- الثلاثاء ديسمبر 23, 2008 8:53 pm
#9990
ابن خلدون
(732ـ808هـ =1332ـ1406م)
هو عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن محمد بن الحسين بن جابر بن محمد بن ابراهيم بن عبدالرحمن بن خلدون الحضرمى الكندى ويلقب بولى الدين.
وهوعربي الاصل يتصل نسبه بقبيلة كندة العربية ، الذى وفد على النبى صلى الله عليه وسلم ، فبسط له رداءه واجلسه عليه ودعا له.
كان والده هذا معدوداً ضمن كبار العلماء.
ولد عبدالرحمن بن خلدون بمدينة تونس في عام 732هـ الموافق 1332م وتوفى عام 808هـ الموافق 1406م ، وتاثر ببيئته ،فصارمن العلماء المرموقين وهو لم يتجاوز العشرين عاماً من عمره ، فقد نشا وهو ذطى بفطرته في بيت اضاء بالعلم والادب ، وفي مدينة كانت تموج باعلام العلماء والادباء ، وقد تلقى العلم عن ابيه اولاً،فحفظ القران الكريم ، وتاثر به كثيراًكما اقبل على مجالس العلماء الاعلام في عصره ، من امثال الابلى.
ولما ظهرت عبقريته في العشرين من عمره، طلبه السلطان "ابو اسحاق "
ان يكون احد افراد بلاطه ، وها دخل ابن خلدون الى عالم السياسة .
وبعد ذلك غادر تونس الى "فاس" فاختاره السلطان هناك ـ واسمه "ابو عنان " ـ للكتابة والتوقيع بين يديه عام 755هـ فقبل ابن خلدون ، لكنه تحمل هذا على كره منه ، ثم وشى به الواشون ، فزج به في السجن ،ولم يخرج منه الابعد وفاة السلطان .
ثم سافر الى بلاد افريقية ، وانتقل بعد ذلك الى الاندلس وافداً على السلطان "ابن الاحمر " بغرناطة ،ولما كان على مقربة منها اتته رسالة من وزيرها
السابق "لسان الدين ابن الخطيب" وفيها تهنئة بمقدمه وسرور بلقياه ،وقد اكرمه السلطان ابن الاحمر ، فاحسن لقياه ، واكرم وفادته ، واختاره سفيراً
بينه وبين ملك الاسبان ، لما يتمتع به ابن خلدون من عذب الحديث واصالة الراى ،مما حببه ايضاً ادى ملك اسبانيا ، لكنه يرك اسبانيا حين ساءت العلاقة بينه وبين الوزير هناك.
وسافر ابن خلدون الى ولاية "بجاية" ونز بها سنة 766هـ وقد قلده السلطان منصب "الحجابة" ،وكان من اكبر مناصب بلاد المغرب ، وهو بمثابة منصب رئيس الوزراء الان .
لكن كثر حساده والواشون به ،فتنكر له السلطان ، فترك المنصب ، واقبل على الاشتغال بالعلم عائداً الى الاندلس مرة اخرى ، فانزله سلطانها ابن الاحمر منزلاً كريماً واحسن اليه وشمله بعطفه ، لكنه قفل عائداً الى تلمسان وهجر السياسة تماماً ،لما جرته عليه من الوبال .
وسافر بعد ذلك الى "مصر" وعمل بالتدريس بالجامع الازهر ،فاتصل به السلطان وولاه قضاء المالكية في مصر ،وكان المعروف ـوقتها ـ ان يلقب كل مذهب بـ "قاضى القضاة" .
ولما اعرض عن توسلات الاعيان وواسطة اصحاب الجاه على حساب الحق والعدل ،بالفظاظة والكبر ،وكادوا له عند السلطان فنالوا منه ، وتم عزله من القضاء ،لكنه اسد اليه مرة اخرى.
وظل ابن خلدون بمصر يعمل بالقضاء حوالى ثلاثة وعشرين عاماً حتى وافاه اجله..
ويعد ابن خلدون من العلماء الاجلاء الذين اتسعت دائرة معارفهم ،وكانوا
المثل الاعلى في كل علم وفن وكان عالماً شرعيا بعيد الغور في العلوم العربية ،محيطاً بالعلوم النظرية ضليعاًفي الفنون الادبية بل ان الشدائد التى
مرت به اخرجت منه مفكراً اسلامياً عبقرياً وفيلسوفاً اجتماعيا مبتكراً وعالماً تاريخيا.
ولذا يعد ابن خلدون بحق مؤسس" علم فلسفة التاريخ " فهو يكتب في التاريخ لا باعتباره بياناً للتطور العقلى والمادى للشعوب .
وكان ابن خلدون يفضل دراسة هذا العالم الذي نعيش فيه على الاشتغال
بالفلسفة والمنطق الصورى لان دراسة العالم قد توصل الانسان الى اليقين
اوما يقرب منه. ويرى ان ما نجد ه فى هذا العالم من وقائع واحداث يمكن
البحث عن برهانها ، والكشف عن عللها واسبابها ، وبقدر ما نستطيع من
كشف علل الاحداث وربط الاجداث بها وردها اليها يكون التاريخ اهلا لان
نسميه " علما وجزءا من الفلسفة ".
ذلك ان التايخ باعتباره علماً او فلسفة تاريخية لايكفى فيه سرد الحوادث فقط
بل لابد من ان يعنى الؤرخ باستطلاع علل الوقائع واسبابها ،وكشف ما قترنت به من اسباب وعلل: على اساس بعيد عن التشيع و الهوى.
وان اكبر قواعد "البحث التاريخى" هى ان الحوادث يرتبط بعضها ببعض ارتباط العلة بالمعلول ، بمعنى ان الوقائع المتشابهة لابد ان تنشا عن ظروف متشابهة او انه فى الظروف المتشابهة تحدث وقائع متشابهة.
ويشير ابن خلدون فى مقدمته ، الى انه اذا سلمنا بصحة الراى القائل بان
طبيعة الناس والجماعات لاتتغير بمرور الزمن، فان معرفة الحاضر معرفة
صحيحة هى خير ما يعين فى الحكم على الماضى ،ومن هنا وجب انقيس ما يصل الينا من اخبار الماضى بمقياس الحاضر ،فاذا روى لنا التاريخ شيئاً مما يستحيل وقوعه لان الماضى اشبه بالحاضر من الماء بالماء.
ويقرر ابن خلدون ان "موضوع علم التاريخ" هو الحياة الاجتماعية وكل
ما يعرض لها من ثقافة مادية او عقلية ذلك ان التاريخ يكشف اعمال الناس
ويبين كيفية تحصيلهم للعيش ومثار تنازعهم فيما بينهم وكيف تكونت الجماعات واصبحت خاضعة لحاكم واحد، وكيف يجد الناس فى حياة التحضر والمدنية مجالا لممارسة الصناعة والعلوم العقلية ،وكذلك اول امرها وليدة ،ثم تزدهر شيئا فشيئاً، ثم لا تلبث الا ان تصير الى الزوال.
وقدم ابن خلدون الحديث عن العمران البدوى لانه اسبق من الدولة والملك
وان العمران البدوى انتقل بعد ذلك الى العمران الحضرى ،وهذا بدوره يستتبع التقدم الضرورى لكسب العيش ،من صنائع مختلفة وضروب متعددة كما يستتبع التقدم الكمالى من علوم وثقافات .
ويمكن القول بان ابن خلدون فى منهجه التاريخى قد اتى بعمل لم يسبقه
غيره اليه ويستحق به ان يسمى فيلسوفاً تاريخيا وباحثاً اجتماعيا مبتكراً.
ولم يفت ابن خلدون في تاريخه ان يركز على ان الانسان مدنى بطبعه لان الله عزوجل خلق الانسان وفطره على صورة لاتصح حياتها وبقاؤها الابالغذاء ،ولا يمكن للفرد ان يحقق لنفسه ما هو ضرورى لحياته وبقائه
بل لابد من استعانته ببنى نوعه فى تحصيل قوته ،اذ لا يصل اليه المطعوم الابعد زرع وحصد ودرس وعجن وخبز وكل هذه الاعمال لا يمكن ان يستقل بها وحده.
كذلك لا يمكنه ان يدفع الاذى عن نفسه الا بالاستعانة ببنى نوعه وايضاً لا يمكنه ان يحقق لنفسه كمال الحياة الا بمعاونة من سبقوه فيه .
وفى مشروعه الفكرى الحضارى يؤكد ابن خلدون على ان الجماعة
الانسانية فى حاجة الى وازع (اى حاكم )يمنع بعضهم عن بعض لما
فى طبائعهم الحيوانية من العدوان والظلم وهذا هو معنى "الحكم" بشرط ان
يكون ذلك الوازع او الحاكم ،واحداً منهم له الغلبة والسلطان عليهم ، فالحكم
فى الانسان طبيعى ايضاً.
ويرى ابن خلدون ان اى دولة فى الدنيا لها عمر طبيعى كالافراد وانه لا يزيد غالباً على مائة وعشرين سنة وفي تلك المدة يمرعلى الدولة ثلاثة اجيال:
جيل البناء والتاسيس ثم جيل المحافظة على ما بناه الجيل الاول ثم جيل الترف والنعيم والغفلة عن الحماية والعمل للدفاع عن الدولة اذا اعتدى
عليها المعتدون.
وذلك الجيل الاخير يستكثر من الموالى ويطلب النجدة من الغير عند وقوع العدوان ويكون هذا ايذانا بهرم الدولة وشيخوختها وزوالها .
ويقرر ابن خلدون هنا قاعدة مستمدة من وقائع التاريخ وهى ان الامم اذا ضعفت استولى عليها غيرها وملكها شعب اخر وان هذا المغلوب مولع ابدا
بالاقتداء بالغالب والتشبه به فى شعاره وزيه وسائر احواله لان النفس تعتقد الكمال فيمن غلبها فتنقاد له .
لكن يجب ان يعلم ان هذا لا يظهر الا فى الامم الجاهلة والشعوب المتاخرة
اما الامم المتعلمة فانها فى مثل تلك الحال لاتنسى مجدها القديم وحضارتها الراسخة.
وكل ما ذكره ابن خلدون بشان الامم المغلوبة انما هو فلسفة اجتماعية مستقاة من وقائع الامم زاحداث الزمن وهو بهذا ينبه الامم المغلوبة الى مصيرها ويدعوها الى اليقظة واطراح الكسل وتجديد الامل بتذكر الماضى الجيد.
وهكذا جاءت مقدمة كتاب ابن خلدون فى التاريخ تعرض علم الاجتماع فى صورة مبتكرة ، مما دعا بعضهم الى ترجمتها الى كثير من اللغات الاوروبية ،وكانت ولاتزال مرجع الباحثين فى علم الاجتماع .
وقد الف "ميكافللى" العالم الايطالى كتابه "الامير"فى علم الاجتماع وهو لا يخرج عما ذكره ابن خلدون فى هذا المجال لكنه لم يعتمد فى بحثه على الوحى والنبوات كما فعل ابن خلدون .
ومن مؤلفاته :
1ـكتاب "التاريخ الكبير"المسمى :العبر ،وديوان المبتدا والخبر ،فى ايام العرب والعجم والبربرومن عاصرهم من ذوى السلطان الاكبر.ط بولاق1274هـ.
2ـ تلخيص كتاب المحصل للامام فخر الدين الرازى.
وقد طبع بعنوان:لباب المحصل فى اصول الدين عام 1952م، بتحقيق الاب لوسيانو روبيو، دار الطباعة المغربية ، تطوان.
3ـ شروح وتلخيصات لبعض كتب ابن رشد الفيلسوف.
(732ـ808هـ =1332ـ1406م)
هو عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن محمد بن الحسين بن جابر بن محمد بن ابراهيم بن عبدالرحمن بن خلدون الحضرمى الكندى ويلقب بولى الدين.
وهوعربي الاصل يتصل نسبه بقبيلة كندة العربية ، الذى وفد على النبى صلى الله عليه وسلم ، فبسط له رداءه واجلسه عليه ودعا له.
كان والده هذا معدوداً ضمن كبار العلماء.
ولد عبدالرحمن بن خلدون بمدينة تونس في عام 732هـ الموافق 1332م وتوفى عام 808هـ الموافق 1406م ، وتاثر ببيئته ،فصارمن العلماء المرموقين وهو لم يتجاوز العشرين عاماً من عمره ، فقد نشا وهو ذطى بفطرته في بيت اضاء بالعلم والادب ، وفي مدينة كانت تموج باعلام العلماء والادباء ، وقد تلقى العلم عن ابيه اولاً،فحفظ القران الكريم ، وتاثر به كثيراًكما اقبل على مجالس العلماء الاعلام في عصره ، من امثال الابلى.
ولما ظهرت عبقريته في العشرين من عمره، طلبه السلطان "ابو اسحاق "
ان يكون احد افراد بلاطه ، وها دخل ابن خلدون الى عالم السياسة .
وبعد ذلك غادر تونس الى "فاس" فاختاره السلطان هناك ـ واسمه "ابو عنان " ـ للكتابة والتوقيع بين يديه عام 755هـ فقبل ابن خلدون ، لكنه تحمل هذا على كره منه ، ثم وشى به الواشون ، فزج به في السجن ،ولم يخرج منه الابعد وفاة السلطان .
ثم سافر الى بلاد افريقية ، وانتقل بعد ذلك الى الاندلس وافداً على السلطان "ابن الاحمر " بغرناطة ،ولما كان على مقربة منها اتته رسالة من وزيرها
السابق "لسان الدين ابن الخطيب" وفيها تهنئة بمقدمه وسرور بلقياه ،وقد اكرمه السلطان ابن الاحمر ، فاحسن لقياه ، واكرم وفادته ، واختاره سفيراً
بينه وبين ملك الاسبان ، لما يتمتع به ابن خلدون من عذب الحديث واصالة الراى ،مما حببه ايضاً ادى ملك اسبانيا ، لكنه يرك اسبانيا حين ساءت العلاقة بينه وبين الوزير هناك.
وسافر ابن خلدون الى ولاية "بجاية" ونز بها سنة 766هـ وقد قلده السلطان منصب "الحجابة" ،وكان من اكبر مناصب بلاد المغرب ، وهو بمثابة منصب رئيس الوزراء الان .
لكن كثر حساده والواشون به ،فتنكر له السلطان ، فترك المنصب ، واقبل على الاشتغال بالعلم عائداً الى الاندلس مرة اخرى ، فانزله سلطانها ابن الاحمر منزلاً كريماً واحسن اليه وشمله بعطفه ، لكنه قفل عائداً الى تلمسان وهجر السياسة تماماً ،لما جرته عليه من الوبال .
وسافر بعد ذلك الى "مصر" وعمل بالتدريس بالجامع الازهر ،فاتصل به السلطان وولاه قضاء المالكية في مصر ،وكان المعروف ـوقتها ـ ان يلقب كل مذهب بـ "قاضى القضاة" .
ولما اعرض عن توسلات الاعيان وواسطة اصحاب الجاه على حساب الحق والعدل ،بالفظاظة والكبر ،وكادوا له عند السلطان فنالوا منه ، وتم عزله من القضاء ،لكنه اسد اليه مرة اخرى.
وظل ابن خلدون بمصر يعمل بالقضاء حوالى ثلاثة وعشرين عاماً حتى وافاه اجله..
ويعد ابن خلدون من العلماء الاجلاء الذين اتسعت دائرة معارفهم ،وكانوا
المثل الاعلى في كل علم وفن وكان عالماً شرعيا بعيد الغور في العلوم العربية ،محيطاً بالعلوم النظرية ضليعاًفي الفنون الادبية بل ان الشدائد التى
مرت به اخرجت منه مفكراً اسلامياً عبقرياً وفيلسوفاً اجتماعيا مبتكراً وعالماً تاريخيا.
ولذا يعد ابن خلدون بحق مؤسس" علم فلسفة التاريخ " فهو يكتب في التاريخ لا باعتباره بياناً للتطور العقلى والمادى للشعوب .
وكان ابن خلدون يفضل دراسة هذا العالم الذي نعيش فيه على الاشتغال
بالفلسفة والمنطق الصورى لان دراسة العالم قد توصل الانسان الى اليقين
اوما يقرب منه. ويرى ان ما نجد ه فى هذا العالم من وقائع واحداث يمكن
البحث عن برهانها ، والكشف عن عللها واسبابها ، وبقدر ما نستطيع من
كشف علل الاحداث وربط الاجداث بها وردها اليها يكون التاريخ اهلا لان
نسميه " علما وجزءا من الفلسفة ".
ذلك ان التايخ باعتباره علماً او فلسفة تاريخية لايكفى فيه سرد الحوادث فقط
بل لابد من ان يعنى الؤرخ باستطلاع علل الوقائع واسبابها ،وكشف ما قترنت به من اسباب وعلل: على اساس بعيد عن التشيع و الهوى.
وان اكبر قواعد "البحث التاريخى" هى ان الحوادث يرتبط بعضها ببعض ارتباط العلة بالمعلول ، بمعنى ان الوقائع المتشابهة لابد ان تنشا عن ظروف متشابهة او انه فى الظروف المتشابهة تحدث وقائع متشابهة.
ويشير ابن خلدون فى مقدمته ، الى انه اذا سلمنا بصحة الراى القائل بان
طبيعة الناس والجماعات لاتتغير بمرور الزمن، فان معرفة الحاضر معرفة
صحيحة هى خير ما يعين فى الحكم على الماضى ،ومن هنا وجب انقيس ما يصل الينا من اخبار الماضى بمقياس الحاضر ،فاذا روى لنا التاريخ شيئاً مما يستحيل وقوعه لان الماضى اشبه بالحاضر من الماء بالماء.
ويقرر ابن خلدون ان "موضوع علم التاريخ" هو الحياة الاجتماعية وكل
ما يعرض لها من ثقافة مادية او عقلية ذلك ان التاريخ يكشف اعمال الناس
ويبين كيفية تحصيلهم للعيش ومثار تنازعهم فيما بينهم وكيف تكونت الجماعات واصبحت خاضعة لحاكم واحد، وكيف يجد الناس فى حياة التحضر والمدنية مجالا لممارسة الصناعة والعلوم العقلية ،وكذلك اول امرها وليدة ،ثم تزدهر شيئا فشيئاً، ثم لا تلبث الا ان تصير الى الزوال.
وقدم ابن خلدون الحديث عن العمران البدوى لانه اسبق من الدولة والملك
وان العمران البدوى انتقل بعد ذلك الى العمران الحضرى ،وهذا بدوره يستتبع التقدم الضرورى لكسب العيش ،من صنائع مختلفة وضروب متعددة كما يستتبع التقدم الكمالى من علوم وثقافات .
ويمكن القول بان ابن خلدون فى منهجه التاريخى قد اتى بعمل لم يسبقه
غيره اليه ويستحق به ان يسمى فيلسوفاً تاريخيا وباحثاً اجتماعيا مبتكراً.
ولم يفت ابن خلدون في تاريخه ان يركز على ان الانسان مدنى بطبعه لان الله عزوجل خلق الانسان وفطره على صورة لاتصح حياتها وبقاؤها الابالغذاء ،ولا يمكن للفرد ان يحقق لنفسه ما هو ضرورى لحياته وبقائه
بل لابد من استعانته ببنى نوعه فى تحصيل قوته ،اذ لا يصل اليه المطعوم الابعد زرع وحصد ودرس وعجن وخبز وكل هذه الاعمال لا يمكن ان يستقل بها وحده.
كذلك لا يمكنه ان يدفع الاذى عن نفسه الا بالاستعانة ببنى نوعه وايضاً لا يمكنه ان يحقق لنفسه كمال الحياة الا بمعاونة من سبقوه فيه .
وفى مشروعه الفكرى الحضارى يؤكد ابن خلدون على ان الجماعة
الانسانية فى حاجة الى وازع (اى حاكم )يمنع بعضهم عن بعض لما
فى طبائعهم الحيوانية من العدوان والظلم وهذا هو معنى "الحكم" بشرط ان
يكون ذلك الوازع او الحاكم ،واحداً منهم له الغلبة والسلطان عليهم ، فالحكم
فى الانسان طبيعى ايضاً.
ويرى ابن خلدون ان اى دولة فى الدنيا لها عمر طبيعى كالافراد وانه لا يزيد غالباً على مائة وعشرين سنة وفي تلك المدة يمرعلى الدولة ثلاثة اجيال:
جيل البناء والتاسيس ثم جيل المحافظة على ما بناه الجيل الاول ثم جيل الترف والنعيم والغفلة عن الحماية والعمل للدفاع عن الدولة اذا اعتدى
عليها المعتدون.
وذلك الجيل الاخير يستكثر من الموالى ويطلب النجدة من الغير عند وقوع العدوان ويكون هذا ايذانا بهرم الدولة وشيخوختها وزوالها .
ويقرر ابن خلدون هنا قاعدة مستمدة من وقائع التاريخ وهى ان الامم اذا ضعفت استولى عليها غيرها وملكها شعب اخر وان هذا المغلوب مولع ابدا
بالاقتداء بالغالب والتشبه به فى شعاره وزيه وسائر احواله لان النفس تعتقد الكمال فيمن غلبها فتنقاد له .
لكن يجب ان يعلم ان هذا لا يظهر الا فى الامم الجاهلة والشعوب المتاخرة
اما الامم المتعلمة فانها فى مثل تلك الحال لاتنسى مجدها القديم وحضارتها الراسخة.
وكل ما ذكره ابن خلدون بشان الامم المغلوبة انما هو فلسفة اجتماعية مستقاة من وقائع الامم زاحداث الزمن وهو بهذا ينبه الامم المغلوبة الى مصيرها ويدعوها الى اليقظة واطراح الكسل وتجديد الامل بتذكر الماضى الجيد.
وهكذا جاءت مقدمة كتاب ابن خلدون فى التاريخ تعرض علم الاجتماع فى صورة مبتكرة ، مما دعا بعضهم الى ترجمتها الى كثير من اللغات الاوروبية ،وكانت ولاتزال مرجع الباحثين فى علم الاجتماع .
وقد الف "ميكافللى" العالم الايطالى كتابه "الامير"فى علم الاجتماع وهو لا يخرج عما ذكره ابن خلدون فى هذا المجال لكنه لم يعتمد فى بحثه على الوحى والنبوات كما فعل ابن خلدون .
ومن مؤلفاته :
1ـكتاب "التاريخ الكبير"المسمى :العبر ،وديوان المبتدا والخبر ،فى ايام العرب والعجم والبربرومن عاصرهم من ذوى السلطان الاكبر.ط بولاق1274هـ.
2ـ تلخيص كتاب المحصل للامام فخر الدين الرازى.
وقد طبع بعنوان:لباب المحصل فى اصول الدين عام 1952م، بتحقيق الاب لوسيانو روبيو، دار الطباعة المغربية ، تطوان.
3ـ شروح وتلخيصات لبعض كتب ابن رشد الفيلسوف.