الانتقال الديموقراطي بين حقوق الإنسان ورهان الإصلاحات
مرسل: الخميس فبراير 23, 2012 2:25 am
بسم الله الرحمن الرحيم
الانتقال الديموقراطي بين حقوق الإنسان ورهان الإصلاحات التشريعية والمؤسساتية
نظم مركز الدراسات والأبحاث في حقوق الإنسان بتعاون مع المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، ندوة وطنية في موضوع: الانتقال الديموقراطي بين حقوق الإنسان ورهان الإصلاحات التشريعية والمؤسساتية، وذلك يومي 2 و3 يونيو 2006 بكلية الحقوق، مراكش
بمشاركة مجموعة من الأساتذة والباحثين الجامعيين وفاعلين من المجتمع المدني.
وتأتي هذه الندوة التي عرفت حضورا واسعا، في سياق تقييم مختلف التحولات والإصلاحات السياسية التي شهدها المغرب منذ بداية التسعينيات، واستشراف الآفاق المستقبلية بصدد مساره الديموقراطي، كما تأتي أيضا في ظرفية تعرف نقاشات مكثفة بصدد تعديل دستوري مرتقب من شأنه تعزيز مسلسل التحول الديموقراطي الذي اختاره المغرب منذ عدة سنوات خلت.
المحور الأول: رهان الانتقال الديموقراطي
يتطلب الانتقال الديموقراطي في المغرب كما في مختلف البلدان التي تتوق للتغيير والتطور؛ مقاربة شاملة تتجاوز البناء المؤسساتي والتشريعي، إلى ملامسة عناصر أساسية منها الجوانب الإدارية والفكرية والاقتصادية واستيعاب تحديات المحيط الدولي وما يفرضه من مخاطر وإكراهات. وقد جاءت المداخلات المرتبطة بهذا المحور بمجموعة من الأفكار يمكن تلخيصها فيما يلي:
إن الانتقال الديموقراطي هو بمثابة تحول تاريخي؛ تتحكم فيه مجموعة من العناصر والديناميات المتباينة، وضمن هذا الإطار، تفرض الإصلاحات الاقتصادية نفسها بحدة. وإذا كان الاقتصاد لا يمكن تأهيله ودراسته بعيدا عن السياسة، فالعكس صحيح أيضا، وبخاصة إذا علمنا أن الشأن الاقتصادي في المغرب لازال متخلفا بشكل كبير عن التطورات التي يشهدها الحقل السياسي منذ بداية التسعينيات من القرن المنصرم.
ولعل التأمل في مفهوم الديموقراطية والتفكير في مختلف النظريات السياسية الكبرى عند الحديث عن الانتقال الديموقراطي الذي تعتبر الحرية والمساواة والاقتراع.. أهم مقوماته، هو أمر يفرض نفسه أيضا ويخدم هذا الانتقال، وذلك بالنظر للإشكالات المختلفة المرتبطة بتحديد مفهوم الديموقراطية..
إن تأمين انتقال ديموقراطي فعال يتوقف أيضا على تبني حكامة سياسية واقتصادية ومقاولاتية جيدة، مع انخراط الدولة والمجتمع بكل مكوناتهما من جماعات محلية وقطاعات خاصة في التنمية.
ومن جانب آخر، وباستحضاره لمجموعة من النماذج الدولية الرائدة كما هو الشأن بالنسبة لإسبانيا، اعتبر أحد المتدخلين أن المركزية تؤمن ديموقراطية القرب بالشكل الذي يجعل منها آلية مهمة لتعزيز انتقال ديموقراطي أكثر فاعلية.
وارتباطا بتزايد المشاريع الإصلاحية الخارجية وعلاقتها بالانتقال الديموقراطي، أشار أحد المتدخلين إلى أن هذه المشاريع التي تزايدت بعد أحداث الحادي عشر من شهر شتنبر/ سبتمبر، وعلى كثرتها، فهي تأتي لخدمة طارحيها بالأساس، غير أن رفض هذه المشاريع؛ لا ينبغي أن يكون مطية لرفض أي إصلاح ديموقراطي تقوده مختلف الفعاليات الداخلية وذريعة للتواري خلف مخاطر التدخلات الأجنبية المغرضة؛ لصد كل أبواب الإصلاح الذي أصبح يفرض نفسه بقوة في ظل التحديات الداخلية والخارجية؛ بقدر ما ينبغي أن يحفز على اتخاذ بدائل أكثر ملاءمة وفعالية، وذلك بالإنصات إلى الهموم والتطلعات الحقيقية للشعوب.
المحور الثاني: حقوق الإنسان والانتقال الديموقراطي
إن الديموقراطية وحقوق الإنسان هما أمران متلازمان إلى حد التماهي، ولذلك فلا يمكن الحديث عن الديموقراطية في بلد ما دونما استحضار لوضعية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية فيه.
وقد حاول المتدخلون في هذا المحور مقاربة هذا الموضوع من مختلف الزوايا:
فبخصوص المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان الذي هو مؤسسة وطنية مستقلة عن الأجهزة التشريعية والتنفيذية والقضائية، فقد أحدث في بداية التسعينيات بموجب الظهير رقم 1.90.12، بتشكيلة متنوعة تتكون أساسا من مكونات المجتمع السياسي والمدني، وذلك في إطار سياسة الانفتاح التي دشنها المغرب حينذاك، من أجل البث في حالات الخروقات والاختفاءات والاعتقالات المرتبطة بحقوق الإنسان وتقديم مجموعة من الآراء الاستشارية لصناع القرار باتجاه النهوض بحقوق الإنسان والدفاع عن الحريات والحقوق بالمغرب، حيث ساهم في بلورة مجموعة من المكتسبات، من قبيل دوره الإيجابي بخصوص ملفات ومواضيع عديدة؛ كملف العفو عن المعتقلين السياسيين، وملف الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي، وملفات خروقات حقوق الإنسان بوجه عام، وموضوع ملاءمة التشريعات الوطنية للمعاهدات والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.
كما أنجز دراسات تمخضت عنها اقتراحات وتوصيات حول مجموعة من التشريعات والإجراءات أهمها: مدونة الشغل، قانون المسطرة الجنائية، إصلاح المؤسسات السجنية، قوانين الحريات العامة، المحاكم الإدارية، حقوق الأشخاص المعاقين والأطفال المهملين، حقوق المرأة، ومصادقة المغرب على مجموعة من الاتفاقيات الدولية…
وضمن هذه الحركية التي عرفها المغرب في مسار حقوق الإنسان والانتقال الديموقراطي خلال السنوات الأخيرة، تم إحداث هيئة المصالحة والإنصاف كتجربة متميزة وفريدة في العالم العربي بأمر ملكي بتاريخ 7 يناير 2004، كسبيل لتأمين طي صفحات قاتمة من تاريخ المغرب الحديث ولرد الاعتبار إلى ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وكمدخل لبناء مجتمع حداثي وتوفير شروط مناسبة وملائمة لانتقال ديموقراطي.
كلفت اللجنة التي شكلت من نخبة من الناشطين والمناضلين الحقوقيين والمعتقلين السياسيين السابقين، بمهمة مقاربة سياسية للملفات المرتبطة بالانتهاكات الجسيمة التي شهدها المغرب ما بين سنة 1956 و1999، تكفل رد الاعتبار للضحايا؛ وتمكن المتضررين من تعويضات، وطلب منها أيضا تقديم مجموعة من الخلاصات والتوصيات والاقتراحات القانونية والإجرائية، في سبيل الحسم مع هذه المرحلة، لتجاوز تلافي وقوع نفس الأحداث في المستقبل.
ولعل أهم ما أنجزته هذه الهيئة إلى جانب تعويضها للمتضررين والضحايا وإعادة تأهيلهم نفسيا واجتماعيا، هو بلورة مجموعة من التوصيات التي اعتبرتها ضرورية لبناء الثقة في حكم القانون واحترام الحقوق ولضمان استراتيجية كفيلة بمنع تكرار نفس الممارسات مستقبلا.
وعلى الرغم من هذه الإنجازات وغيرها التي حققها المغرب في المغرب في مجال تعزيز حقوق الإنسان إلا أن ذلك لم يمنع بعض الباحثين والناشطين الحقوقيين المتدخلين من إبداء مجموعة من الآراء النقدية بهذا الخصوص:
لقد كان من ضمن التوصيات المهمة التي جاء بها التقرير الختامي لهيئة الإنصاف والمصالحة: ضرورة تصديق المغرب على قانون روما المرتبط بالمحكمة الجنائية الدولية الدائمة؛ ولعل الحاجة إلى هذا التصديق تجد مبررها في كون المغرب شهد خلال فترات من تطوره التاريخي بعد الاستقلال أحداثا مؤلمة تدخل ضمن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وتندرج ضمن اختصاص المحكمة، في الوقت الذي كانت فيه الهيئة القضائية عاجزة عن مقاربة ملفات من هذا النوع بشكل فعال وعادل. علما أن هذا التصديق يتطلب بداية إعمال إصلاحات مؤسساتية وقانونية(تعديل المادة 34 من الدستور المرتبطة بحق العفو المتاح للملك؛ وجعله لا يطال المتورطين في جرائم تدخل ضمن خانة الخروقات والانتهاكات المرتبطة بحقوق الإنسان، مثلا…)، ويظل هذا المطلب الملح مشروعا، مادامت ديباجة الدستور المغربي تنص على تعهد المغرب باحترام حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها دوليا.
كما أن هناك مجموعة من الوقائع في الحقل الاقتصادي والاجتماعي التي تؤكد وجود نوع من الانحراف في هذا تدبير الشؤون المرتبطة بهذه المجالات، حيث تبين أن هناك تهميش ملحوظ طال مناطق مختلفة من البلاد وذلك لأسباب سياسية وغيرها، مع استمرار بعض الممارسات المسيئة لحقوق الإنسان بشكل عام كاستمرار الملاحقة القضائية لبعض الصحفيين بسبب آرائهم واستعمال القوة لتفريق المتظاهرين وبخاصة المعطلين عن العمل منهم، ثم اعتقال عدد كبير من الإسلاميين في أعقاب أحداث 16 مايو وتعريضهم لمعاملات سيئة أثناء استجوابهم…
وضمن نفس السياق، طرحت أهمية بلورة إصلاح دستوري باتجاه تعزيز دور الوزير الأول والمؤسسة التشريعية، بالشكل الذي سينعكس حتما على فعالية باقي المؤسسات، ويضمن تكريس دولة الحق والقانون.
إن الانتقال الديموقراطي يرتبط في جانب مهم منه أيضا بالحداثة في علاقتها بأمور فنية وأخلاقية ودينية.. وإذا كان المغرب قد اتخذ منذ بداية التسعينيات من القرن المنصرم هذه الحداثة كخيار استراتيجي، فينبغي عليه تطوير مختلف أبعاد مشروعه الحداثي هذا، حتى يكون متكاملا، وهو ما يتطلب الحسم بجرأة في مسألة حرية المعتقدات، وبخاصة وأن الجانب الديني ظل مهملا ومستبعدا مقارنة مع الجوانب القانونية والسياسية والاقتصادية والتقنية.. الأخرى.
فالمرجعية المغربية – بحسب رأي أحد المتدخلين- لازالت تتناقض مع المرجعيات الدولية المعروفة في هذا الشأن، كما أن النظام القانوني المغربي لا زال يرفض حرية الاعتقاد كما هي متعارف عليها دوليا، ولا زال هناك نوع من التمييز بين المغاربة على أساس ديني، ناهيك عن التمييز بين الرجل والمرأة..
المحور الثالث: الإصلاحات الدستورية والتشريعية في سياق الانتقال الديموقراطي
من المعلوم أن إصلاح الدستور باتجاه تفعيل الحياة السياسية، يعد أمرا ضروريا بالنسبة لأي حراك ديموقراطي، لما لذلك من انعكاس إيجابي على مختلف القوانين والمؤسسات الأخرى. وضمن هذا السياق تركزت مداخلات هذا المحور.
إن الدستور المغربي- في اعتقاد أحد المتدخلين- ليس مؤسسة كما هو متعارف عليه في علم السياسة، فالملكية سابقة للدستور، بل وتشتغل فوق نصوصه أحيانا، كما تسمح لها مقتضيات دستورية بممارسة مجموعة من السلطات والصلاحيات التقديرية والواسعة. ولذلك يلاحظ عودة مطلب التعديل الدستوري المغربي إلى الواجهة، بعد فترة كمون دامت زهاء تسع سنوات.
لقد تباينت الآراء بصدد فعالية إصلاح الدستور في تأمين انتقال ديموقراطي ناجح، فهناك من يعتبر بأن هذا الإصلاح هو أمر لازم وملح في هذا الانتقال، وفي المقابل، هناك من يعتقد بأنه ينبغي أن يكون تتويجا ونتاجا لهذا الانتقال.
ومن جانب آخر، تنطوي السياسة الجنائية لدولة ما على أهمية كبرى، لأنها تشكل مرآة تعكس قضايا وأهداف سياسة الدول والنظم القائمة.
وضمن هذا الإطار، عرف المغرب مدا وجزرا ضمن تشريعاته الجنائية، فإلى حدود بداية الستينيات من القرن المنصرم، كانت هناك مجموعة من المقتضيات القانونية الجنائية التي تجسد نوعا من التوجه الديموقراطي الحداثي قبل أن يتم التراجع عنها بعد ذلك.
وفي بداية التسعينيات تبنى المغرب من جديد مجموعة من القوانين التي تعتبر تقدما ملحوظا في مسار دولة الحق والقانون، ومن ضمنها قانون المسطرة الجنائية الذي غير من السابق وحمل شروطا ومرجعيات جديدة؛ وحاول التوفيق بين واقع الجريمة المتطور واحترام حقوق الإنسان وكرامته.
غير أن هذه سن التشريعات يظل أمرا غير كافي لبناء مدخل ملائم جدير بالانتقال الديموقراطي المأمول، فالقانون وحده لن يؤثث المشهد السياسي، وتظل الحاجة ملحة إلى جعل مؤسسة القضاء في مستوى إعمال هذه السياسة الجنائية، وبخاصة وأن القضاء المغربي لا زال يعاني من مجموعة من المشاكل من قبيل الإكراهات المادية والبطء واستفحال الرشوة…
المحور الرابع: الإصلاحات المؤسساتية في سياق الانتقال الديموقراطي
مما لا شك فيه أن تأهيل المشهد السياسي يظل رهينا أيضا بتطوير أداء الأحزاب السياسية وتقوية جهاز البرلمان وتفعيل صلاحياته وأدواره وإصلاح المنظومة الإدارية وتطويرها، وهي المواضيع التي تطرق لها مجموعة من المتدخلين ضمن هذا المحور:
تعيش الأحزاب المغربية أزمة ظاهرة نتيجة لتداخل عوامل ذاتية وأخرى موضوعية، وهذه الأزمة في عمقها لا يمكن أن فصلها عن أزمة القيم والمجتمع اللذان أفرزاها
الانتقال الديموقراطي بين حقوق الإنسان ورهان الإصلاحات التشريعية والمؤسساتية
نظم مركز الدراسات والأبحاث في حقوق الإنسان بتعاون مع المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، ندوة وطنية في موضوع: الانتقال الديموقراطي بين حقوق الإنسان ورهان الإصلاحات التشريعية والمؤسساتية، وذلك يومي 2 و3 يونيو 2006 بكلية الحقوق، مراكش
بمشاركة مجموعة من الأساتذة والباحثين الجامعيين وفاعلين من المجتمع المدني.
وتأتي هذه الندوة التي عرفت حضورا واسعا، في سياق تقييم مختلف التحولات والإصلاحات السياسية التي شهدها المغرب منذ بداية التسعينيات، واستشراف الآفاق المستقبلية بصدد مساره الديموقراطي، كما تأتي أيضا في ظرفية تعرف نقاشات مكثفة بصدد تعديل دستوري مرتقب من شأنه تعزيز مسلسل التحول الديموقراطي الذي اختاره المغرب منذ عدة سنوات خلت.
المحور الأول: رهان الانتقال الديموقراطي
يتطلب الانتقال الديموقراطي في المغرب كما في مختلف البلدان التي تتوق للتغيير والتطور؛ مقاربة شاملة تتجاوز البناء المؤسساتي والتشريعي، إلى ملامسة عناصر أساسية منها الجوانب الإدارية والفكرية والاقتصادية واستيعاب تحديات المحيط الدولي وما يفرضه من مخاطر وإكراهات. وقد جاءت المداخلات المرتبطة بهذا المحور بمجموعة من الأفكار يمكن تلخيصها فيما يلي:
إن الانتقال الديموقراطي هو بمثابة تحول تاريخي؛ تتحكم فيه مجموعة من العناصر والديناميات المتباينة، وضمن هذا الإطار، تفرض الإصلاحات الاقتصادية نفسها بحدة. وإذا كان الاقتصاد لا يمكن تأهيله ودراسته بعيدا عن السياسة، فالعكس صحيح أيضا، وبخاصة إذا علمنا أن الشأن الاقتصادي في المغرب لازال متخلفا بشكل كبير عن التطورات التي يشهدها الحقل السياسي منذ بداية التسعينيات من القرن المنصرم.
ولعل التأمل في مفهوم الديموقراطية والتفكير في مختلف النظريات السياسية الكبرى عند الحديث عن الانتقال الديموقراطي الذي تعتبر الحرية والمساواة والاقتراع.. أهم مقوماته، هو أمر يفرض نفسه أيضا ويخدم هذا الانتقال، وذلك بالنظر للإشكالات المختلفة المرتبطة بتحديد مفهوم الديموقراطية..
إن تأمين انتقال ديموقراطي فعال يتوقف أيضا على تبني حكامة سياسية واقتصادية ومقاولاتية جيدة، مع انخراط الدولة والمجتمع بكل مكوناتهما من جماعات محلية وقطاعات خاصة في التنمية.
ومن جانب آخر، وباستحضاره لمجموعة من النماذج الدولية الرائدة كما هو الشأن بالنسبة لإسبانيا، اعتبر أحد المتدخلين أن المركزية تؤمن ديموقراطية القرب بالشكل الذي يجعل منها آلية مهمة لتعزيز انتقال ديموقراطي أكثر فاعلية.
وارتباطا بتزايد المشاريع الإصلاحية الخارجية وعلاقتها بالانتقال الديموقراطي، أشار أحد المتدخلين إلى أن هذه المشاريع التي تزايدت بعد أحداث الحادي عشر من شهر شتنبر/ سبتمبر، وعلى كثرتها، فهي تأتي لخدمة طارحيها بالأساس، غير أن رفض هذه المشاريع؛ لا ينبغي أن يكون مطية لرفض أي إصلاح ديموقراطي تقوده مختلف الفعاليات الداخلية وذريعة للتواري خلف مخاطر التدخلات الأجنبية المغرضة؛ لصد كل أبواب الإصلاح الذي أصبح يفرض نفسه بقوة في ظل التحديات الداخلية والخارجية؛ بقدر ما ينبغي أن يحفز على اتخاذ بدائل أكثر ملاءمة وفعالية، وذلك بالإنصات إلى الهموم والتطلعات الحقيقية للشعوب.
المحور الثاني: حقوق الإنسان والانتقال الديموقراطي
إن الديموقراطية وحقوق الإنسان هما أمران متلازمان إلى حد التماهي، ولذلك فلا يمكن الحديث عن الديموقراطية في بلد ما دونما استحضار لوضعية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية فيه.
وقد حاول المتدخلون في هذا المحور مقاربة هذا الموضوع من مختلف الزوايا:
فبخصوص المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان الذي هو مؤسسة وطنية مستقلة عن الأجهزة التشريعية والتنفيذية والقضائية، فقد أحدث في بداية التسعينيات بموجب الظهير رقم 1.90.12، بتشكيلة متنوعة تتكون أساسا من مكونات المجتمع السياسي والمدني، وذلك في إطار سياسة الانفتاح التي دشنها المغرب حينذاك، من أجل البث في حالات الخروقات والاختفاءات والاعتقالات المرتبطة بحقوق الإنسان وتقديم مجموعة من الآراء الاستشارية لصناع القرار باتجاه النهوض بحقوق الإنسان والدفاع عن الحريات والحقوق بالمغرب، حيث ساهم في بلورة مجموعة من المكتسبات، من قبيل دوره الإيجابي بخصوص ملفات ومواضيع عديدة؛ كملف العفو عن المعتقلين السياسيين، وملف الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي، وملفات خروقات حقوق الإنسان بوجه عام، وموضوع ملاءمة التشريعات الوطنية للمعاهدات والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.
كما أنجز دراسات تمخضت عنها اقتراحات وتوصيات حول مجموعة من التشريعات والإجراءات أهمها: مدونة الشغل، قانون المسطرة الجنائية، إصلاح المؤسسات السجنية، قوانين الحريات العامة، المحاكم الإدارية، حقوق الأشخاص المعاقين والأطفال المهملين، حقوق المرأة، ومصادقة المغرب على مجموعة من الاتفاقيات الدولية…
وضمن هذه الحركية التي عرفها المغرب في مسار حقوق الإنسان والانتقال الديموقراطي خلال السنوات الأخيرة، تم إحداث هيئة المصالحة والإنصاف كتجربة متميزة وفريدة في العالم العربي بأمر ملكي بتاريخ 7 يناير 2004، كسبيل لتأمين طي صفحات قاتمة من تاريخ المغرب الحديث ولرد الاعتبار إلى ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وكمدخل لبناء مجتمع حداثي وتوفير شروط مناسبة وملائمة لانتقال ديموقراطي.
كلفت اللجنة التي شكلت من نخبة من الناشطين والمناضلين الحقوقيين والمعتقلين السياسيين السابقين، بمهمة مقاربة سياسية للملفات المرتبطة بالانتهاكات الجسيمة التي شهدها المغرب ما بين سنة 1956 و1999، تكفل رد الاعتبار للضحايا؛ وتمكن المتضررين من تعويضات، وطلب منها أيضا تقديم مجموعة من الخلاصات والتوصيات والاقتراحات القانونية والإجرائية، في سبيل الحسم مع هذه المرحلة، لتجاوز تلافي وقوع نفس الأحداث في المستقبل.
ولعل أهم ما أنجزته هذه الهيئة إلى جانب تعويضها للمتضررين والضحايا وإعادة تأهيلهم نفسيا واجتماعيا، هو بلورة مجموعة من التوصيات التي اعتبرتها ضرورية لبناء الثقة في حكم القانون واحترام الحقوق ولضمان استراتيجية كفيلة بمنع تكرار نفس الممارسات مستقبلا.
وعلى الرغم من هذه الإنجازات وغيرها التي حققها المغرب في المغرب في مجال تعزيز حقوق الإنسان إلا أن ذلك لم يمنع بعض الباحثين والناشطين الحقوقيين المتدخلين من إبداء مجموعة من الآراء النقدية بهذا الخصوص:
لقد كان من ضمن التوصيات المهمة التي جاء بها التقرير الختامي لهيئة الإنصاف والمصالحة: ضرورة تصديق المغرب على قانون روما المرتبط بالمحكمة الجنائية الدولية الدائمة؛ ولعل الحاجة إلى هذا التصديق تجد مبررها في كون المغرب شهد خلال فترات من تطوره التاريخي بعد الاستقلال أحداثا مؤلمة تدخل ضمن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وتندرج ضمن اختصاص المحكمة، في الوقت الذي كانت فيه الهيئة القضائية عاجزة عن مقاربة ملفات من هذا النوع بشكل فعال وعادل. علما أن هذا التصديق يتطلب بداية إعمال إصلاحات مؤسساتية وقانونية(تعديل المادة 34 من الدستور المرتبطة بحق العفو المتاح للملك؛ وجعله لا يطال المتورطين في جرائم تدخل ضمن خانة الخروقات والانتهاكات المرتبطة بحقوق الإنسان، مثلا…)، ويظل هذا المطلب الملح مشروعا، مادامت ديباجة الدستور المغربي تنص على تعهد المغرب باحترام حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها دوليا.
كما أن هناك مجموعة من الوقائع في الحقل الاقتصادي والاجتماعي التي تؤكد وجود نوع من الانحراف في هذا تدبير الشؤون المرتبطة بهذه المجالات، حيث تبين أن هناك تهميش ملحوظ طال مناطق مختلفة من البلاد وذلك لأسباب سياسية وغيرها، مع استمرار بعض الممارسات المسيئة لحقوق الإنسان بشكل عام كاستمرار الملاحقة القضائية لبعض الصحفيين بسبب آرائهم واستعمال القوة لتفريق المتظاهرين وبخاصة المعطلين عن العمل منهم، ثم اعتقال عدد كبير من الإسلاميين في أعقاب أحداث 16 مايو وتعريضهم لمعاملات سيئة أثناء استجوابهم…
وضمن نفس السياق، طرحت أهمية بلورة إصلاح دستوري باتجاه تعزيز دور الوزير الأول والمؤسسة التشريعية، بالشكل الذي سينعكس حتما على فعالية باقي المؤسسات، ويضمن تكريس دولة الحق والقانون.
إن الانتقال الديموقراطي يرتبط في جانب مهم منه أيضا بالحداثة في علاقتها بأمور فنية وأخلاقية ودينية.. وإذا كان المغرب قد اتخذ منذ بداية التسعينيات من القرن المنصرم هذه الحداثة كخيار استراتيجي، فينبغي عليه تطوير مختلف أبعاد مشروعه الحداثي هذا، حتى يكون متكاملا، وهو ما يتطلب الحسم بجرأة في مسألة حرية المعتقدات، وبخاصة وأن الجانب الديني ظل مهملا ومستبعدا مقارنة مع الجوانب القانونية والسياسية والاقتصادية والتقنية.. الأخرى.
فالمرجعية المغربية – بحسب رأي أحد المتدخلين- لازالت تتناقض مع المرجعيات الدولية المعروفة في هذا الشأن، كما أن النظام القانوني المغربي لا زال يرفض حرية الاعتقاد كما هي متعارف عليها دوليا، ولا زال هناك نوع من التمييز بين المغاربة على أساس ديني، ناهيك عن التمييز بين الرجل والمرأة..
المحور الثالث: الإصلاحات الدستورية والتشريعية في سياق الانتقال الديموقراطي
من المعلوم أن إصلاح الدستور باتجاه تفعيل الحياة السياسية، يعد أمرا ضروريا بالنسبة لأي حراك ديموقراطي، لما لذلك من انعكاس إيجابي على مختلف القوانين والمؤسسات الأخرى. وضمن هذا السياق تركزت مداخلات هذا المحور.
إن الدستور المغربي- في اعتقاد أحد المتدخلين- ليس مؤسسة كما هو متعارف عليه في علم السياسة، فالملكية سابقة للدستور، بل وتشتغل فوق نصوصه أحيانا، كما تسمح لها مقتضيات دستورية بممارسة مجموعة من السلطات والصلاحيات التقديرية والواسعة. ولذلك يلاحظ عودة مطلب التعديل الدستوري المغربي إلى الواجهة، بعد فترة كمون دامت زهاء تسع سنوات.
لقد تباينت الآراء بصدد فعالية إصلاح الدستور في تأمين انتقال ديموقراطي ناجح، فهناك من يعتبر بأن هذا الإصلاح هو أمر لازم وملح في هذا الانتقال، وفي المقابل، هناك من يعتقد بأنه ينبغي أن يكون تتويجا ونتاجا لهذا الانتقال.
ومن جانب آخر، تنطوي السياسة الجنائية لدولة ما على أهمية كبرى، لأنها تشكل مرآة تعكس قضايا وأهداف سياسة الدول والنظم القائمة.
وضمن هذا الإطار، عرف المغرب مدا وجزرا ضمن تشريعاته الجنائية، فإلى حدود بداية الستينيات من القرن المنصرم، كانت هناك مجموعة من المقتضيات القانونية الجنائية التي تجسد نوعا من التوجه الديموقراطي الحداثي قبل أن يتم التراجع عنها بعد ذلك.
وفي بداية التسعينيات تبنى المغرب من جديد مجموعة من القوانين التي تعتبر تقدما ملحوظا في مسار دولة الحق والقانون، ومن ضمنها قانون المسطرة الجنائية الذي غير من السابق وحمل شروطا ومرجعيات جديدة؛ وحاول التوفيق بين واقع الجريمة المتطور واحترام حقوق الإنسان وكرامته.
غير أن هذه سن التشريعات يظل أمرا غير كافي لبناء مدخل ملائم جدير بالانتقال الديموقراطي المأمول، فالقانون وحده لن يؤثث المشهد السياسي، وتظل الحاجة ملحة إلى جعل مؤسسة القضاء في مستوى إعمال هذه السياسة الجنائية، وبخاصة وأن القضاء المغربي لا زال يعاني من مجموعة من المشاكل من قبيل الإكراهات المادية والبطء واستفحال الرشوة…
المحور الرابع: الإصلاحات المؤسساتية في سياق الانتقال الديموقراطي
مما لا شك فيه أن تأهيل المشهد السياسي يظل رهينا أيضا بتطوير أداء الأحزاب السياسية وتقوية جهاز البرلمان وتفعيل صلاحياته وأدواره وإصلاح المنظومة الإدارية وتطويرها، وهي المواضيع التي تطرق لها مجموعة من المتدخلين ضمن هذا المحور:
تعيش الأحزاب المغربية أزمة ظاهرة نتيجة لتداخل عوامل ذاتية وأخرى موضوعية، وهذه الأزمة في عمقها لا يمكن أن فصلها عن أزمة القيم والمجتمع اللذان أفرزاها