منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

#47673
أسس وتطور العلاقات الإسرائيلية – الأمريكية

مرت العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية بعدة مراحل، لعب فيها اللوبي الصهيوني دوراً بالغاً ومؤثراً في توجهات السياسة الأمريكية تجاه الصراع العربي ـ الإسرائيلي في الشرق الأوسط بدءاً من قبل إعلان دولة إسرائيل عام 1948 وحتى الآن.

بنيت العلاقات الإسرائيلية ـ الأمريكية على عدة أسس يمكن ذكر أهمها في الآتي:

1. ضمان أمن وبقاء إسرائيل والقناعة بالنظام الديموقراطي بها الذي يشكل الامتداد الحضاري والتكنولوجي الغربي.

2. إسرائيل هي الشريك الإقليمي القادر على تحقيق المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط.

3. حق إسرائيل في الحصول على تعويضات لإقامة ونمو الوطن القومي لليهود والحفاظ على بقائه وفاء لما تعرض له اليهود من اضطهاد على يد النازي.

4. التفوق العسكري الإسرائيلي وما له من ميزة تكنولوجية في مواجهة أيّ ائتلاف عربي، هو ضمان تحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.

5. التعاون الإستراتيجي الإسرائيلي ـ الأمريكي، أصبح يستند إلى تبادل المصالح المشتركة، مع ضمان تحقيق التفوق المطلق لإسرائيل على جيرانها، والتعاون الثقافي بين البلدَين لمواجهة التهديدات المشتركة.

6. ضرورة اعتراف الدول العربية بحق إسرائيل في الوجود داخل حدود آمنة والمرور الآمن في الممرات البحرية، وعدم الضغط على إسرائيل للانسحاب من الأراضي العربية المحتلة.

7. استمرار الالتزام الأمريكي تجاه إسرائيل بدعمها "سياسياً ـ اقتصاديا ـ عسكرياً" وتأييدها في المحافل الدولية لتحقيق أهدافها التوسعية بالمنطقة واستخدامها كعامل ردع ضد الدول العربية.

ويمكن تقسيم مراحل العلاقات الإسرائيلية ـ الأمريكية كالآتي:

أولاً: مرحلة بدء تكوين اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأمريكية

قبل أن تنشأ إسرائيل كدولة، وجد التجمع السياسي اليهودي أولاً في عواصم أوروبا ثم في واشنطن، وكانت الصهيونية حلماً في خيال مجموعة من الأفراد خلال القرن التاسع عشر، اتفقوا على أمر واحد هو أنه لكي يعيش اليهود حياة طبيعية فلا بدّ لهم من نشوء دولة يهودية. ومن هذا المنطلق سعى الزعماء الصهاينة دون كلل أو فتور لإقناع العالم بمساعدتهم في تحقيق هذا الحلم، وكان المؤسس والمحرك الأول للصهيونية السياسية هو "تيودور هرتزل" Theodor Herzl، حيث أصدر هرتزل كتاب الدولة اليهودية "Der Juden Stat" عام 1896 الذي أكد فيه أن حل المشكلة اليهودية لن يكون إلا بإنشاء دولة ذات سيادة، وقال: "إن المشكلة اليهودية ليست مشكلة دينية أو اجتماعية بل هي مشكلة قومية وإن إعادة الشعب اليهودي إلى أرضه هي التي تجعله واقفاً على قدم المساواة مع الشعوب الأخرى وتضع حدّاً نهائياً لشتات اليهود".

وقد بدأت الصهيونية كحركة أوروبية، ويبرهن على ذلك ما أعلنه مؤسس الصهيونية الإصلاحية الأمريكية الحاخام "استيفن وايز" في نهاية القرن التاسع عشر باسم منظمته بالقول:

"إننا نعارض الصهيونية السياسية بحزم وإصرار". وحتى قبيل اندلاع الحرب العالمية الأولى لم يكن عدد أنصار الحركة الصهيونية في الولايات المتحدة الأمريكية يتجاوز العشرين ألفاً من مليونَي يهودي أمريكي ونصف المليون، حتى 2 نوفمبر 1917 حين أصدر آرثر جيمس بلفور وزير الخارجية البريطانية تصريحاً عرف باسم تصريح بلفور Balfour Declaration متضمناً تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، مؤيداً من قبل الرئيس الأمريكي وودرو ولسون Woodrow Wilson، إلا أن ولسون اشترط عدم المساس بالحقوق الدينية لغير اليهود في فلسطين. وفي أواخر أغسطس 1918 بعث ولسون برسالة إلى الحاخام استيفن وايز، رحب فيها بالتقدم الذي أحرزته الحركة الصهيونية في الولايات المتحدة الأمريكية وفي البلدان الحليفة منذ صدور تصريح بلفور، ومن ثم بدأت تتزايد الهجرات اليهودية إلى فلسطين، ونتج عنها تصاعد الاضطرابات الدموية بين اليهود والعرب.

وعلى الرغم من تلك المكاسب التي حصل عليها اليهود، إلا أن الحركة الصهيونية الأمريكية لم تَنْجُ من المعارك الداخلية حيث حدث تباين بينهم، فمنهم من حاول استغلال صداقة الرئيس الأمريكي تيودور روزفلت Theodore Roosevelt من أمثال الحاخام استيفن وايز، لفرض معاونته في إنقاذ اليهود الموجودين في فلسطين بتحويل مسار هجرتهم إلى مستعمرة بريطانية مثل كينيا أو أوغندا إلا أن هذا المقترح، قوبل بالرفض من الكثيرين، على أساس أن فلسطين هي الهدف الأساسي لليهود وهي نقطة الارتكاز التي تبدأ منها سيطرتهم على العالم، ففيها يجب أن تنشأ دولتهم لأنها على حدّ قولهم أرض الميعاد وهي حق لليهود وحدهم.

1. الدور الأمريكي خلال مرحلة نشأة إسرائيل

بدأت العلاقات الأمريكية تتوثق مع المنظمة الصهيونية بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، فقد شكل الرئيس ولسون لجنة للتحقيق في مطالب العرب ولجمع المعلومات وأطلق على هذه اللجنة اسم "لجنة كينج ـ كرين"، وسجل تقرير اللجنة التي قدمت فلسطين عام 1919، رفض سكانها العرب للصهيونية وقررت اللجنة في تقريرها أن البرنامج الصهيوني لا يتفق مع الحقائق ولا مع المبادئ التي أعلنها الحلفاء، كما أوصى التقرير بالحدّ من الهجرة اليهودية إلى فلسطين والعدول عن كلّ خطة ترمي إلى جعل فلسطين دولة يهودية.

وكان موقف الرئيس الأمريكي ولسون حيال تقرير اللجنة وما تضمنه من توصيات موقفاً سلبياً بسبب ضغط الصهيونيين عليه، على الرغم من أنه أبدى في أول الأمر شعوراً طيباً وعادلاً وتمسكاً بالمبادئ حين أصر على ضرورة سفر لجنة التحقيق الأمريكية إلى الشرق من أجل تعرّف رأي العرب في مصير بلادهم. ولذلك بقي تقرير لجنة كينج كرين مشورة غير ملزمة، ثم إن عاملاً جديداً طرأ على الموقف وأطاح توصيات اللجنة، وهو تدخل الاستخبارات الأمريكية في قضية فلسطين لمصلحة الصهيونية، حيث عملت الاستخبارات الأمريكية في الخفاء على تقويض السياسة الأمريكية التي تنادي بإعطاء الشعوب حق تقرير المصير وبدأت تنتهج نهجاً مغايراً تماماً للاتجاه الأول وتقدمت باقتراحات خاصة بالأوضاع السياسية في مناطق الآستانة والمضايق (تركيا ـ أرمينيا ـ العراق ـ سورية ـ فلسطين ـ شبه الجزيرة العربية)، ليسترشد بها الرئيس الأمريكي ولسون عند طرح قضايا هذه البلاد على مؤتمر الصلح في باريس بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى.

وانتهت لجنة الشرق الأدنى التابعة للاستخبارات الأمريكية ـ والمنوط بها إعداد مقترحات محددة لمؤتمر الصلح من وجهة النظر الأمريكية ـ إلى رأي معين ثم اتصلت بالوفد الأمريكي في مؤتمر الصلح وطلبت منه عرض هذه المبادئ على المؤتمر والتي تتلخص في الآتي:

أ. فصل فلسطين عن البلاد العربية المجاورة، لكونها مهداً للكنائس اليهودية والمسيحية، وكانت القدس لسنوات عديدة وفي أوقات متفاوتة عاصمة لكلّ من اليهود والمسيحيين.

ب. وضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني بإشراف عصبة الأمم، لأن سكانها من عناصر متباينة وتعوزهم الخبرة السياسية.

ج. توجيه دعوة ليهود العالم للعودة إلى فلسطين لاستيطانها على أن يكفل مؤتمر الصلح تقديم المساعدات لحماية الحقوق الدينية وحقوق الملكية التي يتمتع بها السكان غير اليهود وأن تتخذ عصبة الأمم سياسة من شأنها الاعتراف بفلسطين كدولة يهودية فور اتخاذها صيغة الدولة اليهودية.

د. وضع الأماكن المقدسة والحقوق الدينية التي تتمتع بها سائر الطوائف تحت حماية عصبة الأمم والدولة
المنتدبة.

وفى أبريل 1920 وافقت الولايات المتحدة الأمريكية في سان ريمو، على معاهدة سيفر التي استهدفت تقطيع أوصال الإمبراطورية العثمانية وتصفيتها وتوزيع ممتلكاتها في الشرق والغرب بين بريطانيا وفرنسا وإيطاليا واليونان، وفيما يختص بفلسطين فقد نصت "المادة 90" على أن يعهد بإدارة فلسطين عملاً بأحكام "المادة 22" من ميثاق عصبة الأمم إلى دولة منتدبة تختارها الدول الكبرى المتحالفة، وأن تكون هذه الدول المنتدبة مسؤولة عن تنفيذ تصريح بلفور بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وأعلن مشروع صك الانتداب على فلسطين في 6 يوليه 1921، وصُودق عليه في 24 يوليه 1922، ووُضع موضع التنفيذ في 29 سبتمبر 1922.

ويُعَدّ صك الانتداب نصراً آخر للصهيونية لأن المادة الثانية منه نصت على قيام الدولة المنتدبة بتهيأة فلسطين سياسياً وإدارياً واقتصادياً بما يضمن إنشاء الوطن القومي اليهودي، كما نصت المادة الرابعة على إنشاء "وكالة يهودية" من أجل تقديم المشورة لسلطة الانتداب والتعاون معها بما يؤدي إلى الإسراع بإنشاء الوطن القومي اليهودي. وخلال هذه المرحلة، ظهر التنسيق التام بين السياسة البريطانية وبين الصهونية من أجل تهويد فلسطين، كما باركت الولايات المتحدة الأمريكية الدور البريطاني من أجل تهويد فلسطين وإنشاء الوطن القومي لليهود، وفي 30 يونيه 1922 قرر الكونجرس الأمريكي، مساندة إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي بفلسطين، مع المحافظة على الأماكن المقدسة والمباني والمواقع الدينية، كما أكد الكونجرس أن الولايات المتحدة الأمريكية ستبذل مساعيها لدى السلطة المنتدبة بجعل أبواب فلسطين مفتوحة لدخول اليهود بحرية إلى ذلك القطر، مع توفير فرصة كاملة لهم للتنمية وبناء الوطن القومي. وفي عام 1934، ومع تصاعد الهجرات اليهودية إلى فلسطين، بدأت الصهيونية في دعم علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، من أجل ضمان تأييد تدفق الهجرات اليهودية، ولم يكن معنى هذا الانحياز قطع الصلة مع بريطانيا، فقد ظل دورها بارزاً في مساندة الصهيونية في فلسطين، وعندما قطعت بريطانيا شوطاً بعيداً في إنشاء الوطن القومي لليهود، رأى زعماء الحركة الصهيونية أن الانتداب البريطاني في فلسطين قد استنفد أغراضه، وبالتالي كان يجب التفكير الجدي في التحول صوب الولايات المتحدة الأمريكية، وفى ضوء نتائج مؤتمر لندن الذي عقد في مارس 1939 بحضور ممثلين عن الفلسطينيين وممثلي الدول العربية (مصر ـ العراق ـ شرق الأردن ـ السعودية ـ اليمن) وممثلي الوكالة اليهودية لبحث المشكلة اليهودية، والذي انتهى بالفشل، وعندما وجدت الصهيونية عزم بريطانيا على تطبيق الكتاب الأبيض الثالث الصادر عام 1939، والذي يحد من الهجرات اليهودية وإنشاء دولة مستقلة في فلسطين خلال عشر سنوات، بادر اليهود إلى نقل مركز الثقل الصهيوني إلى الولايات المتحدة الأمريكية لاقتناعهم بأهمية دورها خلال هذه المرحلة، خاصة بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية.

2. تطور الأحداث خلال الحرب العالمية الثانية والتحول الصهيوني تجاه الولايات المتحدة الأمريكية:

على أثر انتصار  الحلفاء في معركة العلمين، تغير ميزان القوى وتبدلت السياسة العالمية، فانعكست آثار ذلك على القضية الفلسطينية، وانتقل مركز الثقل الصهيوني إلى الولايات المتحدة الأمريكية فقد دعا الصهاينة إلى عقد مؤتمر في فندق بلتيمور في الولايات المتحدة الأمريكية في الفترة ما بين 9 – 11 مايو 1942 لتدارس الموقف، وقد اتخذ هذا المؤتمر عدة قرارات هامة كان أولها شجب السياسة البريطانية تجاه فلسطين والتي نص عليها الكتاب الأبيض الثالث عام 1939، وطالب المؤتمرون بضرورة إدخال مئات الألوف من المهاجرين اليهود الذين وقعوا تحت الاضطهاد النازي واضطرتهم ظروف الحرب إلى ترك منازلهم في ألمانيا.

واتخذ المؤتمر قراراً يقضي بنقل مركز الثقل في النشاط الصهيوني من بريطانيا إلى الولايات المتحدة الأمريكية لكي يستطيعوا ممارسة ضغطهم على الحكومة الأمريكية، لتتولَّى بدورها الضغط على بريطانيا لإلغاء ما جاء بالكتاب الأبيض لعام 1939.

والواقع أن الصهيونية العالمية لم تنقل نشاطها إلى الولايات المتحدة الأمريكية إبان الحرب بسبب الكتاب الأبيض فحسب، بل لأنها شعرت بانتهاء دور بريطانيا العالمي خلال الحرب وإحلال الولايات المتحدة الأمريكية محلها. وفي أثناء المناقشات التي دارت في هذا المؤتمر، أوضح ديفيد بن جوريون أن إنشاء حكومة ثنائية في فلسطين، أو نشوء أيّ حكم يضم العرب واليهود أمر غير ممكن، وأنه ليس هناك إلا حل واحد هو إنشاء الدولة اليهودية في فلسطين، واتخذ المؤتمر ثمانية قرارات هامة عرفت ببرنامج بلتيمور، تنظم العمل في تلك المرحلة وتسعى لتحقيق أهداف الصهيونية، وأصبح برنامج بلتيمور بذلك البرنامج الرسمي للحركة الصهيونية وقد صاحبه ظهور تعديل في إستراتيجية الحركة الصهيونية، فالحركة الصهيونية تعتمد على الولايات المتحدة الأمريكية بالدرجة الأولى، وبدأ الصهيونيون في التحرك لكسب رجال السياسة الأمريكيين إلى جانبهم، وتجلى هذا التأييد المطلق في المذكرة التي قدمها عدد كبير من أعضاء مجلس الشيوخ ومجلس النواب الأمريكي عامي 1942 بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لتصريح بلفور، مؤيدة الوطن القومي اليهودي في فلسطين وممهدة لإنشاء كومنولث يهودي، كما أصدر عدد كبير من الهيئات التشريعية الأمريكية قرارات في مصلحة الصهيونية، وتسابق المرشحون للرئاسة إلى نشر الوعود وإلقاء الخطب والتصريحات وكلّها في مصلحة اليهود.

وفي يناير 1943، التقى مندوبون عن 32 منظمة يهودية لرسم حدود الدور الذي تضطلع به اللجنة الأمريكية اليهودية في عرض مطالب اليهود بعد الحرب والمساعدة على إنشاء الدولة اليهودية في فلسطين، وفي أغسطس 1943 عقد أول مؤتمر أمريكي يهودي يضم 46 جماعة يهودية، حيث تركزت اتجاهاتهم على دعم الصهيونية وتصريحات مؤتمر بلتيمور، وهكذا أصبح للجماعة اليهودية الأمريكية "لوبي صهيوني" مكتمل النمو. ومن أجل توفير الضغط السياسي في إطار المنظمة الصهيونية، أنُشئ "مجلس طوارئ صهيوني" يتولَّى اتخاذ القرارات الهامة في المواقف العاجلة وتعبئة اليهود الأمريكيين في حركة جماهيرية يهودية.

كما لاقى الصهاينة تأييداً كبيراً من مختلف الأوساط الأمريكية، فقد وقّع 5 آلاف قسيس بروتستنتي أمريكي عريضة رفعوها إلى الحكومة الأمريكية والكونجرس، يطالبون فيها بفتح أبواب فلسطين على مصاريعها للهجرة اليهودية، هذا فضلاً عن أن شركات الأنباء ومحطات الإذاعة والصحافة الأمريكية اضطلعت بدعاية واسعة النطاق للدعوة لمشروع إنشاء الدولة اليهودية.

وخلال الدورة الانتخابية لعام 1944، وعد روزفلت بالمساعدة على إنشاء دولة يهودية وإلغاء الكتاب الأبيض، كما وعد بزيادة المعونة لليهود في فلسطين إذا ما نجح في انتخابات الرئاسة كما عرض على الكونجرس الأمريكي مشروع قرار يطالب بفتح فلسطين للهجرة غير المقيدة لليهود، وتأسيس دولة يهودية حرة في فلسطين، وجدد الرئيس روزفلت بعد انتخابه رئيساً للجمهورية في مطلع عام 1945 تعهده لليهود بمساعدتهم على إنشاء دولة يهودية في فلسطين غير أن معارضة مصر والمملكة العربية السعودية وبخاصة بعد لقاء الملك عبدالعزيز آل سعود والرئيس روزفلت، والذي عرض فيه الملك عبدالعزيز على الرئيس الأمريكي تطورات القضية الفلسطينية، فأعطى روزفلت الملك عبدالعزيز وعداً بعدم اتخاذ قرار ضد مصلحة العرب.

وبعد النجاح الذي أحرزه الصهاينة في الولايات المتحدة الأمريكية، وبعد أن ضمنوا تأييد حكومة واشنطن لهم قرروا أن يخوضوا مع سلطات الانتداب البريطاني في فلسطين، معركة مواجهة ضد قوانين تحديد الهجرة اليهودية فبدأوا يباشرون نشاطاً إجرامياً إرهابياً، تشاركت فيه منظمات إرهابية منها شتيرن وإرغون وتسفاي لئومي، فعمدت إلى نسف الجسور وخطف الجنود البريطانيين وإعدامهم. وأخذ عدد اليهود يتزايد يوماً بعد يوم في فلسطين، كما ازدادت أملاكهم، ومُولت هذه الهجرات بواسطة كبار الرأسماليين اليهود من أسرة روتشيلد Rothschild وكذلك البارون "دى هيرش".

في أعقاب الحرب العالمية الثانية وفى ضوء الأحداث التي توالت في فلسطين خلال عام 1945 وأوائل عام 1946وتزايد الهجرات اليهودية إلى فلسطين، اقترحت بريطانيا تشكيل لجنة تحقيق مشتركة إنجليزية – أمريكية تتحرى المشكلة اليهودية ـ الأوروبية وتعيد النظر في القضية الفلسطينية، وقبلت الحكومة الأمريكية الاقتراح البريطاني وأعلنت الحكومتان عن أسماء أعضاء لجنة التحقيق الإنجليزية – الأمريكية، واستمعت اللجنة إلى آراء المهتمين بالمشكلة في واشنطن ولندن، وزارت معسكرات اللاجئين اليهود في ألمانيا وبولندا وتشيكوسلوفاكيا والنمسا وإيطاليا واليونان، كما جالت في فلسطين، وزارت كذلك عواصم سورية ولبنان والعراق والمملكة العربية السعودية وشرق الأردن، وأصدرت تقريرها في 20 أبريل 1946 متضمناً ثلاث توصيات رئيسية:

أ. ضرورة بقاء الانتداب البريطاني في فلسطين لحين الاتفاق على تنفيذ وصاية الأمم المتحدة على فلسطين مع عدم تقسيمها إلى دولة يهودية وأخرى عربية.

ب. السماح فوراً بإدخال 100 ألف لاجئ يهودي من ضحايا اضطهاد النازية والفاشية إلى فلسطين.

ج. إلغاء القوانين المتعلقة بانتقال ملكية الأراضي واستبدالها بقوانين تستند إلى سياسة حرة في بيع الأراضي وإيجارها والانتفاع منها، بصرف النظر عن الجنس أو الملة أو العقيدة، مع حماية صغار الملاك والزراع المستأجرين.

غير أن الحكومتين الأمريكية والبريطانية لم ترفضا توصيات اللجنة ولم تقبلاها كذلك، أمــا العرب فقـد رفضوا توصيات اللجنة خلال اجتماع مجلس الجامعة العربية في دورته غير العادية في بلودان بسورية في يونيه 1946.

وأسرعت الحكومتان الأمريكية والبريطانية في يوليه 1946، إلى تشكيل لجنة تحقيق إنجليزية – أمريكية جديدة، لكي تتحرى الأوضاع بالنسبة لمشكلة الهجرة اليهودية والوضع اليهودي في أوروبا، وتضع تقريراً في مدى 120 يوماً، وكانت اللجنة المشتركة الجديدة تتألف من موظفين رسميين بعكس اللجنة الأولى،وتضمنت توصياتها مشروعاً عرف بمشروع "جرادي ـ موريسون" ودعا المشروع إلى إنشاء دولة اتحادية في فلسطين من العرب واليهود معاً، على أن تضم هذه الدولة مناطق أربعاً: مقاطعة عربية وأخرى يهودية ومنطقة القدس ومنطقة النقب. وأن تكون الحدود بينها مجرد حدود إدارية، تحدد المنطقة التي يسمح فيها بإيجاد هيئة تشريعية محلية وأن تنشأ بها هيئة تنفيذية تتولى تنفيذ القوانين، على ألا يكون لها أيّ مساس بمسائل الدفاع والجمارك والمواصلات والعلاقات الخارجية التي يحتفظ بها للحكومة المركزية، وينشأ في كلّ مقاطعة مجلس تشريعي منتخب، وتتكون هيئة تنفيذية من رئيس وزراء ومجلس وزراء يعينهم المندوب السامي، وبالنسبة لمشكلة الهجرة، اقترح مشروع "جرادي ـ موريسون" أن تجري الهجرة اليهودية إلى فلسطين بموافقة العرب واليهود معاً، بحيث لا تزيد الهجرة على طاقة الاستيعاب الاقتصادي.

وعلى أيّ حال فقد تقدم الوفدان البريطاني والأمريكي باقتراح يتضمن إدخال 100 ألف يهودي إلى المنطقة اليهودية على ألا ينفذ ذلك إلا بعد أن يتقرر تنفيذ البنود الدستورية، واقترح الوفد الأمريكي أن يطلب الرئيس الأمريكي " هاري ترومان Harry Truman" من الكونجرس تشريعاً يقضي بتقديم منح وقروض تصل إلى 300 مليون دولار وترصد لتطوير فلسطين اقتصادياً.

وفي 7 أغسطس 1946، رفض الرئيس ترومان الخطة البريطانية – الأمريكية الجديدة، في الوقت الذي كانت بريطانيا شديدة التخوف من آثار إدخال الـ100 ألف يهودي في فلسطين على وضعها في المنطقة العربية، ومن ثم أعلنت تمسكها بخطة إنشاء دولة اتحادية مع الاستقلال الذاتي الإداري، لكونها أحسن وسيلة لإدخال عدد كبير من اليهود إلى فلسطين.

ورفض ترومان العروض البريطانية في 12 أغسطس 1946، ثم قررت الولايات المتحدة الأمريكية السير في طريق منفصل عن بريطانيا وعدم الاشتراك في المرحلة التالية الخاصة بعقد مؤتمر عربي – بريطاني في لندن لمناقشة خطة الاستقلال الذاتي الإداري، فقد آثر ترومان إرضاء الأقلية اليهودية الأمريكية، وذلك بالإصرار على إدخال الـ100 ألف يهودي من بعض دول أوروبا إلى فلسطين في أقرب وقت دون أيّ حسبان لمخاوف بريطانيا من نتائج اتخاذ هذه الخطوة.

واستمر رأي بريطانيا على أساس إنشاء دولة اتحادية ذات استقلال ذاتي إداري مع الاحتفاظ بحق بريطانيا في وضع قواتها بفلسطين، ولكن الحكومة الأمريكية تمسكت بالتقسيم لكونه أسهل الحلول من حيث التنفيذ وأقلّها ضرراً، وإن كان وزير الخارجية "دين أتشيسون Dean Acheson" أوضح أن حكومته على استعداد لمساندة إنشاء دولة "ثنائية" للتقسيم، إذا ما فشلت بريطانيا في الحصول على موافقة كلّ من العرب واليهود، ورفض كلّ من العرب والصهيونيين تلك الحلول.

وفي 2 أبريل 1947، ومع تصاعد الاضطرابات الدموية بين العرب واليهود في فلسطين، طلبت بريطانيا عقد دورة خاصة للجمعية العامة للأمم المتحدة وإدراج قضية فلسطين في جدول أعمالها، وعينت الجمعية العامة للأمم المتحدة لجنة خاصة لبحث مشكلة فلسطين، التي قدمت تقريرها في 31 أغسطس 1947 واشتمل التقرير على مشروعَين، أحدهما يوصي بنشوء دولتَين عربية ويهودية والآخر يوصي بنشوء دولة اتحادية مستقلة، وتبنت الجمعية العمومية للأمم المتحدة مشروع التقسيم في جلستها المنعقدة في 29 نوفمبر 1947، ولعبت الولايات المتحدة الأمريكية دوراً سياسياً هاماً لتحقيق الأغلبية لمشروع قرار التقسيم.

وفي 12 فبراير 1948، عرضت المسألة على مجلس الأمن القومي الأمريكي، الذي دلل فيه "جيمس فورستال" James Forrestal وزير الدفاع الأمريكي على أن أيّ محاولة تبذلها الولايات المتحدة الأمريكية لفرض التقسيم لا بدّ أن تستتبع تعبئة جزئية للقوات المسلحة في الوقت الذي وجد فيه اتفاق عام على وجوب عدم إرسال القوات الأمريكية لفرض التقسيم.

وفي 24 فبراير 1948 خاطب وارين أوستن ـ رئيس الوفد الأمريكي في الأمم المتحدة ـ مجلس الأمن الدولي، وبين أن ميثاق المنظمة الدولية لا يمنح المجلس صلاحية فرض قرار الجمعية العامة الخاص بالتقسيم، واقترح أن يتفق ممثلو الدول الأعضاء الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن، على ما يجب عمله بعد ذلك وعلى الرغم من أن أوستن لم يعترض حينئذ على التقسيم بوجه خاص، فقد جرى تفسير ملحوظاته على أنها إشارة إلى تفكير الولايات المتحدة الأمريكية في شيء جديد، لهذا امتنع السكرتير العام للمنظمة الدولية – تريجفي لي – ومساعده  رالف بانش عن أن يقدما لمجلس الأمن خطة كانا قد وضعاها بصدد تشكيل قوة دولية مهمتها تنفيذ قرار التقسيم، وصوت مجلس الأمن بالموافقة على اقتراح أوستن، إلا أن ممثلي الدول الخمس الكبرى لم يتوصلوا إلى اتفاق جماعي على الرغم من تقدم ممثلي الولايات المتحدة الأمريكية والصين الوطنية وفرنسا للمجلس بمذكرة جاء فيها أنه لا يمكن تنفيذ التقسيم سلمياً، ومن ثم كان الاقتراح بالتوصل إلى هدنة مؤقتة بوضع فلسطين تحت الوصاية المؤقتة، ولكن هذا التصور الأمريكي لحل مشكلة فلسطين كان متأخراً وأصبح قرار التقسيم حقيقة واقعة، وحينما جاءت اللحظة الحاسمة، التي تمكن فيها " حاييم وايزمان" من أن ينال موافقة الرئيس ترومان على تأييده قرار التقسيم أثناء لقاء بينهم في مارس 1948، حتى كان يوم 14 مايو عام 1948 الذي أعلن فيه "دافيد بن جوريون" نشوء الدولة الصهيونية في فلسطين تحت اسم "إسرائيل" ولم تكد تمضي دقائق معدودة حتى بادر ترومان للاعتراف بها، وهكذا حققت جهود الصهيونية أهدافها التي استمرت نصف قرن. وأعلنت إنجلترا تصميمها على الانسحاب من فلسطين يوم 15 مايو 1948.

ونتيجة لهذا المشروع ساد الاضطراب وحدث المزيد من أعمال العنف، ولكن الأمور كانت تسير لمصلحة الصهيونية على النحو التالي:

أ. وجود تعاطف من الرئيس هاري ترومان مع قضية اليهود المشردين.

ب. وجود بعض الشخصيات التي كانت السلاح السري للصهيونية في البيت الأبيض، مثل "نايلز" المساعد السابق للرئيس الأمريكي " روزفلت"، فلم يكن الرئيس الأمريكي ينشر شيئاً أو يلقي خطاباً دون استشارته في كلّ ما يخص اليهود أو قضية فلسطين؛ بل إنه أبعد العسكريين المعارضين للصهيونية عن وزارة الخارجية.

ج. محاولة التأثير في أصدقاء الرئيس الأمريكي "ترومان" المعارضين للصهيونية في اللجنة الأمريكية الصهيونية وكذا مستشاريه المقربين ومنهم وزير الخارجية، حتى اكتسب تأييده للصهيونية.

ثانياً: مرحلة الصراع العربي ـ الإسرائيلي والدور الإستراتيجي لإسرائيل في الشرق الأوسط (1948-1973)

شهدت هذه الفترة 4 جولات من الصراع العربي – الإسرائيلي منذ إعلان دولة إسرائيل في مايو 1948 وفي حرب أكتوبر1973، وقد أدت هذه الصراعات إلى زيادة مساحة دولة إسرائيل عما قدر لها في قرار التقسيم واختفاء فلسطين، وبروز مشكلة اللاجئين الفلسطينيين والواقع أن جميع الانتصارات التي حققتها الصهيونية في حروبها مع الأمة العربية في النصف الثاني من القرن العشرين، إنما تحققت بفعل ما تلقته من عون من القوى العالمية الكبرى، كانت بريطانيا وراء نشوء الكيان الصهيوني وخروجه ظافراً في حرب1948، وكانت بريطانيا ذاتها مع حليفتها فرنسا وراء انتصار إسرائيل عام 1956، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية هي صانعة نصرها في حرب1967، وفي تغيير كافة التوازن خلال حرب 1973 بعد إمدادها بجسر من السلاح.

والواقع أن الولايات المتحدة الأمريكية قد بنت إستراتيجيتها منذ منتصف القرن العشرين على أساس وراثة الإمبراطوريتَين البريطانية والفرنسية وأخذ مكانهما بمنطقة الشرق الأوسط ومنذ ذلك الحين انتقلت الهيمنة من الدول الغربية إلى يد الولايات المتحدة الأمريكية بصفة مطلقة وأخذت مكانها على قمة النظام الرأسمالي العالمي، خاصة بعد امتلاكها للقدرات النووية، وأصبحت الإستراتيجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط يحكمها مبدأ توازن القوى أو التوازن الدولي الذي أصبح يتحكم في العلاقات الدولية إلى درجة كبيرة بحيث أصبح عاملاً حاسماً للتحكم في مصير السلام أو الحرب.

التقت الإستراتيجية الأمريكية مع الدور الإستراتيجي الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط، والذي يستطيع أن يحقق المصالح الأمريكية من خلال التوافق المشترك على المبادئ التالية:

1. تشجيع تدابير الدفاع الإقليمي ضد الاتحاد السوفيتي، وإنشاء تكتلات دفاعية في منطقة الشرق الأوسط ضد محاولات التوسع السوفيتي.

2. المحافظة على أمن إسرائيل ضد أيّ عدوان من جيرانها ودعمها عسكرياً واقتصادياً ومادياً من أجل تحقيق التفوق على العرب.

3. نشر الديموقراطية بين بلدان المنطقة، لتهيئة الظروف الكفيلة بتحقيق الاستقرار بين دول منطقة الشرق الأوسط، ومحاولة تحقيق السلام بين العرب وإسرائيل بما يتناسب مع المطالب الإسرائيلية.

4. الضغط على الدول العربية من أجل الاعتراف بدولة إسرائيل وإنشاء علاقات كاملة معها.

5. تصنيف الولايات المتحدة الأمريكية هي الحليف الرئيسي لدولة إسرائيل.

6. تخزين المعدات العسكرية الأمريكية بالأراضي الإسرائيلية لسرعة الفتح الإستراتيجي لقواتها للتدخل في مناطق الأزمات بمنطقة الشرق الأوسط.

7. تأمين حصول الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها على إمدادات البترول من منطقة الشرق الأوسط.

هذا ويمكن تقسيم هذه الفترة الزمنية (1948 – 1973) إلى فترتَين كالآتي:

1. الفترة الأولى: توثيق المعلومات الإستراتيجية الإسرائيلية ـ الأمريكية(1948 – 1967)

خلال الفترة من "1947 – 1948"، كانت الإدارة الأمريكية للأزمة بين العرب وإسرائيل، إدارة معقدة ومترددة، حيث كانت تخشى أن يفضي مشروع تقسيم فلسطين إلى نتائج سلبية تؤثر عليها، ومن ثم حذرت التقارير الصادرة عن وزارتَي الخارجية والدفاع الأمريكيتَين خلال يناير وفبراير 1948من أيّ مشاركة أمريكية في تنفيذ التقسيم على الأرض. وعلى الرغم من ذلك فإنه كانت هناك آمال عريضة في نجاح وإقرار التقسيم ونشوء الدولة اليهودية بفلسطين، وذلك كما ورد في المذكرة السرية التي وجهها وزير الدفاع الأمريكي إلى مجلس الأمن القومي الأمريكي في 16 مايو 1949 تحت عنوان " المصالح الإسترايتيجة الأمريكية في إسرائيل" حيث تبين أن لإسرائيل علاقات وثيقة بالولايات المتحدة الأمريكية نتيجة وجود أغلبية يهودية أمريكية كبيرة وقوية النفوذ، وقد ورد بهذه المذكرة أن إسرائيل تمثل أهمية إستراتيجية كبرى من المنظور الأمريكي فيما يتعلق بموقعها المركزي الهام في الشرق الأوسط.

وتكشف تطورات النصف الأول من الخمسينيات، تأكيد الولايات المتحدة الأمريكية أهمية إسرائيل في الإستراتيجية الأمريكية وتأكيد هذا المفهوم للجانب العربي وذلك من خلال:

أ . اعتزام الولايات المتحدة الأمريكية الحفاظ على تفوق إسرائيل الإقليمي الرادع في مواجهة الدول العربية، على الرغم من أنها كانت تتمنى التوصل إلى مصالحة عربية ـ إسرائيلية، تستهدف تعبئة الطرفَين ضد الاتحاد السوفيتي.

ب .تبني الرئيس الأمريكي في 19 مايو 1950 تقريراً سرياً صادراً من مجلس الأمن القومي الأمريكي رقم (65/3) يوصي بالنظر بعين العطف للطلبات التي يمكن أن تتقدم بها إسرائيل لشراء تجهيزات أسلحة تكفي لردع هجوم يأتيها من وراء الحدود.

ج. تصريح جون فوستر دالاس وزير الخارجية الأمريكي في اجتماع عقد بالبيت الأبيض برئاسة الرئيس الأمريكي "أيزنهاور" عام 1956 بقوله :"لا تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية الانضمام إلى حلف بغداد دون أن تعطي لإسرائيل ضمانة أمنية".

د. عدم اعتراض الولايات المتحدة الأمريكية على تزويد إسرائيل بالسلاح من كندا وفرنسا أو أيّ دول أخرى، بينما أبدت اعتراضاً عند عقد صفقة أسلحة تشيكوسلوفاكية مع مصر عام 1955.

هـ.التخلِّي عن أولوية حلف الأطلسي في الحصول على طائرات ميستير الفرنسية لمصلحة إسرائيل.

و . نقل الخبرة الصناعية الأمريكية إلى الصناعة العسكرية الإسرائيلية، على أساس أنه مدخل لنقل تكنولوجيا إنتاج الأسلحة، علاوة على وجود نسبة كبيرة من الخبراء العسكريين من اليهود الأمريكيين بالجيش الإسرائيلي.

ز. استمرار التعاون على مستوي الاستخبارات، فقد كان الموساد الإسرائيلي في أبريل عام 1956، أول من قدم لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية نسخة من خطاب خروشوف السري الذي كان قد ألقاه قبل ذلك بشهرَين في مؤتمر الحزب الشيوعي السوفيتي العشرين.

ح. الضغط الأمريكي على إسرائيل لتحقيق انسحاب سريع من منطقة قناة السويس وسيناء بعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، حيث حذر الرئيس الأمريكي أيزنهاور من أنه إذا كان هناك تلاق في المصالح بين إسرائيل وبين بريطانيا وفرنسا، فإن مستقبل إسرائيل وقدرتها مرتبطان بالولايات المتحدة الأمريكية، وفي سبيل ذلك حصلت إسرائيل على الترخيص الصريح لاختلاس اليورانيوم المخصب من مصنع أبولو في بنسلفانيا لاستخدامه في برنامجها النووي، علاوة على حق مرور سفنها في خليج العقبة.

ويمكن القول أن مواقف إدارة الرئيس أيزنهاور (1953 – 1961) قد غلبت فيها المصالح القومية الأمريكية على الأهداف الصيهونية، ولكن مع تصاعد تيار القومية العربية وتعاظم القوة الثورية في مصر، ومع تصاعد الحرب الباردة بين واشنطن وموسكو، صورت النخبة الحاكمة - وخاصة أعضاء الكونجرس - إسرائيل، بأنها الحليف الوحيد للولايات المتحدة الأمريكية، والذي يمكن الاعتماد عليه للمحافظة على المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، فكان ذلك نقطة تحول في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه إسرائيل، بل عُدَّ الأساس الذي بنيت عليه علاقاتهما خلال تلك الفترة.

2. الفترة الثانية: الصعود الساحق في منزلة إسرائيل الإستراتيجية (1967 – 1973)

أ . خلال النصف الثاني من عقد الستينيات، اكتسبت نظرية العون الإستراتيجي تأييداً واسعاً في الولايات المتحدة الأمريكية وكان الحدث الهام الذي أدى نهائياً وجذرياً إلى تغيير طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل هو حرب يونيه 1967، بل إن العدوان الإسرائيلي في الخامس من يونيه 1967 حصل على التأييد الأمريكي من خلال الدلالات التالية:

(1) طلب إسرائيل الحصول على دعم أمريكي بعد التدابير المصرية المعلنة، مثل سحب القوة التابعة للأمم المتحدة من سيناء، وإغلاق خليج العقبة أمام السفن الإسرائيلية المتجهة إلى إيلات.

(2) إعطاء واشنطن الضوء الأخضر لإسرائيل تفادياً لتجربة حرب عام 1956، حيث أعلن الرئيس الأمريكي "ليندون جونسون" بأنه ليس في وسعه أن يغفل عن أوضاع تترتب على أعمال لم نستشر فيها.

(3) تكرار التعهد الأمريكي التقليدي إزاء إسرائيل كما ورد في المذكرة السرية التي صدرت بتاريخ 19 مايو 1967 تحت عنوان "التعهدات الإسرائيلية ـ الأمريكية" عن مستشار الأمن القومي إلى الرئيس الأمريكي، والذي قال فيها :" إن تعهدنا الرسمي العلني الأساسي تجاه إسرائيل، قد أعرب عنه الرئيس جون كيندي خلال مؤتمر صحفي في 28 مايو 1963 عندما قال : "إننا ندعم أمن إسرائيل وأمن جيرانها".

(4) إرسال جونسون إلى عبدالناصر رسائل عبر موفديه الرسميين وغير الرسميين، عندما علم بالمبادرة العسكرية الإسرائيلية، وكانت تستهدف تحقيق نوع من الخداع، والتي اعترف بها محمود رياض وزير خارجية مصر، بأنه صدَّق تأكيدات الرئيس الأمريكي للحدّ الذي دفعه للاعتقاد بأن إسرائيل لن تهاجم، ويضيف قائلاً إنه لم يتنبه إلا في وقت متأخر جداً لعملية الخداع الكبرى التي مثلتها رسائل الرئيس الأمريكي جونسون.

(5) المساندة الأمريكية في صورة طلعات استكشافية نفذتها طائرات (أف – 4سي) فوق الأراضي العربية، خلال الفترة من 5 – 12 يونيه 1967.

(6) شحن جوي لمجموعة متنوعة من منظومات الأسلحة سراً، مع التصريح علناً باستمرار حظر شحن الأسلحة إلى الشرق الأوسط في 23 مايو 1967.

ب. ومن ثم فإن العلاقات الإستراتيجية الأمريكية- الإسرائيلية خلال أزمة 1967 توضح الآتى:

(1) أن وقائع الأزمة ومجرياتها والتي اختُتِمَت بالحرب تشير لوجود علاقة أمريكية متميزة مسبقة.

(2)  تفاهم إسرائيل مع الأمريكيين على أهداف الحرب وعلى بعض أشكال المساعدة العسكرية التي ستتلقاها طوال فترة الحرب.

(3) قرار الحرب هو قرار إسرائيلي، سمحت به الولايات المتحدة الأمريكية بصورة جدية عندما وجدت أن إسرائيل تستطيع أن تُحرز نصراً سريعاً لإسقاط النظام الحاكم أو إضعاف هيبة مصر في العالم العربي وتدمير الأسلحة السوفيتية بالجيش المصري.

(4) ظهور الولايات المتحدة الأمريكية بمظهر من يحمل حليفاً على الاعتدال خير من الظهور بمظهر من يحث أداة طيعة على العمل ضد القومية العربية وضد دول تسلحها موسكو.

ج. وقد أدت هذه الأزمة إلى العديد من المؤشرات في العلاقات الإسرائيلية ـ الأمريكية:

(1) أصبح لإسرائيل دور محوري في منطقة الشرق الأوسط، وزيادة هيبتها في المنطقة كدولة قادرة على تحقيق الأهداف الأمريكية وحماية مصالحها.

(2) أصبحت إسرائيل أداة لتنفيذ الإستراتيجية الأمريكية.

(3) أصبحت العلاقات الإسرائيلية ـ الأمريكية وثيقة وحميمة، وقفزت المعونة الاقتصادية الأمريكية لإسرائيل من 15 مليون دولار عام 1967 إلى 75 مليون دولار في عام 1968.

(4) تحول السياسة الأمريكية في عهد جونسون من الموقف الرافض لاحتلال الأرض باستخدام القوة – والذي تمسكت به الإدارات الأمريكية منذ عام 1949 – إلى قبول ما فعلته إسرائيل في عام 1967.

(5) تطور الرؤية الأمريكية تجاه إسرائيل، لكونها – أيْ إسرائيل – المجتمع الديموقراطي الوحيد في المنطقة فقد رأت أنها تمثل نموذجاً للتقدم والتنمية تحتاج إليه كلّ الأقطار العربية نفسها، وبذلك فإن نمو إسرائيل المستمر هو "مصلحة حيوية أمريكية" وهي رؤية نراها قد تخطت الرؤية السابقة بكثير، وقد انعكست تلك الرؤية على تعامل الرؤساء الأمريكيين سواء قبل انتخابهم أو بعده بتأكيد أمن إسرائيل ووجودها وضمان تفوقها العسكري على الدول العربية من خلال حصولها على أرقى نظم التسليح التقليدي والغير تقليدي.

(6) إبراز الولايات المتحدة الأمريكية كدولة عظمى صاحبة اليد الطولى في تقرير السياسة الدولية، وتأكيد عدم جدوى الاعتماد على الاتحاد السوفيتي.

د . وتشير كلّ الدلائل إلى فكرة أن سياسة دعم إسرائيل هي سياسة مجزية وتتفق معها كرصيد إستراتيجي ويؤكد ذلك كلّ التطورات والمؤشرات التي تلت وفاة جمال عبدالناصر في سبتمبر 1970، إذ مُدِّد وقف إطلاق النار على القناة لفترة غير محدودة، واعتمد الرئيس الأمريكي نيكسون التوجهات التالية:

(1) ضمان قدرة الدولة العبرية على الردع.

(2) وعد إسرائيل بعدم إكراهها على المشروع في مسار تسوية النزاع العربي – الإسرائيلي وبما لا يتوافق مع مصالحها.

(3) جعل جهود روجرز المتواصلة أمراً لا طائل فيه.

هـ. ويعني ذلك أن ما كان تحقق من قبل هو نتيجة لقيود وضغوط متناقضة مع ما يقرره أصحاب القرار الرئيسيين داخل السلطة التنفيذية، ولكنه أصبح الآن سياسة مقصودة يرددها المقررون الرئيسيون وعلى سبيل المثال فإن:

(1) ضغط اللوبي اليهودي، أصبح غير ضروري لأن الإدارة الأمريكية باتت مقتنعة بالدلالة الإستراتيجية للأسلحة التي تطلبها إسرائيل.

(2) ارتفاع الاعتمادات العسكرية الأمريكية المخصصة لإسرائيل من 30 مليون دولار عام 1970 إلى 545 مليون دولار عام 1971.

(3) توقيع اتفاق سري بين البلدَين في ديسمبر 1970، يدور حول تبادل المعلومات في المجال العسكري، وقد كشف النقاب عن هيئة المحاسبة العامة في تقرير صدر في يونيه 1983 بشأن المعونة الأمريكية لدولة إسرائيل وتضمن هذا الاتفاق إتاحة وتسهيل تبادل المعلومات المتعلقة بتنمية العلاقات الإسرائيلية ـ الأمريكية في مجال التصنيع الحربي، خاصة المعدات الإلكترونية الحديثة وأسلحة جو/جو وجو/أرض المتطورة وأجهزة الرصد والمراقبة والمعدات الثقيلة.