صفحة 1 من 1

المراة في جمهورية افلاطون

مرسل: الاثنين مارس 05, 2012 7:40 pm
بواسطة فهد العتيبي 1
إن الكثير من أفكار أفلاطون المتعلقة بمفهومه لدور المرأة تبدو في غاية البديهية في مجتمعات إنسانية كثيرة في هذا الوقت من الزمن ، إلا إنها كانت تعد مفاهيم ذات احتواء ثوري اجتماعي في العادات اليونانية ، في مجتمع أثينا في فترته الزمنية.

المرأة في مجتمع أثينا                          

لقد كان مركز المرأة في مجتمع أثينا في القرن الرابع قبل الميلاد أعلى مقدار شعرة من منزلة العبيد المسترقين الذين كانوا جميعاً ملك أسيادهم طبقات الرجال التي حكمت المجتمعات والمنازل. كانت نساء أثينا ملكاً لرجالهم يورثن كما تورث البيوت والعبيد والماشية. كان وجودهن يعتبر عدماً وبلا معنى إلا لخدمة غرضين تحيا النسوة وتموت لأجلهن إلا وهما :

1 – الأمومة والتي اعتبرت أسمى وأهم دور لوجود وقصارى ما تستطيع بذله للمجتمع.

2 – الخدمة العامة لرعاية الرجل والعائلة في المنزل وتعلم فنون الطبخ والخدمة في تنظيف البيت.

وبذلك انحصرت آمال المرأة وحياتها في التطلع إلى الحصول على الذكر الذي يمنحها الطفل والبيت لتثبت وجودها في المجتمع وتحس بقيمتها التي اختصرت على هذه الأهداف المتواضعة بفضل التربية الاجتماعية والثقة المسحوبة من المرأة إلا في إطار إعادة الإنتاج البشري أو تنظيف المنزل وإبقائه للرجل. ولأن هذا هو الهدف المكتسب إجتماعياً من أجل وجود المرأة ، نرى أن المرأة قد تقضي حياتها متطلعة إلى الحياة مع رجل وجدته وهي عالمة أشد العلم بعدم وجود أي عاطفة حقيقية من قبلها نحوه وبالذات لأن الأب كان هو المدبر الرئيسي للعلاقة الزوجية واختيار شريك المرأة.

إن علاقة الزوج بالزوجة كانت تخلو من الصداقة الحقيقية وذلك بسبب مركزها السفلي وانعدام التعليم والإعداد لها كإنسانة.

كزوجة لم تكن تملك أية حقوق أو توقعات بأن يكون زوجها مخلصاً لها إلى درجة أنها لم تكون تقوم حتى بلوم النساء اللواتي يقوم زوجها بعمل علاقات معهن. إن الزوجة في ذلك العرف كانت هي الشريك الصامت في علاقة الزواج ولقد كانت علاقات المرأة برجال غير زوجها تعتبر خطيئة لا تغتفر وتعاقب عليها المرأة باعتبار أن تصرفها هذا هو إساءة في تربية المواطنين للمستقبل ، بينما لا تكون هناك أي قيمة لا أخلاقية لتصرفات الرجل إذا كانت مماثلة لتصرف المرأة المذكورة.

وفي هذا المجال تبدو كتابات أفلاطون ثورية الطابع عندما يتحدث عن الأوضاع المثالية في ” جمهورية أفلاطون ” لقد كانت آراؤه في المرأة آراء غير تقليدية في وقتها ومن سخريات القدر أنها لا زالت تبدو وبعد 2500 عام غير تقليدية وغريبة على آذان الكثير في المجتمعات التي تدعي الإنسانية وتقصرها على جنس الرجال فقط.

وهناك الكثير من المجتمعات التي تعامل نساؤها كما لا يعامل أي حيوان أنثاه. ففي ” جمهورية أفلاطون ” التي تنصب سقراط فيها ليعبر عن آراء أفلاطون يصور سقراط شدة دهشته من المعتقدات التي كانت سارية لتمنع الطبيعة من أخذ مجراها وتسبب هدراً لمصادر بشرية وطاقات تتعدى 50% من السكان.

وجهة نظر إفلاطون :

ويناقش أفلاطون موضوع المرأة معترضاً على أوضاعها في مجتمع أثينا ومؤكد أنه ليس هناك من عوائق طبيعية تفرضها الطبيعة على المرأة لتحول بينها وبين المشاركة الفعالة في حقوق وواجبات المواطنين الرجال ، لسد حاجات الدولة ، وأنها لمؤهلة لنيل منصب ” الملك الفيلسوف” في الجمهورية الذي يحكم ويملك بفضل حكمته وحسن مشورته وإنتخابه من قبل الشعب.

ويرى أفلاطون على لسان سقراط أن إعادة الروح الإنسانية إلى المرأة لا تتم إلا بالإنتفاع الكامل منها في الدولة والمجتمع وهذا في حد ذاته لا يحدث إلا إذا حررت المرأة من السجن المنزلي التقليدي والدور المرسوم لها قبل ولادتها.

وينبع من رأيه هذا فكرته التقدمية المشهورة بالقضاء على كيان العائلة الصغير الموجود في جماعات معينة في أثينا وتحويله إلى عائلة المجتمع حيث يصبح المجتمع عائلة كبيرة تضحي مصلحة المجتمع فيها فوق مصلحة الفرد وأهم من سلطة الوالدين على الفرد.

ويتطرق سقراط لمناقشة الأمر بتوسع أكثر وتحليل أعمق مع تلميذه جلوسون.

شراكة متوازنة بين الرجل والمرأة :

يتحدث أفلاطون عن المرأة كشريك في المجتمع ويهزم في ” جمهورية أفلاطون” الرأي القاتل أن دور المرأة قد حددته الطبيعة في حدود المنزل وإعادة إنتاج البشرية.

أن الطبيعة لم تقم بأي شكل من الأشكال بحد وضع النساء في ممارسة إنسانيتهن وحقوقهن ليصبحن شريكات في نشاطات الدولة والحكومة. لقد كان الرجال يستحوذون دائماً بحصر الأعمال ” المهمة ” في المجتمع وفي تنمية عقولهم على حساب اضطهاد عقول النساء. لقد كان الرجال قوامون بالمشاركة في الحرب ، صنع الأسلحة ، حكم الدولة ، كسب المال ، بينما خلال كل هذا وذاك يستثني النساء كلية من هذا ، لقد كانت النساء سجينات بيوتهن ، سجينات اللاثقة ، سجينات أدوار تقليدية رسمت لهن وسمحت بأقل بكثير مما قد يدعوه البعض حيوانية. حتى الحيوانات كانت ترتفع بتوازن أكثر في طبيعة علاقة الذاكر بالأنثى فعلى سبيل المثال لنأخذ علاقة الكلب بالكلبة.

نرى أن الأنثى الكلبة تقوم بدور الولادة والحمل ، ولكن ذلك لا يمنعها بأي حال من الأحوال من الصيد والاقتناص والحراسة مثل ذكرها الكلب.

لذلك فإن إدعاء مجتمع أثينا أن الطبيعة تحول دون تحقيق ذاتية الأنثى هو إدعاء باطل ، لأن دور الأمومة هو وجه واحد لإنسانية المرأة وليس بكل الوجوه مثله مثل دور الأبوة عند الرجل.

الطريق إلى المساواة الحقة :

يعزى إلى ” جمهورية إفلاطون ” حالة أن المرأة والرجل يجب أن يكتسبا من النشأة والنوعية العامة بكل إدارتهما ويعطيا نفس التعليم ويعدا من الأعداد ليتوليا نفس الأعمال في المستقبل ، وتكون الفروق بينهما حسب إرادتهما الشخصية بشكل منفرد لا اجتماعي. كما يقول أفلاطون أن المرأة يجب أن تتعلم الموسيقى والرياضة وفن الحرب.

الجنس الأسمى ” وجنس التيارات ” :

عندما واجه الكثير من المتعنتين المؤمنين ” بالشوفينية الذكرية ” أو ” امتياز الرجل عن المرأة أفلاطون ردوا عليه بأسئلتهم المضادة فيما إذا كان هناك حواجز وفروق جسدية تمنع من ممارسة ما يمارسه الرجل ، ورد أفلاطون بأنه إذا كان هناك فرق ، فهو تفوق المرأة في قدرتها على تحمل مشاق الحمل والولادة والقيام بما يقوم الرجل أيضاً بفعالية تامة.

الاختلاف الوحيد بين الرجل أن المرأة تلد والرجل لا يلد ! الخلاف ينتهى عند هذا الحد فقط أن عوامل إنسانية تشرق في مناقشة موضوع المرأة والرجل حيث

تجمعهما الإنسانية بما نجعله طبيعتها لا ما نحدده ونرسمه في أذهاننا وندعي أن الطبيعة أوجدته.

إن فكرة تفوق جنس على جنس هي فكرة لا محل لها من الصحة في الطبيعة فكلنا نتائج لما تمليه البيئة علينا فالرجال ليسوا جميعهم متكافئين في قدراتهم العملية والعلمية ويختلفون باختلاف نشأتهم وتاريخ حياتهم فهناك رجل قادر على القيام بعمل معين في سهولة تامة وهناك رجل آخر يفعل نفس الشيء الذي فعله الرجل الأول بشيء من الصعوبة وهناك رجل ثالث يقضي وقته محاولاً تعلم شيء ثم سرعان ما ينسى ما تعلمه بعد دراسته.

إن كان كل هذا الحديث يقود إلى شيء فإنما يقود إلى خلاصة الحقيقة البسيطة التالية: إن مبدأ التوازن والتساوي التام بين الأفراد منعدم لإنعدام الظروف التربوية والتعليمية والشخصية المتكافئة ، وإن تأثير البيئة يحدد تطور صفات وقدرات معينة عند فرد ويعدمها عند فرد آخر وهذا الحديث ينطبق على المرأة والرجل.

ولا يفوتني هنا أن أذكر بعض التناقضات التي أوردها أفلاطون بصدد المرأة والرجل حيث أنه بالرغم كل ما ذكره وتطرق إليه بالقول فإنه يعتقد أن النساء هم الشركاء الأضعف في العلاقة الزوجية مع الرجل ويبدو غموض هذا في التفسيرات المختلفة التي أعطيت لفكرة أفلاطون هذه. وبلا شك سيجد أفلاطون الكثير من الردود العقلانية التي تدحض مغالاته هذه لا يتسع المجال لمناقشتها هنا.

إن تميز فرد ما عن فرد آخر يمكن حدوثه بين جنس الرجال كما يحدث في جنس النساء أيضاً معتمداً لا على طبيعة الجنس بل على القدرات الشخصية والتهيئة العامة التي يستطيع الشخص النبوغ والإبداع فيها فهناك الفيلسوفة المبدعة ، والموسيقية المبدعة ، والسياسية المبدعة ، أو الأديبة المبدعة .. الخ. ومحال أن تجتمع كل صفات الإبداع في فرد واحد.

 

التركيب العائلي :

في جمهورية أفلاطون تقوم الدولة باختيار الذكر المميز وجمعه بالأنثى المميزة لتبني علاقات زوجية أو جنسية على أساس الطبقة العقلية والتكافؤ الشخصي ولو أن هذه التعرفة تمتد إلى ربط الغبي بالغبية أو سيء الحظ بسيئة الحظ مما يخلق مشكلة في الارتباط العاطفي إلا أن حجة أفلاطون في ذلك هو تصنيف وتنقية شعب الجمهورية لإبقاء الجيد ومعالجة السيئ وهذه نظرة مغالى فيها وترتكب بعض الإثم ضد الإنسانية ولكنها كانت فكرة أشد تقدماً من فكرة مجتمع اليونان الذي كان يدعو أي عنصر غير يوناني بالبربري ويرفض العلاقة الاجتماعية مطلقاً معهم.

ويحدد إفلاطون قوانين معينة تسري على الزوج فيقول على سبيل المثال :

” وهكذا فإنه بالنسبة للنساء نرى أن بإرتكاب رجل لخيانة جنسية ضد زوجته يرتكب خطأ ضد المجتمع بأكمله وسيقوم المجتمع بمحاسبته على ذلك ونبذه وتجريده من حقوق كثيرة”.

وهذا قانون لم يسمع به في الوقت الذي عاش فيه أفلاطون واعتبر تقدمياً جداً.

” وجمهورية أفلاطون ” ترى أن العلاقة الجنسية هي خاضعة للحاجة الجسدية العامة التي تنتج من رغبة الطرفين. هناك تحفظات وقوانين تحددها فيما يتعلق بالزواج والولادة ويحسن جمع الجيد بالجيد والمقبول بالمقبول والضعيف بالضعيف وهذا يتم حدوثه من قبل الحكام والرؤساء لكي نتجنب أي حركة سياسية مضادة ، كما يجب بالنسبة لأفلاطون أن يكون هناك احتفال بالزواج وقرابين ويجب الأخذ بالاعتبار لتأثير عوامل الحرب والمرض على السكان.

ويرى أفلاطون أن علاقة الأطفال بالوالدين لن تكون هي العلاقة التقليدية في “جمهورية أفلاطون ” فكما يدعو هو إلى انعدام الملكية الخاصة في الأراضي يدعو أيضاً إلى أن يكون الأطفال ملكية عامة للمجتمع بمعنى أن يكون المجتمع كله مسؤولاً عن هؤلاء الأطفال لا الوالدين فقط. في “جمهورية أفلاطون” يحل المجتمع محل العائلة في دورها لرعاية الطفل والفرد.

وكنتيجة لهذا التكوين الاجتماعي الجديد نتعرض لمشاكل أقل وأنانية أقل تنمحي مع المستقبل وتجعلنا عرضة لإستغلال اقتصادي أقل يمكن القضاء عليه قضاءً تاماً في المستقبل.

وهكذا نرى أن أفلاطون رغم عيوب كثيرة أخذها النقاد على كتاباته كان ثائراً اجتماعياً في حركته وحليف للمرأة في زمن كانت تباع وتشترى فيه. أحوال المرأة اليونانية في ذلك الوقت أشبه بحال نسائنا في الخليج العربي اليوم حيث ينعدم دور المرأة وينحصر في أضيق إطار. ولعلنا نستفيد بعض الشيء مما ذكره وناقشه أفلاطون وتستنير عقلية اليوم بشيء من نور عقلية الأمس.