- الأحد مارس 04, 2012 8:19 pm
#47612
دائماً يدور نقاش وحوار بين مؤيد للتيار الاسلام السياسي
والمعارض لهذا التيار وان سخونة هذا الحوار ليس خاصاً في منتدانا بل سخونته اشد واعمق في اروقة المعارضة الارترية بل استطيع القول انه سمة عامة في العالم الاسلامي.
انا اريد ان اعيد طرح المسألة المطروحة علي بساط البحث بطريقة مبسطة تأصيلية لكي يسهل فهمه واستيعابه لجميع من يقرأ موضوعي.
انا ابحث وأتأمل و اتساءل دائماً ما هي علاقة الدين بالسياسة؟
وما هي آراء وأفكار المفكريين الاسلاميين ومنظري السياسة الشرعية
وماذا قال المفكرون والمنظرون والخبراء الذين يعيشون هاجس هذه القضية بالتأمل والتفكير دائماً وابداً؟واين وصلوا ؟ وكيف تقاطعت طرقهم واختلفت افكارهم؟ لكي اجيب علي هذا السؤال قرأت كتب المنظرين للسياسة الشرعية وطالعت الدراسات الصادرة حول هذا الموضوع وتتبعت اطروحات وبرامج التيارات الاسلامية المعاصرة .
فحاولت اختصار الافكار والاراء التي تم تناولها حول هذا الموضوع بشكل عام فقد وجدت ثلاثة اراء وكل راي يمثل جانب مهم وله مرجعيته وافكاره وانطلاقاته وفلسفته وبالطبع له رجاله و منظروه
الرأي الاول :
اصحاب هذا الرأي يقولون ان الدين بشكل عام جاء لهداية الانسان وتوجيهه وارشاده الي نعيم الاخرة فقط .وانهم يختصرون غاية الدين الأساسية بهداية الناس لما هو أقوم في الحياة الاخروية وتحقيق سعادة الاخرة فقط. وانهم يقولون ان طبيعة الحياة لا علاقة لها بالدين ابداً وأنها تسير في قوانين الطبيعة بالارتقاء والسمو فعلي الانسان ان يكيف حياته بقوانين الطبيعة التي تعتمد علي التجربة والخطأ ولايخرج قوانين الحكم والسياسة من هذه القواعد الراسخة.
لذلك يقولون يجب علينا ان نحل مشكلاتنا السياسية وندرس علاقاتنا الاجتماعية ونمهد الظروف المناسبة لحياة افضل وفق هذه الأسس والقواعد التي تنبع من صميم الطبيعة بدون الخضوع للتأثيرات الدينية اي كان هذا الدين هذا هو الرأي الاول .
سلبيات هذا الراي أنه يُخْرج الدين من تفاعلات الحياة الاجتماعية ويحصره في زاوية ضيقة جداً وهو سعادة الاخرة فقط .
وتندرج تحت هذا الرأي مقولات كثيرة منها مقولة (ان الاسلام ليس فيه دولة ....) فقد ابتكر هذه المقولة وحمل لوائها المستشرقين وتبعهم عليهم كثير من المسلمين في العالم الاسلامي ولا يخفى عليكم الضجة التي احدثه الشيخ علي عبد الرازق في كتابه (الاسلام واصول الحكم ) ومنها مقولة (الدين رسالة روحية ......) وهناك مقولة اخرى (الاسلام اصبح شئ من الماضي ونحن في عصر جديد..... )
هذا الرأي ينسجم تماماً مع اطروحات العلمانية والليبرالية وهو كما ترونه فكر علماني بعينه لو رجعنا الي المفكريين الغربين فسنجدهم أنّ الاغلبية منهم تعتقد بوجود الدين لكنهم يحصرونه في زاوية ضيقة جداً ويقولون الدين عبارة عن علاقة روحية ويَنْظرون اليه كوجود معزول وبالتالي فقد توصلوا بشأن الدين الي حتمية وضعه بالكامل جانباً او علي الاقل اخراجه من تفاعلات الحياة ونبذه من مجال الحياة الاجتماعية بالكامل .
واما الفئة التي لا تعتقد بوجود الدين وهم فئة قليلة وان الدراسات اثبتت أنّ نسبة الملحدون الذين لا يدينون بأي دين 13 في المائة واوضح مثال علي هذه الفئة مقولة كارل ماركس الشهيرة (الدين اي دين ماهو الا انعكاس خيالي في اذهان الناس لتلك القوى الخارجية المسيطرة عليهم في حياتهم اليومية وان الانسان هو الذي يصنع الدين وليس العكس ....) .
لكن للاسف بعض المسلمين قلدوا الغرب في عزل الدين عن الحياة وحَصْره في زوايا ضيقة ونَبْذه كُلياً عن المجتمع رغم أنّ هذا الرأي بعيد عن حقيقة الاسلام وهوضد الدين في كل شئ.
في نظري الذي يتبنى هذا الرأي لا يخلو من شئين امّا جاهل عن الدين الاسلامي جملةً وتفصيلاً وامّا مبهور ومغرور بأفكار الغرب ولا يعي ماذا يقول وهو يردد فقط مقولات الغرب العلماني كالبغبغاء ولا يمتلك اصالة فكرية ولا ثوابت دينية فليس امامه الا ان يكتب ويؤلف ويشرح فقط فهذا دوره .
والا بالله عليكم ماذا يقولون عن مقاصد الشريعة وقواعدها العامة التي تنير دروب الحياة بالتوجيه والارشاد ؟ اليس الاسلام هو دين الاخلاق؟ اليس الاسلام هوالشورى وهو العدل وهو الامانة وهو الاحسان وهو الصدق؟ اليس الاسلام هو الذي يرفض الظلم والابتزاز والاحتكار؟ اليس الاسلام هو الذي وضع اصول الحكم وقواعده الكلية؟
بالله عليكم كيف يُخرجون مثل هذا الدين من معترك الحياة ؟ وكيف نعزله من مجريات الحياة؟ وكيف نحصره في سعادة الاخرة فقط ؟ وهل ممكن ذلك واقعياً ؟
الرأي الثاني :
هذا الرأي عكس الرأي الاول واصحاب هذا الرأي يقولون انّ الدين قد حدد كل الضوابط الكلية والقواعد التفصيلية وأنّه رسم كل الحدود وأجاب عن كل شئ بما في ذلك الجزئيات والتفاصيل وأن الله قد عَيّن الحكومة بأشْكَالها ونُظمها وأنّ أمور الحكم والسياسة من الامور التوقيفية.
اذن فلا دور للانسان سوى ان يكون تابعاً ومطيعاً وعليه الرجوع الي الوحي لمعرفة تكليفه لأن الناس في الاصل مكلفون بالطاعة حصراً هذا هو رأي الثاني .
ومن اعقد المشكلات التي تواجه اصحاب هذا الرأي أنّ الكثير منهم ينقلون القداسة والسمو التي هي صفات جوهر الدين وحقيقته الي تصوراتهم النسبية وافهامهم المحدودة ومن المعلوم ان النص الديني مقدس وسامي ومهما تقدمت افكارهم وتصوراتهم لا تساوي قطرة صغيرة في منقار عصفور صغير امام المحيط الضخم وما اتيتم من العلم الا قليل .
وانهم دائماً يسعون لاضفاء القداسة علي اعمالهم وتصرفاتهم حين ما يصفون اعمالهم وتصرفاتهم بأنه امر رباني مشروعة من عندالله .
في هذه الحالة فتنتقل القداسة بالضرورة الي السلطة .
لكن لابد القبول بحقيقة ان تصوراتنا لهذا الدين موضوع بشري ولابد التمييز بين جوهر الدين كشأن مقدس ومتسام وبين تصورات الانسان عن الدين وهي امر محدود ونسبي قابل للتغيير.
والمعضلة الكبيرة ان اصحاب هذا الرأي يتلبسون بلباس الدين ويفرضون علي الناس الطاعة ويطالبونهم بالالتزام وانهم حين يمتلكون السلطة والقرار يمنحون لانفسهم الحق في قمع كل فكر معارض واقصاء كل رأي مخالف تحت حجة مخالفة الشريعة هذا مشاهد وملموس ولا يحتاج الي دليل.
وهذه هي الثيقراطية بعينه وهي ان تتولّى طبقة من رجال الدين منصب سياسي وستكون الحكومة ذات طابع الهي مقدس لانه في نظرهم كل الضوابط قد عينت من فوق سبع سماوات وفرضت علي الناس بأمر الهي.
وبالتالي فلا خيار امام الناس الا الطاعة والالتزام فقط والا فأولي الأمر لهم حق حَمْل الناس علي اتباع تلك الضوابط بالطريقة التي يرونها هذه هي الثيوقراطية التي يرفضهاالاسلام ويعارضها كثير من المسلمين
وكلنا نعلم ان الاسلام يرفض الثيوقراطية والحكم المطلق وان الاسلام يؤسس ويدعوا دائماً للحكم القائم علي الشورى والرأي الحر.
والاسلام كغيره من الانظمة عنده جانبين: جانب نظري فلسفي وجانب عملي تطبيقي وان مشكلات الحكم والسياسة وتطبيقاتها علي الارض من الامور العملية وهي كلها مشكلات ذات طابع عملي فنحن في حالة الحكم لسنا ازاء مشكلة فلسفية او كلامية او نظرية بل نحن ازاء مشكلة تنتمي في صميم الحياة العملية المتروكة في الاصل لتقدير الانسان وتدبيره حسب زمانه ومكانه .
لكن للاسف من يتبنون من المسلمين هذا الرأي يركزون في الجانب النظري و الفلسفي وتجدهم دائماً بارعون بشكل رهيب في الجانب النظري ويتعاملون مع النصوص القرءآنية والاحاديث النبوية بأسلوب نظري فلسفي بحت .
ويجعلون النصوص الدينية هي في حد ذاتها اساساً للحكم من مشكلات الانسان الرئيسية في هذه الحياة .
وتجدهم دائماً يستخذمون مصطلحات عائمة وغائمة موغلة في العموم وأنهم دائماً يتراشقون بالنصوص هنا وهناك بدل التفكير الابداعي والاجتهاد الحر والمنافسة علي الجديد وكسر الجمود مماجعلهم جماعات دينية مقلدة اكثر وبالتالي ساد فيما بينهم التعصب الديني والتصلب الفكري وقلة الحوار وضيق الافق .
انا اقول لمن يتبنى هذا الرأي من المسلمين يا جماعة ان ادارة شؤون الدولة المعاصرة معقدة جداً ويتعين علي الساسة بذل جهد خارق لاجل البحث عن مضامين وانظمة صالحة للتطبيق في ظروف كل عصر ومن المؤكد ان مجتمعات المعاصرة تمثل قمة التعقيد الذي بلغته البشرية طوال تاريخها نتيجة التغيرات المتلاحقة في ظروف الحياة وتتطلب جهد بشري هائل لكي نترجم المبادئ الدينية العامة الي واقع عملي وهذا يتحقق بالاجتهاد والتفكير العقلي والاستفادة من الخبرات .
الرأي الثالث :
اصحاب هذا الرأي يقولون أنّ الدين يشرف علي الحكومة وعلي الحياة الاجتماعية بكل تفاعلاتها وتناقضاتها وتعقيداتها وان الاسلام رسم معالم الحياة وحدد اطارها الكلي من خلال القواعد العامة والاطر الكلية للنظام السياسي لان الله وضع القوانين التي تنظم الامور الدنيوية وخاصة انظمة الحكم وفنون السياسة ولكنه ترك التفاصيل والجزئيات للعقل البشر لكي يبدع ويبتكر وسائله وطرائقه عن طريق الاجتهاد والتفكير العقلي
وفق تلك القواعد المرسومة والكليات العامة المحددة.اذن نحن بودنا ان نحدد اشكال الحكم المناسبة من انظمة وهيئات ومؤسسات تبعاً لخصوصيات كل زمان ومكان .
انا شخصياً اعتقد ان الحكومة امرها مفوض الي الناس
وان اقرار الحكومة المناسبة ترجع الي ارادة الناس ورغبتهم
وهم مخولون شرعاً لممارسة السلطة وصياغة الامور حسبما يرونه محققاً لمصالحهم وحاجاتهم ومطالبهم وان ما يناسبنا ومالا يناسبنا موكول علي الناس.
ولا يحق لاحد ان يفرض الحكومة علي الناس ومن حق الناس مسائلة الحكومة ومناقشة البرامج والافكار المطروحة علي مستوى العام وان أي رأي يتفق عليه الاغلبية هو الذي يجب ان يسود.
اذن في هذه الحالة ارادة الناس تعتبر هي الضابطة وهي التي تؤمّن لهم الحرية المنشودة وفق ارادتهم ورغبتهم لكن كل ذلك ينبغي ان يحصل في ظل قواعد الاسلام واطره الكلية وعلي ضوء روح الشريعة الاسلامية لان الدين شامل واما السياسة محلية مؤقتة اقليمية لجماعة معينة تمارس في ظل الدين الشامل وتستمد شرعيتها وقوتها من الدين .
وعندي من الاسباب ما يجعلني ان اقول هذا الرأي هو الاصح من الرأي الثاني .
لأنني اعتقد ان انظمة الحكم وفنون السياسة من الامور الدنيوية العادية التي تخضع لحكم العادات وهي الاباحة والتفويض فقال علماء الاصول (الاصل في العادات الاباحة والاصل في العبادات التوقيف) وقاعدة اخرى تقول (الاصل في الاشياء الاباحة ) وان مقاصد الشريعة العامة جلب المصالح ودفع المفاسد
اذن السياسة بمنطوق هذه القواعد مباحة تخضع للتجارب البشرية والخبرات الحياتية المتراكمة وان كل مشكلات الحكم والسياسة وتطبيقاتها علي الارض كلها مشكلات ذات طابع عملي وانظروا حديث ( انتم اعلم بامور دنياكم )هذا الحديث يعني ان تصريف الامور الدنيوية متروكة للانسان وظروفه وطبيعة عصره لان ممارسة الحكم عملية بشرية اولاً واخيراً وفي القرءآن سنجد ان الناس هم من يوجه اليه الخطاب دائماً وأنهم هم المطالبون باقامة العدل والشورى والمساواة والاحسان ومحاربة الفساد والظلم وتحقيق الخير علي الارض .
يا جماعة الاسلام في مجال الحكم اسس قواعد عامة دون الدخول في التفاصيل مثلا مبدأ الشورى والعدل والاحسان والمساواة وترك جانب العملي علي البشر.
اذا قلنا امور الحكم توقيفية وان الله حددها من فوق سبع سماوات
اذا كان كذلك انا اتساءل هذه الاسئلة لماذا خاطب القرءآن الناس في جُلّ اياته؟ ولماذا اعتبر أهل الحل والعقد في زمن الخلفاء الراشدون؟ ولماذا اهل الحل والعقد هم المخولون فقط في انتخاب الحكومة؟ ولماذا لم يعين الرسول الخليفة والحكومة من بعده؟ ولماذا اختار الرسول البيعة والشورى اساساً لاختيار الحكم ؟ ولماذا استعان عمر ابن الخطاب بالنظم المأخوذة من الفرس كانشاء الدواويين وغيره ؟ هذا دليل واضح علي صحة هذا الرأي لكن اختم موضوعي بعبارات يجب ان تعرفوه وهي ان الانسان ابن عصره وعليه ان يجيب علي تساؤلات عصره لكي يكون حاضراً وموجداً ولكي يحقق المقولة المشهورة الاسلام صالح لكل زمان ومكان.
والمعارض لهذا التيار وان سخونة هذا الحوار ليس خاصاً في منتدانا بل سخونته اشد واعمق في اروقة المعارضة الارترية بل استطيع القول انه سمة عامة في العالم الاسلامي.
انا اريد ان اعيد طرح المسألة المطروحة علي بساط البحث بطريقة مبسطة تأصيلية لكي يسهل فهمه واستيعابه لجميع من يقرأ موضوعي.
انا ابحث وأتأمل و اتساءل دائماً ما هي علاقة الدين بالسياسة؟
وما هي آراء وأفكار المفكريين الاسلاميين ومنظري السياسة الشرعية
وماذا قال المفكرون والمنظرون والخبراء الذين يعيشون هاجس هذه القضية بالتأمل والتفكير دائماً وابداً؟واين وصلوا ؟ وكيف تقاطعت طرقهم واختلفت افكارهم؟ لكي اجيب علي هذا السؤال قرأت كتب المنظرين للسياسة الشرعية وطالعت الدراسات الصادرة حول هذا الموضوع وتتبعت اطروحات وبرامج التيارات الاسلامية المعاصرة .
فحاولت اختصار الافكار والاراء التي تم تناولها حول هذا الموضوع بشكل عام فقد وجدت ثلاثة اراء وكل راي يمثل جانب مهم وله مرجعيته وافكاره وانطلاقاته وفلسفته وبالطبع له رجاله و منظروه
الرأي الاول :
اصحاب هذا الرأي يقولون ان الدين بشكل عام جاء لهداية الانسان وتوجيهه وارشاده الي نعيم الاخرة فقط .وانهم يختصرون غاية الدين الأساسية بهداية الناس لما هو أقوم في الحياة الاخروية وتحقيق سعادة الاخرة فقط. وانهم يقولون ان طبيعة الحياة لا علاقة لها بالدين ابداً وأنها تسير في قوانين الطبيعة بالارتقاء والسمو فعلي الانسان ان يكيف حياته بقوانين الطبيعة التي تعتمد علي التجربة والخطأ ولايخرج قوانين الحكم والسياسة من هذه القواعد الراسخة.
لذلك يقولون يجب علينا ان نحل مشكلاتنا السياسية وندرس علاقاتنا الاجتماعية ونمهد الظروف المناسبة لحياة افضل وفق هذه الأسس والقواعد التي تنبع من صميم الطبيعة بدون الخضوع للتأثيرات الدينية اي كان هذا الدين هذا هو الرأي الاول .
سلبيات هذا الراي أنه يُخْرج الدين من تفاعلات الحياة الاجتماعية ويحصره في زاوية ضيقة جداً وهو سعادة الاخرة فقط .
وتندرج تحت هذا الرأي مقولات كثيرة منها مقولة (ان الاسلام ليس فيه دولة ....) فقد ابتكر هذه المقولة وحمل لوائها المستشرقين وتبعهم عليهم كثير من المسلمين في العالم الاسلامي ولا يخفى عليكم الضجة التي احدثه الشيخ علي عبد الرازق في كتابه (الاسلام واصول الحكم ) ومنها مقولة (الدين رسالة روحية ......) وهناك مقولة اخرى (الاسلام اصبح شئ من الماضي ونحن في عصر جديد..... )
هذا الرأي ينسجم تماماً مع اطروحات العلمانية والليبرالية وهو كما ترونه فكر علماني بعينه لو رجعنا الي المفكريين الغربين فسنجدهم أنّ الاغلبية منهم تعتقد بوجود الدين لكنهم يحصرونه في زاوية ضيقة جداً ويقولون الدين عبارة عن علاقة روحية ويَنْظرون اليه كوجود معزول وبالتالي فقد توصلوا بشأن الدين الي حتمية وضعه بالكامل جانباً او علي الاقل اخراجه من تفاعلات الحياة ونبذه من مجال الحياة الاجتماعية بالكامل .
واما الفئة التي لا تعتقد بوجود الدين وهم فئة قليلة وان الدراسات اثبتت أنّ نسبة الملحدون الذين لا يدينون بأي دين 13 في المائة واوضح مثال علي هذه الفئة مقولة كارل ماركس الشهيرة (الدين اي دين ماهو الا انعكاس خيالي في اذهان الناس لتلك القوى الخارجية المسيطرة عليهم في حياتهم اليومية وان الانسان هو الذي يصنع الدين وليس العكس ....) .
لكن للاسف بعض المسلمين قلدوا الغرب في عزل الدين عن الحياة وحَصْره في زوايا ضيقة ونَبْذه كُلياً عن المجتمع رغم أنّ هذا الرأي بعيد عن حقيقة الاسلام وهوضد الدين في كل شئ.
في نظري الذي يتبنى هذا الرأي لا يخلو من شئين امّا جاهل عن الدين الاسلامي جملةً وتفصيلاً وامّا مبهور ومغرور بأفكار الغرب ولا يعي ماذا يقول وهو يردد فقط مقولات الغرب العلماني كالبغبغاء ولا يمتلك اصالة فكرية ولا ثوابت دينية فليس امامه الا ان يكتب ويؤلف ويشرح فقط فهذا دوره .
والا بالله عليكم ماذا يقولون عن مقاصد الشريعة وقواعدها العامة التي تنير دروب الحياة بالتوجيه والارشاد ؟ اليس الاسلام هو دين الاخلاق؟ اليس الاسلام هوالشورى وهو العدل وهو الامانة وهو الاحسان وهو الصدق؟ اليس الاسلام هو الذي يرفض الظلم والابتزاز والاحتكار؟ اليس الاسلام هو الذي وضع اصول الحكم وقواعده الكلية؟
بالله عليكم كيف يُخرجون مثل هذا الدين من معترك الحياة ؟ وكيف نعزله من مجريات الحياة؟ وكيف نحصره في سعادة الاخرة فقط ؟ وهل ممكن ذلك واقعياً ؟
الرأي الثاني :
هذا الرأي عكس الرأي الاول واصحاب هذا الرأي يقولون انّ الدين قد حدد كل الضوابط الكلية والقواعد التفصيلية وأنّه رسم كل الحدود وأجاب عن كل شئ بما في ذلك الجزئيات والتفاصيل وأن الله قد عَيّن الحكومة بأشْكَالها ونُظمها وأنّ أمور الحكم والسياسة من الامور التوقيفية.
اذن فلا دور للانسان سوى ان يكون تابعاً ومطيعاً وعليه الرجوع الي الوحي لمعرفة تكليفه لأن الناس في الاصل مكلفون بالطاعة حصراً هذا هو رأي الثاني .
ومن اعقد المشكلات التي تواجه اصحاب هذا الرأي أنّ الكثير منهم ينقلون القداسة والسمو التي هي صفات جوهر الدين وحقيقته الي تصوراتهم النسبية وافهامهم المحدودة ومن المعلوم ان النص الديني مقدس وسامي ومهما تقدمت افكارهم وتصوراتهم لا تساوي قطرة صغيرة في منقار عصفور صغير امام المحيط الضخم وما اتيتم من العلم الا قليل .
وانهم دائماً يسعون لاضفاء القداسة علي اعمالهم وتصرفاتهم حين ما يصفون اعمالهم وتصرفاتهم بأنه امر رباني مشروعة من عندالله .
في هذه الحالة فتنتقل القداسة بالضرورة الي السلطة .
لكن لابد القبول بحقيقة ان تصوراتنا لهذا الدين موضوع بشري ولابد التمييز بين جوهر الدين كشأن مقدس ومتسام وبين تصورات الانسان عن الدين وهي امر محدود ونسبي قابل للتغيير.
والمعضلة الكبيرة ان اصحاب هذا الرأي يتلبسون بلباس الدين ويفرضون علي الناس الطاعة ويطالبونهم بالالتزام وانهم حين يمتلكون السلطة والقرار يمنحون لانفسهم الحق في قمع كل فكر معارض واقصاء كل رأي مخالف تحت حجة مخالفة الشريعة هذا مشاهد وملموس ولا يحتاج الي دليل.
وهذه هي الثيقراطية بعينه وهي ان تتولّى طبقة من رجال الدين منصب سياسي وستكون الحكومة ذات طابع الهي مقدس لانه في نظرهم كل الضوابط قد عينت من فوق سبع سماوات وفرضت علي الناس بأمر الهي.
وبالتالي فلا خيار امام الناس الا الطاعة والالتزام فقط والا فأولي الأمر لهم حق حَمْل الناس علي اتباع تلك الضوابط بالطريقة التي يرونها هذه هي الثيوقراطية التي يرفضهاالاسلام ويعارضها كثير من المسلمين
وكلنا نعلم ان الاسلام يرفض الثيوقراطية والحكم المطلق وان الاسلام يؤسس ويدعوا دائماً للحكم القائم علي الشورى والرأي الحر.
والاسلام كغيره من الانظمة عنده جانبين: جانب نظري فلسفي وجانب عملي تطبيقي وان مشكلات الحكم والسياسة وتطبيقاتها علي الارض من الامور العملية وهي كلها مشكلات ذات طابع عملي فنحن في حالة الحكم لسنا ازاء مشكلة فلسفية او كلامية او نظرية بل نحن ازاء مشكلة تنتمي في صميم الحياة العملية المتروكة في الاصل لتقدير الانسان وتدبيره حسب زمانه ومكانه .
لكن للاسف من يتبنون من المسلمين هذا الرأي يركزون في الجانب النظري و الفلسفي وتجدهم دائماً بارعون بشكل رهيب في الجانب النظري ويتعاملون مع النصوص القرءآنية والاحاديث النبوية بأسلوب نظري فلسفي بحت .
ويجعلون النصوص الدينية هي في حد ذاتها اساساً للحكم من مشكلات الانسان الرئيسية في هذه الحياة .
وتجدهم دائماً يستخذمون مصطلحات عائمة وغائمة موغلة في العموم وأنهم دائماً يتراشقون بالنصوص هنا وهناك بدل التفكير الابداعي والاجتهاد الحر والمنافسة علي الجديد وكسر الجمود مماجعلهم جماعات دينية مقلدة اكثر وبالتالي ساد فيما بينهم التعصب الديني والتصلب الفكري وقلة الحوار وضيق الافق .
انا اقول لمن يتبنى هذا الرأي من المسلمين يا جماعة ان ادارة شؤون الدولة المعاصرة معقدة جداً ويتعين علي الساسة بذل جهد خارق لاجل البحث عن مضامين وانظمة صالحة للتطبيق في ظروف كل عصر ومن المؤكد ان مجتمعات المعاصرة تمثل قمة التعقيد الذي بلغته البشرية طوال تاريخها نتيجة التغيرات المتلاحقة في ظروف الحياة وتتطلب جهد بشري هائل لكي نترجم المبادئ الدينية العامة الي واقع عملي وهذا يتحقق بالاجتهاد والتفكير العقلي والاستفادة من الخبرات .
الرأي الثالث :
اصحاب هذا الرأي يقولون أنّ الدين يشرف علي الحكومة وعلي الحياة الاجتماعية بكل تفاعلاتها وتناقضاتها وتعقيداتها وان الاسلام رسم معالم الحياة وحدد اطارها الكلي من خلال القواعد العامة والاطر الكلية للنظام السياسي لان الله وضع القوانين التي تنظم الامور الدنيوية وخاصة انظمة الحكم وفنون السياسة ولكنه ترك التفاصيل والجزئيات للعقل البشر لكي يبدع ويبتكر وسائله وطرائقه عن طريق الاجتهاد والتفكير العقلي
وفق تلك القواعد المرسومة والكليات العامة المحددة.اذن نحن بودنا ان نحدد اشكال الحكم المناسبة من انظمة وهيئات ومؤسسات تبعاً لخصوصيات كل زمان ومكان .
انا شخصياً اعتقد ان الحكومة امرها مفوض الي الناس
وان اقرار الحكومة المناسبة ترجع الي ارادة الناس ورغبتهم
وهم مخولون شرعاً لممارسة السلطة وصياغة الامور حسبما يرونه محققاً لمصالحهم وحاجاتهم ومطالبهم وان ما يناسبنا ومالا يناسبنا موكول علي الناس.
ولا يحق لاحد ان يفرض الحكومة علي الناس ومن حق الناس مسائلة الحكومة ومناقشة البرامج والافكار المطروحة علي مستوى العام وان أي رأي يتفق عليه الاغلبية هو الذي يجب ان يسود.
اذن في هذه الحالة ارادة الناس تعتبر هي الضابطة وهي التي تؤمّن لهم الحرية المنشودة وفق ارادتهم ورغبتهم لكن كل ذلك ينبغي ان يحصل في ظل قواعد الاسلام واطره الكلية وعلي ضوء روح الشريعة الاسلامية لان الدين شامل واما السياسة محلية مؤقتة اقليمية لجماعة معينة تمارس في ظل الدين الشامل وتستمد شرعيتها وقوتها من الدين .
وعندي من الاسباب ما يجعلني ان اقول هذا الرأي هو الاصح من الرأي الثاني .
لأنني اعتقد ان انظمة الحكم وفنون السياسة من الامور الدنيوية العادية التي تخضع لحكم العادات وهي الاباحة والتفويض فقال علماء الاصول (الاصل في العادات الاباحة والاصل في العبادات التوقيف) وقاعدة اخرى تقول (الاصل في الاشياء الاباحة ) وان مقاصد الشريعة العامة جلب المصالح ودفع المفاسد
اذن السياسة بمنطوق هذه القواعد مباحة تخضع للتجارب البشرية والخبرات الحياتية المتراكمة وان كل مشكلات الحكم والسياسة وتطبيقاتها علي الارض كلها مشكلات ذات طابع عملي وانظروا حديث ( انتم اعلم بامور دنياكم )هذا الحديث يعني ان تصريف الامور الدنيوية متروكة للانسان وظروفه وطبيعة عصره لان ممارسة الحكم عملية بشرية اولاً واخيراً وفي القرءآن سنجد ان الناس هم من يوجه اليه الخطاب دائماً وأنهم هم المطالبون باقامة العدل والشورى والمساواة والاحسان ومحاربة الفساد والظلم وتحقيق الخير علي الارض .
يا جماعة الاسلام في مجال الحكم اسس قواعد عامة دون الدخول في التفاصيل مثلا مبدأ الشورى والعدل والاحسان والمساواة وترك جانب العملي علي البشر.
اذا قلنا امور الحكم توقيفية وان الله حددها من فوق سبع سماوات
اذا كان كذلك انا اتساءل هذه الاسئلة لماذا خاطب القرءآن الناس في جُلّ اياته؟ ولماذا اعتبر أهل الحل والعقد في زمن الخلفاء الراشدون؟ ولماذا اهل الحل والعقد هم المخولون فقط في انتخاب الحكومة؟ ولماذا لم يعين الرسول الخليفة والحكومة من بعده؟ ولماذا اختار الرسول البيعة والشورى اساساً لاختيار الحكم ؟ ولماذا استعان عمر ابن الخطاب بالنظم المأخوذة من الفرس كانشاء الدواويين وغيره ؟ هذا دليل واضح علي صحة هذا الرأي لكن اختم موضوعي بعبارات يجب ان تعرفوه وهي ان الانسان ابن عصره وعليه ان يجيب علي تساؤلات عصره لكي يكون حاضراً وموجداً ولكي يحقق المقولة المشهورة الاسلام صالح لكل زمان ومكان.