفة الدولة الرادعة للقيم التي تحكم سلوك الدولة التي تهدد بالهجوم. فالطبيعية العدوانية للدولة المهاجمة سوف تحد من نجاح سياسة الردع إذ أن الدولة العدوانية عادة ما تقدم على المغامرات العسكرية بغض النظر عن احتمالات النجاح.
أخيراً لنجاح سياسة الردع يفترض أن المعتدي يتصرف بطريقة عقلانية ويقدر العائد والتكلفة للعمل العسكري ومدى خدمة هذا العمل للمصلحة القومية. فغياب العقلانية يعني انعدام التقييم الموضوعي للعمل العسكري والاستسلام للعواطف والرغبات. وهذا الاستسلام قد يدفع قادة الدولة المهاجمة إلى الدخول في مغامرة عسكرية بغض النظر عن محصلتها النهائية.
أنواع الحروب:
تأخذ الحرب في حالة وقوعها أشكالاً مختلفة ومتباينة. ويأتي هذا الاختلاف من اختلاف الأهداف والإمكانيات العسكرية.
فقد تكون الحرب حرباً خاطفة. وهذه الحرب عادة ما تكون ذات طابع هجومي حيث توجه الدولة ضربة خاطفة لمراكز تجمع الجيوش المعادية عن طريق استخدام أسلحتها السريعة والمتحركة. وتتميز الحرب الخاطفة بقصر مدتها الزمنية وبتحديد الهدف المنشود والموجهة نحوه العمليات العسكرية تحديداً دقيقاً.
وقد تأخذ الحرب شكل حرب استنزاف؛ وهي على خلاف الحرب الخاطفة تتميز بطول المدة واختلاف نوعية الأسلحة المستخدمة وتكتيكات القتال. ونجاح حرب الاستنزاف يتطلب توفر عدد من المتطلبات أهمها: ظروف طبيعية ملائمة، وقدرة البلاد على الصمود السياسي والاقتصادي والعسكري لفترة طويلة من الزمن، ورغبة الشعب في تحمل آثار الحرب ومتاعبها.
والدول التي تأخذ باستراتيجية حرب الاستنزاف عادة ما تكون دول لديها كثافة سكانية تؤهلها لتوفير العدد اللازم من المقاتلين، ولديها شبه اكتفاء ذاتي في المواد الغذائية، والروح المعنوية لشعبها مرتفعة لدرجة تضمن للحكومة والقيادة العسكرية قاعدة شعبية صلبة.
وقد تكون الحرب حرباً وقائية Preventive War وهي تعني تدمير قوة الخصم والقضاء عليها قبل أن تنمو في كامل أبعادها. فأتباع هذه الاستراتيجية يضمن للدولة التي تشن حرباً وقائية السيطرة العسكرية حيث أنها ستقضي على أمل امتلاك الدولة المعادية للأسلحة المتطورة.
وأخيراً قد تأخذ الحرب شكل حرب إحباط Pre-emptive وحرب الإحباط تعني الحرب التي تشنها دولة ما حينما يثبت لها أن خصمها يوشك أن يشن هجوماً ضدها.
لذا تعتمد حرب الإحباط وبدرجة كبيرة على المقدرة في تفسير نوايا الخصم وما إذا كان بالفعل يوشك أن يشن هجوماً أم أنه يمارس نوعاً من سياسة الردع واستعراض العضلات. والدولة التي تشن حرب الإحباط عادة ما تحاول أن تبرر هجومها على أساس أن أمنها في خطر وأن إقدامها على الحرب أمر لابد منه للحفاظ على الأمن القومي.
الدعاية: Propaganda
تعني الدعاية أي محاولة منظمة للتأثير على عقول وعواطف وسلوك جماعة معينة تحقيقاً لهدف عام معين. والدعاية تشترك مع الدبلوماسية في أنها نشاط كلامي بالدرجة الأولى، غير أنها تختلف عن الدبلوماسية في أنها توجه إلى شعوب الدول الأخرى لا إلى حكوماتها.
ولكي تكون الدعاية ناجحة وفعالة يجب أن يتوفر بها عدد من الشروط الأساسية. يجب أن تتسم أولاً بالبساطة في العرض حتى يمكن فهمها بدون جهد من قبل القارئ والمستمع العادي. فكلما كانت الدعاية بسيطة كلما زاد تأثيرها في عامة الجماهير وحققت بذلك الأهداف المرجوة منها.
كما يجب أن تتسم الدعاية بالقدرة على جذب انتباه القارئ أو المستمع وإثارة اهتمامه. وكلما كانت الدعاية مرتبطة بالواقع الذي تعيشه الجماهير كلما قوي جذبها للانتباه. ذلك أن الجماهير دائماً معنية بواقعها. وبالإضافة إلى الاهتمام بواقع الجماهير يجب الاهتمام بتحريك عواطفهم. لأن تحريك العواطف يساعد على إثارة الاهتمام بالمادة الدعائية.
والدعاية لكي تكون مقبولة يجب أن تكون إلى حد ما معقولة. أي أن المادة الدعائية يجب أن لا تخلو من الصحة. ذلك أن الكذبة المطلقة ليس من السهل بيعها للجماهير، لأن الجماهير حينما تتلقى أي مادة دعائية تحاول مقارنتها إلى حد ما بالواقع للتأكد من مدى صحتها النسبية. ولا يشترك أن تكون كل المادة الدعائية صحيحة.
وحتى تحقق الدعاية التأثير المنشود في عقول وعواطف وسلوك الجماهير يجب أن تكون المادة الدعائية متفقة في المضمون، ذلك أن التناقض في المضمون يؤدي إلى التشكيك في المادة الدعائية.
فإذا كان هدف الإعلام السعودي مثلاً تقديم مادة دعائية ضد دولة معادية فيجب أن يكون مضمون المادة متناسقاً في الراديو والصحافة والتلفزيون فإذا وجد الجمهور المخاطب، مثلاً أن خبر الإذاعة الدعائي تؤكده الصحافة ويدعمه التلفزيون. فإن هذا سيزيد من قناعة الجمهور المخاطب بصحة الخبر. أما إذا قدمت الإذاعة خبراً إذاعياً، وقدمت الصحف نفس الخبر لكن في مضمون يختلف، وتجاهل التلفزيون الخبر كلية فإن هذا سيدفع المواطن إلى التشكيك في الخبر.
ولترسيخ المادة الدعائية في أذهان الجماهير المخاطبة لابد من تكرارها بحيث تظهر للجمهور المخاطب وكأنها حقيقة مسلم بها. فتقديم المادة الدعائية مرة أو مرتين لا يكفي، بل لابد من تكرارها عدة مرات وفي كافة الوسائل الإعلامية: الإذاعة، والصحافة، والتلفزيون.
الاستراتيجيات الدعائية:
وفي مجال الاستراتيجيات الدعائية يمكن أن نميز بين نوعين من الاستراتيجيات. الاستراتيجية الموضوعية أو استراتيجية الحقيقة Strategy of Truth واستراتيجية الكذبة الكبرى Strategy of Big Lie.
الاستراتيجية الموضوعية تعني تقديم المادة الإعلامية للمستمع أو القارئ بشكل إخباري يراعى فيه أكبر قدر من الدقة والموضوعية ومن ثم يترك له مهمة استنتاج مغزى أو دلالة الخبر الإعلامي.
واستراتيجية الموضوعية مبنية على أساس أن تقديم المعلومات الصحيحة ذو أهمية سياسية خاصة لمواطن الدول ذات الإعلام الموجه والتي تحجب عن مواطنيها كثيراً من الحقائق الإعلامية. كما أن لهذه الاستراتيجية ميزة كبرى تتمثل في اجتذاب القراء والمستمعين الذين يحرصون على الحصول على معلومات صحيحة تساعدهم على تصحيح الأخبار المغلوطة والمشكوك فيها والتي تقدم لهم في الداخل.
أما استراتيجية الكذبة الكبرى فهي تعني تحريف أو تشويه المادة الإعلامية من أجل التلاعب بالرأي العام الموجه نحوه الدعاية.
ولقد استعمل الإعلام النازي هذه الاستراتيجية بفعالية معتمداً على الفكرة التي عرضها "هتلر" في كتابه كفاحي وهي أن الكذبة إذا كانت كذبة كبرى ورددت ترديداً كافياً فسوف تصدقها الجماهير تصديقاً جزئياً على الأقل إذ أن أكثر الناس يفتقرون إلى سعة الأفق اللازمة لإدراك أن ترديد تصريحات ما لا يعني صحتها.
الأدوات الاقتصادية: Eeconomic Instruments
احتلت الأدوات الاقتصادية كوسيلة للسياسة الخارجية مكانة هامة في العلاقات الدولية المعاصرة. وهذه الأهمية للأدوات الاقتصادية جاءت من عاملين:
الأول، احتلال الرفاهية الاقتصادية لشعوب المجتمع الدولي مكانة بارزة في سلم أولويات الأهداف القومية للحكومات المعاصرة. لقد أصبحت المشاكل الاقتصادية مثل البطالة، والتضخم، ونقص المواد الغذائية قضايا هامة تشغل بال الحكومات المعاصرة، إذ أن بقاءها في السلطة يعتمد على قدرتها في حل هذه المشاكل.
أما العامل الثاني، فهو زيادة الاعتماد الاقتصادي المتبادل بين الدول وما يترتب على هذا الاعتماد من زيادة في أهمية وأولوية الأدوات الاقتصادية كوسيلة للسياسة الخارجية.
تعتبر التعريفات الجمركية Tariffs من أهم وأقدم الأدوات الاقتصادية. وتفرض التعريفات الجمركية لأهداف مختلفة.
فقد تفرض كوسيلة للحصول على إيرادات مالية، حيث أن الدولة التي تعاني من مشاكل مالية تجد التعريفة وسيلة للحصول على إيرادات تساهم في دعم الميزانية العامة للدولة.
وقد تفرض التعريفة الجمركية كوسيلة لحماية المنتجات الوطنية، إذ أن فرض التعريفة الجمركية على السلع المستوردة سيزيد في سعرها ويحد من منافستها للمنتجات المحلية.
كما قد تفرض التعريفة الجمركية كوسيلة للانتقام ضد دولة، حيث أن فرض التعريفة الجمركية على المواد المستوردة من دولة معينة سيؤدي بطريقة غير مباشرة إلى الحد من الاستيراد منها ووضع العوائق أمام منتجاتها.
ثم هناك القيود النقدية Currency Regulations وتعني تولي الحكومة بنفسها الإشراف على ما يصرف من نقد في الخارج سواء لشراء سلع أو خدمات أو للسياحة والاستثمار.
وحينما تمارس الحكومة إجراء القيد النقدي فهي تتولى بنفسها الإشراف على منح التراخيص الخاصة بتحويل العملات للخارج وشراء العملات الصعبة مثل الدولار والجنيه الإسترليني.
والحكومات تلجأ عادة لفرض القيود النقدية لحماية ميزان مدفوعاتها، وهو البيان الإجمالي السنوي الذي يصور إيرادات الدولة من الخارج ومدفوعات الدولة إلى الخارج.
وقد تستخدم الدولة الحظر الاقتصادي Embargo كأداة للسياسة الخارجية. والحظر يعني عدم تصدير سلعة معينة إلى دولة أو دول محددة لأسباب سياسية أو اقتصادية.
وقد يكون الحضر كلياً أي منعاً شاملاً لتصدير السلعة أو جزئياً أي منع تصدير السلعة بنسبة معينة مثال ذلك الحظر الجزئي الذي فرضته الدول العربية المنتجة للنفط على تصدير النفط لأمريكا وبعض الدول الغربية خلال الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973.
وعلى خلاف الحظر قد يكون الأجراء الاقتصادي المتبع هو المقاطعة Boycott. والمقاطعة تعني رفض استيراد السلع التي تنتجها دولة أو شركة معينة.
وهي تفرض أما لاعتبارات اقتصادية أو سياسية لكنها كثيراً ما تفرض لاعتبارات سياسية مثل مقاطعة الدول العربية لإسرائيل والشركات الأجنبية التي تصنع فيها.
كذلك يعتبر الاندماج الاقتصادي Economic Integration أداة من أدوات السياسة الخارجية إذ أنه عن طريق هذا الاندماج تحقق الدول بعض المكاسب الاقتصادية وتواجه به التحديات الاقتصادية التي ترفعها لها دول وتكتلات أجنبية.
كما أن الاندماج الاقتصادي قد يكون خطوة نحو اندماج سياسي كما كانت الفكرة عند قيام السوق الأوربية المشتركة حيث كان المؤسسون لها يتوقعون أن تؤدي الوحدة الاقتصادية إلى وحدة سياسية. لكن مبدأ السيادة القومية وتوسع دول السوق حال دون تحقيق هذه التوقعات وبقيت السوق مجرد وحدة اقتصادي.
وقد تستخدم الدولة تجميد الأرصدة أو تأميمها كاجراء اقتصادي لتحقيق هدف سياسي. وهذا الأجراء يعني تجميد أو تأميم الأرصدة والموجودات لدولة أجنبية داخل إقليم الدولة التي تلجا إلى مثل هذا الشكل من الإجراءات الاقتصادية.
والتجميد يعني عدم السماح لدولة أجنبية باستخدام أرصدتها وموجوداتها داخل إقليم الدولة التي اتخذت إجراء التجميد حتى تستجيب الدولة الأجنبية للمطالب السياسية أو الاقتصادية المطلوب منها. مثال لذلك تجميد أمريكا للأرصدة والموجودات الإيرانية خلال أزمة الرهائن في السفارة الأمريكية في طهران عام 1979م.
وقد يكون الإجراء الاقتصادي المتبع هو تخفيض قيمة العملة المحلية. والتخفيض إجراء اقتصادي تلجأ إليه الدولة لتشجيع صادراتها إلى الدول الأخرى، حيث أن التخفيض في قيمة العملة يؤدي إلى تقليل ثمن المنتجات المحلية في الخارج وهذا بدوره يؤدي إلى زيادة الطلب عليها.
وهناك أداة اقتصادية أكثر فعالية في الساحة الخارجية ونعني بها المساعدات الخارجية Foreign Aid.
والمساعدات الخارجية أول من استخدمها الدول الغنية والقوية في المجتمع الدولي وبالذات الدول الغربية حيث وجدت هذه الدول أن المساعدات الخارجية وسيلة فعالة لاحتواء المد الشيوعي وبسط النفوذ الغربي في الدول النامية.
لكن منذ منتصف الستينات بدأت الدول النامية الغنية تستخدم المساعدات الخارجية كوسيلة لتحقيق أهداف خارجية مختلفة.
أخيراً تلجأ، الدول ذات الموارد المالية المحدودة إلى المساعدات الفنية Technical Assistance كأداة للسياسة الخارجية، حيث تقوم الدولة المقدمة للمساعدات الفنية بتقديم الخبرات الفنية في مجالات فنية مختلفة مثل الزراعة، الصحة، الصناعة، والتعليم.
ونظراً لتوفر الخبرات والإمكانيات الفنية لدى إسرائيل ونتيجة لقلة مواردها المالية فهي كثيراً ما تلجأ إلى استخدام المساعدات الفنية كأداة لسياستها الخارجية خصوصاً في الدول الأفريقية ودول أمريكا اللاتينية.