- الاثنين فبراير 27, 2012 10:57 am
#47482
ادت اعمال التفجير والتعذيب وسنوات النفي الى تدمير عائلة عزيز في العراق. وهكذا، جاءت الانباء الجديدة تحمل البشارة: لقد تمت المصادقة على طلب اللجوء الذي تقدم به. سوف يذهب عبد العزيز وزوجته هيفاء واولادهما الاربعة الى الولايات المتحدة.
تنتمي العائلة الى الطائفة المندائية، وهي اقلية دينية تعرضت الى الاضطهاد في العراق، وقد تركت كل شيء خلفها في منزلها ببغداد، لكنها خططت لبناء حياة جديدة في مدينة إلكايون. وبعد عام، كان عبد العزيز، 49 عاما، يذرع بيته، المؤلف من غرفتي نوم، جيئة وذهابا محركا مسبحته في يده قلقا. فاولاده الثلاثة يخوضون في الطرقات بحثا عن عمل، ينافسون في ذلك المهاجرين من المكسيك. اما هيفاء، 49 عاما، فتحني ظهرها الذي مزقته القنابل، لتضيء شمعة وتصلي.
وكان عبد العزيز ثريا في الماضي، اذ انه كان يمتلك محل مجوهرات في العراق، الا انه الان يعتمد على المساعدات الحكومية ليتسنى له العيش في تلك البلاد، لكن مدة منح هذه المساعدات البالغة ثمانية اشهر قد انتهت بالفعل. ومازال افراد العائلة بلا عمل، شأنهم في ذلك شأن الكثير من العراقيين الذين يصادفوهم في انحاء المدينة.
ويقول عبد العزيز: "لماذا يأتون بالعراقيين الى هنا؟ ليست هناك فرصَ عمل."
وبالمثل اصبحت قصص تلاشي احلام المهاجرين في تزايد مستمر في هذه الضاحية التابعة لمدينة سان دييغو، حيث ازدحم الالاف من اللاجئين العراقيين في شققهم، وفي طوابير توزيع المساعدات الانسانية، وفي مدارس تعليم اللغة الانكليزية، بينما يمر تقديرهم للولايات المتحدة في اختبار فرضه عليهم شبح الفقر.
وعلى خلاف موجات اللاجئين السابقة، التي نجمت عن الحروب والصراعات، فان اعادة توطين العراقيين قد حطت بهم في صحراء اقتصادية. وتوارت فرص العمل والمنافع الحكومية السخية التي ساعدت اجبالا من المهاجرين السابقين على تسلق السلم الاقتصادي.
اضطر لاجئون مثل عبد العزيز الى بيع مجوهراتهم ومقتنيات العائلة الثمينة لدفع بدلات الايجار. وعمد آخرون الى اقتراض الاموال او العيش على المساعدات التي يرسلها اليهم اقاربهم في العراق. واحتشدت العوائل في شقق ضيقة، بينما استسلمت ثلة منهم فعادت الى الشرق الاوسط.
يقول مايكل مكاي، رئيس مكتب الكنسية الكاثولوكية في سان دييغو: "كان الامل يملؤهم عندما جاءوا الى هنا، وكانوا شاكرين. لكن بعد اشهر قليلة، تحطمت كل آمالهم. انه لامر محزن."
جاءت حالة اللجوء بشكل غير متوقع بالنسبة للكثيرين. فقد رفعت عملية الاطاحة بصدام ومن ثم اعدامه الامال بان يرتقي العراق، وهو البلد الغني بالنفط، الى مصافِ الدول الخليجية، يزهر باصحاب الملايين ويزخر بالمباني العالية الفخمة. لكن بدلا من ذلك، تفشى العنف الطائفي في عام 2006، مغذيا الهجمات ضد الاقليات العرقية والدينية، ما ادى الى فرار الكثير منهم الى سوريا والاردن. ثم قامت الحكومة الاميركية، التي غمرتها طلبات الهجرة، بزيادة عدد العراقيين المصادق على طلباتهم في عام 2008.
ومنذ ذلك الحين امتلأت المدن الاميركية بجاليات عراقية كبيرة. فقد وصل الى مدينة إلكايون، التي يقطنها ستة وتسعون الف نسمة يتحدر ربعهم من اصول عراقية، حوالي سبعة الاف عراقي في العام الماضي. ويتوقع ان تصل دفعة مشابهة هذا العام، ما يؤدي الى استنزاف الموارد والمدارس في تلك المدينة التي يعتقد انها تضم ثاني اكبر جالية عراقية في البلاد، معظمهم من المسيحيين الكلدان.
تنتشر لوحات اعلانية كتبت باللغة العربية على الطريق الرئيس في المدينة تشير الى مطاعم الكباب، وتكتظ المقاهي بالرجال العراقيين المتقاعدين والعاطلين عن العمل يرتشفون اكواب الشاي الاسود القوي. ويبتاع اللاجئون الذين يحوزون على (بطاقة الطعام) الخبز الحار والتمور من الاكشاك ويقفون في الطابور بانتظار الحصول على سرير من المتبرعين في كنيسة القديس بطرس. وهناك قوائم انتظار لدروس اللغة الانكليزية، وتم تحويل بعض اللاجئين الى المنازل المعدة لإيواء المشردين. كما ان قرابة نصف شاغلي دور الحضانة في مدارس المقاطعة المحلية هم من اللاجئين.
وفي الشهر الماضي، احتشد المئات من المهاجرين في بناية وكالة الخدمات الاجتماعية، ذات الغرف الثلاث، للقاء مسؤولين في الحكومة العراقية. وقد اضطرت الشرطة الى تفريق الجمع الغاضب الذين تجمعوا لمحاولة ترويج معاملتهم مع الحكومة العراقية.
يقضي جوزيف زيدون، رئيس مركز المقاطعة الشرقية للاجئين، ايامه في نقل الارامل اللاتي لا يتملكن سيارات الى العمل، وفي ايجاد عمل لبعض الناس، وفي ترجمة المكالمات الهاتفية لقوات الشرطة. وهو يصحو كل صباح ليجد العشرات من الرسائل الهاتفية من اناس يطلبون المساعدة. يقول زيدون، وهو يدير واحدة من حفنة من وكالات الخدمات الاجتماعية في المدينة: "انه لامر غامر. الناس في امس الحاجة. انهم بحاجة الى المساعدة، وليست هناك مساعدات كافية."
يمكنك قراءة قصص الفجيعة على وجوه نسوة محجبات، ورجال في متوسط العمر يلعبون الدومينو في المقاهي واطفال ينامون في غرف تقطعها حبال نشرت عليها الملابس. وكان اللاجئون قد خضعوا لمقابلات مكثفة اجريت من قبل السلطات الاميركية في الخارج، والتي توصلت الى ان خوفهم من الاضطهاد له ما يبرره. تقرأها في رجل اشيب الشعر يقف في طابور المساعدات الانسانية، عاطل عن العمل في بلد جديد، بعد ان كان قد تعرض للاختطاف وخسر مزرعتة الدواجن على يد رجال المليشيات. وفي رجل قوي البنية بجلس بمقهن كان قد عمل حارسا امنيا لمؤسسة صحفية اجنبية غادر بغداد بعد ان تلقى ظرفا بريديا يحوي خمس اطلاقات بداخله، واحدة لكل فرد من اسرته.
كثير من هؤلاء اللاجئين اطباء ومهندسين واصحاب حرف متعلمين، وهم يشعرون بالمهانة في قبول اعمال مثل غسل الصحون او الخدمة في المطاعم او تنظيف الحدائق، على انهم لا يستطيعون حتى الحصول على اي من تلك المهن.
يُقدر ان ثمانين بالمئة من اللاجئين عاطلين عن العمل، استنادا الى قادة المجتمع ووكالات الخدمات الاجتماعية. ويقوم زيدون، وهو مهندس سابق عمل في غسل الصحون عندما جاء الى الولايات المتحدة قبل اثني عشر عاما، بتشجيع ابناء جلدته على البدء من الحضيض ان دعت الضرورة. يقول: "علينا ان نتواضع وان ننسى ما كنا عليه هناك."
لم تنسَ جوان سليمان ماضيها السعيد، لكنها توصلت الى مساومة للمستقبل. فطبيبة التخدير هذه، والام لطفلين، غادرت بغداد بعد ان قتلت المليشيات ابن اخيها، وبالكاد نجت من انفجار سيارة مفخخة. وبسبب عدم قدرتها على العمل كطبيبة، بقيت عاطلة عن العمل هنا لمدة عام كامل قبل ان تحصل على عمل كمترجمة. وتعيش السيدة سليمان، 48 عاما، في شقة ذات غرفة نوم واحدة مع ابنتها التي تبلغ خمسة عشر عاما من العمر.
لا تبلغ مساحة مجمل الشقة التي تعيش فيها الان اكثر من سعة غرفة المعيشة في بيتها المؤلف من ثلاث طبقات ببغداد، لكنها على الاقل لن ترى اجزاءا بشرية وهي في طريقها الى العمل، او تضطر الى ارتداء غطاء الرأس عند خروجها، وهو ما ترغم الكثير من النسوة على فعله في العراق. وهي تقول ان منطقة سان دييغو آمنة، وهذا بحد ذاته بركة، على حد قولها. وتضيف: "ان لم اذهب الى الجنة بعد الموت، فانا اعيشها الان."
امتلك عبد العزيز معملا في بغداد واربعة متاجر. وكان لدى عائلته منزلا يحتوي على ست غرف نوم وذا حديقة غنـّاء. وكان لديهم خدم وسائقين، وقضوا عطلهم في المنتجعات السياحية المجاورة لهم. وحينما حمى وطيس الفتنة الطائفية كان المندائيين امثال عبد العزيز ضعفاء فيها بشكل خاص. فدينهم، وهو من الاديان القديمة وهم يعتبرون يوحنا المعمدان نبيهم، لا يسمح لهم دينهم بحمل السلاح. وبسبب طبيعتهم المسالمة ولكونهم موسورين الحال نسبيا، حيث ان الكثير منهم صاغة وتجارا، فقد اضحوا هدفا سهلا للارهاب.
تعرضت ابنة عبد العزيز الى الاختطاف في عام 2005 وهي في طريقها الى المدرسة، وطلب خاطفوها فدية قدرها خمس وعشرون الف دولار. وبعد بضعة اشهر، اقتحم مسلحون مقنعون منزله وعذبوه باستعمال قضيب ساخن. وهكذا، هربت العائلة الى سوريا وافتتحت متجرا صغيرا. وبعد عامين، وافق مسؤولون اميركيون على طلب اللجوء الذي تقدموا به. لقد كان هذا حدثا فاصلا. وقد احرقت المليشيات منزلهم في العراق.
اما منزلهم في إلكايون، فهو منزل معتدل السعة ومؤثث بالاسرة التي تبرع بها المحسنون، والبطانيات والمناضد المستعملة سابقا. وحينما لا يكون عبد العزيز في منزله يذرعه قلقا، فهو في وكالة الخدمات الاجتماعية لطلب المساعدة الطبية لزوجته. وكانت قد تعرضت الى اصابة في عمودها الفقري بعد ان انفجرت قربها قنبلة في السوق الذي كانت تتبضع منه في العراق.
وهي تعاني من صعوبة في المشي الان وهي بحاجة الى عملية جراحية لاصلاح المشد في ظهرها، والذي تم زراعته على يد اطباء في الاردن. تقول هيفاء، بلغة انكليزية غير سليمة: "لست سعيدة. علي ان ابقى في المنزل كل يوم."
وتلقى كل فرد من العائلة مبلغ اربعمئة وخمسون دولارا في الشهر، على مدى الاشهر الثمانية الاولى، كمساعدات حكومية للاجئين. لكن العائلة لا تستلم الان الا مبلغ سبعمئة وخمسون دولارا على شكل بطاقة الطعام. وهم بالكاد يستطيعون ان يدفعوا بدل الايجار البالغ الفا ومئة وخمسون دولارا في الشهر عن طريق بيع قطع الذهب التي احتفظ بها عبد العزيز من عمله السابق.
ولا توفيق في محاولة الحصول على عمل. فقبل ايام قليلة حاول رامي، ابنهم الاصغر، الحصول على عمل في مركز تسوق راق. اشار موظفو المتاجر المختلفة بالالتحاق بصف طويل امام قسم خدمة الزبائن. جميع اوراق طلب العمل التي تقدم بها رامي كانت متشابهة.
الموقع الوظيفي؟ "اي شيء."
متى يمكنك البدء بالعمل؟ "في اي وقت."
دوام كامل ام دوام جزئي؟ "جميع الاوقات"
يقول رامي، وهو في اوائل العشرينات من العمر: "انهم يقولون انهم سوف يتصلون بك، لكنهم لا يفعلون ذلك ابدا."
وفي لحظة تعاسة، تتعجب العائلة لماذا جاءت الى الولايات المتحدة. كان لديهم خيارات اخرى، بضمنها السويد واستراليا. وبدأوا التفكير في العودة الى سوريا، حيث يمكنهم على الاقل فهم اللغة، كما توجد هناك طائفة مندائية صغيرة. وتتعبد العائلة بمفردها الان ايام الاحاد. تغطي هيفاء رأسها بوشاح بينما تقرأ كتابهم المقدس. وهي تصلي من اجل العافية والرضا ببيتها البديل. تقول: "سوف احب هذا البلد حينما يحصل اولادي على عمل ونحظى بحياة طبيعية
تنتمي العائلة الى الطائفة المندائية، وهي اقلية دينية تعرضت الى الاضطهاد في العراق، وقد تركت كل شيء خلفها في منزلها ببغداد، لكنها خططت لبناء حياة جديدة في مدينة إلكايون. وبعد عام، كان عبد العزيز، 49 عاما، يذرع بيته، المؤلف من غرفتي نوم، جيئة وذهابا محركا مسبحته في يده قلقا. فاولاده الثلاثة يخوضون في الطرقات بحثا عن عمل، ينافسون في ذلك المهاجرين من المكسيك. اما هيفاء، 49 عاما، فتحني ظهرها الذي مزقته القنابل، لتضيء شمعة وتصلي.
وكان عبد العزيز ثريا في الماضي، اذ انه كان يمتلك محل مجوهرات في العراق، الا انه الان يعتمد على المساعدات الحكومية ليتسنى له العيش في تلك البلاد، لكن مدة منح هذه المساعدات البالغة ثمانية اشهر قد انتهت بالفعل. ومازال افراد العائلة بلا عمل، شأنهم في ذلك شأن الكثير من العراقيين الذين يصادفوهم في انحاء المدينة.
ويقول عبد العزيز: "لماذا يأتون بالعراقيين الى هنا؟ ليست هناك فرصَ عمل."
وبالمثل اصبحت قصص تلاشي احلام المهاجرين في تزايد مستمر في هذه الضاحية التابعة لمدينة سان دييغو، حيث ازدحم الالاف من اللاجئين العراقيين في شققهم، وفي طوابير توزيع المساعدات الانسانية، وفي مدارس تعليم اللغة الانكليزية، بينما يمر تقديرهم للولايات المتحدة في اختبار فرضه عليهم شبح الفقر.
وعلى خلاف موجات اللاجئين السابقة، التي نجمت عن الحروب والصراعات، فان اعادة توطين العراقيين قد حطت بهم في صحراء اقتصادية. وتوارت فرص العمل والمنافع الحكومية السخية التي ساعدت اجبالا من المهاجرين السابقين على تسلق السلم الاقتصادي.
اضطر لاجئون مثل عبد العزيز الى بيع مجوهراتهم ومقتنيات العائلة الثمينة لدفع بدلات الايجار. وعمد آخرون الى اقتراض الاموال او العيش على المساعدات التي يرسلها اليهم اقاربهم في العراق. واحتشدت العوائل في شقق ضيقة، بينما استسلمت ثلة منهم فعادت الى الشرق الاوسط.
يقول مايكل مكاي، رئيس مكتب الكنسية الكاثولوكية في سان دييغو: "كان الامل يملؤهم عندما جاءوا الى هنا، وكانوا شاكرين. لكن بعد اشهر قليلة، تحطمت كل آمالهم. انه لامر محزن."
جاءت حالة اللجوء بشكل غير متوقع بالنسبة للكثيرين. فقد رفعت عملية الاطاحة بصدام ومن ثم اعدامه الامال بان يرتقي العراق، وهو البلد الغني بالنفط، الى مصافِ الدول الخليجية، يزهر باصحاب الملايين ويزخر بالمباني العالية الفخمة. لكن بدلا من ذلك، تفشى العنف الطائفي في عام 2006، مغذيا الهجمات ضد الاقليات العرقية والدينية، ما ادى الى فرار الكثير منهم الى سوريا والاردن. ثم قامت الحكومة الاميركية، التي غمرتها طلبات الهجرة، بزيادة عدد العراقيين المصادق على طلباتهم في عام 2008.
ومنذ ذلك الحين امتلأت المدن الاميركية بجاليات عراقية كبيرة. فقد وصل الى مدينة إلكايون، التي يقطنها ستة وتسعون الف نسمة يتحدر ربعهم من اصول عراقية، حوالي سبعة الاف عراقي في العام الماضي. ويتوقع ان تصل دفعة مشابهة هذا العام، ما يؤدي الى استنزاف الموارد والمدارس في تلك المدينة التي يعتقد انها تضم ثاني اكبر جالية عراقية في البلاد، معظمهم من المسيحيين الكلدان.
تنتشر لوحات اعلانية كتبت باللغة العربية على الطريق الرئيس في المدينة تشير الى مطاعم الكباب، وتكتظ المقاهي بالرجال العراقيين المتقاعدين والعاطلين عن العمل يرتشفون اكواب الشاي الاسود القوي. ويبتاع اللاجئون الذين يحوزون على (بطاقة الطعام) الخبز الحار والتمور من الاكشاك ويقفون في الطابور بانتظار الحصول على سرير من المتبرعين في كنيسة القديس بطرس. وهناك قوائم انتظار لدروس اللغة الانكليزية، وتم تحويل بعض اللاجئين الى المنازل المعدة لإيواء المشردين. كما ان قرابة نصف شاغلي دور الحضانة في مدارس المقاطعة المحلية هم من اللاجئين.
وفي الشهر الماضي، احتشد المئات من المهاجرين في بناية وكالة الخدمات الاجتماعية، ذات الغرف الثلاث، للقاء مسؤولين في الحكومة العراقية. وقد اضطرت الشرطة الى تفريق الجمع الغاضب الذين تجمعوا لمحاولة ترويج معاملتهم مع الحكومة العراقية.
يقضي جوزيف زيدون، رئيس مركز المقاطعة الشرقية للاجئين، ايامه في نقل الارامل اللاتي لا يتملكن سيارات الى العمل، وفي ايجاد عمل لبعض الناس، وفي ترجمة المكالمات الهاتفية لقوات الشرطة. وهو يصحو كل صباح ليجد العشرات من الرسائل الهاتفية من اناس يطلبون المساعدة. يقول زيدون، وهو يدير واحدة من حفنة من وكالات الخدمات الاجتماعية في المدينة: "انه لامر غامر. الناس في امس الحاجة. انهم بحاجة الى المساعدة، وليست هناك مساعدات كافية."
يمكنك قراءة قصص الفجيعة على وجوه نسوة محجبات، ورجال في متوسط العمر يلعبون الدومينو في المقاهي واطفال ينامون في غرف تقطعها حبال نشرت عليها الملابس. وكان اللاجئون قد خضعوا لمقابلات مكثفة اجريت من قبل السلطات الاميركية في الخارج، والتي توصلت الى ان خوفهم من الاضطهاد له ما يبرره. تقرأها في رجل اشيب الشعر يقف في طابور المساعدات الانسانية، عاطل عن العمل في بلد جديد، بعد ان كان قد تعرض للاختطاف وخسر مزرعتة الدواجن على يد رجال المليشيات. وفي رجل قوي البنية بجلس بمقهن كان قد عمل حارسا امنيا لمؤسسة صحفية اجنبية غادر بغداد بعد ان تلقى ظرفا بريديا يحوي خمس اطلاقات بداخله، واحدة لكل فرد من اسرته.
كثير من هؤلاء اللاجئين اطباء ومهندسين واصحاب حرف متعلمين، وهم يشعرون بالمهانة في قبول اعمال مثل غسل الصحون او الخدمة في المطاعم او تنظيف الحدائق، على انهم لا يستطيعون حتى الحصول على اي من تلك المهن.
يُقدر ان ثمانين بالمئة من اللاجئين عاطلين عن العمل، استنادا الى قادة المجتمع ووكالات الخدمات الاجتماعية. ويقوم زيدون، وهو مهندس سابق عمل في غسل الصحون عندما جاء الى الولايات المتحدة قبل اثني عشر عاما، بتشجيع ابناء جلدته على البدء من الحضيض ان دعت الضرورة. يقول: "علينا ان نتواضع وان ننسى ما كنا عليه هناك."
لم تنسَ جوان سليمان ماضيها السعيد، لكنها توصلت الى مساومة للمستقبل. فطبيبة التخدير هذه، والام لطفلين، غادرت بغداد بعد ان قتلت المليشيات ابن اخيها، وبالكاد نجت من انفجار سيارة مفخخة. وبسبب عدم قدرتها على العمل كطبيبة، بقيت عاطلة عن العمل هنا لمدة عام كامل قبل ان تحصل على عمل كمترجمة. وتعيش السيدة سليمان، 48 عاما، في شقة ذات غرفة نوم واحدة مع ابنتها التي تبلغ خمسة عشر عاما من العمر.
لا تبلغ مساحة مجمل الشقة التي تعيش فيها الان اكثر من سعة غرفة المعيشة في بيتها المؤلف من ثلاث طبقات ببغداد، لكنها على الاقل لن ترى اجزاءا بشرية وهي في طريقها الى العمل، او تضطر الى ارتداء غطاء الرأس عند خروجها، وهو ما ترغم الكثير من النسوة على فعله في العراق. وهي تقول ان منطقة سان دييغو آمنة، وهذا بحد ذاته بركة، على حد قولها. وتضيف: "ان لم اذهب الى الجنة بعد الموت، فانا اعيشها الان."
امتلك عبد العزيز معملا في بغداد واربعة متاجر. وكان لدى عائلته منزلا يحتوي على ست غرف نوم وذا حديقة غنـّاء. وكان لديهم خدم وسائقين، وقضوا عطلهم في المنتجعات السياحية المجاورة لهم. وحينما حمى وطيس الفتنة الطائفية كان المندائيين امثال عبد العزيز ضعفاء فيها بشكل خاص. فدينهم، وهو من الاديان القديمة وهم يعتبرون يوحنا المعمدان نبيهم، لا يسمح لهم دينهم بحمل السلاح. وبسبب طبيعتهم المسالمة ولكونهم موسورين الحال نسبيا، حيث ان الكثير منهم صاغة وتجارا، فقد اضحوا هدفا سهلا للارهاب.
تعرضت ابنة عبد العزيز الى الاختطاف في عام 2005 وهي في طريقها الى المدرسة، وطلب خاطفوها فدية قدرها خمس وعشرون الف دولار. وبعد بضعة اشهر، اقتحم مسلحون مقنعون منزله وعذبوه باستعمال قضيب ساخن. وهكذا، هربت العائلة الى سوريا وافتتحت متجرا صغيرا. وبعد عامين، وافق مسؤولون اميركيون على طلب اللجوء الذي تقدموا به. لقد كان هذا حدثا فاصلا. وقد احرقت المليشيات منزلهم في العراق.
اما منزلهم في إلكايون، فهو منزل معتدل السعة ومؤثث بالاسرة التي تبرع بها المحسنون، والبطانيات والمناضد المستعملة سابقا. وحينما لا يكون عبد العزيز في منزله يذرعه قلقا، فهو في وكالة الخدمات الاجتماعية لطلب المساعدة الطبية لزوجته. وكانت قد تعرضت الى اصابة في عمودها الفقري بعد ان انفجرت قربها قنبلة في السوق الذي كانت تتبضع منه في العراق.
وهي تعاني من صعوبة في المشي الان وهي بحاجة الى عملية جراحية لاصلاح المشد في ظهرها، والذي تم زراعته على يد اطباء في الاردن. تقول هيفاء، بلغة انكليزية غير سليمة: "لست سعيدة. علي ان ابقى في المنزل كل يوم."
وتلقى كل فرد من العائلة مبلغ اربعمئة وخمسون دولارا في الشهر، على مدى الاشهر الثمانية الاولى، كمساعدات حكومية للاجئين. لكن العائلة لا تستلم الان الا مبلغ سبعمئة وخمسون دولارا على شكل بطاقة الطعام. وهم بالكاد يستطيعون ان يدفعوا بدل الايجار البالغ الفا ومئة وخمسون دولارا في الشهر عن طريق بيع قطع الذهب التي احتفظ بها عبد العزيز من عمله السابق.
ولا توفيق في محاولة الحصول على عمل. فقبل ايام قليلة حاول رامي، ابنهم الاصغر، الحصول على عمل في مركز تسوق راق. اشار موظفو المتاجر المختلفة بالالتحاق بصف طويل امام قسم خدمة الزبائن. جميع اوراق طلب العمل التي تقدم بها رامي كانت متشابهة.
الموقع الوظيفي؟ "اي شيء."
متى يمكنك البدء بالعمل؟ "في اي وقت."
دوام كامل ام دوام جزئي؟ "جميع الاوقات"
يقول رامي، وهو في اوائل العشرينات من العمر: "انهم يقولون انهم سوف يتصلون بك، لكنهم لا يفعلون ذلك ابدا."
وفي لحظة تعاسة، تتعجب العائلة لماذا جاءت الى الولايات المتحدة. كان لديهم خيارات اخرى، بضمنها السويد واستراليا. وبدأوا التفكير في العودة الى سوريا، حيث يمكنهم على الاقل فهم اللغة، كما توجد هناك طائفة مندائية صغيرة. وتتعبد العائلة بمفردها الان ايام الاحاد. تغطي هيفاء رأسها بوشاح بينما تقرأ كتابهم المقدس. وهي تصلي من اجل العافية والرضا ببيتها البديل. تقول: "سوف احب هذا البلد حينما يحصل اولادي على عمل ونحظى بحياة طبيعية