صفحة 1 من 1

بين الغلاء والانفصال

مرسل: الجمعة فبراير 24, 2012 8:55 pm
بواسطة فهد العتيبي 1
لا حديث للناس هذه الأيام سوى شبح الانفصال الذي بات وشيكاً في جنوب السودان، وغلاء الأسعار الذي طال معظم السلع الضرورية للمواطن.


 

 أما الانفصال فقد ظهرت مقدماته من تصريحات المسؤولوين الجنوبيين والمظاهرات التي خرجت في الجنوب والترتيبات التي اتخذت من حكومة الجنوب من ترحيل للجنوبيين الموجودين في الشمال وندوات ومحاضرات ودعوات متكررة للتصويت للانفصال؛ مما شكل مقدمات وأمارات جعلت الانفصال أمراً وشيكاً ونتيجة غالبة.

       وإذا سلمنا أن الانفصال واقع لا محالة، فإن البكاء على اللبن المسكوب لا يجدي، وإنما المهم في الأمر كيف سنتعامل مع الواقع الجديد الذي يفرض نفسه.

       المرحلة القادمة ـ في رأيي ـ مرحلة لإعادة ترتيب الأوراق والأولويات، فعلى الحكومة أن تعيد النظر في كثير من السياسات التي انتهجتها؛ بأن تعلم في المقام الأول أن العزة والرفعة في إعلاء راية هذا الدين، قال تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ العِزَّةَ فَللهِ العِزَّةُ جَمِيعًا) [فاطر: 10]، فتعمد أولاً إلى تطببق شرع الله تطبيقاً حقيقياً بعيداً عن الشعارات والمزايدات السياسية، ورحم الله الخليفة الراشد عمر بن الخطاب الذي قال: (نحن قوم أعزَّنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العِزة بغير هذا الدين أذلنا الله). فليولَِ عهد التراجعات والتنازلات في الدين إلى غير رجعة، وليبدأ عهد جديد قائم على الإيمان والعمل الصالح تمكيناً للدين في المجتمع، وتحقيقاً لتوحيد الله تعالى ونبذ الشرك ومحاربة الدعاة إليه، قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [ النور: 55].

       ثم لتكن من أولويات الحكومة في الفترة المقبلة إحلال العدل ورفع الظلم عن الضعفاء ومحاربة الفساد، (فالله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة، وإن كانت مسلمة)؛ كما هو مأثور عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

ثم المسألة الثالثة الاهتمام بالتنمية في كافة مناحيها، سواء في مجال البنى التحتية أو الصحة أو التعليم أو البحث العلمي، وغيرها من المجالات التي تنفع العباد في دينهم ودنياهم. وفي المقابل محاربة الفقر والجوع والعطالة، وغيرها من المشكلات التي تقض مضاجع أهل هذه البلاد.

       أما غلاء الأسعار، فمهما كانت المبررات التي ساقها صناع القرار، فهو يحتاج إلى وقفة، حيث تطفو تساؤلات على السطح: هل وضع المواطن السوداني يحتمل مزيداً من التضييق؟! فلا شك أن المعاناة التي يعيشها معظم السكان في الحصول على متطلبات العيش الكريم لا يختلف فيها اثنان! ثم هل المزيد من التضييق على الناس يسمى قرارات شجاعة وجريئة كما ادعى صُناع القرار؟! لا شك أن هذا ليس ميدان الشجاعة والجرأة الحقيقي!

ثم إن المعالجات التي اقترحت لمجابهة زيادة أسعار المحروقات والسكر بنسبة 40% هل تناسب هذه الزيادات؟! فعلى سبيل المثال هل مبلغ المائة جنيه التي سيتم منحها شهرياً للعاملين بالدولة ستصمد أم هذه الموجة العارمة من الغلاء؟! وماذا سيفعل غير العاملين بالدولة، سواء في القطاع الخاص أو الأعمال الحرة، أو ما يمسى بالمهن الهامشية، وما أكثرها!! وما هي المعالجات التي ستتم بالنسبة إليهم؟! وكم تساوي نسبة ثلاثمائة ألف طالب جامعي ستكفُلهم ولاية الخرطوم من النسبة الكلية للطلاب في ولاية الخرطوم وغيرها؟! ثم نفس السؤال يطرح نفسه بالنسبة للثلاثين ألف طالب الذين ستُقدم لهم وجبات مجانية في المدارس: كم تشكل نسبتهم من العدد الكليِّ لطلاب المدارس في ولاية الخرطوم، ناهيك عن غيرها؟! وهل ترحيل الطلاب بقيمة 50% من التسعيرة الجديدة للمواصلات أم القديمة؟!

أما المعالجات الأخرى مثل تخفيض أجور الدستوريين وسحب السيارات المخصصة لمنازلهم، والانسحاب من عشرين شركة، ووضع لائحة مشددة لتنظيم السفر للخارج، وتطبيق لائحة السقف المحدد لفاتورة الموبايل، وغيرها من الإجراءات التي على هذه الشاكلة، فهي في مجملها إجراءت لا تهم المواطن في هذه المرحلة بقدر ما تهمه المعالجات الفورية؛ فهو لا يدري متى ولا كيف سيتم تنفيذها، كما لا يدري ما هو حجم الفائدة التي ستعود عليه من جراء تطبيقها.

 ومجمل القول، في رأيي أن هذا القرار لم يكن موفقاً، فقد أصابت هذه الزيادات أهل هذا البلاد الذين يقع جلُّهم تحت خط الفقر بما يشبه الإحباط المزمن؛ حتى صار الواحد فيهم لا يلوي على شيء!

       وإنني في هذه السانحة أناشد المسؤولين بأن يرفعوا المعاناة عن كاهل المواطنين وأذكرهم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشقَّ عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به) (رواه مسلم)، وأن يولوا جُل اهتامامهم بالشرائح الضعيفة في هذا المجتمع ـ وما اكثرها ـ بدلاً من الضغط والتضييق عليها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم) (رواه البخاري)، وفي رواية: (إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم) (رواه النسائي).

       كما أدعو إخواني في هذه البلاد إلى الصبر، فإنها ما ضاقت إلا لتفرج بإذن الله؛ فالصبر مفتاح الفرج كما يقولون، ويكفينا قول الله عزّ وجلّ: قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ الله مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة: 153].

وهي أيضاً فرصة للتأمل، ووقفة ليراجع كلٌّ منا نفسه؛ لأن الله عز وجلّ يقول: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِير) [الشورى: 30].